19 أبريل 2025

د.خالد شوكات: رُهاب الإخوان المسلمين..!

د.خالد شوكات

شخصيا كنت أتمنى لو لم تتأسس جماعة الإخوان المسلمين لدواعي ليس هنا مجال التفصيل فيها، لكنني في الوقت نفسه على يقين من أنه لو لم تتأسس هذه الجماعة لقام المسلمون أو بعض المسلمين بتأسيس جماعة أخرى تشبهها لتقوم بوظيفة مماثلة أو مشابهة لما قامت به هذه الجماعة طيلة أكثر من تسعين عاماً، سواء في موطنها الأصلي مصر أو في سائر بلاد العرب والمسلمين، فما من أمة أو شعب أو بلد في العالم يخلو من جماعة أو حركة أو طائفة تعبّر عن الرؤية الدينية، حتى لدى الامم والشعوب والبلدان التي أصبح “اللادينيون” يشكلون فيها الغالبية المطلقة، فالدين والوطن والعدالة والحرّية بالنسبة للاجتماع الانساني، هي تماما كالماء والهواء والنار والتراب بالنسبة للوجود الطبيعي.

تدور الان معركة بعيدة تماما عن مقتضيات العقل والعلم والسلوك الديمقراطي القويم، يهدف أحد أطرافها الى نشر “رُهاب الاخوان المسلمين” لتحقيق غايات سياسية محضة لا صلة لها بمصلحة الوطن أو الدين، والحال ان ترك الاخوان المسلمين يخوضون تجارب الحكم، على نحو ما يقع في تونس أو المغرب منذ سنين، سيحوّل الظاهرة البعبع الى حالة طبيعية تعبر عن فئة من المواطنين وتظهر عليها عيوب البشر بدل حالة “العصمة” التي كان أعضاؤها يضفونها عليها أو حالة “الشيطنة” التي يجتهد أعداؤها وخصومها لتلبيسها بها.

عندما تكون الأوضاع طبيعية، بمقدور الباحثين في شؤون جماعة الاخوان المسلمين ان يخضعوها لمبضع التشريح العلمي، فآلاف الاطروحات الجامعية والبحوث والدراسات والكتب، نشرت بشتى اللغات وفي جميع القارات ومن اعرق الجامعات ومراكز الدراسات حول هذه الجماعة وشيوخها ومؤسسيها وأفكارها وتوجهاتها وبرامجها ونقاط قوتها وضعفها وفروعها وتنظيماتها والمنشقين عنها والمتحالفين معها، وهي حالة دراسية بامتياز لكثرة التجارب التي عاشتها والمراحل التي قطعتها والمتغيرات التي عرفتها والمتناقضات التي ميّزت مسيرتها، لدرجة يمكن القول بخصوصها أن تاريخها يؤكد وجودها الكُلِّي وينفيه في الوقت ذاته.

ومن أوجه الجهل العلمي بخصوص الجماعة، أو الجهل المقصود لاعتبارات سياسية محضة، هو الخلط بين الإخوان وكل أمر يحمل الصفة الاسلامية، تماما كما الخلط بين الاسلام والجماعات الاسلامية، او الدمج بين الاخوان المسلمين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يوجد من بين وجوهه البارزة من لم ينتم يوما للإخوان على غرار الدكتور أحمد الريسوني المغربي أو الشيخ عبد الله بن بيّة الموريتاني، بل ان الشيخ يوسف القرضاوي نفسه لم يكن الا لفترة قصيرة من شبابه إخوانيا وقد خرج عليهم منذ الستينيات ورسم لنفسه خطا مختلفا بمعية الدكتور محمد الغزالي رحمه الله، حتى ان الشيخ القرضاوي استقبل رسميا من قبل نظام الرئيس بن علي وحلّ ضيفا مبجّلا على التجمع الدستوري الديمقراطي.

الإخوان المسلمون ظاهرة من الظواهر البارزة في التاريخ المعاصر، الى جانب ظواهر سياسية اخرى طبعت ردحا من القرن العشرين خاصة، كحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب الناصرية والحزب الشيوعي الذي كان له فروع في جلّ البلدان العربية، وقد كان من بين الشخصيات التي مرت بالجماعة رموز اشتهرت لاحقا بخلافها الشديد معها كالرئيس المصري جمال عبد الناصر والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، كما أفرزت الجماعة انواعا متناقضة من الانشقاقات كحزب التحرير الذي خرج من عباءتها، وكذاك الجماعة الاسلامية وجماعة التكفير والهجرة التي ستنتج لاحقا اشد الحركات الاسلامية تطرفا وعنفا ودموية.

وعلى مر العقود والانظمة المتعاقبة، تأثرت الجماعة بالواقع الذي تعيش فيه، فخلال الزمن الملكي كانت ملكية حتى اغتال بعض أفرادها النقراشي باشا، ثم كانت ثورية حتى محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية، وتعاونت مع السادات حتى جرى اغتياله على يد احد الجماعات المتطرفة المنشقة عنها، وتعايشت مع نظام مبارك حتى واجه الثورة الشعبية، وهي التي كانت سببا في وصول الرئيس السيسي الى الحكم بقرارها تنصيبه وزيرا للدفاع حتى انقلب عليها، ولم تعرف لها دعوة واضحة وصريحة للخروج على نظام الحكم تقريبا، الا اذا اعتبرنا ان الجماعات العنيفة المنشقة عنها تشكل جزءا منها، وهذا ادعاء قد يقبله المسيسون ولكن الباحثين والدارسين لا يقبلونه.

أما فيما يتصل بسيرة فروعها في البلدان العربية والإسلامية، والتي قرر قادتها في غالبيتهم فكّ الارتباط التنظيمي بها والانخراط في المقاربات الوطنية، فقد تباينت من بلد الى اخر، من الذين أصبحوا جزءا من النظام القائم في بلادهم كما كان الحال في الاردن والمغرب والكويت واليمن قبل الثورة وتونس بعد الثورة، الى الذين اختاروا المعارضة السلمية الديمقراطية لأنظمتهم كالجزائر وموريتانيا ولبنان وتونس قبل الثورة، وفيّ كل الاحوال فان الثابت هو ان جمع جميع الحركات الاسلامية الناشطة في مختلف البلاد العربية في سلة واحدة هو احد تجليات الظاهرة المرضية “رهاب الاخوان المسلمين”.

واما في يتعلق بالجماعة خارج المجال العربي، فان قادة الجمهورية الاسلامية الايرانية لا ينكرون تأثر نهضة الامام الخميني بفكر الاخوان المسلمين، خصوصا فكر شهيدهم السيد قطب، وهو الأمر نفسه الذي يقرّه مؤسس الحركة الاسلامية التركية المعاصرة المهندس نجم الدين أربكان وخليفته الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان، وعموما فقد تمكن كلاهما، اي تركيا وإيران، من نحت مكانة خاصة في المنطقة ولعب دور إقليمي هام.

لقد ارتبط ظهور جماعة الاخوان المسلمين بنظريات متعددة، الى درجة التناقض، بين من يراها رد فعل طبيعي على انهيار الخلافة الاسلامية في نسختها العثمانية الاخيرة، ومن يقول انها صنيعة الاستخبارات البريطانية لتعميق أزمة الامة العربية، وبصرف النظر عن هذه الاطروحات المتباينة، تظل الحقيقة الثابتة ان الاخوان المسلمين عائلة سياسية كبرى تمثل تيارا فكريا وسياسيا رئيسيا اتباعه بالملايين، تماما كما بقية التيارات الكبرى المعروفة، كالقوانين العرب واليساريين والوطنيين والليبراليين، وَكما يبدو من العقلانية رفض رواية “الجماعة الصالحة” عنهم، يبدو رفض رفض رواية “الجماعة الشيطانية” في حقهم، فهم جزء من واقعنا وليس ثمّةَ اسلم من ادارة اختلافنا معهم بقبولهم والتعايش معهم وتطوير العيش المشترك في إطار التنافس السلمي الديمقراطي على الحكم مع الاحزاب التي تمثلهم، فرُهاب الاخوان المسلمين سلعة تروّجها أطراف داخل الوطن وفي الإقليم والعالم ليست غايتها خافية على أحد.

كلمة أخيرة يجب أن تقال، وقد أكدها الرئيس الامريكي باراك اوباما في مذكراته المنشورة مؤخرا، أن محاولة البعض تصوير جماعة الاخوان المسلمين باعتبارها جزءا مما يسميه البعض “مؤامرة الربيع العربي”، هي نتاج محاولات دؤوبة لتشويه حركات شبابية غير متوقعة كانت غايتها الاصلاح، بجعلها مجرد صنيعة أمريكية، في حين كشف اوباما تفاجؤ ادارته بما جرى في تونس قبل عشر سنين، ورغبة هذه الادارة في استمرار النظام المصري آنذاك مع اجراء بعض الاصلاحات المطلوبة خوفا من وصول الاخوان المسلمين الى السلطة باعتبارهم قوة المعارضة الوحيدة القادرة على سد الفراغ، ولهذا فان تعامل الأمريكيين مع حكم الجماعة القصير لاحقا كان من باب الواقعية وليس من باب التحالف، والا لما سقط الاخوان بتلك السرعة القياسية المدوّية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.