د.أحمد القديدي: الإتحاد المغاربي صنعته الشعوب وعطلته الحكومات!

د.أحمد القديدي
كأنما العالم العربي تنقصه بؤرة أخرى للتوتر و العنف و ربما الحرب حتى تفاجأنا على الحدود المغربية الموريتانية “الصحراوية” نذر خلاف عميق يهدد السلم الهش الذي استقر بين دول المغرب العربي منذ ما سمي بحرب الرمال بين المملكة المغربية والجزائر بسبب ملف البوليزاريو (حركة تحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب) وهي الأزمة التي نشأت بعد جلاء القوات الأسبانية من تلك الربوع الصحراوية عام 1974 ثم أعلن الملك الراحل رحمه الله الحسن الثاني عن (المسيرة الخضراء) التي وضعت حدا للصراع المسلح لكنها لم تنه أزمة عميقة بين الرئيس الراحل رحمه الله هواري بومدين والحسن الثاني واليوم تحركت القضية بشكل مخيف و غير متوقع وأصبح الصدام ممكنا بين دولتين كبيرتين هما قلب المغرب العربي وشكل الخلاف بينهما تعطيلا قاسيا لتوحيد هذه الدول الخمسة التي يجمع بينها تاريخ و دين وجغرافيا و كفاح مشترك ضد الإستعمار وخسرت الشعوب بهذه الأزمة ما كسبته من استقلالها واستعادة سيادتها و ما دفعته من دماء شهدائها و تضحيات أبنائها خلال عقود من الكفاح الوطني ثم تعطل مسار تنميتها وجفت منابع إستثماراتها و أغلقت الحدود بين الشقيقتين بلا أمل العودة للسلام و التكامل المنشود. اليوم يستيقظ شبح المواجهة العسكرية التي لا تخدم إلا أعداء العرب و المسلمين.
و نذكر بالتاريخ لأن السابع من فبراير عام 89 كان حدثاً تاريخياً حينما اجتمع قادة دول المغرب العربي في مراكش وأعلنوا إنشاء اتحاد المغرب العربي. تميزت معاهدة مراكش آنذاك بعمومية أهدافها فلم تشر إلى وحدةٍ جمركية أو اقتصادية على غرار الاتحاد الأوروبي ولم تحدد مفهوم المغرب العربي ولا حدوده الجغرافية وحتى أن الصفة العربية لم تعتبر ميزة خاصة أو معياراً لقبول أو رفض عضوية دولٍ أخرى و كان الاتحاد قد أُنشأ أصلاً لتطوير التعاون الإقليمي ومواجهة أوروبا الشريك الرئيسي لبلدان المغرب العربي بدول موحدة و بصوت واحد ومواكبة عصر التكتلات الإقليمية في العالم إلا أن هذه الهواجس لم تكن كافية لضمان السير العادي لمؤسسات الاتحاد المغاربي فتوتر العلاقات بين الجزائر والمغرب بحكم ثقلهما السياسي والاقتصادي شلَّ عمل الاتحاد منذ البداية وتتمثل الأزمة بين البلدين في الثمانينات و التسعينات في التعاطي مع ملف الجماعات الإسلامية ونزاع الصحراء الغربية فالمغرب يشترط تسوية قضية الصحراء الغربية للشروع في تعاونٍ وطيد لاتحاد المغرب العربي أما الجزائر فترى أن نزاع الصحراء الغربية يجب أن يُفض بين الطرفين المعنيين المغرب و جبهة البوليزاريو في إطار تسوية سياسية طبقاً لقرارات الأمم المتحدة كما تشترط على المغرب أن تتخذ المملكة الإجراءات اللازمة حتى لا يكون المغرب قاعدة خلفية للجماعات الإسلامية المسلحة.
قال الصديق الحقوقي الجزائري سعد جبار: أكبر إخفاق في التاريخ السياسي للمنطقة هو إخفاق في إيجاد تكتل على الأقل اقتصادي في المنطقة بين شعوب هي في الواقع شعب واحد سواءٌ عقائدي من ناحية الدين الإسلامي و من ناحية المذهب سنيون ومن ناحية المدرسة الفقهية مالكيون، وكلهم عرقياً عرب وأمازيغ وجغرافياً ليس هناك حدود طبيعية من نوع الجبال أو الأنهار خاصة بالنسبة للمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا استعمروا من نفس الاستعمار، و شاركوا جميعا في حروب بعصهم التحريرية مع ليبيا التي كانت تحت الإستعمار الإيطالي و هم يطلون جميعا على كتلة اقتصادية وسياسية هامة ألا وهي أوروبا المتحدة ومع ذلك فإن الأنظمة القائمة أخفقت إخفاقاً كبيراً في تجسيد أي تنظيم اقتصادي فاعل و بعيد عن السياسة!
هو حدث تاريخي فعلاً عندما اجتمع الرؤساء في فبراير 89 وكنا متفائلين بل وتذكرنا حدثا تاريخيا سبق هذا اللقاء وقع في مارس 1947 عندما التقى في القاهرة كل من الحبيب بورقيبة التونسي و مصالي الحاج الجزائري وعلال الفاسي وعبد الكريم الخطابي الزعيمان المغربيان واتفقوا على إيجاد مكتب موحد للمغرب العربي ينسق الجهود من أجل نيل استقلال الشعوب المغاربية ومشروعهم كان الاستقلال ونجحوا ثم اجتمع القادة التاريخيون في طنجة عام 1958 فلماذا نجحوا هم وفشل الزعماء الذين جاؤوا بعدهم؟
الفرق الشاسع بين زعماء 1947 و قادة 1989 هو أن الشعوب كانت هي التي تحرك الزعامات زمن حركات التحرير و لعل غياب الشعوب بعد الإستقلال من المشاركة الحقيقية هو الذي ترك الأبواب مشرعة للأمزجة و العواطف الشخصية و الحسابات السياسوية لتعطل كل طموحات الشعوب للوحدة و دخول التاريخ! والدعوة موجهة اليوم عام 2020 الى القادة الجدد ليعتبروا بالتاريخ ويتحدوا من أجل تحقيق وحدة مغاربية هي مطمح الشعوب و غايتها الأولى.