14 فنانا يظللون أوجاع لبنان بأشجار الأرز

بيروت – تبكي الفنانة اللبنانية أليس مغبغب لا حزنا ولا فرحا، وتمزج في معرض تشكيلي وفوتوغرافي مشترك جديد أسى مدينة بيروت ودمارها مع ذكرى اندلاع انتفاضتها الشعبية ضد الطبقة الحاكمة قبل عام واحد.
بوجه هادئ تعلوه بضع ابتسامات مرسومة بريشة الحزن تمضي صاحبة المعرض الذي يحمل اسمها يوما كاملا تشرح فيه لزوار غاليري مغبغب حكاية معرض قام من بين الركام يحمل عنوان “هذه الأرزة التي تقطع”.
ويحتوي المعرض على أكثر من 50 عملا فنيا تجسد باللوحات المتعددة الوسائط والمنحوتات والصور الفوتوغرافية والرسوم والفيديوهات أو الشرائط المصورة، الأشجار بكل ما تحمله قصصها من معان خفية ورسائل وجودية ونوادر إنسانية.
وجاء في المنشور الصحافي الموزع عن المعرض أن “كل سنة تسقط غابات ضحية حرائق وحشية مروعة أو موجة التحضر المنفلت التي تكتسح المناطق الطبيعية، مسببة انحسار الطبيعة وتراجع التنوع البيولوجي فيها، كل ذلك أمام لا مبالاة زعماء الحرب الذين تحولوا إلى سياسيين، لديهم من الضراوة ما يفوق التصحر الزاحف من الشرق”.
وفي المعرض المستمر حتى 31 ديسمبر 2020 تحشد مغبغب أعمالا منوعة بين لوحات ومنحوتات وصور فوتوغرافية ورسوم وفيديوهات، يقدمها أربعة عشر فنانا من لبنان وإيطاليا وفرنسا من أجيال ومشارب مختلفة هم: إيتيل عدنان، هدى قساطلي، نديم أصفر، شارل بيل، باسكال كورسيل، يان دوموجيه، نيكولا غاياردون، ألكسندر هولان، لودويكا أوغورزليك، مالغورزاتا باشكو، إريك بواتفان، جان برنار سوسبيريغي، لي واي، لوتشيانو زانوني.
ويتزامن المعرض مع الذكرى السنوية الأولى للاحتجاجات الشعبية على فساد الطبقة الحاكمة في لبنان، ويأتي بعد مرور أكثر من شهرين على انفجار في مرفأ بيروت الذي أدى إلى مقتل نحو مئتي شخص ودمر مناطق عدة من العاصمة.
كما يأتي المعرض بعد أيام من مشاهد النيران التي التهمت مساحات خضراء شاسعة من لبنان وحولت غابات وأحراشا كثيرة إلى رماد.
ومنعا لانغماس الأعمال الفنية بحطب المدن قررت أليس مغبغب تحويل معرضها الواقع في وسط العاصمة اللبنانية إلى فسحة أمل بعد تعرضه للدمار الكامل على إثر انفجار الرابع من أغسطس في مرفأ بيروت.
ولم تتردد مغبغب في إعادة سرد قصتها مع معرضها الذي تم افتتاحه مساء السبت وذرفت دموعا مرات عدة لدى اعترافها للزوار بأنها كانت قد قررت ألا تعيد بناء الغاليري بعدما شاهدت حجم الدمار الذي أصابه، لاسيما وأنها أعادت ترميمه أكثر من مرة في السنوات الماضية بعد تعرض العاصمة لضربات عنف مختلفة.
وتقول مغبغب “لم أنفعل في ذلك اليوم الرهيب بل حاولت جاهدة أن أسعف مع أولادي عشرات الجرحى الذين كانوا ينزفون ويصرخون بخوف في المبنى وأيضا في الأحياء المجاورة. ولكن قراري كان حازما بيني وبين نفسي: سأقفل الغاليري. وواسيت نفسي بأنني حاولت مرارا أن أساهم في خلق أجواء ثقافية انتقائية في العاصمة من خلال المعارض العالمية والمحلية وأيضا من خلال المهرجانات الفنية التي أسستها عبر السنوات. لكن حان الوقت للاستسلام”.
ولم تمض أيام طويلة حتى عادت مغبغب إلى تجميع قواها وقضاء وقت طويل بين جدران معرضها الذي كان أنيقا مزينا بالكتب واللوحات، وتشرح قائلة “عدت لأرى ماذا يمكنني أن أفعل بما تبقى من لوحات وصور وشرائط مصورة ومنحوتات، أرسلها إلى الخارج، أحاول أن أحتفظ ببعض منها تعلقا بالذكريات التي تحملها بين دفتي قصصها الافتراضية”.
وتقول “اعتبرتها رسالة من الله لكي لا أستسلم وأعترف لنفسي بأنني حاولت مرارا أن أهاجر، ولكنني كنت دائما أعود إلى موطني باكية وأنا أطلب منه أن يغفر لي هجري له، وكأنني أحدث في الواقع الحبيب الذي هجرته في لحظة انخطاف عابرة”.
أما الأشجار فجسدت بالنسبة إلى مغبغب فكرة التعلق بالجذور والتشبث بالأرض وخلق منزل وسط الدمار. وتضيف “لا شيء أكثر من الشجرة قادرا على أن يصمد وسط العواصف وجنون الطبيعة ونزواتها”.
وإذ ترى مغبغب أن الحياة تبدلت بعد الرابع من أغسطس “وأننا لم نعد كسابق عهدنا”، تأخذ قرارها بأنها لن تهاجر وسوف تعيد ترميم الغاليري.
وتقول “سأعمل كالسابق وأكثر جهدا لتعود الحياة الثقافية إلى العاصمة، لقد هاجرت ذات يوم، عشت حياة الرفاهية بعيدا عن بلدي، ولكنني كنت امرأة لا جذور لها تعيش الرفاهية في بلد مزين بالأشجار، قد عدنا إلى الشجرة مجددا، لن نغادر سنصمد كالأشجار وسط جنون الطبيعة وهلوساتها”.
وتحلق الزوار حول لوحات المعرض ومقتنياته وكأنهم يخرجون إلى الحياة للمرة الأولى منذ الانفجار. وقالت سهى الحلو التي كانت تتنقل في أرجاء المعرض “أحاول أن أشبع نظري بكل شيء جميل هنا، نحن أموات أو مشاريع أموات منذ وقوع الكارثة، والآن أحسسنا أننا عدنا إلى الحياة مجددا وأن بيروت لا يمكن أن تموت الحياة فيها”.