18 أبريل 2025

د. خالد شوكات: الرحلة المستعادة.. قبل 35 عاما من وجدة إلى طنجة

1 min read

د. خالد شوكات

فجأة‭ ‬تكتشف‭ ‬أن‭ ‬ابنك‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬طولك‭ ‬وإنه‭ ‬صار‭ ‬رجلا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تتخذه‭ ‬رفيقاً،‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬وفي‭ ‬الحياة،‭ ‬وما‭ ‬الحياة‭ ‬سوى‭ ‬رحلة‭ ‬قصيرة‭ ‬مهما‭ ‬طالت،‭ ‬وما‭ ‬المرء‭ ‬إلا‭ ‬عابر‭ ‬سبيلٍ‭ ‬استظل‭ ‬بشجرة‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭. ‬

وهكذا‭ ‬برقت‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬ذهني‭. ‬كنت‭ ‬بمعية‭ ‬صهري‭ ‬والد‭ ‬زوجتي‭ ‬واسمه‭ “‬سي‭ ‬جلال‭”‬،‭ ‬وابني‭ ‬محمد‭ ‬جلال،‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬بمارينا‭ ‬الناظور،‭ ‬الميناء‭ ‬الترفيهي‭ ‬الجديد‭ ‬لهذه‭ ‬المدينة‭ ‬المتربصة‭ ‬بمليلية‭ ‬الجيب‭ ‬الإسباني‭ ‬المحتل،‭ ‬نجلس‭ ‬قبالة‭ ‬المحتل‭ ‬تماما‭ ‬لا‭ ‬يفصلنا‭ ‬عنه‭ ‬إلا‭ ‬خليج‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬البحر،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أغلق‭ ‬أبواب‭ ‬سوره‭ ‬الحديدي‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬الكورونا‭ ‬تطيح‭ ‬بأرواح‭ ‬البشر‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬العامين،‭ ‬وكأننا‭ ‬نحيى‭ ‬أجواء‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬أولى‭ ‬أعقبتها‭ ‬جائحة‭ ‬حمى‭ ‬إسبانية‭ . ‬

كنا‭ ‬ثلاثتنا‭ ‬نحتسي‭ ‬القهوة‭ ‬ونستحضر‭ ‬بعض‭ ‬الذكريات‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ “‬مغربية‭” ‬رائقة،‭ ‬بدأت‭ ‬الشمس‭ ‬فيها‭ ‬تسقط‭ ‬على‭ ‬جبال‭ ‬فرخانة‭ ‬المجاورة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬رابط‭ ‬فيها‭ ‬جيش‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬الخطابي‭ ‬قبل‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬منطقة‭ ‬الريف‭ ‬بكاملها،‭ ‬إلا‭ ‬مليلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬المؤرخون‭ ‬حتى‭ ‬الساعة‭ ‬لماذا‭ ‬تركها‭ ‬تتنفس‭ ‬حية‭ ‬تسعى،‭ ‬وفجأة‭ ‬تذكرت‭ ‬أن‭ ‬جلال‭ – ‬هكذا‭ ‬نناديه‭ ‬اختصاراً‭ ‬وتيمنا‭ ‬بمولانا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬قدس‭ ‬سره‭- ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة،‭ ‬وانني‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬سنه‭ ‬قمت‭ ‬بمغامرتي‭ ‬الاولى‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬أحببته،‭ ‬وانا‭ ‬بمدين‭ ‬له‭ ‬بالكثير،‭ ‬فعزمت‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬استعيد‭ ‬معه‭ ‬الرحلة‭ ‬بحذافيرها،‭ ‬واذهب‭ ‬معه‭ ‬الى‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭ “‬وجدة‭”. 

قبل‭ ‬35‭ ‬عاما‭.. ‬

كنت‭ ‬مثل‭ ‬جلال‭ ‬تماما،‭ ‬أتممت‭ ‬لتوي‭ ‬المرحلة‭ ‬الإعدادية‭ ‬منتصف‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وأتهيأ‭ ‬لولوج‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬أفقي‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الوطن،‭  ‬أضحى‭ ‬الأفق‭ ‬مغاربيا،‭ ‬ففي‭ ‬قريتي‭ ‬الوادعة‭ “‬المزونة‭”‬،‭ ‬اكتشف‭ ‬الناس‭ ‬الطريق‭ ‬الى‭ ‬المغرب‭ ‬عبر‭ ‬الجزائر‭ ‬الشقيقة‭. ‬كانت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النسوة‭ ‬يذهبن‭ ‬إلى‭ ‬وجدة‭ ‬والناظور‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬تدوم‭ ‬أسابيع‭ ‬بالسيارة،‭ ‬ليهدم‭ ‬بعدها‭ ‬بسلع‭ ‬متنوعة‭ ‬وملابس‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬معلومة،‭ ‬يبعنها‭ ‬من‭ ‬منازلهن‭ ‬ويريحن‭ ‬ما‭ ‬يشجعهن‭ ‬على‭ ‬السفر‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭. ‬قلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬النسوة‭ ‬لا‭ ‬تخشين‭ ‬الطريق‭ ‬فهل‭ ‬يليق‭ ‬بي‭ ‬أنا‭ ‬أن‭ ‬أخشاه،‭ ‬لا‭ ‬والله،‭ ‬وعزمت‭ ‬ثم‭ ‬توكلت‭. ‬فاتحت‭ ‬والدي‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬وأصررت،‭ ‬ووافقني‭ ‬رغم‭ ‬اعتراض‭ ‬الاهل‭ ‬والاصدقاء،‭ ‬قالوا‭ ‬له‭ ‬كيف‭ ‬ترسل‭ ‬طفلا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬مجهولة‭ ‬كهذه،‭ ‬ولكنه‭ ‬أبى‭ ‬الإنصات‭ ‬إليهم،‭ ‬وأخبرهم‭ ‬بثقته‭ ‬في‭ ‬ولده‭ ‬رغم‭ ‬حداثة‭ ‬سنه‭..‬زودني‭ ‬بالمال‭ ‬على‭ ‬قلته،‭ ‬وصحبني‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬محطة‭ ‬قطار‭ “‬غار‭ ‬الدماء‭” ‬أو‭ “‬غارديماو‭” (‬كما‭ ‬تنطق‭ ‬بلهجة‭ ‬أهلها‭).. ‬تركني‭ ‬هناك‭ ‬وأنا‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنه‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليتركني‭ ‬وحيداً‭ ‬لو‭ ‬لا‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬مني‭ ‬رجلا‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه،‭ ‬والسفر‭ ‬مدرسة‭ ‬تصنع‭ ‬الرجال‭. ‬

وجدة‭..‬الحدود‭ ‬المغلقة

بعد‭ ‬خمسة‭ ‬وثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة،‭ ‬تغيرت‭ ‬الدنيا‭ ‬بل‭ ‬انقلبت‭ ‬أحوالها‭ ‬تماماً،‭ ‬وعادت‭ ‬ترتيبات‭ ‬السفر‭ ‬أيسر‭ ‬بكثير،‭ ‬وعندما‭ ‬حسمت‭ ‬الأمر‭ ‬باستعادة‭ ‬السفرة‭ ‬في‭ ‬مسارها‭ ‬نفسه،‭ ‬وعبر‭ ‬المدن‭ ‬ذاتها،‭ ‬قمت‭ ‬خلال‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬فقط،‭ ‬عبر‭ ‬الانترنت،‭ ‬بحجز‭ ‬الفنادق‭ ‬التي‭ ‬سنقيم‭ ‬فيها،‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الخمسة‭ ‬التي‭ ‬سنمر‭ ‬بها،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الأحلام‭ ‬حين‭ ‬تركني‭ ‬والدي‭ ‬بمصيري‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬غار‭ ‬الدماء‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬ونيف‭..‬حددت‭ ‬تاريخ‭ ‬الانطلاق،‭ ‬وكانت‭ ‬سيارة‭ ‬الأجرة‭ ‬يومين‭ ‬بعد‭ ‬القرار،‭ ‬تقطع‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬جنونية،‭ ‬المسافة‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬الناظور‭ ‬عن‭ ‬وجدة،‭ ‬الطريق‭ ‬الساحلية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭  ‬بمنتجع‭ ‬السعيدية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتجه‭ ‬يميناً‭ ‬إلى‭ ‬سهل‭ ‬أنجاد‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬مدينة‭ ‬الألف‭ ‬سنة‭ ‬موقع‭ ‬القلب‭ ‬فيها‭. 

كان‭ ‬الفندق‭ ‬الذي‭ ‬اخترته‭ ‬في‭ ‬وجدة‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬القديمة‭ ‬لمحطة‭ ‬القطار،‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬أعرفها‭ ‬جيدًا،‭ ‬فمن‭ ‬جامعتها‭ ‬نلت‭ ‬شهادة‭ ‬الإجازة‭ ‬في‭ ‬الحقوق،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬قضيت‭ ‬في‭ ‬مقاعد‭ ‬الكلية‭ ‬اربع‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬اجمل‭ ‬سنوات‭ ‬العمر‭. ‬هاتفت‭ ‬بمجرد‭ ‬وصولي‭ ‬الصديق‭ ‬خليل‭ ‬البوزيدي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تنقطع‭ ‬صلتي‭ ‬به‭ ‬وبعائلته‭ ‬طيلة‭ ‬الربع‭ ‬قرن‭ ‬الاخيرة‭. ‬وخليل‭ ‬ناشط‭ ‬مدني‭ ‬ورئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الشباب‭ ‬الاورو‭-‬متوسطي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وهو‭ ‬الن‭ ‬الحاج‭ ‬محمد‭ ‬البوزيدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬احد‭ ‬أوائل‭ ‬خريجي‭ ‬المدرسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للإدارة‭ ‬بباريس‭ ‬واحد‭ ‬زملاء‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬جاك‭ ‬شيراك،‭ ‬وهو‭ ‬شريف‭ ‬النسب‭ ‬تعود‭ ‬جذور‭ ‬عائلته‭ ‬الى‭ ‬الدوحة‭ ‬النبوية‭ ‬المشرفة‭ ‬عبر‭ ‬الجذع‭ ‬الادريسي،‭ ‬ولنا‭ ‬قصة‭ ‬مع‭ ‬الأدارسة‭ ‬ستتواصل‭ ‬في‭ ‬فصول‭ ‬الرحلة‭ ‬التالية‭. ‬

لم‭ ‬يبطئ‭ ‬خليل‭ ‬بالمجيء‭ ‬إلينا،‭ ‬طيب‭ ‬وخدوم‭ ‬كعادته‭ ‬دائماً‭. ‬رجوته‭ ‬أن‭ ‬يأخذنا‭ ‬الى‭ ‬بوابة‭ “‬زوج‭ ‬ابغال‭ ‬الحدودية‭” ‬مع‭ ‬الجزائر‭. ‬كنت‭ ‬اريد‭ ‬ان‭ ‬ننطلق‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬المغربي،‭ ‬وان‭ ‬يقف‭ ‬جلال‭ ‬بنفسه‭ ‬على‭ ‬الجريمة‭ ‬المرتكبة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬أبناء‭ ‬جايه‭ ‬والأجيال‭ ‬التي‭ ‬ستليها،‭ ‬فإغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬الجزائرية‭ ‬المغربية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إغلاقا‭ ‬للحدود‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬وشعبين‭ ‬شقيقين‭ ‬بل‭ ‬إغلاقا‭ ‬للحركة‭ ‬الطبيعية‭ ‬امام‭ ‬جميع‭ ‬بلدان‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير،‭ ‬وخيانة‭ ‬لأمانة‭ ‬الاباء‭ ‬والاجداد،‭ ‬وضرب‭ ‬للمستقبل‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬الوحدة‭ ‬لا‭ ‬التقسيم‭. ‬

عندما‭ ‬وصلنا‭ ‬البوابة‭ ‬المغلقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬سوى‭ ‬14‭ ‬كيلومتر‭ ‬عن‭ ‬وسط‭ ‬المدينة،‭ ‬جلسنا‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬الذي‭ ‬عند‭ ‬البوابة،‭ ‬وفاجأنا‭ ‬خليل‭ ‬بإخبارنا‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬المقهى‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬ملك‭ ‬والده‭ ‬الراحل‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أنشأه‭ ‬أواسط‭ ‬السبعينيات‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يبيعه‭. ‬على‭ ‬جنبات‭ ‬الطريق‭ ‬الى‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬توجد‭ ‬عشرات‭ ‬المرافق‭ ‬السياحية‭ ‬والترفيهية‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬قدوم‭ ‬الاشقاء‭ ‬الحزائريين،‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬القريبة‭ ‬خاصة،‭ ‬مغنية‭ ‬وتلمسان‭ ‬وسيدي‭ ‬للعباس‭ ‬ووهران،‭ ‬فالغرب‭ ‬الجزائري‭ ‬والشرق‭ ‬المغربي‭ ‬بلاد‭ ‬واحدة‭ ‬قسمتها‭ ‬الحدود‭ ‬المصطنعة‭ ‬الى‭ ‬شطرين،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يسكن‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬وجدة‭ ‬سوى‭ ‬كيلومترات‭ ‬لكنه‭ ‬يضطر‭ ‬الى‭ ‬قطع‭ ‬مسافة‭ ‬ألفي‭ ‬كيلومتر‭ ‬حتى‭ ‬يزور‭ ‬عمته‭ ‬او‭ ‬خالته‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬فيها‭..‬انها‭ ‬صورة‭ ‬حزينة‭ ‬لواقع‭ ‬مؤلم‭ ‬يعيشه‭ ‬الناس‭ ‬منذ‭ ‬قرار‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬إغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬سنة‭ ‬1994‭.  

فاس‭..‬أنوار‭ ‬الأدارسة‭ ‬

لم‭ ‬نطل‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬وجدة‭. ‬كانت‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭ ‬لنستقل‭ ‬في‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬القطار‭ ‬إلى‭ ‬فاس،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬وثلاثين‭ ‬عاما‭. ‬فاس‭ ‬أول‭ ‬مدينة‭ ‬إسلامية‭ ‬بنيت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭. ‬بناها‭ ‬المولى‭ ‬ادريس‭ ‬الابن‭ ‬بمعية‭ ‬أخواله‭ ‬الأمازيغ،‭ ‬الذين‭ ‬تحيط‭ ‬قبائلهم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب‭. “‬الريافة‭” ‬شمالا‭ ‬و‭”‬الشلوح‭ ‬جنوبا‭”. ‬لقد‭ ‬تركه‭ ‬أمانة‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬أمه‭ ‬كنزة‭ ‬البربرية،‭ ‬والده‭ ‬المولى‭ ‬ادريس‭ ‬الأكبر‭ (‬دفين‭ ‬مدينة‭ ‬مولاي‭ ‬ادريس‭ ‬زرهون‭)‬،‭ ‬ابن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الكامل‭ ‬ابن‭ ‬الحسن‭ ‬المثنى‭ ‬ابن‭ ‬الحسن‭ ‬السبط‭ ‬ابن‭ ‬علي‭ ‬وفاطمة‭ ‬حفيد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬السلام‭ ‬جميعا،‭ ‬فلما‭ ‬ولد‭ ‬رعاه‭ ‬جده‭ ‬وأخواله‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬رجلا‭ ‬شاباً‭ ‬فأمروه‭ ‬عليهم‭ ‬وحاربوا‭ ‬معه‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬للأدارسة‭ ‬دولة‭ ‬مهابة،‭ ‬استمرت‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬القرنين،‭ ‬وقد‭ ‬انتشر‭ ‬نسل‭ ‬ادريس‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬المغاربية،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬اغلب‭ ‬الزعماء‭ ‬والقادة‭ ‬والأئمة‭ ‬أدارسة‭ ‬النسب،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬الامير‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الجزائري‭ ‬والملك‭ ‬الليبي‭ ‬ادريس‭ ‬السنوسي‭ ‬واخرون‭ ‬كثر،‭ ‬فيما‭ ‬استمرت‭ ‬فاس‭ ‬مشعة‭ ‬بأنوار‭ ‬الأدارسة‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬الناس‭ ‬هذا‭. ‬

في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬أخي‭ ‬وصديقي‭ ‬الشيخ‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الكبيطي‭ ‬الادريسي،‭ ‬لزيارته‭ ‬والسلام‭ ‬عليه‭ ‬ونيل‭ ‬بركة‭ ‬الأدارسة‭ ‬منه،‭ ‬ولي‭ ‬معه‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬التصوف‭ ‬والعرفان‭ ‬ذكريات‭ ‬طيبة‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الله‭ ‬الواسعة،‭ ‬أخبرني‭ ‬مساعده‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الله‭ ‬أيضا،‭ ‬عن‭ ‬حظ‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬النبي‭ ‬‭(‬ص‭)‬،‭ ‬مشيدا‭ ‬بفضل‭ ‬الأدارسة‭ ‬على‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب،‭ ‬فلولاهم‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬لما‭ ‬ترسخت‭ ‬عرى‭ ‬الاسلام‭ ‬ووحدة‭ ‬الشعب‭ ‬وساد‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬هذه‭ ‬الربوع،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬الشرف‭ ‬الذي‭ ‬نال‭ ‬اجداده‭ ‬وأبناءه‭ ‬وناله‭ ‬بخدمتهم‭. ‬

كانت‭ ‬زيارة‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الصوفية‭ ‬والجمالية،‭ ‬ولقاء‭ ‬احد‭ ‬انوار‭ ‬الأدارسة،‭ ‬غذاء‭ ‬للروح‭ ‬والقلب‭ ‬ومبعثا‭ ‬للطمأنينة‭ ‬والسكينة،‭ ‬عززناها‭ ‬أنا‭ ‬وجلال‭ ‬بحضور‭ ‬ورد‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬بفاس‭ ‬القديمة،‭ ‬ففي‭ ‬زاوية‭ ‬سيدي‭ ‬احمد‭ ‬التيجاني‭ ‬القطب‭ ‬الصوفي،‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬خصوصا‭ ‬الاشقاء‭ ‬الافارقة‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء،‭ ‬لزيارته‭ ‬والسلام‭ ‬عليه،‭ ‬يقرأ‭ ‬المؤمنون‭ ‬الفقراء‭ ‬والسالكون‭ ‬والعارفون‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬ورداً‭ ‬يومياً‭ ‬يذكرون‭ ‬فيه‭ ‬الله‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬وسيدي‭ ‬احمد‭ ‬التيجاني‭ ‬يعود‭ ‬في‭ ‬نسبه‭ ‬الى‭ ‬محمد‭ ‬النفس‭ ‬الزكية‭ ‬ابن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الكامل‭ ‬المحض،‭ ‬وهو‭ ‬أخ‭ ‬المولى‭ ‬ادريس‭ ‬الاول‭ ‬وعم‭ ‬المولى‭ ‬ادريس‭ ‬الثاني‭.. ‬نور‭ ‬الأدارسة‭ ‬قبس‭ ‬من‭ ‬النور‭ ‬الاكبر‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬ص‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬غادرنا‭ ‬فاس‭ ‬ونحن‭ ‬نعبق‭ ‬بريحهم‭ ‬ونستدل‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬بضيائهم‭. 

مكناس‭..‬العاصمة‭ ‬الإسماعيلية

في‭ ‬مكناس‭ ‬وجهتنا‭ ‬الموالية‭ ‬بعد‭ ‬فاس،‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إقامتنا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬ضيافة‭ ‬تسمى‭ “‬رياض‭ ‬الذهب‭”‬،‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬عيسى‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المدينة‭ ‬العتيقة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬تصميمها‭ ‬المعماري‭ ‬وأزقتها‭ ‬الضيقة‭ ‬ودروبها‭ ‬الملتوية‭ ‬عن‭ ‬اي‭ ‬مدينة‭ ‬عربية‭ ‬إسلامية‭ ‬اخرى‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬او‭ ‬الأندلس،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الاختيار‭ ‬صائباً‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬مريحا‭ ‬للعين‭ ‬والنفس‭ ‬والذائقة،‭ ‬حتى‭ ‬انني‭ ‬لما‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬جلال‭ ‬لاحقا‭ ‬ترتيب‭ ‬اماكن‭ ‬الاقامة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬زرناها،‭ ‬منح‭ ‬إقامة‭ ‬رياض‭ ‬الذهب‭ ‬الرتبة‭ ‬الاولى‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬تردد‭. ‬

الرياض‭ ‬بيت‭ ‬قديم‭ ‬يعود‭ ‬بناؤه‭ ‬الى‭ ‬سنة‭ ‬1791،‭ ‬أي‭ ‬انه‭ ‬يحتفل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬تحديدا‭ ‬بمرور‭ ‬230‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬إنشائه،‭ ‬وقد‭ ‬جرى‭ ‬اصلاحه‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يفقد‭ ‬قيمته‭ ‬التاريخية،‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الطراز‭ ‬المغربي‭ ‬الاندلسي‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬فبابه‭ ‬عادي‭ ‬تجسيدا‭ ‬لفلسفة‭ ‬الاسلام‭ ‬في‭ ‬عمران‭ ‬المدن،‭ ‬حيث‭ ‬يستوي‭ ‬الفقراء‭ ‬والاغنياء‭ ‬في‭ ‬الظاهر،‭ ‬أما‭ ‬الباطن‭ ‬فالله‭ ‬به‭ ‬عليم‭. ‬

غرفتنا‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ “‬صحراء‭”‬،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬صحراء‭ ‬أبداً‭ ‬بل‭ ‬غرفة‭ ‬رائقة‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬سبل‭ ‬الراحة،‭ ‬تماما‭ ‬كغرف‭ ‬فنادق‭ ‬الدرجة‭ ‬الاولى،‭ ‬مع‭ ‬امتيازها‭ ‬عليهم‭ ‬بأصالة‭ ‬الذوق‭ ‬وفرادة‭ ‬الاثاث‭.‬أعلاها‭ ‬في‭ ‬السقف‭ ‬الذي‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬بجزأيها‭ ‬القديم‭ ‬والجديد،‭ ‬ثمة‭ ‬جلسة‭ ‬بديعة‭ ‬خصوصا‭ ‬ساعة‭ ‬المغربية‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬اخواننا‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬ومع‭ ‬ارتفاع‭ ‬الاذان‭ ‬من‭ ‬صوامع‭ ‬المدينة‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬سماع‭ ‬تحلق‭ ‬بك‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬السماء‭..‬الله‭ ‬أكبر‭.‬‭ ‬

رغم‭ ‬ان‭ ‬اهل‭ ‬الرياض‭ ‬قالوا‭ ‬ان‭ ‬عدد‭ ‬زبائنهم‭ ‬نقص‭ ‬زمن‭ ‬الكورونا،‭ ‬لكننا‭ ‬لاحظنا‭ ‬أن‭ ‬دار‭ ‬الضيافة‭ ‬كانت‭ ‬ملآنة‭ ‬عن‭ ‬آخرها،‭ ‬وقد‭ ‬تعرفنا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الزوار‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬انهم‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬كندا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البرتغال،‭ ‬وانهم‭ ‬أعجبوا‭ ‬بالرياض‭ ‬خاصة‭ ‬وبالمدينة‭ ‬عامة‭ ‬أيما‭ ‬إعجاب‭. ‬

مكناس‭ ‬ذات‭ ‬هواء‭ ‬عليل‭ ‬يحلو‭ ‬المشي‭ ‬في‭ ‬شوارعها‭ ‬والتنزه‭ ‬في‭ ‬حدائقها‭ ‬الكثيرة‭ ‬الغناء،‭ ‬والتوقف‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬في‭ ‬مقاهيها‭ ‬ومطاعمها،‭ ‬لارتشاف‭ ‬كأس‭ ‬شاي‭ ‬منعنع‭ ‬أو‭ ‬كوبا‭ ‬عصير‭ ‬برتقال،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الجديدة‭ ‬كحي‭ ‬الحمرية‭ ‬مثلا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬القديم‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬ساحة‭ ‬الهديم،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تقطع‭ ‬الوادي‭ ‬الأخضر‭ ‬الفاصل‭ ‬بينهما‭. ‬أما‭ ‬أهل‭ ‬مكناس‭ ‬فيشبهون‭ ‬أرضها‭ ‬الخصبة‭ ‬المعطاء،‭ ‬التي‭ ‬تغلب‭ ‬عليها‭ ‬شجرة‭ ‬الزيتون،‭ ‬طيبون‭ ‬يرشدون‭ ‬الغريب‭ ‬بكل‭ ‬ود‭ ‬الى‭ ‬مقصده،‭ ‬وقد‭ ‬افلح‭ ‬المولى‭ ‬اسماعيل‭ ‬احد‭ ‬اشهر‭ ‬ملوك‭ ‬الاسرة‭ ‬العلوية‭ ‬الحالية،‭ ‬عندما‭ ‬جعلها‭ ‬عاصمة‭ ‬وحلم‭ ‬بان‭ ‬يجعلها‭ ‬من‭ ‬اعظم‭ ‬مدن‭ ‬بلاده‭ ‬والعالم‭ ‬بأسره‭.. ‬لقد‭ ‬أحببنا‭ ‬مكناس‭ ‬حقاً‭.    

طنجة‭..‬ملتقى‭ ‬البحرين‭ ‬

محطتنا‭ ‬الرابعة‭ ‬كانت‭ ‬طنجة‭. ‬علاقتي‭ ‬بها‭ ‬خاصة‭ ‬جدا،‭ ‬فمنذ‭ ‬زيارتي‭ ‬الاولى‭ ‬لها‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬ونصف،‭ ‬كانت‭ ‬قبلتي‭ ‬كل‭ ‬صيف،‭ ‬ولم‭ ‬اخلف‭ ‬وعدي‭ ‬معها‭ ‬حتى‭ ‬غادرت‭ ‬المغرب‭ ‬لاستكمال‭ ‬دراستي‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬هولندا‭ ‬سنة‭ ‬1994‭. ‬كانت‭ ‬القصبة‭ (‬البلدة‭ ‬القديمة‭ ) ‬هي‭ ‬وجهتي‭ ‬الاساسية‭ ‬غالبا‭. ‬صرت‭ ‬اعرف‭ ‬أزقتها‭ ‬ودروبها‭ ‬وبنسيوناتها‭ ‬ومطاعمها‭ ‬الصغيرة‭ ‬ومقاهيها‭ ‬وساحاتها،‭ ‬فعندما‭ ‬يسقط‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الظلمات‭ (‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬قبل‭ ‬اكتشاف‭ ‬امريكا‭)‬،‭ ‬تمسي‭ ‬القصبة‭ ‬أكثر‭ ‬إلفة‭ ‬وحميمية،‭ ‬ويصبح‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬مقاهي‭ ‬ساحاتها‭ ‬أشبه‭ ‬باستديوهات‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬طنجة‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬نقطة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬الاسلامي،‭ ‬الا‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬روائح‭ ‬الشرق‭ ‬التي‭ ‬تعبق‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬العتيق‭ ‬منها،‭ ‬وتبدو‭ ‬الهوية‭ ‬الاسلامية‭ ‬المحافظة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬ملامح‭ ‬اهلها‭ ‬وسلوكهم،‭ ‬فالمساجد‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا،‭ ‬ومحيط‭ ‬المدينة‭ ‬يعج‭ ‬بالكتاتيب‭ ‬القرآنية‭ ‬وبحفظة‭ ‬الكتاب‭. ‬

عدت‭ ‬مع‭ ‬محمد‭ ‬جلال‭ ‬الى‭ ‬القصبة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أيضا،‭ ‬واخترت‭ ‬ان‭ ‬أحقق‭ ‬حلماً‭ ‬كان‭ ‬يتراءى‭ ‬لي‭ ‬عندما‭ ‬زرت‭ ‬المدينة‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أنه‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬ولكن‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬يتحقق‭. ‬كان‭ ‬فندق‭ ‬الكونتينونتال‭ ‬العريق‭ ‬الذي‭ ‬يحتل‭ ‬أعلى‭ ‬الهضبة‭ ‬ويقع‭ ‬قبالة‭ ‬ميناء‭ ‬طنجة‭ ‬المدينة،‭ ‬ويقال‭ ‬ان‭ ‬البرتغاليين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬اسسه‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬المائة‭ ‬والخمسين‭ ‬عاماً،‭ ‬قبلة‭ ‬النخب‭ ‬الطنجية‭ ‬الأوربية‭ ‬والأمريكية‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وجزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تتراجع‭ ‬مكانته‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬فنادق‭ ‬الأربعة‭ ‬والخمسة‭ ‬نجوم‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ومن‭ ‬اشهر‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفندق‭ ‬وينستون‭ ‬تشرشل،‭ ‬لكنه‭ ‬بقي‭ ‬الى‭ ‬اليوم‭ ‬مبناً‭ ‬ذا‭ ‬قيمة‭ ‬خاصة،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لطالب‭ ‬متواضع‭ ‬الحال‭ ‬أواسط‭ ‬الثمانينيات‭ ‬ان‭ ‬يفكر‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الاقامة‭ ‬به‭. ‬كانت‭ ‬بنسيونات‭ ‬القصبة‭ ‬المجاورة‭ ‬التي‭ ‬تؤجر‭ ‬غرفها‭ ‬بأسعار‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬درهما‭ ‬حينها،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كافية،‭ ‬فسرير‭ ‬للنوم‭ ‬وحمام‭ ‬للاغتسال‭ ‬وباب‭  ‬بقفل‭ ‬هي‭ ‬غاية‭ ‬ما‭ ‬يرجى،‭ ‬وبقية‭ ‬المرافق‭ ‬من‭ ‬اكل‭ ‬وشرب‭ ‬تتكفل‭ ‬بتوفيرها‭ ‬المقاهي‭ ‬والمطاعم‭ ‬المجاورة‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬تصنيفه‭ ‬الى‭ ‬ثلاثة‭ ‬نجوم،‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬فندق‭ ‬كونتينونتال‭ ‬جراء‭ ‬موقعه‭ ‬المميز‭ ‬وشرفاته‭ ‬الساحرة‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬المقيم‭ ‬نظرة‭ ‬بانورامية‭ ‬أخاذة‭ ‬على‭ ‬كورنيش‭ ‬مدينة‭ ‬طنجة‭ ‬الممتد‭ ‬على‭ ‬كيلومترات،‭ ‬يصعب‭ ‬ان‭ ‬يمنحها‭ ‬اي‭ ‬فندق‭ ‬اخر‭. ‬

خصصنا‭ ‬لطنجة‭ ‬يومين‭ ‬كانا‭ ‬كافيين،‭ ‬للقيام‭ ‬بجولة‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬وفي‭ ‬محيطها‭ ‬القريب‭. ‬لقد‭ ‬زرنا‭ ‬أسواق‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬وذهبنا‭ ‬الى‭ ‬رأس‭ ‬سبارطيل‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬البحران‭ ‬المتوسط‭ ‬والمحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬فترى‭ ‬بام‭ ‬العين‭ ‬مياهاً‭ ‬زرقاء‭ ‬ومياها‭ ‬اخرى‭ ‬اكثر‭ ‬زرقة،‭ ‬ومغارة‭ ‬هرقل‭ ‬التي‭ ‬نسجت‭ ‬حولها‭ ‬الأساطير،‭ ‬ومررنا‭ ‬بقصر‭ ‬مولاي‭ ‬عبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬وحي‭ ‬مرشان‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سكن‭ ‬الأرستقراطية،‭ ‬ومشينا‭ ‬على‭ ‬الكورنيش‭ ‬لساعات،‭ ‬وتذوقنا‭ ‬الطعام‭ ‬اللذيذ‭ ‬في‭ ‬اماكن‭ ‬شعبية‭ ‬واخرى‭ ‬عصرية‭.‬

ما‭ ‬تزال‭ ‬طنجة‭ ‬تحتفظ‭ ‬بطابعها‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬اكتسبته‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الادارة‭ ‬الدولية‭ ‬لها‭ ‬بين‭ ‬1926‭ ‬و1956،‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬فخورة‭ ‬بإقامة‭ ‬المشاهير‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬والادباء‭ ‬والشعراء‭ ‬الغربيين‭ ‬فيها،‭ ‬وتفضيلهم‭ ‬إياها‭ ‬على‭ ‬مدنهم‭ ‬الأصلية،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬فخورة‭ ‬بادبائها‭ ‬وفنانيها‭ ‬وشعرائها‭ ‬الوطنيين‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬صاحب‭ “‬الخبز‭ ‬الحافي‭” ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬شكري‭.. ‬توسعت‭ ‬طنجة‭ ‬كثيرا‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬عاما‭ ‬الماضية،‭ ‬وعادت‭ ‬تمتلك‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬متطورة‭ ‬كأي‭ ‬مدينة‭ ‬اوربية،‭ ‬وآخرها‭ ‬محطة‭ ‬القطار‭ ‬بديعة‭ ‬التصميم‭ ‬وقطار‭ ‬البراق‭ ‬فائق‭ ‬السرعة‭ ‬الذي‭ ‬يصلها‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للبلاد‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬الساعتين‭..‬طنجة‭ ‬مدينة‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬مدينة‭ ‬تحب‭ ‬السهر‭ ‬في‭ ‬الفضاءات‭ ‬الخارجية‭ ‬حتى‭ ‬ساعات‭ ‬الفجر،‭ ‬ولهذا‭ ‬وجدناها‭ ‬غير‭ ‬منضبطة‭ ‬لقرارات‭ ‬حظر‭ ‬التجوال،‭ ‬وقد‭ ‬بلغنا‭ ‬ان‭ ‬السلطات‭ ‬متفهمة‭ ‬لخصوصية‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭..‬لكننا‭ ‬كضيوف‭ ‬عليها‭ ‬التزمنا‭ ‬بهذه‭ ‬القرارات‭.. ‬حتى‭ ‬غادرناها‭ ‬إلى‭ ‬محطتنا‭ ‬الموالية،‭ ‬تطوان‭.‬

تطوان‭..‬عينان‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب

لا‭ ‬تبعد‭ ‬مدينة‭ ‬تطوان‭ ‬عن‭ ‬طنجة‭ ‬سوى‭ ‬حوال‭ ‬ستين‭ ‬كيلومترا،‭ ‬ويشكلان‭ ‬معا‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬مدينة‭ ‬الحسيمة‭ ‬جهة‭ ‬واحدة‭ ‬لها‭ ‬مجلس‭ ‬ورئيس،‭ ‬منذ‭ ‬اختار‭ ‬المغرب‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬خيار‭ ‬لامركزية‭ ‬موسعة‭ ‬أو‭ ‬جهوية‭ ‬موسعة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬القانوني‭ ‬المغربي‭. ‬والسفر‭ ‬من‭ ‬طنجة‭ ‬إلى‭ ‬تطوان‭ ‬متاح‭ ‬بالباص‭ ‬وبسيارات‭ ‬الأجرة،‭ ‬واخبرني‭ ‬بعضهم‭ ‬بأن‭ ‬قطارا‭ ‬كان‭ ‬يربط‭ ‬المدينتين‭ ‬زمن‭ ‬الاستعمار،‭ ‬ولعل‭ ‬المكتب‭ ‬الوطني‭ ‬للسكك‭ ‬الحديدية‭ ‬له‭ ‬مخطط‭ ‬لاحياء‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬خصوصا‭ ‬وان‭ ‬الشبكة‭ ‬الحديدية‭ ‬المغربية‭ ‬تعتبر‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬المغاربي‭ ‬والافريقي‭. ‬

وتطوان‭ ‬تعني‭ ‬باللغة‭ ‬الامازيغية‭ “‬العينان‭”‬،‭ ‬ولدينا‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬مدينة‭ ‬بنفس‭ ‬المعنى‭ ‬الامازيغي‭ ‬هذا،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬تطاوين‭. ‬

وكانت‭ ‬تطوان‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬عاصمة‭ ‬المنطقة‭ ‬الخليفية‭ ‬الواقعة‭ ‬شمال‭ ‬البلاد‭ ‬وكانت‭ ‬خاضعة‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإسباني‭. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬المدينة‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬نهضة‭ ‬عمرانية‭ ‬وثقافية،‭ ‬وكانت‭ ‬اول‭ ‬من‭ ‬احتضن‭ ‬مطبعة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وشكلت‭ ‬لعقود‭ ‬عاصمة‭ ‬لصحافة‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية،‭ ‬تصدر‭ ‬منها‭ ‬عدة‭ ‬مجلات‭ ‬وصحف‭ ‬بلغة‭ ‬الضاد،‭ ‬ويزورها‭ ‬رموز‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والمغربية‭. ‬

اخترنا‭ ‬فندقا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المدينة،‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الكولونيالي‭ ‬الذي‭ ‬بناه‭ ‬المستعمر‭ ‬الإسباني،‭ ‬فندق‭ ‬دافئ‭ ‬بموظفيه‭ ‬اللطفاء‭ ‬الذين‭ ‬يعرضون‭ ‬من‭ ‬الوهلة‭ ‬الاولى‭ ‬مساعدة‭ ‬زبائنهم‭ ‬دون‭ ‬طلب،‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬سينما‭ ‬لافينيدا‭ ‬المعروف،‭ ‬الموروث‭ ‬عن‭ ‬نخبة‭ ‬إسبانية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬اقل‭ ‬ولعاً‭ ‬بالفن‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬نظيراتها‭ ‬الأوربية،‭ ‬وقد‭ ‬ورث‭ ‬اهل‭ ‬تطوان‭ ‬عنهم‭ ‬حب‭ ‬الفن‭ ‬السابع،‭ ‬فأقاموا‭ ‬مهرجانا‭ ‬سينمائيا‭ ‬ذائع‭ ‬الصيت‭ ‬تخصصه‭ ‬السينما‭ ‬المتوسطية،‭ ‬واتخذ‭ ‬من‭ ‬لافينيدا‭ ‬قاعة‭ ‬عرضه‭ ‬الرئيسية‭. ‬

زائر‭ ‬تطوان‭ ‬لن‭ ‬تفوته‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬للمدينة‭ ‬عينان‭ ‬فعلا،‭ ‬عين‭ ‬على‭ ‬اوربا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عنها‭ ‬سوى‭ ‬كيلومترات‭ ‬قليلة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬امتدادها‭ ‬في‭ ‬الارض‭ ‬المغربية‭ ‬عبر‭ “‬سبتة‭ ” ‬الجيب‭ ‬المحتل‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬قرون‭ ‬تقريبا،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬مضيق‭ ‬جبل‭ ‬طارق،‭ ‬الذي‭ ‬منه‭ ‬عبرت‭ ‬سفن‭ ‬طارق‭ ‬بن‭ ‬زياد‭ ‬نحو‭ ‬اسبانيا،‭ ‬وأقيمت‭ ‬بعدها‭ ‬حضارة‭ ‬عظيمة،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬احد‭ ‬موظفي‭ ‬الفندق‭:” ‬تعرف‭ ‬يا‭ ‬استاذ،‭ ‬نحن‭ ‬اهل‭ ‬تطوان‭ ‬مازلنا‭ ‬نحلم‭ ‬بالعودة‭ ‬الى‭ ‬الأندلس‭ ‬بلادنا‭ ‬الأصلية،‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬قرون‭ ‬على‭ ‬طردنا‭ ‬نشعر‭ ‬باننا‭ ‬سنسترجعها‭ ‬يوما‭ ‬ما‭”. ‬

عين‭ ‬تطوان‭ ‬الثانية‭ ‬على‭ ‬المشرق،‭ ‬فهي‭ ‬مدينة‭ ‬شديدة‭ ‬الارتباط‭ ‬بالهوية‭ ‬العربية‭ ‬الاسلامية،‭ ‬المقاومة‭ ‬والعروبة‭ ‬وفلسطين‭ ‬وجنين‭ ‬اسماء‭ ‬شوارعها‭ ‬وأشهر‭ ‬محلاتها،‭ ‬واهلها‭ ‬لا‭ ‬يترددون‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعرهم‭ ‬الودية‭ ‬ازاء‭ ‬ضيوفهم‭ ‬القادمين‭ ‬اليهم‭ ‬من‭ ‬الشرق‭. ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬وعند‭ ‬زيارتنا‭ ‬لمصيفها،‭ ‬بلدة‭ ‬مرتيل‭ ‬الجميلة،‭ ‬وجلوسنا‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬مقاهيها‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬الرائع،‭ ‬لم‭ ‬يكتفي‭ ‬صاحب‭ ‬المقهى‭.‬

بكلمات‭ ‬المودة‭ ‬التي‭ ‬أغدقها‭ ‬علينا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬كلمة‭ ‬واخرى‭ ‬يغدق‭ ‬علينا‭ ‬بما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب،‭ ‬ويردف‭ ‬قائلا‭ “‬هذه‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬المحل‭”. 

هكذا‭ ‬غادرنا‭ ‬تطوان‭ ‬ونحن‭ ‬نشعر‭ ‬بأننا‭ ‬نفارق‭ ‬أهلا‭ ‬وأحباباً‭ ‬يعز‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفارقهم‭.‬

اقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.