11 أبريل 2025

د. أحمد الطويلي: الشاذلي القليبي وقضية فلسطين

1 min read

د‭. ‬أحمد‭ ‬الطويلي

من‭ ‬كتب‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬كتاب‭ ‬خاص‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ “‬العرب‭ ‬أمام‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭”‬،‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬طبعته‭ ‬الأولى‭ ‬عن‭ ‬الدار‭ ‬التونسية‭ ‬للنشر‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬116‭ ‬صفحة‭ ‬سنة‭ ‬1967،‭ ‬صدر‭ ‬بعد‭ ‬خطاب‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬في‭ ‬أريحا‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬مارس‭ ‬1965،‭ ‬وبعد‭ ‬النكسة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬جوان‭ ‬1967،‭ ‬وأعيد‭ ‬طبعه‭ ‬عن‭ ‬نفس‭ ‬الدار‭ ‬سنة‭ ‬1978‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعين‭ ‬مؤلفه‭ ‬أمينا‭ ‬عاما‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬جوان‭ ‬1978‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬مجس‭ ‬الجامعة‭ ‬بنقل‭ ‬مقرها‭ ‬مؤقتا‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬يوم‭ ‬27‭ ‬مارس‭ ‬1979،‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬كمب‭ ‬ديفيد‭.‬

وقد‭ ‬حلل‭ ‬القليبي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تحليلا‭ ‬سياسيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬ونفسانيا‭ ‬الوضع‭ ‬العربي‭ ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬دولا‭ ‬وقادة‭ ‬ومجتمعات‭ ‬وشعوبا‭ ‬وسياسات‭ ‬مختلفة‭ ‬وأوضاعا‭ ‬عامة‭ ‬خاصة‭ ‬أبعاد‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وموقف‭ ‬الرئيس‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬منها‭ ‬والأوضاع‭ ‬العربية‭ ‬عامة‭ ‬والتي‭ ‬جعلت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تواجه‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬النكسات‭ “‬كلما‭ ‬همت‭ ‬بمحو‭ ‬آثار‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬وقعت‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬أدهى‭ ‬وأمر‭”.‬

ويفسر‭ ‬القليبي‭ ‬أن‭ ‬مرد‭ ‬هذه‭ ‬النكسات‭ ‬المتتابعة‭ ‬مردها‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬ذهنية‭ ‬وتاريخية‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬الشرقية‭ ‬جعلت‭ ‬طاقات‭ ‬العرب‭ ‬تنحدر‭ ‬باستمرار،‭ ‬منها‭ ‬الشحناء‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لانقسامها‭ ‬إلى‭ ‬شقين،‭ “‬شق‭ ‬ينعت‭ ‬بالانهزامية‭ ‬ويتهم‭ ‬بقبول‭ ‬الحلو‭ ‬المشوهة،‭ ‬وشق‭ ‬يدعى‭ ‬لنفسه‭ ‬الصرامة‭ ‬وإرادة‭ ‬الصمود،‭ ‬ويرفض‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تصفية‭ ‬الجو‭ ‬العربي‭ ‬بدعوى‭ ‬أنها‭ ‬مناورة‭ ‬القصد‭ ‬منها‭ ‬حمل‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬التخاذل‭ ‬والتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭ ‬الشرعية‭”.‬

ويعتقد‭ ‬القليبي‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬موحد‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬اجماع‭ ‬الوفود‭ ‬المجتمعة‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬السودان‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬أوت‭ ‬1967‭ ‬لمحو‭ ‬آثار‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬سنة‭ ‬1966،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ “‬توشك‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬أن‭ ‬تضيع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬النزاعات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭” (‬ص17‭).‬

ويحسم‭ ‬القليبي‭ ‬رأيه‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يميزون‭ ‬بين‭ ‬الأهم‭ ‬والمهم،‭ ‬بين‭ ‬المصلحة‭ ‬العربية‭ ‬العليا‭ ‬وبين‭ ‬أهداف‭ ‬ثانوية،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬متطرفين‭ ‬يتمسكون‭ ‬بصلابة،‭ ‬وتزعم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬هم‭ ‬ليسوا‭ ‬أصحابها‭. ‬ويقدم‭ ‬القليبي‭ ‬حقائق‭ ‬صارخة‭ ‬تغافل‭ ‬عنها‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬صراعهم‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهي‭:‬

1‭) ‬أن‭ ‬الصهيونية‭ ‬حركة‭ ‬استعمارية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إحلال‭ ‬جاليات‭ ‬أجنبية‭ ‬محل‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬يناصرها‭ ‬أغلب‭ ‬يهود‭ ‬العالم،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وعناصر‭ ‬يهودية‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وقد‭ ‬سهلت‭ ‬لهم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بطلبها‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الهجرة‭ ‬وستعيدهم‭ ‬إلى‭ ‬أرضهم‭ ‬بعد‭ ‬انتصارها‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭.‬

2‭) ‬أن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬إمكانيات‭ ‬طائلة‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬سواعد‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬يهود‭ ‬البلاد‭ ‬المتقدمة‭ ‬ممن‭ ‬لهم‭ ‬باع‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وفنون‭ ‬الحرب‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬ولها‭ ‬مدد‭ ‬لا‭ ‬متناهي‭ ‬يأتيها‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬يقول‭ ‬القليبي‭ “‬لما‭ ‬تصدت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬سنة‭ ‬1948‭ ‬لمجابهة‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬كان‭ ‬البون‭ ‬شاسعا‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وكانت‭ ‬المعركة،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬بين‭ ‬شق‭ ‬كثير‭ ‬العدد‭ ‬ضعيف‭ ‬القوى،‭ ‬وبين‭ ‬شق‭ ‬آخر‭ ‬قليل‭ ‬العدد‭ ‬معزز‭ ‬بجميع‭ ‬الطاقات‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تكون‭ ‬القوة‭ ‬والغلبة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭”.‬

ويقول‭ ‬متحسرا‭ “‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الجوهرية‭ ‬لم‭ ‬يدركها‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أنهم‭ ‬شجعوا‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬وطنهم‭ ‬اعتقادا‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬حربا‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬بين‭ ‬جيوش‭ ‬نظامية‭ ‬متقابلة‭ ‬كفيلة‭ ‬بضمان‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬الآجال‭”.‬

3‭) ‬عدم‭ ‬العمل‭ ‬الكافي‭ ‬لإعداد‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬لمساندة‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ “‬ولا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القضية‭ ‬عادلة‭ ‬لتحظى‭ ‬بالعطف‭ ‬والمناصرة،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬سذاجة،‭ ‬إن‭ ‬هي‭ ‬دلت‭ ‬على‭ “‬مثالية‭” ‬العرب،‭ ‬وتأصل‭ ‬الروحانيات‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬وقلة‭ ‬دراية‭ ‬بشؤون‭ ‬العالم،‭ ‬ومدى‭ ‬نفوذ‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية‭”(‬ص29‭).‬

4‭) ‬عدم‭ ‬التبصر‭ ‬بأن‭ ‬الحرب‭ ‬والسياسة‭ ‬متكاملتان،‭ ‬تتم‭ ‬إحداهما‭ ‬الأخرى،‭ ‬وأن‭ ‬السياسة‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الحرب‭ (‬ص32‭)‬،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬السلاح‭ ‬ليست‭ ‬ضامنة‭ ‬دوما‭ ‬للنصر،‭ ‬ويجب‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬الوسائل‭ ‬السياسية‭ “‬بشرط‭ ‬النجاعة‭ ‬وعدم‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬المبدإ‭ ‬والجوهر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬نزاع‭”.‬

ولا‭ ‬يتخلف‭ ‬القليبي‭ ‬عن‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬انهزام‭ ‬العرب‭ ‬منها‭ ‬وهو‭ ‬انتقاد‭ ‬ذاتي‭ ‬مر‭:‬

‭- ‬التخلف‭ ‬الذهني‭ (‬التشبث‭ ‬بالمبادئ‭ ‬دون‭ ‬تهيئة‭ ‬الأسباب‭ ‬اللازمة‭ ‬لبلوغها‭)(‬ص35‭).‬

‭- ‬قصور‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬وعجز‭ ‬عن‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التنازل‭ ‬عنه‭ ‬بحال‭ ‬ونوعية‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اللجوء‭ ‬إليها‭ ‬لبلوغ‭ ‬الهدف‭(‬ص32‭)‬‭.‬

‭- ‬عزلة‭ ‬العرب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭(‬ص29‭).‬

‭- ‬العاطفة‭ ‬المغلبة‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬الفكر،‭ ‬وترك‭ ‬الحماس‭ ‬مقام‭ ‬العقل‭(‬ص26‭).‬

‭- ‬ارتباك‭ ‬وتسلل‭ ‬وتعفن‭ ‬أحيانا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬وانتفاضات‭ ‬بسبب‭ ‬انشقاق‭ ‬العرب‭.‬

‭- ‬ذهول‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬وغياب‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬وعقلية‭ ‬سحرية،‭ ‬وإصرار‭ ‬طفولي‭ ‬وعويل‭ ‬بينما‭ ‬العدو‭ ‬يكتسح‭ ‬البلاد‭ ‬يفرض‭ ‬هيمنته‭ ‬بالقهر‭ ‬والبناء‭ ‬والتشييد‭(‬ص38‭).‬

وينتقد‭ ‬القليبي‭ ‬سياسة‭ ‬معظم‭ ‬قادة‭ ‬العرب‭ “‬فهم‭ ‬تارة‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬جماهيري‭” ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬اعتادت‭ ‬نغمة‭ ‬هدهدتها‭ ‬السنين‭ ‬تلو‭ ‬السنين،‭ ‬فيأخذ‭ ‬القادة‭ “‬الحماس‭ ‬والتفاعل‭ ‬والاندماج‭ ‬الروحاني‭ ‬مع‭ ‬العدد،‭ ‬بينما‭ ‬القائد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬نصاعة‭ ‬الفكر‭ ‬وبعد‭ ‬النظر‭ ‬ليسمو‭ ‬بالجماهير‭ ‬ويصدها‭ ‬عن‭ ‬الاندفاع‭ ‬إلى‭ ‬مال‭ ‬تحمد‭ ‬عقباه،‭ ‬ليكون‭ ‬قائدا‭ ‬لا‭ ‬منقادا‭(‬ص48‭)‬،‭ ‬ويكون‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬انتخب‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬ومن‭ ‬الثقة‭ ‬للنهوض‭ ‬بأعبائها،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬خصال‭ ‬فكرية‭ ‬وخلفية‭. ‬

ويذكرنا‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬بخطاب‭ ‬أريحا‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬الرئيس‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬أمام‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ “‬العرب‭ ‬امام‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭” ‬تحليلا‭ ‬لنظرية‭ ‬بورقيبة‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬باعتماد‭ ‬التفاوض‭ ‬وتوخي‭ ‬سياسة‭ ‬خذ‭ ‬طالب‭ ‬دون‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الهدف‭.‬

وإن‭ ‬تسمية‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تسمية‭ ‬تلميذ‭ ‬له،‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مدرسته،‭ ‬وتتلمذ‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬الصادقية،‭ ‬وتكون‭ ‬في‭ ‬الصربون‭ ‬بباريس‭ ‬ولعل‭ ‬كتاب‭ ‬القليبي‭ ‬من‭ ‬أساب‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭ ‬وهو‭ ‬يزيد‭ ‬بلورة‭ ‬لأفكار‭ ‬بورقيبة‭ ‬ويحلل‭ ‬نفسية‭ ‬العربي‭ ‬بأنه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متعلق‭ ‬بالكرامة‭ ‬والشرف‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتهم‭ ‬أخاه‭ ‬بالخيانة‭ ‬والخذلان،‭ ‬وإذا‭ ‬هذا‭ ‬الاتهام‭ ‬يعظم‭ ‬ويتفشى‭ ‬فتنتفي‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭(‬ص55‭).‬

ويخصص‭ ‬القليبي‭ ‬صفحات‭ ‬للوحدة‭ ‬العربية‭ ‬تاريخيا‭ ‬وفي‭ ‬عصره،‭ ‬ويذكر‭ ‬أنها‭ ‬تبلورت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬رجال‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬وكان‭ ‬معظمهم‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬المسيحيين،‭ ‬ليتخلى‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتنشأ‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‭ ‬بعد‭ ‬الكفاح‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ “‬فإن‭ ‬الأعوام‭ ‬الستين‭ ‬لم‭ ‬تلح‭ ‬حتى‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬أشياعا،‭ ‬بعضهم‭ ‬وحدوي،‭ ‬وبعضهم‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬الوحدة،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يناهض‭ ‬الأساليب‭ ‬المتبعة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الوحدة،‭ ‬وبعضهم‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬الجهر‭ ‬بأي‭ ‬حتى‭ ‬يقض‭ ‬الله‭ ‬أمرا‭ ‬كان‭ ‬مفعولا‭”(‬63‭).‬

وتناول‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬سائر‭ ‬كتبه‭ ‬منها‭ ‬كتاب‭ “‬تونس‭ ‬وعوامل‭ ‬القلق‭ ‬العربي‭” ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الجنوب‭ ‬سنة‭ ‬2019،‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬فيه‭ ‬صفحات‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬والنظرية‭ ‬البورقيبية‭ ‬وأخطاء‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬وإغفالهم‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ “‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بأغلبية‭ ‬ساحقة،‭ ‬منها‭ ‬كبريات‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬الغربية‭ ‬منها‭ ‬والشيوعية‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تشهر‭ ‬عليها‭ ‬الحرب،‭ ‬وكذلك‭ ‬لاعتبارات‭ ‬قانونية‭ ‬ولما‭ ‬للدولة‭ ‬الناشئة‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬ميدانية‭ ‬متفوقة‭ ‬أيضا‭”(‬ص165‭)‬،‭ ‬لذلك،‭ ‬عندما‭ ‬رفضت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التقسيم‭ ‬تنفست‭ ‬إسرائيل‭ ‬الصعداء‭.‬

والخطأ‭ ‬الثاني‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬جعلت‭ ‬القضية‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فأظهروها‭ ‬بين‭ ‬كتلة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬وهي‭ ‬سبع‭ ‬ودويلة‭ ‬صغيرة‭ ‬قامت‭ ‬بإرادة‭ ‬شرعية‭ ‬أممية،‭ ‬وجعلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحظى‭ ‬بتعاطف‭ ‬أغلب‭ ‬الشعوب‭ ‬المسيحية،‭ ‬وأبقت‭ ‬فلسطين،‭ ‬صاحبة‭ ‬الحق،‭ ‬في‭ ‬المنزلة‭ ‬الخلفية،‭ ‬ولم‭ ‬تظهرها‭ ‬شعبا‭ ‬مستعمرا‭ ‬يكافح‭ ‬بنفسه،‭ ‬ولا‭ ‬يتولى‭ ‬بنفسه‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضيته،‭ ‬شعبا‭ ‬يعيش‭”‬بعضه‭ ‬تحت‭ ‬الظلم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وبعضه‭ ‬في‭ ‬الشتات‭”. ‬

والملاحظة‭ ‬الثالثة‭ ‬المرة‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يخوضوا‭ ‬سابقا‭ ‬الحرب‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ “‬كانت‭ ‬أسلحتهم‭ ‬فيها‭ ‬سيوفا‭ ‬ورماحا،‭ ‬وجيوشهم‭ ‬اليوم‭ ‬استعراضية،‭ ‬بمناسبات‭ ‬احتفالية‭” ‬وكانت‭ ‬حروبهم‭ ‬دوما‭ ‬خاسرة‭”.‬

ومن‭ ‬أخطاء‭ ‬العرب‭ ‬أنهم‭ ‬تغافلوا‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬ينتبهوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬أغلبية‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬آتية‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬متقدمة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬لإسرائيل‭ ‬زعامات‭ ‬سياسية‭ ‬قوية،‭ ‬متمرسة‭ ‬بالقوانين‭ ‬الدولية،‭ ‬وقيادات‭ ‬عسكرية‭ ‬ذات‭ ‬خبرة‭ ‬عالمية،‭ ‬لسابق‭ ‬اسهاهم‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الأوروبية‭ ‬الحديثة‭”(‬ص166‭) ‬بينما‭ ‬العرب‭ ‬يستوردون‭ ‬ما‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬متعاطفة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولا‭ ‬تبيعهم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬من‭ “‬خردتها‭” ‬الدفاعية‭”(‬ص166‭).‬

والحل‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬بورقيبة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬أريحا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬العرب‭ “‬الصراع‭ ‬قضية‭ ‬وطنية‭ ‬تخص‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬باعتباره‭ ‬الضحية‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬عليهم‭ ‬وضع‭ ‬المشكل‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الموجة‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬تنادي‭ ‬بتحرير‭ ‬الشعوب‭ ‬المولى‭ ‬عليها،‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬منها،‭ ‬إذ‭ ‬جاءت‭ ‬جموع‭ ‬من‭ ‬أصقاع‭ ‬مختلفة،‭ ‬فاحتلوا‭ ‬أراضيه،‭ ‬واستبدوا‭ ‬بالحكم‭ ‬فيها‭”(‬ص166‭).‬

ويقارن‭ ‬القليبي‭ ‬بين‭ ‬الزعيمين‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬وبورقيبة،‭ ‬فالأول‭ ‬يعتمد‭ ‬الخطب‭ ‬الجياشة‭ ‬التي‭ ‬تلهب‭ ‬الجماهير‭ ‬تبثها‭ ‬إذاعة‭ “‬صوت‭ ‬العرب‭” ‬المسموعة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الفضاء‭ ‬العربي‭ ‬بينما‭ ‬بورقيبة‭ “‬يلقن‭ ‬إعمال‭ ‬العقل،‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬المشاعر‭ ‬والتنظيم‭ ‬الإستراتيجي‭” ‬ويقول‭ “‬الناصرية‭ ‬كانت‭ ‬أداتها‭ ‬الخطابة‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬العواطف‭ ‬فتتجاوب‭ ‬معها‭ ‬الجماهير‭ ‬فورا،‭ ‬وتنساق‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يوجه‭ ‬إلى‭ ‬بورقبية‭ ‬من‭ ‬تهم‭ ‬قاتلة،‭ ‬مثل‭ ‬أنه‭ ‬عميل‭ ‬الاستعمار،‭ ‬فكان‭ ‬بعضهم‭ ‬يخططون‭ ‬لاغتياله‭ ‬مثلما‭ ‬حصل‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬للبنان‭ ‬سنة‭ ‬1965‭”‬ص‭(‬699‭).‬

وفي‭ ‬آخر‭ ‬للقليبي‭ “‬أضواء‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭”(‬1‭) ‬الخاص‭ ‬بتاريخ‭ ‬حياة‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬ونظرياته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬جانبا‭ ‬منه‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وزاد‭ ‬فيه‭ ‬تفصيلا‭ ‬وتحليلا‭ ‬للنظرية‭ ‬البورقيبية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬الواقعية‭ ‬والمرحلية‭ ‬القائلة‭ ‬بمبدإ‭ “‬خذ‭ ‬وطالب‭”‬،‭ ‬خد‭ ‬ما‭ ‬يقربك‭ ‬إلى‭ ‬الفوز‭ ‬بالحل‭ ‬النهائي‭ ‬ثم‭ ‬طالب‭ ‬بالمرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬الموصلة‭ ‬أخيرى‭ ‬إلى‭ ‬الاستقلال،‭ ‬يقول‭ “‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬يؤمن‭ ‬بمقولة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬استرجاع‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬استولت‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬سنة‭ ‬1948‭ ‬وإقناع‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تسعى‭ ‬جاهدة‭ ‬لمنعه‭”(‬ص165‭).‬

وذكر‭ ‬القليبي‭ ‬بخطاب‭ ‬بورقيبة‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬سنة‭ ‬1964‭ ‬قبل‭ ‬خطاب‭ ‬آربي،‭ ‬والذي‭ ‬دعا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مركز‭ ‬ثقل‭ ‬الكفاح‭ ‬هو‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ضحية‭ ‬المظلمة،‭ ‬الذي‭ ‬همش‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أساسيا،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مساعدة‭ ‬وداعمة‭ ‬فقط،‭ ‬وانتقد‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬انتقادا‭ ‬قاسيا‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ “‬بتشكيلهم‭ ‬إئتلافا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬دمى،‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬قدرات‭ ‬عسكرية‭ ‬حقيقية،‭ ‬خدمة‭ ‬مجانية‭ ‬للدعاية‭ ‬الصهيونية‭ (…) ‬وهكذا‭ ‬سار‭ ‬العرب‭ ‬نحو‭ ‬الهزيمة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬ولدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي‭”(‬ص167‭).‬

واستعرض‭ ‬بورقيبة‭ ‬حرب‭ ‬سنة‭ ‬1948،‭ ‬وعلق‭ ‬على‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬بسخرية‭ ‬قاتلة،‭ ‬مفسرا‭ ‬أنهزامها،‭ ‬وهي‭ ‬حقائق‭ ‬تاريخية‭ ‬بائسة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬بورقيبة‭ ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬مهاجرا‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ومطلعا‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬صدمته،‭ ‬وعلى‭ ‬الأجواء‭ ‬العربية،‭ ‬ونفسيات‭ ‬القادة‭ ‬العرب،‭ ‬وكان‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬ومآل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الفاجع،‭ ‬وقدم‭ ‬تعليقات‭ ‬عليها‭. ‬

فالجيوش‭ ‬العربية‭ “‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتقن‭ ‬فن‭ ‬الحرب‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي،‭ ‬وأصبحت‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬سوى‭ ‬للاستعراض،‭ ‬إنها‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬التقنيات‭ ‬القتالية،‭ ‬وهي‭ ‬مجهزة‭ ‬بمعدات‭ ‬قديمة‭ ‬أو‭ ‬مغشوشة‭ ‬بشكل‭ ‬فاضح،‭ ‬وكان‭ ‬المقاتلون‭ ‬العرب‭ ‬يفتقرون‭ ‬إلى‭ ‬التدريب‭ ‬العسكري‭ ‬الجدي‭” (‬ص169‭) ‬بينما‭ ‬القوات‭ ‬المقابلة‭ ‬تتألف‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬الأشكناز‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬اكتسبوا‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬ثقافة‭ ‬علمية‭ ‬عالية‭ ‬وخبرة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬دولية،‭ ‬ومعرفة‭ ‬بالحرب‭ ‬الحديثة،‭ ‬وقد‭ ‬تعلموا‭ ‬من‭ ‬الألمان‭ ‬خصوصا‭ ‬الحرب‭ ‬الخاطفة‭”(‬ص166‭).‬

ويلاحظ‭ ‬بورقيبة‭ ‬متسائلا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬تتصد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬للاستعمار‭ ‬الزاحف‭ ‬على‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأنهم‭ ‬خاضوا‭ ‬حربا‭ ‬تقليدية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الميليشيات‭ ‬الصهيونية‭ ‬وعدات‭ ‬ميدانية‭ ‬مجهزة‭ ‬ومدربة‭ ‬لقواعد‭ ‬حرب‭ ‬العصابات‭ ‬الفنية‭ ‬والمعايير‭ ‬الأكثر‭ ‬تطورا‭ “‬لقد‭ ‬وُضع‭ ‬طيارون‭ ‬مقاتلون‭ ‬وخبراء‭ ‬عسكريون‭ ‬من‭ ‬يهود‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬تحت‭ ‬تصرف‭ ‬الدولة‭ ‬الناشئة‭”(‬ص169‭). ‬

وأرخ‭ ‬القليبي‭ ‬لما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬بورقيبة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬خطاب‭ ‬أريحا،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭:‬

‭- ‬انطلاق‭ ‬حملة‭ ‬تشهير‭ ‬ضده‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صحف‭ ‬المنطقة‭.‬

‭- ‬إطلاق‭ ‬إذاعة‭ “‬وصت‭ ‬العرب‭” ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬شعواء‭ ‬ضده‭.‬

‭- ‬تكوين‭ ‬فرق‭ ‬كومندوس‭ ‬في‭ ‬أعقابه‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لاغتياله‭.‬

‭- ‬إبلاغ‭ ‬دمشق‭ ‬وبغداد‭ ‬الرئيس‭ ‬بورقيبة‭ ‬أهما‭ ‬لم‭ ‬تعودا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬سلامته‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬لهما،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬مبرمجة‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬واقتصرت‭ ‬رحلته‭ ‬على‭ ‬لبنان‭ ‬ومنها‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭. ‬وكان‭ ‬زار‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬قبل‭ ‬لبنان‭.‬

‭- ‬إحداث‭ ‬ضجة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضده‭ ‬مدعية‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬رقم‭ ‬181‭ ‬قد‭ ‬تجاوزه‭ ‬الزمن‭ ‬وسقط‭ ‬بالتقادم،‭ ‬وأجاب‭ ‬بورقيبة‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬أوجد‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬سقط‭ ‬بالتقادم‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ “‬فقدت‭ ‬شهادة‭ ‬ميلادها‭”(‬ص172‭).‬

‭- ‬إدلاء‭ ‬الرئيس‭ ‬أحاديث‭ ‬صحفية‭ ‬شديدة‭ ‬اللهجة‭ ‬لوسائل‭ ‬إعلام‭ ‬عربية‭ ‬وعالمية‭.‬

‭- ‬نشوب‭ ‬معركة‭ ‬سياسية‭ ‬حامية‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬وبورقيبة‭ ‬توقفت‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬جوان‭ ‬1967،‭ ‬يوم‭ ‬انطلاق‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬النكسة،‭ ‬ووضع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أكثر‭ ‬مأساوية‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يعيش‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭(‬ص175‭).‬

كما‭ ‬تناول‭ ‬القليبي‭ ‬اتفاقية‭ ‬كمب‭ ‬ديفيد‭ ‬بالدرس،‭ ‬إذ‭ ‬أضعفت‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وأدت‭- ‬حسب‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭- “‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬معنويا‭ ‬وتقسيمه‭ ‬سياسيا،‭ ‬وانتصر‭ ‬الطرح‭ ‬الصهيوني‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تريد‭ ‬السلام‭ ‬وأن‭ ‬العرب‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعترف‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬أبدا،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخرقه‭ ‬باستمرار‭”(“‬178‭).‬

ووضح‭ ‬القليبي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬شرق‭ ‬وغرب،‭ ‬السلام‭ ‬العنيف‭” ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬بالفرنسية،‭ ‬وهو‭ ‬استجواب‭ ‬أجرته‭ ‬الصحفية‭ ‬جنفياف‭ ‬مول‭ ‬Genevieve Moll‭ ‬وعنوان،‭ ‬Orient/Occcident‭, ‬la pais violente‭ ‬صدر‭ ‬بباريس‭ ‬سنة‭ ‬1999،‭ ‬أن‭ ‬اتفاقيات‭ ‬كمب‭ ‬ديفيد‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬تحقيق‭ ‬سلام‭ ‬حقيق‭ ‬ودائم‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأنه‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬أمينا‭ ‬عاما‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كانت‭ ‬مهمته‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بأثبات‭ ‬حقيقية‭ ‬جوهرية‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬القائمة‭ ‬دوما‭ ‬بالهجوم،‭ ‬وأنها‭ ‬أطردت‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬وأنها‭ ‬لم‭ ‬تكف‭ ‬إزاء‭ ‬جيرانها‭ ‬العرب‭ ‬بتوخي‭ ‬سياسة‭ ‬تحريضية‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بالقيام‭ ‬بحروب‭ ‬متلاحقة‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬وإنجاز‭ ‬الحلم‭ ‬الصهيوني‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬فلسطين‭ ‬كلها‭ ‬للإسرائيليين‭ (‬ص338‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬يهم‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬أساسا‭ ‬قبل‭ ‬النزاع‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬وضع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وما‭ ‬يعانيه‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬حرمه‭ ‬من‭ ‬وطنه،‭ ‬ومخيمات‭ ‬البؤس‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها،‭ ‬وحياته‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ويقول‭ ‬القليبي‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يكف‭ ‬في‭ ‬الندوات‭ ‬واللقاءات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يجريها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مع‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬ووزراء‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬عن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬حسب‭ ‬قرار‭ ‬181‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وطلب‭ ‬وجوب‭ ‬إعانتهم‭ ‬لإيجاد‭ ‬دولتهم‭.‬

ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬القليبي‭ ‬خدم‭ ‬حقا‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭- ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬أمينا‭ ‬عاما‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭- ‬أصدر‭ ‬أعدادا‭ ‬ضخمة‭ ‬خاصة‭ ‬بفلسطين‭ ‬من‭ ‬المجلة‭ ‬التي‭ ‬أنشأها،‭ ‬وهي‭ “‬شؤون‭ ‬عربية‭” ‬وهي‭ ‬الأعداد‭ ‬33،‭ ‬34‭ (‬وهو‭ ‬عدد‭ ‬مزدوج‭) ‬صدر‭ ‬سنة‭ ‬1983،‭ ‬وعدد‭ ‬52‭ ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬1987‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تحتويه‭ ‬المجلة‭ ‬من‭ ‬دراسات‭ ‬خاصة‭ ‬بفلسطين‭.‬

1‭) ‬أضواء‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة،‭ ‬ديسمبر،‭ ‬تونس‭ ‬2014‭ ‬ترجمة‭ ‬محمد‭ ‬معالي‭ ‬ومراجعة‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬قاسم‭ ‬ولم‭ ‬يذكر‭ ‬المترجم‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬المترجم‭ ‬بالفرنسية‭ ‬وهو‭:‬

Habib Bourguiba‭, ‬Radiaos copie d’un Régne‭ ‬وصدر‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬ديمتر‭ ‬للنشر‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.