11 أبريل 2025

المقاوم من الرعيل الأول الأزهر الزيدي لـ”المصير”: الباجي قائد السبسي شخصية وطنية فذة كاملة الشروط

1 min read

تونس‭.. “‬المصير‭”.. ‬خاص‭:‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الخاص‭ ‬لـ‭”‬المصير‭” ‬يتحدث‭ ‬المقاوم‭ ‬من‭ ‬الرعيل‭ ‬الأول‭ ‬الأزهر‭ ‬الزيدي‭ ‬المولود‭ ‬في‭  ‬14جوان‭ ‬1936‭ ‬بالقصرين‭ ‬عن‭ ‬علاقته‭ ‬بالرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬وذكرياته‭ ‬عنه‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬لقاء‭ ‬معه‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬ديسمبر‭ ‬1954‭ ‬في‭ ‬سفح‭ ‬جبل‭ ‬سمامة‭ ‬بالقصرين‭ ‬وكان‭ ‬عمره‭ ‬18‭ ‬سنة‭.. ‬ويقول‭ ‬عنه‭ ‬بأنه‭ “‬شخصية‭ ‬وطنية‭ ‬فذة‭ ‬كاملة‭ ‬الشروط،‭ ‬أعطى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬فكره‭ ‬ونضاله‭ ‬لتونس‭”.‬

‭* ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬ذاكرتك‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تربطك‭ ‬به‭ ‬روابط‭ ‬قديمة؟

‭- ‬تعود‭ ‬علاقتي‭ ‬بالمرحوم‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬الحميمية‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬الكفاح‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقلال‭ ‬تونس‭ ‬وحريتها،‭ ‬وهي‭ ‬علاقة‭ ‬عمرها‭ ‬65‭ ‬سنة،‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1654‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال‭.. ‬وكانت‭ ‬لي‭ ‬معه‭ ‬خمس‭ ‬لقاءات‭ ‬تاريخية‭ ‬كانت‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬

اللقاء‭ ‬الأول‭: ‬بالباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭- ‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬يوم‭ ‬03‭ ‬ديسمبر‭ ‬1954‭ ‬بجبل‭ ‬سمامة‭ ‬بولاية‭ ‬القصرين،‭ ‬كنت‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬18‭ ‬سنة،‭ ‬وكانت‭ ‬جوارحي‭ ‬ودمائي‭ ‬كلها‭ ‬فداء‭ ‬تونس،‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬انضممت‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬عبد‭ ‬الحكيم‭ ‬حكيم‭ ‬بسن‭ ‬16‭ ‬ونصف،‭ ‬يومها‭ ‬قدم‭ ‬الباجي‭ ‬ليتفاوض‭ ‬معنا‭ ‬على‭ ‬استرداد‭ ‬سلاح‭ ‬المقاومين‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬الزعيم‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬نعلم‭ ‬أنه‭ ‬تلقى‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬منفاه،‭ ‬فتوترت‭ ‬الأجواء‭ ‬فصوب‭ ‬عبد‭ ‬الحكيم‭ ‬بندقيته‭ ‬نحو‭ ‬المرحوم‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬يفقد‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضة‭ ‬قائلا‭ ‬له‭: “‬لماذا‭ ‬ننزل‭ ‬من‭ ‬الجبال‭ ‬ونترك‭ ‬الكفاح‭ ‬وبورقيبة‭ ‬مازال‭ ‬في‭ ‬السجون‭” ‬فتقدم‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬العزوزي‭ ‬قائد‭ ‬مجموعة‭ ‬المقاومين‭ ‬بجبل‭ ‬الشعانبي‭ ‬وقال‭: “‬إن‭ ‬نزولنا‭ ‬من‭ ‬الجبال‭ ‬وترك‭ ‬الكفاح‭ ‬هو‭ ‬بأمر‭ ‬الزعيم‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭” ‬وذلك‭ ‬التدخل‭ ‬انتهى‭ ‬المشكل‭ ‬وتعانق‭ ‬الباجي‭ ‬مع‭ ‬عبد‭ ‬الحكيم‭ ‬وصارت‭ ‬المصالحة‭ ‬وتم‭ ‬تسليم‭ ‬السلاح‭.‬

في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬كان‭ ‬الباجي‭ ‬مصحوبا‭ ‬بالجنرال‭ ‬لافو‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الجنرال‭ ‬لاتور‭ ‬المقيم‭ ‬العام‭ ‬لفرنسا‭ ‬بتونس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭ ‬وأنا‭ ‬المراهق‭ ‬ذو‭ ‬الثمانية‭ ‬عشرة،‭ ‬عاشق‭ ‬البندقية،‭ ‬رأيت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬إنسانا‭ ‬مثقفا‭ ‬محاميا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬لجنة‭ ‬متكونة‭ ‬من‭ ‬فرنسيي‭ ‬وممثلا‭ ‬للحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬التونسي،‭ ‬الذي‭ ‬انتميت‭ ‬إليه‭ ‬وأنا‭ ‬صغير‭ ‬السن‭.‬

لأول‭ ‬مرة‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬وكانت‭ ‬عيناه‭ ‬الزرقاوان‭ ‬تتقدان‭ ‬ثقة‭ ‬وتشتعلان‭ ‬اخلاصا‭ ‬لتونس‭ ‬وأرى‭ ‬فيهما‭ ‬وهو‭ ‬يفاوض‭ ‬رغم‭ ‬صغر‭ ‬سنه‭ ‬حنان‭ ‬الأب‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬حييت‭ ‬رقرقة‭ ‬دموعه‭ ‬وهو‭ ‬يحضننا،‭ ‬كلما‭ ‬استلم‭ ‬منا‭ ‬السلاح‭ ‬ليبعث‭ ‬في‭ ‬أنفسنا‭ ‬الاطمئنان‭ ‬لأنه‭ ‬أحس‭ ‬بخوفنا‭ ‬وعدم‭ ‬طمأنينتنا،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬بكل‭ ‬جهده‭ ‬أن‭ ‬يبعث‭ ‬في‭ ‬أنسفنا‭ ‬الراحة‭ ‬لكي‭ ‬نمشي‭ ‬وثائق‭ ‬الاستلام‭ ‬دون‭ ‬مناورة‭ ‬بعد‭ ‬تسليم‭ ‬الأسلحة‭.‬

اللقاء‭ ‬الثاني‭: ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سنة‭ ‬1955‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬الحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬التونسي‭ ‬إسناد‭ ‬المقاومين‭ ‬بطاقة‭ ‬تعريف‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬الإسعاف‭ ‬والعلاج‭ ‬مجانا،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬التقيته‭ ‬فيها،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬التونسي‭ ‬يكتب‭ ‬بخط‭ ‬يده‭ ‬أسماءنا‭ ‬ويسلمنا‭ ‬إياها‭ ‬باليد‭ ‬ولا‭ ‬يكتفي‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يعانقنا‭ ‬عناق‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬كذلك‭ ‬رأيى‭ ‬الدموع‭ ‬ترقرق‭ ‬في‭ ‬عينيه‭ ‬الزرقاوين‭ ‬اللتين‭ ‬ينبعث‭ ‬منهما‭ ‬ذكاء‭ ‬حاد‭.‬

اللقاء‭ ‬الثالث‭: ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1956‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ماي،‭ ‬تقرر،‭ ‬إحداث‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني،‭ ‬فكان‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الطيب‭ ‬المهيري‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬والباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬سالذي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬مهمة‭ ‬الاتصال‭ ‬بالمقاومين‭ (‬الفلاقة‭) ‬وانتدابهم‭ ‬لتمكينهم‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬تدريب‭ ‬بثكنة‭ ‬بوفيشة‭ ‬الفرنسية‭- ‬للتخرج‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬محجوب‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬وأحمد‭ ‬جبارة‭ ‬وهو‭ ‬ضابط‭ ‬متكون‭ ‬بالعراق‭ ‬استقدمه‭ ‬بورقيبة‭ ‬ليشرف‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬للحرس‭ ‬الوطني‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬750‭ ‬فردا‭.‬

تعلمت‭ ‬من‭ ‬سي‭ ‬الباجي‭ ‬الإخلاص‭ ‬للوطن

وفي‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬أصبحت‭ ‬تونس‭ ‬تملك‭ ‬حرسا‭ ‬وطنيا‭ ‬يحميها‭ ‬متكونا‭ ‬من‭ ‬خيرة‭ ‬رجالاتها‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬والطيب‭ ‬المهيري‭ ‬ومحجوب‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬حييت‭ ‬كلمة‭ ‬الطيب‭ ‬المهيري‭ ‬يوم‭ ‬التخرج‭ ‬الذي‭ ‬توجه‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬750‭ ‬متخرجا‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يفقهون‭ ‬شيئا‭ ‬قبل‭ ‬سنة‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬بالجبال،‭ ‬خاطبنا‭ ‬بقوله‭: “‬إنكم‭ ‬ستباشرون‭ ‬أعمالا‭ ‬لم‭ ‬تعرفونها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ولن‭ ‬تجدوا‭ ‬مرجعا‭ ‬من‭ ‬قبلكم‭ ‬لتستشيروه‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬قبلكم‭ ‬فرنسيين‭ ‬وهم‭ ‬راحلون‭ ‬لذا‭ ‬اعتمدوا‭ ‬على‭ ‬وطنيتكم‭ ‬ومحبتكم‭ ‬للمواطن‭ ‬لذا‭ ‬اجعلوا‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬صديقا‭ ‬لكم‭ ‬لتنجحوا‭ ‬في‭ ‬مهامكم‭”.‬

وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬الوصية‭ ‬الذهبية‭ ‬التي‭ ‬أنجحت‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬والحق‭ ‬يقال‭ ‬كانت‭ ‬علاقته‭ ‬قوية‭ ‬بالمواطن‭.‬

اللقاء‭ ‬الرابع‭: ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الباجي‭ ‬متنقلا‭ ‬رفقة‭ ‬دورية‭ ‬متكونة‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬خميس‭ ‬الحجري‭ ‬وكاد‭ ‬الباجي‭ ‬أن‭ ‬يقتل‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬بالرصاص‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬جنود‭ ‬فرنسا‭ ‬النار‭ ‬وسقط‭ ‬عدة‭ ‬جرحى،‭ ‬وتدخل‭ ‬السبسي‭ ‬يرفعه‭ ‬راية‭ ‬بيضاء‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وطلب‭ ‬إيقاف‭ ‬النار‭ ‬وسحب‭ ‬الجرحى‭ ‬والقتلى‭ ‬ونجا‭ “‬السبسي‭” ‬من‭ ‬موت‭ ‬محقق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استشهد‭ ‬خميس‭ ‬الحجري‭ ‬بمكان‭ ‬قريب‭ ‬بعين‭ ‬دراهم‭.‬

اللقاء‭ ‬الخامس‭: ‬كان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الضياع‭ ‬بين‭ ‬ديمقراطية‭ ‬كاذبة‭ ‬ودكتاتورية‭ ‬لا‭ ‬تعي‭ ‬بمصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬اختار‭ ‬الباجي‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬متمتعا‭ ‬بعائلته‭ ‬وبيته‭ ‬وأنه‭ ‬ارتأى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬سيصغي‭ ‬إليه‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استلمت‭ ‬الترويكا‭ ‬الحكم،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬اعتلوا‭ ‬الكراسي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬كلامهم‭ ‬اعتداء‭ ‬سافرا‭ ‬على‭ ‬المقاومين‭ ‬إذ‭ ‬وصفونا‭ ‬بـ‭”‬العهد‭ ‬البائد‭” ‬اتجهت‭ ‬إلى‭ ‬مكتبه‭ ‬وكلي‭ ‬غضب‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬وحدي‭ ‬فقد‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬بعض‭ ‬المقاومين‭.‬

عندما‭ ‬رأيته‭ ‬قلت‭ ‬له‭: “‬أنا‭ ‬ابن‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة،‭ ‬أنا‭ ‬ابن‭ ‬سمامة‭”‬،‭ ‬فكانت‭ ‬أول‭ ‬كلمة‭ ‬قالها‭ ‬وهو‭ ‬يقف‭ ‬ويخرج‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬مكتبه‭: “‬هل‭ ‬مازالوا‭ ‬أحياء‭ ‬أولئك‭ ‬الرجال‭ ‬الصناديد‭”‬،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: “‬يوم‭ ‬استلمت‭ ‬السلاح‭ ‬كنا‭ ‬14‭ ‬واليوم‭ ‬بقينا‭ ‬5،‭ ‬كيف‭ ‬تسمح‭ ‬للترويكا‭ ‬اليوم‭ ‬وأنت‭ ‬تعلم‭ ‬وكنت‭ ‬شاهدا‭ ‬علينا‭ ‬يوم‭ ‬نزلنا‭ ‬من‭ ‬الجبل،‭ ‬كيف‭ ‬كنا‭ ‬جياعا‭ ‬وعطاشى،‭ ‬كيف‭ ‬تسمح‭ ‬لأناس‭ ‬لم‭ ‬يسعوا‭ ‬لتونس‭ ‬إلا‭ ‬خرابا‭ ‬أن‭ ‬يصفونا‭ ‬بالعهد‭ ‬البائد؟؟؟‭”. ‬فقال‭ ‬لي‭: “‬لا‭ ‬تنزعج‭ ‬هؤلاء‭ ‬أناس‭ ‬يريدون‭ ‬طمس‭ ‬الحقيقة‭ ‬ومسح‭ ‬التاريخ‭ ‬ولا‭ ‬يتعرفون‭ ‬بفترة‭ ‬الكفاح‭ ‬التحريري‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬ولكن‭ ‬لن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬حفر‭ ‬بالجبال‭ ‬بأيادي‭ ‬الكبار‭ ‬لن‭ ‬يمحى‭ ‬بأصابع‭ ‬الصغار‭”‬،‭ ‬فقلت‭: “‬أين‭ ‬أنت‭ ‬منا،‭ ‬أنت‭ ‬لست‭ ‬بحاجة‭ ‬ربما‭ ‬لتونس‭ ‬فأنت‭ ‬المحامي،‭ ‬بينما‭ ‬تونس‭ ‬بحاجة‭ ‬لك‭ ‬وتونس‭ ‬اليوم‭ ‬تناديك،‭ ‬تونس‭ ‬تناديكم‭”… ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعلم‭ ‬يومها‭ ‬أنه‭ ‬فعلا‭ ‬سيلبي‭ ‬النداء‭ ‬إذ‭ ‬أسس‭ ‬حزب‭ “‬نداء‭ ‬تونس‭” ‬بعد‭ ‬3‭ ‬أشهر‭. ‬واستشهد‭ ‬بهذا‭ ‬الموقف‭ ‬وهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬وردا‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬المقاومين‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬يوم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬الحزب‭ ‬هذا‭ ‬الموعد‭ ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬فيه‭ ‬اسم‭ ‬نداء‭ ‬تونس‭. ‬فرحمة‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬روحك‭ ‬يا‭ ‬سيد‭ ‬تونس،‭ ‬أنت‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬تونس،‭ ‬أقولها‭ ‬اليوم‭ ‬أنا‭ ‬بورقيبي‭ ‬وسأموت‭ ‬بالفكر‭ ‬البورقيبي،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بورقيبة‭ ‬لينجح‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تونس‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬رجال‭ ‬في‭ ‬فريقه‭ ‬كالباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬مناضلا‭ ‬ومجاهدا‭ ‬ومقاوما‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الأحرار‭.‬

‭* ‬في‭ ‬رأيك‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬شخصية‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي؟

‭- ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬شخصية‭ ‬وطنية‭ ‬فذة‭ ‬كاملة‭ ‬الشروط،‭ ‬أعطى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬فكره‭ ‬ونضاله‭ ‬لتونس‭.. ‬كان‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مباشر‭ ‬معنا‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬لقاء‭ ‬معه‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬ديسمبر‭ ‬1954‭ ‬في‭ ‬سفح‭ ‬جبل‭ ‬سمامة،‭ ‬ثم‭ ‬لما‭ ‬تخرجنا‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬فوج‭ ‬للحرس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1956‭.. ‬كان‭ ‬إنسانا‭ ‬غيورا‭ ‬وصادقا‭ ‬يحب‭ ‬تونس‭ ‬كثيرا‭.‬

‭* ‬هل‭ ‬ندمتم،‭ ‬كمقاومين،‭ ‬بعدما‭ ‬سلمتم‭ ‬سلاحكم‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬سمامة‭ ‬يوم‭ ‬2‭ ‬ديسمبر‭ ‬1954؟

‭- ‬لم‭ ‬نندم‭ ‬لأن‭ ‬روح‭ ‬الوطنية‭ ‬كانت‭ ‬طاغية‭ ‬علينا،‭ ‬وكنا‭ ‬ننتظر‭ ‬بفارغ‭ ‬صبر‭ ‬لحظة‭ ‬رحيل‭ ‬المستعمرين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬عن‭ ‬بلادنا‭.‬

‭* ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تعلمته‭ ‬من‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي؟

‭- ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬الباجي‭ ‬الإخلاص‭ ‬للوطن‭ ‬والقلب‭ ‬الرحيم‭.. ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬بمحبة‭ ‬وعطف‭ ‬مع‭ ‬المواطن‭.. ‬وكان‭ ‬يبجل‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن‭ ‬قبل‭ ‬نفسه‭.‬

‭* ‬بماذا‭ ‬تنصح‭ ‬شباب‭ ‬اليوم‭ ‬وأنت‭ ‬المقاوم‭ ‬الذي‭ ‬حارب‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬استقلال‭ ‬تونس‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬الحديثة؟

‭- ‬من‭ ‬موقعي‭ ‬كمقاوم‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬التحرير‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬مارس‭ ‬1953‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬ديسمبر‭ ‬1954‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬استقبلنا‭ ‬فيه‭ ‬سي‭ ‬الباجي‭ ‬وسلمناه‭ ‬السلاح،‭ ‬أقول‭ ‬للشباب‭: ‬نحن‭ ‬كنا‭ ‬شبابا‭ ‬تركنا‭ ‬عائلاتنا‭ ‬وأرزاقنا‭ ‬وصعدنا‭ ‬إلى‭ ‬الجبال‭ ‬وقاومنا‭ ‬الاستعمار‭ ‬بأسلحة‭ ‬قديمة‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬واستشهد‭ ‬الكثيرون‭ ‬منا‭ ‬مازالوا‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬مدفونين‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬استشهادهم‭ ‬في‭ ‬الجبال،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬استقلال‭ ‬تونس‭ ‬ورفع‭ ‬رايتها‭ ‬عاليا‭. ‬لذا،‭ ‬أذكر‭ ‬شباب‭ ‬تونس‭ ‬وأطلب‭ ‬منهم‭ ‬العلم‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وأذكرهم‭ ‬بكلمة‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة‭ ‬عام‭ ‬1958‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭: “‬علموا‭ ‬أبناءكم‭ ‬وبناتكم‭ ‬لأن‭ ‬المخ‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬به‭ ‬علم‭ ‬يعتبر‭ ‬مثل‭ ‬الأرض‭ ‬المهملة‭.. ‬يأتي‭ ‬يوم‭ ‬ونصدر‭ ‬العلماء‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭”.. ‬لذا،‭ ‬حافظوا‭ ‬على‭ ‬تونس‭ ‬بالعلم‭ ‬والعمل،‭ ‬وبذلك‭ ‬تعيشون‭ ‬سعداء‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬حرة‭ ‬مستقلة‭”.‬

‭* ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬تونس‭ ‬اليوم؟

‭- ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬يضحون‭ ‬بالغالي‭ ‬والنفيس‭ ‬لتحقيق‭ ‬ستقدمها‭ ‬ورقيها‭ ‬وازدهارها‭ ‬ويقتدون‭ ‬بالرجال‭ ‬الذين‭ ‬حرروها‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والتخلف،‭ ‬لأن‭ ‬الوطن‭ ‬غال‭ ‬أعطيناه‭ ‬ما‭ ‬استطعنا‭ ‬وبنينا‭ ‬دولة‭ ‬عصرية‭.‬

‭* ‬علمنا‭ ‬أنك‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬مذكراتك‭ ‬التي‭ ‬ستمل‭ ‬عنوان‭ “‬مذكرات‭ ‬مقاوم‭” ‬فمتى‭ ‬سيصدر‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب؟

‭- ‬حاليا‭ ‬إن‭ ‬ابنتي‭ ‬المحامية‭ ‬في‭ ‬كندا‭ ‬بصدد‭ ‬مراجعة‭ ‬مضمون‭ ‬الكتاب،‭ ‬وسيصدر‭ ‬قريبا‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.