11 أبريل 2025

الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬وفاته

1 min read

الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬وفاته‭:‬

•وصيتي‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يغتروا‭ ‬بما‭ ‬يقوله‭ ‬أصحاب‭ ‬العصبيات‭ ‬التي‭ ‬تفسد‭ ‬ولا‭ ‬تصلح

كان‭ ‬لي‭ ‬بالراحل‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬علاقة‭ ‬قوية‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يصر‭- ‬يرجمه‭ ‬الله‭ ‬رحمة‭ ‬واسعة‭- ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬معه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬زياراتي‭ ‬الودية‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬بقرطاج‭ ‬بيرصا،‭ ‬وعبر‭ ‬الهاتف‭ ‬والجريدة‭ ‬والمجلة‭ ‬والكتاب‭.. ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬متواضعا‭ ‬جدا‭ ‬وخلوقا‭ ‬وفاضلا‭ ‬بأتم‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭- ‬وكان‭ ‬في‭ ‬جلساته‭- ‬معي‭ ‬ومع‭ ‬غيري‭ ‬يستمع‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يتكلم،‭ ‬وهو‭ ‬الهادئ‭ ‬الرصين‭ ‬ومساعدته‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬العصيبة‭ ‬وأيام‭ ‬المحن‭ ‬والشدة،‭ ‬وهو‭ ‬الفاعل‭ ‬للخير‭ ‬بلا‭ ‬من‭.. ‬وكلما‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬تصريحا‭ ‬صحفيا‭ ‬قصيرا‭ ‬أو‭ ‬حوارا‭ ‬طويلا‭ ‬للنشر‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬كان‭ ‬يلبي‭ ‬بسرعة‭ ‬ولم‭ ‬يرفض‭ ‬لي‭ ‬طلبا‭.. ‬قامت‭ ‬بيننا‭ ‬صداقة‭ ‬متينة‭ ‬أعتز‭ ‬بها،‭ ‬وقد‭ ‬شرفني‭ ‬بكتابة‭ ‬مقدمة‭ ‬جميلة‭ ‬لمجموعتي‭ ‬الشعرية‭ ‬السادسة‭ “‬مطر‭ ‬على‭ ‬قرطبة‭”.. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬لقاءاتي‭ ‬معه‭ ‬كنت‭ ‬أستفيد‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬معارفه‭ ‬الغزيرة‭ ‬ومن‭ ‬لغته‭ ‬العربية‭ ‬الأنيقة،‭ ‬وكنت‭ ‬أبادل‭ ‬احترامه‭ ‬وتقديره‭ ‬لي‭ ‬باحترام‭ ‬أكثر‭ ‬وتقدير‭ ‬أكبر‭.. ‬إنه‭ ‬المناضل‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي،‭ ‬والمربي‭ ‬والكاتب‭ ‬والمفكر‭ ‬والإعلامي‭.. ‬والعروبي‭ ‬الأصيل‭ ‬الذي‭ ‬تحركت‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬تحت‭ ‬رئاسته‭ ‬باستقلالية‭ ‬كاملة،‭ ‬رغم‭ ‬مرارة‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬الرديء‭ ‬والمتردي‭ ‬والمأزوم‭ ‬وتناقضاته‭..‬

وخلال‭ ‬معرفتي‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عدة‭ ‬عقود،‭ ‬أجريت‭ ‬مع‭ ‬الأستاذ‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬حوارات‭ ‬صحفية‭ ‬كثيرة‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬كتاب،‭ ‬اخترت‭ ‬منها‭ ‬الحوار‭ ‬التالي‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬شهر‭ ‬جويلية‭ ‬2015‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬وفاته،‭ ‬وكأنه‭ ‬أجري‭ ‬الآن‭. ‬تنشره‭ “‬المصير‭”‬،‭ ‬للوفاء‭ ‬والذكرى،‭ ‬وتقديرا‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الفذة‭ ‬والعظيمة‭:‬

إصلاح‭ ‬التعليم

‭* ‬تقع‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬استشارات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭. ‬أنتم‭ ‬كمُرب‭ ‬قديم‭ ‬في‭ ‬رأيكم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح؟

‭- ‬مسؤولية‭ ‬الإصلاح‭ ‬هذه،‭ ‬من‭ ‬صلاحيات‭ ‬القريبين‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬التربوي،‭ ‬بالمباشرة‭ ‬أو‭ ‬بالإدارة‭ ‬أو‭ ‬بالنضال‭ ‬النقابي‭. ‬أما‭ ‬الذين‭ ‬ينظرون‭ ‬عن‭ ‬بعد‭-‬‭ ‬ولو‭ ‬أنهم‭ ‬انتسبوا‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬سلك‭ ‬التعليم‭- ‬فالواجب‭ ‬يخولهم‭ ‬الإسهام‭ ‬بالرأي،‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬المبدئية‭ ‬التي‭ ‬توجه‭ ‬عملية‭ ‬الإصلاح،‭ ‬دون‭ ‬دخول‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭.‬

وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬المبادئ‭ ‬بيان‭ ‬وظائف‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬درجاته،‭ ‬وتنوع‭ ‬مجالات‭. ‬فالتعليم،‭ ‬عامة،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُهيئ‭ ‬الجيل‭ ‬الصاعد‭ ‬ليكونوا‭ ‬أعضاء‭ ‬صالحين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬والصلاح‭ ‬يعني‭ ‬أمورا‭ ‬كثيرة‭.‬

فالمتعلم،‭ ‬يكون،‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬مشواره،‭ ‬عضوا‭ ‬صالحا‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬بشروط‭. ‬أولها‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬الذي‭ ‬تلقاه‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بعمل‭ ‬نافع‭ ‬له،‭ ‬وللمجموعة‭ ‬الوطنية‭.‬

ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬صار‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬المجتمع،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬ما‭. ‬وذلك‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التخطيط‭ ‬قد‭ ‬اعتبر‭ ‬ضرورة‭ ‬الإنسجام‭ ‬بين‭ ‬حاجات‭ ‬البلاد‭ ‬ومناهج‭ ‬التعليم،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مآل‭ ‬الخريجين‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المجتمع‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬العامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬يدخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬ينتسب‭ ‬إليها‭.‬

ومن‭ ‬شروط‭ ‬صلاح‭ ‬المتعلم،‭ ‬عند‭ ‬خروجه،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أعد‭ ‬للإنصهار‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬الوطنية،‭ ‬لغة،‭ ‬وثقافة،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬إيمانا‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬واجبه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭. ‬وهو‭ ‬العامل‭ ‬الحضاري،‭ ‬ويخص‭ ‬انتساب‭ ‬افرد‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة‭ ‬الوطنية،‭ ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬نشاز‭ ‬بينه‭ ‬وبينها‭ ‬في‭ ‬الذهنية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬الوطني‭.‬

ومن‭ ‬شروط‭ ‬صلاح‭ ‬خريجي‭ ‬التعليم،‭ ‬أيضا،‭  ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قد‭ ‬اكتسبوا،‭ ‬خلال‭ ‬مدة‭ ‬تعلمهم،‭ ‬تفتحا‭ ‬على‭ ‬معاني‭ ‬الحداثة،‭ ‬ومعلومات‭ ‬صحيحة،‭ ‬عن‭ ‬تراثهم‭ ‬الحضاري‭ ‬وعن‭ ‬دينهم،‭ ‬تجعلهم‭ ‬في‭ ‬اعتزاز‭ ‬بالأصول،‭ ‬وعلى‭ ‬يقظة‭ ‬مما‭ ‬أُقحم‭ ‬فيهما‭ ‬من‭ ‬أباطيل،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬سلوكيات‭ ‬تنافي‭ ‬الأخلاق‭ ‬الإسلامية‭ ‬السمحة‭.‬

فالمتعلم‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون،‭ ‬عند‭ ‬خروجه،‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬معينة،‭ ‬حسب‭ ‬المجال،‭ ‬ولكن‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أيضا‭ ‬قد‭ ‬اكتسب‭ “‬ثقافة‭” ‬اجتماعية‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬التصرف‭.‬

ميثاق‭ ‬وطني‭ ‬للجميع

‭* ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تقييمكم‭ ‬للأوضاع‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وكيف‭ ‬في‭ ‬نظركم‭ ‬تتغلب‭ ‬على‭ ‬أزماتها‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬حاليا؟

‭- ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬خلفته‭ ‬عملية‭ ‬سوسة‭ ‬يحتم‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬وقائية‭- ‬دفاعا‭ ‬واحتياطا‭- ‬غير‭ ‬عادية‭. ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬ذلك‭ ‬الرئيس‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭. ‬ومما‭ ‬يقوي‭ ‬مفعول‭ ‬هذه‭ ‬التدابير‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بمساندة‭ ‬أغلبية‭ ‬الأطياف‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬لأنها‭ ‬تتعلق‭ ‬بأمن‭ ‬البلاد،‭ ‬وبمستقبل‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭.‬

ومما‭ ‬يتأكد‭ ‬إنجازه،‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬أن‭ ‬يكف‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬الخلافات‭ ‬الشخصية،‭ ‬والخصومات‭ ‬الحزبية،‭ ‬لأن‭ ‬المهدد،‭ ‬اليوم،‭ ‬أعم‭ ‬وأعظم،‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬المختلفة‭ ‬بشأنها،‭ ‬إذ‭ ‬به‭ ‬قِوام‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والأنشطة‭ ‬السياسية‭.‬

وهذا‭ ‬التضامن‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وأصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬ضروري‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬شهد‭ ‬به‭ ‬التاريخ‭- ‬القديم‭ ‬والحديث‭- ‬لتونس،‭ ‬من‭ ‬تماسك‭ ‬اللحمة،‭ ‬واعتدال‭ ‬التصرف،‭ ‬والتفتح‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬الأفضل‭.‬

والمطلوب‭ ‬اليوم،‭ ‬لتحصين‭ ‬تلك‭ ‬المكاسب،‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬التونسيون،‭ ‬كافة،‭ “‬كالبناء‭ ‬المرصوص‭”‬،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬زعزعة‭ ‬أمن‭ ‬البلاد،‭ ‬أو‭ ‬زرع‭ ‬بذور‭ ‬الفتنة‭ ‬بين‭ ‬أبنائها‭.‬

ولما‭ ‬كانت‭ ‬مهمة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الوطنية‭ ‬والمنظمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تشمل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬الحضارية‭ ‬المحورية،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المتأكد‭ ‬أن‭ ‬تُعلن‭ ‬جميعا‭ ‬ميثاقا‭ ‬تلتلزم‭ ‬به،‭ ‬ويبين‭ ‬معالم‭ ‬الطريق،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فصاعدا،‭ ‬ويجعل‭ ‬خطوطا‭ ‬حمراء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يُخل‭ ‬بأخلاقيات‭ ‬هذا‭ ‬الميثاق‭.‬

والتعبئة‭ ‬اللازم‭ ‬تنظيمها،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬لا‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬فحسب،‭ ‬أعني‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬تونس‭ ‬الاعتدال‭ ‬والتفتح‭ ‬والرقي‭ ‬الحضاري،‭ ‬من‭ ‬واجبات‭ ‬أوولي‭ ‬الشأن‭ ‬الديني،‭ ‬وأهل‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭.‬

بذلك‭ ‬يكون‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬بصورة‭ ‬متواصلة،‭ ‬على‭ ‬بينة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬الهامة،‭ ‬فيكون‭ ‬المواطنون‭ ‬جميعا‭- “‬حماة‭ ‬الحمى‭”- ‬أي‭ ‬من‭ ‬حماة‭ ‬البلاد،‭ ‬يذودون‭ ‬عن‭ ‬مكارم‭ ‬دينهم،‭ ‬ويكافحون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقامة‭ ‬مجتمعهم‭.‬

تحصين‭ ‬الثقافة‭ ‬التونسية

‭* ‬بعد‭ ‬استقلال‭ ‬البلاد‭ ‬قمتم‭ ‬بجهود‭ ‬كبرى‭ ‬لبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬وطنية،‭ ‬أصيلة‭ ‬ومتفتحة،‭ ‬لكننا‭ ‬نرى‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬ثقافتنا‭ ‬مهددة‭ ‬بعوامل‭ ‬كثيرة،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬تحصينها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مضطرب‭ ‬ومتغير؟

‭- ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬أرادتها‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬استقلالها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬التخلف،‭ ‬وتفتح‭ ‬الأذهان‭ ‬للفكر‭ ‬النير،‭ ‬وتهيئ‭ ‬العقول‭ ‬للإجتهادات‭ ‬المستقيمة،‭ ‬وتبرئ‭ ‬الأذواق‭ ‬من‭ ‬الرطانات‭ ‬اللافنية‭.‬

ثم‭ ‬أيضا‭- ‬وربما‭ ‬بالأولوية‭- ‬ثقافتنا‭ ‬التونيسة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬الربط‭ ‬مع‭ ‬النهر‭ ‬العظيم‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬تاريخنا،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مراحله،‭ ‬وخاتمتها‭ ‬مرحلة‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭. ‬ويحق‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بالإنتماء‭ ‬إليها‭ ‬إذ‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬آلت‭ ‬إليها‭ ‬قيادة‭ ‬الركب‭ ‬الحضاري‭ ‬قرونا‭ ‬متوالية،‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬ودمشق‭ ‬وبغداد‭ ‬وقرطبة‭ ‬والقيروان،‭ ‬وسائر‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭.‬

وثقافتنا‭ ‬التونسية‭ ‬التي‭ ‬يُضرب‭ ‬بتفتحها‭ ‬الأمثال،‭ ‬هي‭ ‬التي،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أركان‭ ‬الذاتية‭ ‬الوطنية،‭ ‬تتناغم‭ ‬مع‭ ‬اجتهادات‭ ‬العصر‭ ‬الفكرية،‭ ‬وما‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬إبداعات‭ ‬فنية‭ ‬وثقافية‭.‬

ففي‭ ‬سياق‭ ‬هذه‭ ‬الأريحيات‭ ‬الحضارية،‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬ننهض‭ ‬بثقافتنا‭ ‬التونسية،‭ ‬لتواصل‭ ‬إبداعاتها،‭ ‬خدمة‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وصيانة‭ ‬لقيمه‭ ‬التي‭ ‬عرف‭ ‬بها‭- ‬واستجابة‭ ‬لما‭ ‬دعت‭ ‬إليه‭ ‬الثورة‭.‬

‭* ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬كتابكم‭ ‬الجميل‭ “‬أضواء‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭: ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭”‬،‭ ‬أبرزتم‭ ‬العلاقة‭ ‬المتينة‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر،‭ ‬وتساءلتم‭: “‬ألم‭ ‬تكن‭ ‬ثورة‭ ‬شباب‭ ‬سيدي‭ ‬بوزيد،‭ ‬بشكل‭ ‬ما،‭ ‬صدى‭ ‬بعيدا‭ ‬لهذه‭ ‬الروح‭ ‬النضالية‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬أيام‭ ‬شبابه؟‭”‬،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬أردتم‭ ‬توجيهها‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬بذلك؟

‭- ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬بصدده،‭ ‬عن‭ ‬الثقافة،‭ ‬والأريحيات‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تستنير‭ ‬بها،‭ ‬هو‭ ‬متوجه‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع،‭ ‬بأسره،‭ ‬لكنه‭ ‬يهم‭ ‬الشباب،‭ ‬بصورة‭ ‬خاصة،‭ ‬لأن‭ ‬تكوين‭ ‬الشباب‭ ‬إعداد‭ ‬لما‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬الغد‭.‬

وأذكر‭ ‬هنا‭ ‬قولة‭ ‬الخليفة‭ ‬الفذ‭ ‬عمر‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب،‭ ‬إذ‭ ‬نبه‭ ‬الآباء‭ ‬إلى‭ ‬طريقة‭ ‬تربية‭ ‬أبنائهم‭. ‬فمن‭ ‬رأي‭ ‬عمر‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬أبناءنا‭ ‬اليوم‭- ‬سيعيشون‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬شهدناها‭ ‬نحن‭ ‬الآباء‭. ‬ولذا‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تربيتنا‭ ‬لهم‭ ‬جامعة‭ ‬بين‭ ‬المبادئ‭ ‬الثابتة،‭ ‬وبين‭ ‬فتح‭ ‬السبل‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يتغير،‭ ‬بمرور‭ ‬الزمان،‭ ‬وتبدل‭ ‬المكان،‭ ‬وتطور‭ ‬العقليات‭.‬

واليوم‭ ‬يحتاج‭ ‬شبابنا‭ ‬إلى‭ ‬تثبيت‭ ‬مرجعيات‭ ‬أخلاقية،‭ ‬على‭ ‬ضوئها‭ ‬يواجهون‭ ‬المهمات،‭ ‬ولكن‭ ‬يحتاجون‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬اجتهادات‭ ‬جديدة‭ ‬تفتح‭ ‬لهم‭ ‬سبل‭ ‬المستقبل‭.‬

أما‭ ‬المرجعيات‭ ‬التي‭ ‬أُوصي‭ ‬بها،‭ ‬اليوم،‭ ‬فتخص‭ ‬جواهر‭ ‬حضارة‭ ‬الإسلام‭ ‬التي‭ ‬غابت‭ ‬عن‭ ‬أغلب‭ ‬الدعاة‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬تعليمه‭. ‬فمن‭ ‬فضائل‭ ‬الإسلام‭ ‬أنه‭ ‬دين‭ ‬وحضارة،‭ ‬ومناقب‭ ‬أخلاقية،‭ ‬وطاعة‭ ‬لله‭ ‬فيما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬إبداعات‭ ‬بها‭ ‬أشرقت‭ ‬شمس‭ ‬حضارته‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

فوصيتي‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يغتروا‭ ‬بما‭ ‬يقوله‭ ‬أصحاب‭ ‬العصبيات‭ ‬التي‭ ‬تفسد‭ ‬ولا‭ ‬تصلح،‭ ‬وأن‭ ‬يكونا‭ ‬دوما‭ ‬واثقين‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬دين‭ ‬عبادة‭ ‬وأخلاق‭ ‬وحضارة،‭ ‬وأن‭ ‬القتل،‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الإسلام،‭ ‬بخطورة‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬جميعا،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬إكراه‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ‭”‬التقوى‭” ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬اتباع‭ ‬لتعاليم‭ ‬معينة،‭ ‬وجملة‭ ‬من‭ ‬الخصال،‭ ‬تتلخص‭ ‬فيما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬القرآن‭ ‬بـ‭”‬الإحسان‭”‬،‭ ‬وأن‭ ‬الإسلام‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬العناية‭ ‬بالحياة‭- ‬عالم‭ ‬الشهادة‭- ‬كأنها‭ ‬دائمة‭ ‬أبدا،‭ ‬كما‭ ‬يوصي‭ ‬بالتفكر‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬كأنها‭ ‬ستحل‭ ‬غدا‭.‬

وهذا‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬عالمي‭ ‬الغيب‭ ‬والشهادة،‭ ‬هو‭ ‬الوتر‭ ‬المشدود‭ ‬بين‭ ‬الحاضر‭ ‬والغيب،‭ ‬بين‭ ‬الحضارة‭ ‬والدين،‭ ‬ويفرض‭ ‬التزام‭ “‬القوام‭” ‬الذي‭ ‬يعني،‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬القرآن،‭ ‬الإتزان‭ ‬والاعتدال‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬كلها،‭ ‬واجتناب‭ ‬الغلو‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬الدينية‭.‬

معاني‭ ‬الإسلام

‭* ‬في‭ ‬كتابكم‭ ‬الرائع‭ “‬أمة‭ ‬تواجه‭ ‬عصرا‭ ‬جديدا‭”‬،‭ ‬قلتم‭: “‬إن‭ ‬الإسلام،‭ ‬من‭ ‬التطرف‭ ‬والإنغلاق‭ ‬والأعمال‭ ‬العدوانية‭ ‬براء‭ ‬فهو،‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الاجتهاد‭ ‬وإعمال‭ ‬العقل،‭ ‬ودعوة‭ ‬إلى‭ ‬السلام،‭ ‬والذين‭ ‬ينشرون‭ ‬عنه‭ ‬صورة‭ ‬مريبة،‭ ‬يذهبون،‭ ‬في‭ ‬دراستهم‭ ‬له،‭ ‬مذاهب‭ ‬تجانب‭ ‬الروح‭ ‬العملية،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يجدون‭ ‬تأييد‭ ‬جماعات‭ ‬متخلفة،‭ ‬في‭ ‬فهمها‭ ‬للإسلام‭ ‬قرآنا‭ ‬وسنة،‭ ‬أخلاقا‭ ‬وفكرا‭”.‬

في‭ ‬رأيكم‭ ‬كيف‭ ‬نقنع‭ ‬شباب‭ ‬اليوم‭ ‬بذلك،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تيعرض‭ ‬إليه‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬أبشع‭ ‬طرق‭ ‬التشويه‭ ‬وأشنعها؟

‭- ‬من‭ ‬واجبات‭ ‬المجتمع‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬برامج‭ ‬التعليم‭- ‬في‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭- ‬إلى‭ ‬إكساب‭ ‬معلومات،‭ ‬وإلى‭ ‬تلقين‭ ‬حقائق‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬للتحصين‭ ‬عن‭ ‬الدعايات‭ ‬الخاطئة‭ ‬المخطئة،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬دين‭ ‬عسر،‭ ‬وتكفير،‭ ‬وقتل،‭ ‬وتقهقر‭.‬

فهذه‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬عصور‭ ‬الإنحطاط‭. ‬أما‭ ‬الإسلام‭ ‬الأصلي،‭ ‬الذي‭ ‬ابهرت‭ ‬به‭ ‬أمم‭ ‬كثيرة،‭ ‬فهو‭ ‬يجعل‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬محور‭ ‬الأمور‭ ‬الدينية‭ ‬والشؤون‭ ‬الدنيوية،‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاجتهاد‭ ‬فيهما‭ ‬معا،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬ويفرض‭ ‬نشر‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة،‭ ‬وإقامة‭ ‬نُظم‭ ‬التضامن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬ويأمر‭ ‬بالشورى‭ ‬بين‭ ‬الحاكم‭ ‬ومنظوريه،‭ ‬وهو‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬إكراه‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬وأن‭ ‬سلامة‭ ‬عقيدة‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬الله،‭ ‬وحده،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لأحد‭ ‬الشك‭ ‬فيها،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نطق‭ ‬المسلم‭ ‬بالشهادتين‭.‬

فمن‭ ‬واجبات‭ ‬التعليم‭ ‬أن‭ ‬يكسب‭ ‬الشباب‭ ‬ثقافة‭ ‬تجعلهم‭ ‬موقنين‭ ‬بأن‭ ‬الإسلام‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والحضارة،‭ ‬عروة‭ ‬وثقى‭ ‬لا‭ ‬انفصام‭ ‬لها‭- ‬أي‭ ‬هو‭ ‬يحض‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬أخلاقية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬وحضارية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتضمنها‭ ‬الحداثة‭.‬

فتنة‭  ‬العصر

‭* ‬نرى‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬ومنه‭ ‬تونس،‭ ‬تعصف‭ ‬به‭ ‬دوامة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وأخطار‭. ‬فكيف‭ ‬وصل‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المؤلم؟‭ ‬وكيف‭ ‬يحمون‭ ‬وجودهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬المتربص‭ ‬بهم‭ ‬ومن‭ ‬الجماعات‭ ‬الدموية‭ ‬العنيفة؟

‭- ‬الإرهاب‭ ‬فتنة‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭. ‬نعم‭ ‬تشمل‭ ‬دولا‭ ‬عديدة‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬أن‭ ‬ننفي‭ ‬مسؤوليتنا،‭ ‬نحن‭ ‬العرب،‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬الفتنة‭.‬

وحسب‭ “‬منظرين‭” ‬عرب،‭ ‬هذه‭ ‬الفتنة‭ ‬من‭ ‬تدبير‭ ‬خصوم‭ ‬القضايا‭ ‬العربية،‭ ‬يأتمرون‭ ‬دوما‭ ‬بأمن‭ ‬دولنا‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬أن‭ ‬مفتاح‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬بأيدينا،‭ ‬أعني‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬برامج‭ ‬التعليم‭ ‬تلقن‭ ‬الشباب‭ ‬الطالع‭ ‬حقيقة‭ ‬دينهم،‭ ‬وأنه‭ ‬حضارة‭ ‬وأخلاق،‭ ‬وثقافة‭ ‬وفكر‭ ‬نير،‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬عقيدة‭ ‬هي‭ ‬خلاصة‭ ‬الرسالات‭ ‬السماوية،‭ ‬في‭ ‬نقاوتها‭ ‬وسموها،‭ ‬بما‭ ‬يسرته‭ ‬من‭ ‬نهوض‭ ‬ومن‭ ‬رقي،‭ ‬ومن‭ ‬إبداع‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الوسائل‭ ‬الأمنية‭ ‬الضرورية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية،‭ ‬فتلقين‭ ‬شبابنا‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬دينهم‭ ‬وعن‭ ‬حضارتهم،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أني‭ ‬قي‭ ‬مجتمعنا‭ ‬غائلات‭ ‬المستقبل،‭ ‬ويهيئ‭ ‬له‭ ‬الطاقات‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬تحصنه‭ ‬ضد‭ ‬التيارات‭ ‬الظلامية‭.‬

انخرام‭ ‬المجموعة‭ ‬العربية

‭* ‬حسب‭ ‬خبرتكم‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العربية‭ ‬والدولية،‭ ‬لماذا‭ ‬تراجع‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬كثيرا‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬وسائل‭ ‬إنقاذ‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬وبعد‭ ‬خمس‭ ‬سبعين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هل‭ ‬مازال‭ ‬لها‭ ‬معنى‭ ‬ودور؟

‭- ‬المجموعة‭ ‬العربية‭- ‬التي‭ ‬أرادها‭ ‬أسلافنا‭- ‬انخرمت‭ ‬أركانها،‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬نُجمل‭ ‬بعضها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

‭ ‬الخطأ‭ ‬المبدئي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الأولويات‭: ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأهمت‭ ‬قضية‭ ‬النهوض‭ ‬الحضاري‭- ‬أي‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭- ‬أو‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭.‬

‭ ‬وانخرمت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬مدة‭ ‬طويلة،‭ ‬لانقسام‭ ‬الصف‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬شقين،‭ ‬أحدهما‭ ‬متشيع‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬والآخر‭ ‬مرتبط‭ ‬بما‭ ‬سمي‭ ‬بالعالم‭ ‬الحر‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬الإنخرام‭ ‬أيضا،‭ ‬تطلع‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الزعامة‭ “‬القومية‭”‬،‭ ‬وانكماش‭ ‬البعض‭ ‬عن‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الحضارية،‭ ‬بدعوى‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الخاصة،‭ ‬وتهم‭ ‬السيادة‭ ‬الداخلية،‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬لأهلها‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬شوشت‭ ‬العلاقات‭ ‬البينية‭ ‬انزلاق‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬خلافات‭ ‬مع‭ ‬الأجوار،‭ ‬والدخول‭ ‬أحيانا‭ ‬في‭ ‬صراعات‭- ‬أو‭ ‬في‭ ‬حروب‭- ‬شغلتهم‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬الجوهرية‭.‬

وغير‭ ‬مُجد‭- “‬في‭ ‬ملتي‭ ‬واعتقادي‭”- ‬أن‭ ‬يتواصل‭ ‬العمل‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭.‬

والرأي‭ ‬عندي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬به‭ ‬دولنا،‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬السبعينات‭ ‬وأوائل‭ ‬الثمانينا،‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬للتكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بينها،‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭- ‬وقد‭ ‬انقطع‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة‭- ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُضاف‭ ‬إلى‭ ‬التكامل‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التجانس‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الحضارية،‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬النهوض‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬والمجتمعي‭ ‬متضافرا‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬توسيع‭ ‬التكامل‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬لتكون‭ ‬على‭ ‬شبه‭ ‬التجانس،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬التكامل‭.‬

القضية‭ ‬الفلسطينية

‭* ‬أي‭ ‬مصير‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعدما‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬كيف‭ ‬الخروج‭ ‬منه؟

‭- ‬كان‭ ‬لتونس،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬بورقيبة،‭ ‬نظرية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحل‭ ‬النهائي‭. ‬فلم‭ ‬يُقبل‭ ‬رأيه،‭ ‬وفات‭ ‬الزمان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬يمكن‭ ‬الأخذ‭ ‬به‭. ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فالحل‭ ‬مرتبط‭ ‬بأمور‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬منها‭:‬

‭ ‬أن‭ ‬تعي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬الجسيمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬المتعلقة‭ ‬بهذه‭ ‬القضية‭.‬

‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للملإ‭ ‬الدولي‭ ‬عزم‭ ‬على‭ ‬محاسبة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لعدم‭ ‬انصياعها‭ ‬للشرعية‭ ‬الدولية‭.‬

‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ضرورة‭ ‬الكلمة‭ ‬الفصل‭ ‬من‭ ‬طرفه،‭ ‬في‭ ‬خصوص‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭.‬

والرأي‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬واجبات‭ ‬المجموعة‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬المسائل‭ ‬الثلاث‭. ‬وأما‭ ‬واجب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬فأن‭ ‬يكون‭ ‬صفا‭ ‬واحدا،‭ ‬وأن‭ ‬يتكلموا‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭ ‬بلغة‭ ‬واحدة،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬يهتموا‭ ‬إلا‭ ‬بجوهر‭ ‬قضيتهم‭. ‬ومن‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬تجاه‭ ‬القضية،‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توحيد‭ ‬الصفوف‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأن‭ ‬تمد‭ ‬أولي‭ ‬الأمر،‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بكل‭ ‬المساعدات‭- ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭- ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬العون‭ ‬الأجنبي‭.‬

لكن‭- ‬وهذا‭ ‬ربما‭ ‬الأهم‭- ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬المفكرين‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬إعداد‭ ‬مقترحات‭ ‬مبدئية‭ ‬لمعالجة‭ ‬القضية،‭ ‬وللنهوض‭ ‬بالعمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬النجاعة‭.‬

مرجعيات‭ ‬جوهرية

‭* ‬في‭ ‬رأيك‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬من‭ ‬أخطار،‭ ‬حاضرا‭ ‬ومستقبلا؟

‭- ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مصير‭ ‬كريم‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية‭- ‬دولا‭ ‬ومجتمعات‭:‬

‭ ‬إنهاء‭ ‬الفتنة‭ ‬الحضارية‭ ‬التي‭ ‬يُعانون‭ ‬منها‭- ‬والتي‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الخصم‭ ‬الصهيوني‭.‬

‭ ‬والتصدي‭ ‬لإنهاء‭ ‬حالات‭ ‬الفقر‭ ‬الصارخة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العربي،‭ ‬وقاية‭ ‬للكرامة‭ ‬العربية‭.‬

‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬مرجعيات‭ ‬جوهرية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المصالح‭ ‬البينية‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬دولنا‭ ‬شيعا‭ ‬وفرقا،‭ ‬فتكون‭ ‬قلوبنا‭ ‬شتى‭.‬

‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬التعليمات‭ ‬الجماعية‭ ‬بتسهيل‭ ‬سبل‭ ‬التعاون‭ ‬البيني،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتعليم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬والصحة‭ ‬والثقافة‭.‬

اللغة‭ ‬العربية

‭* ‬نعرف‭ ‬دفاعكم‭ ‬القوي‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى،‭ ‬ألا‭ ‬ترون‭ ‬أنها‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬كثيرة‭ ‬تهددها،‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬اللهجات‭ ‬المحلية‭ ‬والعامية؟

‭- ‬مستقبل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بأيدي‭ ‬ساسة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭. ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬للمسؤولين‭ ‬السياسيين‭ ‬من‭ ‬الاقتناع‭ ‬بأن‭ “‬اللغة‭ ‬العربية‭” ‬جديرة‭ ‬بأن‭ ‬يتقنها‭ ‬ساسة‭ ‬القوم،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬مقومات‭ ‬الجدارة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬وذلك‭ ‬يعني‭ ‬إنهاء‭ ‬الظن‭ ‬الشائع‭ ‬بأن‭ ‬الفصحة‭ ‬يعسر‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬السياسة‭ ‬أن‭ ‬يحسنوا‭ ‬استعمالها،‭ ‬وأن‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ “‬يكسروها‭” ‬كما‭ ‬يتفق‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.