الحبيب الذوادي: عقب اختتام أشغال القمة الفرانكفونية المنعقدة بجربة في نوفمبر 2022
1 min read
عقب اختتام أشغال القمة الفرانكفونية المنعقدة بجربة في نوفمبر 2022 “تونس لن تخيب الانتظارات …
ولا بد لها تحويل ايجابيات هاته القمة إلى مكاسب وبرامج عملية واسعة الأهداف و الرؤى”
بقلم: الحبيب الذوادي
لقد أولت تونس على الدوام المشروع الفرانكفوني اهتماما موصولا حيث مثلت الفرانكوفونية إطارا ملائما لإثراء الموروث الثقافي و الحضاري لها، و أداة ناجعة لتعميق علاقاتها السياسية و الاقتصادية و الثقافية… مع مختلف الدول بهذا الفضاء، فبمبادرة من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة ، و نظيره السنغالي ليو بولد سيدارسنغور، و النيجيري خماني دوري، إضافة إلى أمير كمبوديا نورودوم سيهانوك بتاريخ 20/03/1970 تم اشاء هذا الفضاء الفرانكفوني الذي أصبح يطلق عليه اليوم المنظمة الدولية للفرانكفونية بداية من سنة 2007 ، و قد ضمت المنظمة خلال سنة 2014 ثمانون دولة منها 57 عضوا و 23 مراقبا ، ثم بدأت تتوسع لتشمل التعاون السلمي ، والديمقراطية والتنمية المستدامة و الاقتصاد و التقنيات الجديدة … فارتفع العدد إلى 88 دولة منها 54 عضوا و7 منتسبين و 27 مراقبا ويتواجد مقر اليوم بباريس إضافة إلى 6 مكاتب إقليمية ويشمل الفضاء الفرانكفوني اليوم 321 مليونا ناطقا باللغة الفرنسية، ويتوقع أن يتضاعف عددهم بنهاية 2050 بفضل انتشار اللغة الفرنسية في القارة الأفريقية.
جزيرة جربة استضافت خلال يومي 19 و 20 نوفمبر 2022 الأشغال الرسمية للدورة 18 للقمة الفرانكفونية التي تزامنت مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لإنشاء المنظمة بمشاركة حوالي 90 وفدا رسميا، و أكثر من 30 من كبار القادة بين رؤساء و حكومات ووزراء خارجية و أمنا عامين لمنظمات دولية وشخصيات سياسية بارزة…. و لقد تصدر جدول أعمال دورة جربة، تعزيز التعاون الاقتصادي بالفضاء الفرانكفوني إلى جانب مسائل أخرى مثل، سبل دعم التنمية و الأمن الغذائي و الطاقي في المنظمة الفرانكفونية، فضلا عن مناقشة قضايا متصلة بحقوق الإنسان و الديمقراطية، والتعددية الحزبية و السياسية…. و لقد انتظمت عدة فعاليات دولية على هامش هاته، منها المنتدى الاقتصادي تحت عنوان “الاتصال و الرقمنة محركين أساسيين للتنمية”
ولقد سبق الافتتاح الرسمي للقمة انعقاد أشغال الدورة 43 للمجلس الوزاري الذي يمثل 85 دولة عضوا في المنظمة الفرانكفونية، و شارك فيه أكثر من 20 وزير خارجية ووزير مكلف بالفرانكفونية، إضافة لممثلي كل الدول الأعضاء في المنظمة لتناول عدد من القضايا التي تشغل الدول المنضوية بهذا الفضاء الفرانكفوني التشغيل و التنمية والشباب، و مسائل سياسية و عدة تهديدات تواجه الفضاء الفرانكفوني، إضافة إلى الاجتماع الوزاري الذي تطرق للتقريرين الأدبي و المالي ، و إعداد ميزانية 2023 للمنظمة، و استيراتجيتها للفترة 2023-2030 ، و بحث طلبات انضمام دول جديدة لقائمة الدول الأعضاء بالقمة وقد ترأس الدورة 43 للمجلس الوزاري ،وزير الخارجية التونسي، ون عدد من ممثلي المنظمة، ووزراء خارجية الدول الأعضاء.
وعلى اثر استلام تونس للقمة الفرانكفونية في دورتها 18 أكد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد أن اختيار تنظيم القمة الفرانكفونية بجزيرة جربة ليس اعتباطيا بل هو ثمرة عمل جماعي و متواصل وبإرادة صلبة لتنظيمها في أحسن الظروف وإنجاحها، مثمنا ما عبرت عليه الوفود الحاضرة بأن انعقادها يعتبر مؤشرا لما تحظى به تونس من ثقة في مختلف فضاءات انتمائها عبر العالم، فرغم كل العراقيل أكد للجميع أن تونس بقيت محترمة لالتزاماتها الدولية بتسخيرها الطاقات البشرية ولضمان كافة مقومات النجاح لإشغالها ولفعالياتها الموازية بعد انطلاق إعدادها بشكل مبكر ، وملفتا النظر في الآن نفسه أن اختيار الرقمنة كعنصر تضامن ة تنمية بين الدول لم يأت اعتباطيا بل تم وضعه شعارا لقمة تونس بالنظر الى التغييرات الكبرى التي يعرفها العالم اليوم.
لقد تمت المصادقة في 20/11/2022 على “إعلان جربة” للقمة الفرانكفونية من بين ما تضمنه الإعلان حلول من أجل الخروج من الأزمات، وتدعيم السلم داخل الفضاء الفرانكفوني، كما تضمن البيان الاستراتيجي للفرانكفونية خلال الفترة الممتدة بين سنوات 2023/2030 …. وقد أعربت تونس في شخص رئيس الجمهورية بعد مصادقتها على هذا على هذا الإعلان عن سعادتها بما انه سيوجه مختلف التحركات والمشاريع التي ستعتمدها المنظمة خلال السنوات المقبلة، و مؤكدا من جانب اخر نجاح القمة على كل المستويات و تعلق تونس بالمبادئ المشتركة للديمقراطية والحرية والمواطنة و مشددا قناعته التامة بالتزام دول الفضاء الفرانكفوني بمخرجات فعلية تستجيب لتطلعات الشعوب والنساء و الشباب لمستقبل أفضل لذا فلا بد لتحقيق أهداف المنظمة وفق نظرنا العمل خلال الأربعة سنوات القادمة على مزيد تعزيز حضور اللغة الفرنسية على “الويب” من خلال زيادة قابلية الاكتشاف للمحتوى الرقمي باللغة الفرنسية، وإعطاء الأولوية لصناعة الثقافة الفرانكفونية نظرا لتأثيرها في تعزيز اللغة الفرنسية في العالم، أما على الصعيد السياسي فيتعين العمل على أجهزة المنظمة النظر في حالات تسوية الصراع بين دول العالم الناطقة بالفرنسية ، الى جانب دعم نساء صاحبات المشاريع الصغرى و المتوسطة والمرأة الريفية.
و بعد أن أسدل الستار على كامل أنشطة النسخة 18 للقمة الفرانكفونية بحربة يوم 22/11/2022 التي انطلقت فعالياتها بصفة رسمية منذ 19/11/2022 و التي تضمن برنامجها عدة أنشطة و ملتقيات و تظاهرات متنوعة تزامنت مع عدة مناسبات دولية أخرى هامة انتظمت في سياق متصل بالقمة على غرار اجتماع مجلس وزراء البلدان الأعضاء في المنظمة الفرانكفونية في دورته 43 إضافة إلى المنتدى الاقتصادي الفرانكفوني الرابع …تتجه الأنظار اليوم للثمار التي يجب أن تجنيها بلادنا ما بعد هذا الحدث العالمي ، فبقطع النظر عن الاتفاقيات و مذكرات التعاون ، و الشراكة التي تم إبرامها على هامش هاته القمة التي سجلت حضور وفود رفيعة المستوى ،جمع بين رؤساء بلدان ،و رؤساء حكومات ،ووزراء و ممثلي بلدان و منظمات ناطقة باللغة الفرنسية ، فان الجميع ينتظر إلى الجانب البراغماتي في سياسية بلادنا و مدى نجاعتها في تحقيق الاستثمار الناجح خصوصا أمام ما حظيت به القمة من اهتمام و متابعة دولية جعلت من بلادنا حينها عاصمة عالمية للفرانكفونية على امتداد أكثر من أسبوع لا سيما بعد النجاح التنظيمي الباهر على جميع المستويات وفق ما تم تداوله و تناقلته وسائل إعلام و جهات مشاركة وطنية ودولية.
فالأسباب عديدة اليوم و التي لابد أن تدفع الجهات الرسمية للمراهنة على ما تحقق من هذه القمة من مكاسب لتونس بعد الحضور الدولي ، فهي بدون شك صورة بلد يمتلك عديد الخاصيات و الإمكانيات و المؤهلات و المؤشرات و العوامل التي ترشحه ليدخل في شراكات و برامج تعاون ، و استثمار مع عديد البلدان من قبل ما تتوفر عليه بلادنا من مكاسب طبيعية و بشرية و مناخية … مما يجعل منها أرضية استثمارية تكون قبلة للاستثمار الأجنبي في ظل ما يعرفه عالمنا اليوم من تغيرات و ظهور تحالفات جيوستراتيجية جديدة و إعادة تشكل و تشبك دولي جديد لذا فالوضع و الضرورة اليوم تحتم على تونس و في ظرف وجيز تجاوز الصعوبات ، و لا يتسنى ذلك إلا بضبط سياسة خارجية هادفة تعمل على تكريس الايجابي الذي تحقق في القمة الفرانكفونية بجربة في سياستها الخارجية و الاقتصادية و الثقافية خصوصا بما يخدم أهداف تونس و يسهل لها الخروج من هاته المرحلة الصعبة من خلال إقرار عديد الإصلاحات وعديد التوجهات و من أهمها مزيد تحقيق الاستقرار السياسي الاجتماعي و الاقتصادي ، وفي هذا الصدد لا بد لها إعادة النظر في التوجهات الاقتصادية و السياسات القطاعية ،و تطوير مناخ الأعمار و تحقيق التوازنات الكبرى المطلوبة ، و من ثم فان الاتفاقيات الحاصلة خلال القمة و المتمثلة في طرح وتناول محاور التشغيل و التنمية …. و مسائل سياسية أخرى تهدد الفضاء الفرانكفوني هي بالأساس مشغل الواقع التونسي في هذه المرحلة تحديدا ، و بالتالي فان تحقيق تعافي الاقتصاد الوطني و الاستجابة لجانب من مطالب التونسيين الاجتماعية بالأساس ، و حلحلة الوضع الاجتماعي كلها ممكنة التحقيق ، إذا ما نجحت الدولة في تحويل ايجابيات هاته القمة إلى مكاسب و برامج عملية واسعة الأهداف و الرؤى بما يتناقض مع مراهنة المعارضة التونسية اليوم من خلال موجة التخويف و التشكيك لتوسيع الضغوط المفروضة على بلادنا لدى عديد الجهات الخارجية .
باحث و ناشط في الحقل الجمعياتي بمدينة بنزرت