29 ديسمبر 2024

د. عبد القادر بشته: الكورونا زمن العولمة

1 min read

د. عبد القادر بشته

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬لوباء‭ ‬الكورونا‭ ‬سلبيات‭ ‬اخطرها‭ ‬المرض‭ ‬العضال‭ ‬و‭ ‬الموت‭ … ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬نظرنا‭ ‬الى‭ ‬المسألة‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مضار‭ ‬العولمة‭ . ‬وقد‭ ‬اتبع‭  ‬المفكر‭ ‬الكبير‭ ‬ادغار‭ ‬مورن‭ ‬هذا‭ ‬التمشي‭ ‬في‭ ‬حواراته‭ ‬الأخيرة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بهذا‭ ‬الوباء‭.‬

1‭‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬

انبثقت‭ ‬خلال‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تحديدا‭ ‬في‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭  ‬سياسات‭ ‬مستقرة‭ ‬تقوي‭ ‬الأقوياء‭ ‬يعني‭ ‬البلدان‭ ‬المصنعة‭ ‬الكبرى‭  ‬وتضعف‭ ‬الضعفاء‭ ‬بل‭ ‬وتقهرهم‭. ‬وقد‭ ‬حدت‭ ‬أزمة‭ ‬الكورونا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭. ‬فقد‭ ‬تحدث‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬المشهور‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬المصانع‭ ‬كعادته‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬عن‭ ‬الأجراء‭  ‬والعاطلين‭ ‬على‭ ‬العمل‭ . ‬كما‭  ‬أشار‭ ‬الى‭ ‬إمكانية‭ ‬تأسيس‭ ‬نمط‭ ‬جديد‭  ‬للنمو‭ ‬والتطور‭ . ‬وهي‭ ‬لعمري‭ ‬بداية‭ ‬جيدة‭ ‬لتغيير‭  ‬الأحوال‭ . ‬وفي‭ ‬أمريكا‭  ‬يمكن‭ ‬لترامب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ينتخب‭ ‬ثانية‭ ‬نظرا‭ ‬لأدائه‭ ‬اثناء‭ ‬الكورونا‭ ‬وبعدها‭ ‬وتفضيله‭ ‬للاقتصاد‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭  ‬وان‭ ‬حصل‭ ‬هذا‭ ‬فعلا‭ ‬فستتغير‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بصفة‭ ‬جدية‭. ‬وأكبر‭ ‬مستفيد‭ ‬سيكون‭  ‬شعبنا‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأبي‭. ‬أما‭ ‬تونس‭ ‬فعرفت‭ ‬نجاحا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الوباء‭ ‬وهدوءا‭ ‬سياسيا‭ ‬نسبيا‭ ‬تبعا‭ ‬لذلك‭ . ‬لكن‭ ‬الأمور‭  ‬بدأت‭  ‬في‭ ‬الانفجار‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الداء‭ ‬لأسباب‭ ‬غير‭ ‬وبائية‭ ‬أجلتها‭ ‬الكورونا‭ ‬ولعلنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬تلامس‭ ‬الاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬المنفصل‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬وغيره‭.‬

2‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬

فقد‭ ‬تميزت‭ ‬العولمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬خصوصا‭ ‬بإرادة‭ ‬الربح‭ ‬وبضرورة‭ ‬المردودية‭ ‬ضاربة‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬محلي‭ ‬إذ‭ ‬هي‭ ‬تخدم‭ ‬أساسا‭ ‬رؤوس‭ ‬الاموال‭ ‬الكبرى‭ ‬العالمية‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتحررية‭ ‬الجديدة‭ (‬Néolibéralisme‭) ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الفرد‭ ‬القوي‭ ‬و‭ ‬الثري‭.‬

ومن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تشجع‭ ‬الكورونا‭ ‬على‭ ‬ازدهار‭ ‬المحليات‭ ‬وعلى‭ ‬تراجع‭ ‬الكونيات‭ ‬عبر‭ ‬ارساء‭ ‬التجارة‭ ‬المحلية‭ ‬والحرف‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬ايجاد‭ ‬مواطن‭ ‬شغل‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الحذر‭ ‬إن‭ ‬لهذا‭ ‬الوباء‭ ‬ايجابيات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

أ‭) ‬إن‭ ‬بلادنا‭ ‬المدانة‭ ‬جدا‭ ‬لدى‭ ‬البنوك‭ ‬الدولية‭ ‬شديدة‭ ‬الارتباط‭ ‬بالعولمة‭ ‬ستحظى‭ ‬ببرمجة‭ ‬جديدة‭ ‬مريحة‭.‬

ب‭) ‬إن‭ ‬تعليق‭ ‬الحج‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬وهو‭ ‬ناتج‭ ‬طبعا‭ ‬عن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬الكورونا‭. ‬أعتبر‭ ‬انني‭ ‬مسلم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬النخاع‭ ‬وانني‭ ‬أكن‭ ‬محبة‭ ‬خاصة‭ ‬للشقيقة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الحجيج‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬تحت‭ ‬الصفر‭ ‬ماديا‭ ‬يحجون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬قوت‭ ‬اسرهم‭. ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يحج‭ ‬قصد‭ ‬الفسحة‭ ‬والتجارة‭ ‬لا‭ ‬استجابة‭ ‬إلى‭ ‬نداء‭ ‬الواجب‭ ‬الديني‭. ‬وهكذا‭ ‬سيتسنى‭ ‬لبلادنا‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بأموال‭ ‬كبيرة‭.‬

3‭ ‬الناحية‭ ‬البيئية

وقد‭ ‬ادت‭ ‬العولمة‭ ‬إلى‭ ‬تلوث‭ ‬كبير‭ ‬للبيئة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬انتشار‭ ‬الغاز‭ ‬الفحمي‭ (‬Gaz carbonique‭) ‬وكذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الإشعاعات‭ ‬النووية‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أمراض‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬السرطان‭ ‬عفانا‭ ‬وعفاكم‭ ‬الله‭.‬

وكان‭ ‬للكورونا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬بعد‭ ‬ايجابي‭. ‬فقد‭ ‬أعطانا‭ ‬العزل‭ ‬الصحي‭ ‬فرصة‭ ‬لاستنشاق‭ ‬هواء‭ ‬غير‭ ‬ملوث‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬أصبحنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬نبتعد‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬الأطعمة‭ ‬المسممة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نتناولها‭ ‬يوميا‭ ‬وعن‭ ‬ثقافة‭ ‬ما‭ ‬يقذف‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬الإستهلاك‭ ((‬Jetables‭. ‬

4 ‬البعد‭ ‬الإنساني

وقد‭ ‬عرفت‭ ‬العولمة‭ ‬تباعدا‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬فالجميع‭ ‬يعملون‭ (‬إن‭ ‬وجدوا‭ ‬عملا‭) ‬ولا‭ ‬يهتمون‭ ‬إلا‭ ‬بمصالحهم‭ ‬الخاصة‭ ‬والأخ‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يلتقي‭ ‬مع‭ ‬أخيه‭ ‬والإبن‭ ‬منهمك‭ ‬في‭ ‬شؤونه‭ ‬الخاصة‭ ‬ولا‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬أبيه‭ ‬إلا‭ ‬نادرا‭ ‬إلخ‭ .. ‬والكورونا‭ ‬قربت‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬انسانيا‭. ‬

وأصبحنا‭ ‬نتصل‭ ‬بالأصدقاء‭ ‬يوميا‭ ‬وبدون‭ ‬حرج‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يتوجب‭ ‬شكر‭ ‬الإستشفائييين‭ ‬وأن‭ ‬ننوه‭ ‬بإخلاصهم‭ ‬وتفانيهم‭ ‬فالأطباء‭ ‬ومساعدوهم‭ ‬قامو‭ ‬بعمل‭ ‬جبار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬انحاء‭ ‬المعمورة‭ ‬رغم‭ ‬
خطورته‭ ‬على‭ ‬صحتهم‭ ‬وعلى‭ ‬حياتهم‭. ‬

وهكذا‭ ‬تكون‭ ‬الكورونا‭ ‬قد‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬الفهم‭ ‬الضروري‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬وبروز‭ ‬انسانية‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬ومحبة‭ ‬إلخ‭ …‬وهي‭ ‬مشاعر‭ ‬كادت‭ ‬تلغيها‭ ‬العولمة‭ ‬رغم‭ ‬أهميتها‭.‬

5‭ ‬حدود‭ ‬المعرفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬

ومادمنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكائن‭ ‬الإنساني‭ ‬أصبح‭ ‬يؤمن‭ ‬جازما‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المطلق‭ ‬ونموذجه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬الإعتقاد‭ ‬أنه‭ ‬طريق‭ ‬اليقين‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نسلم‭ ‬به‭ ‬خلال‭ ‬العولمة‭. ‬

و‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬توقضنا‭ ‬الكورونا‭ ‬من‭ ‬سباتنا‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬اختلف‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬خصوص‭ ‬مصدر‭ ‬الوباء‭ ‬ودوائه‭ ‬إلخ‭ … ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الرأي‭ ‬السائد‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬إنها‭ ‬فرصة‭ ‬حتى‭ ‬يعرف‭ ‬الإنسان‭ ‬حدوده‭ ‬المعرفية‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬يصبو‭ ‬إلى‭ ‬اليقين‭ ‬المطلق‭ ‬الذي‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬مشمولات‭ ‬خالق‭ ‬الكون‭.‬

والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليست‭ ‬دينية‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬ذهب‭ ‬إليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الكبار‭ ‬ايضا‭ ‬أمثال‭ ‬ملبرنش‭ ‬و‭ ‬بركلي‭ ‬و‭ ‬كانط‭.‬

وهكذا‭ ‬تكون‭ ‬لجائحة‭ ‬الكورونا‭ ‬ايجابيات‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬بالذات‭. ‬وعسى‭ ‬أن‭ ‬تكرهوا‭ ‬شيئا‭ ‬وهو‭ ‬خير‭ ‬لكم‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.