1 يناير 2025

وائل بن فرج: يسار تونس.. المعارك الثانوية و”لعبة الحلاب”

وائل بن فرج
كاتب صحفي تونسي
لطالما كانت هنالك أطراف يسارية في تونس، جماعات أو أفراد، اشتغلت بمنطق الزبونية أو عن طريق المناولة لغايات إما تنظيمية ضيقة بحتة وإما شخصية مصلحية صرفة.
من هنا يبدأ تصنيف الإشكال وعلى هذا الهدي سنسير دون تعميم ولا تثريب ولا تجن على الفرق الناجية (بنضالاتها) التي تصيبها أحيانا بوادر تعمية وعدم وضوح في الرؤية لكنها سرعان ما تتدارك ذلك، أو تؤصل له نظريا في أوقح اللحظات، وهذا أمر مقبول بوقاحته إلى حدود.
لقد اشتغلت ماكينة الدولة التونسية بحزبها الواحد ذو الزعيم الأوحد على تطويع اليسار أو محاولة “تحييده” بالحديد والمعتقلات والنار في جل المعارك المصيرية التي خاضتها، سواء تلك التي قامت بين أجنحتها الفتية (البورقيبيون واليوسفيون) أو تلك التي حمي وطيسها مع ظهور لبنات فكر سيد قطب وحسن البنا في تونس وتشكل فرع إخوان تونس.
لطالما اعتبر اليسار من وجهة نظر الدساترة (المخفية الثاوية) “خطا وطنيا مضمونا لا يمثل خطرا ولا يمكن وصمه بالعمالة إلى جهات اجنبية”، كما أنه لطالما اعتبر من ذات وجهة النظر الدستورية (العلنية المروج لها) “جماعات راديكالية معادية تعمل على تقويض البناء الحديث للدولة الوليدة وتدين بالولاء للمعسكر الشرقي (السوفياتي) على حساب مصالح الوطن (تونس) التي حددوها سلفا من زاوية نظرهم الضيقة الصرفة والحصرية للمصلحة الوطنية”.
وفق هذان المنهجان المتضاربان تعامل الدساترة الحاكمون مع اليسار .. مرة بالترهيب ومرة بالترغيب؛ “كبش نطيح” ووقود سريع الانفعال والاشتعال في معاركهم ضد الإسلاميين ومريدي السفارات الأجنبية، وعجلة خامسة في تسيير دواليب الحكم، وديكور فخم في محافل المنتظمات الدولية المعنية بالحريات السياسية وما لف لفها. ويد عاملة مضروبة على أكفها، وفيرة، بارعة، مجتهدة، وبخسة الثمن في معتقلات رجيم معتوق ودوائرها.
اليساريون بدورهم، وفيهم العريق الفطن والمستجد الساذج والتالد التافه والحديث “السنقور”، وعلى الرغم من وعي سوادهم الأعظم ب”لعبة الحلاب” التي يمارسها عليهم الدساترة الا انهم وبفعل التشظي وإكرهات تنظيماتهم الصدئة وصراعات الزعامة والتموقع وحتى “الوجود”، لطالما قبلوا بلعب تلك الأدوار الثانوية كي لا أسميها بالمخزية، إما بمبدئية أو بدناءة أو بسذاجة أو مع سابقية إصرار وتلبد.
اليوم .. وبعد زهاء العشر سنوات على انقشاع غمامة الدكتاتورية، وانا أشاهد كغريب في داره أو ك”صالح في ثمود” هذا الجدل القميء المضحك/المبكي القائم بين يساريي رقعة الأرض هذه التي سقط فيها رأسي ولادة وسيسقط فيها بفعل المنية لا محالة، حول ضرورة دعم الحزب الدستوري الحر بزعيمته عبير موسي في “معركته المصيرية” ضد الخوانجية !! ومجرد التخمين من طرف النزر المبدئي المقابل بأن ذلك “لا يجوز” !! لست سوى أقوى إلا على أن أطرح على نفسي علنا هذه الأسئلة وبإلحاح؛
ماذا فعل اليساريون بأصنافهم ومواقعهم وحوانيتهم نهوضا بمشروعهم العلمي الحي غير الساقط بالتقادم شأن أشباه المشاريع الاخرى !؟
وهل بات قدرا محتوما على اليسار “في تونس” أن يرجئ بناء مشروعه خدمة لاستقرار هش لدولة هو الأعلم بمكامن دائها ومواطن كيها !؟
أما حان زمن “دراسة الاشتراكية كعلم وجبت معه معاملتها معاملة العلوم” على حد تعبير صديقنا إنجلز في القرن قبل المنصرم !؟
ألم يحن الوقت بعد كي يكفوا عن صراعات التموقع المحمومة والوجود الظرفي الوهمي والانكباب على ستر عوراتهم التي طال أمد انكشافها وفاحت منها رائحة الأسن !؟
كلها أسئلة سيجيبنا عنها التاريخ في أوحش تجلياته وأقسى رواياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.