د. عبد اللّطيف الحنّاشي: نخبة الاستقلال المغاربية والمسألة الديمقراطية الحبيب بورقيبة أنموذجا([1])
2 min readد. عبد اللّطيف الحنّاشي
كلية الآداب والفنون والانسانيات.جامعة منوبة.
صدر هذا البحث في المجلة العربية للعلوم السياسية عدد 29 شتاء 2011
كان من بين هواجس النخبة المثقفة المغاربيّة قبل الاستقلال النضال من أجل بناء نظام سياسي متطور يحترم الحريات الفردية ويصونها في إطار مغرب عربيّ موحّد([2]). غير أن النخبة تلك ابتعدت بعد التحرير وبعد صولها إلى السلطة عن تلك الأفكار وتلك المبادئ .إذ لم تسع إلى إشاعة مناخ ديمقراطي في دولها كما لم تعمل من أجل بناء أنظمة ديمقراطية ليبرالية ولم تفعّل بعض فصول الدساتير “الديمقراطية” التي صاغتها بنفسها بل قامت بتحويل المؤسسات والتقنيات والإجراءات الديمقراطية التي أرستها بنفسها إلى أدوات للإجماع والتأييد ([3])بحجة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الضرورية التي تمثل قاعدة أساسية وصلبة لممارسة الديمقراطية تارة، وبحجة صدّ المخاطر والتحدّيات الخارجية تارة أخرى بالرغم من تشبّع تلك النخبة بالمبادئ الديمقراطية الليبرالية بحكم إقامتها ، لفترات متفاوتة، في فرنسا للدراسة، ومعايشتها للتجربة السياسية الفرنسية الغنية والحيويّة بكل تناقضاتها. ويمكن اعتبار النظام السياسي الذي أسسته النخبة السياسية التونسية بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال أحد أهم تلك النماذج.
كان بورقيبة([4]) من بين الرؤساء العرب القلائل الذي استمدّ شرعيته في الحكم من خلال تزعمه لحركة تحرر وطني ضد الاستعمار الفرنسي(1881-1956)بطرق نضالية سياسية سلمية براغماتية في الغالب([5]).وهو من بين قيادات التحررّ الوطني الذي درسوا في فرنسا مادة الحقوق و تشبّع بالثقافة الفرنسية وافتتن بها، وعايش عن قرب الحياة السياسية الفرنسية بكل حيويتها وتنوعها وتقلباتها. وكان من أشد المعجبين بنظامها الديمقراطي ([6]). غير أن ذلك لم يمنعه من خوض نضال عنيد ضد النظام الاستعماري لأكثر من ربع قرن عرف خلالها السجون والمحتشدات والمنافي في عدة مناسبات([7]).ورغم أن خطابه، أثناء مرحلة التحرر الوطني، لم يكن خطابا تحديثيا ليبراليا([8]).غير انه، وعقب توليه الحكم بعد الاستقلال، طرح مشروعا إصلاحيا تحديثيّا تجسّد في إقرار وتطبيق عدة قوانين منها إقرار إجبارية التعليم و تعميمه وتوحيد مؤسساته([9]) ونشر الخدمات الصحة ومؤسساتها على نطاق واسع وتعميم نظام الضمان الاجتماعي وبناء إدارة عصرية وسنّ قانون للأحوال الشخصية([10])وإقرار التنظيم العائلي(تحديد النسل) وتوحيد المؤسسات القضائية وإلغاء القضاء الشرعي وتعويضه بمؤسسات القضاء المدني الوضعي..([11]) والتخلّي عن النظام الملكي وتعويضه بنظام جمهوري ([12]).وبالرغم من أهمية تلك الإنجازات فان بعض الباحثين والمعارضين السياسيين يعتبرون أن الإصلاح الذي تمّ في عهد بورقيبة كان فوقيا باعتبار انه لم يكن إفرازا طبيعيا صادقت عليه المؤسسات الشعبية والدستورية بل كان عبر الدولة المهيمنة، لذلك يعتبر هؤلاء أن عملية التحديث كانت نسبية ولم “تتقدم إلى الأمام وفق المنطق الحداثي نفسه..من ذلك معاداة بورقيبة للديمقراطية “([13])،في حين يرى آخرون أن بورقيبة كان المسؤول الأول عن عدم تجسيد الديمقراطية في البلاد مؤكدين انه لو تبنى المشروع الديمقراطي لأمكن أن يُقنع به جميع فئات المجتمع التونسي([14]) بل وربما القيادات المغاربيّة أيضا بما يملك من شرعية وكرازميّة. غير أن الواقع كان غير ذلك فالديمقراطية لم تكن ضمن أولويات برنامج بورقيبة الإصلاحي إذ انصبّ اهتمامه على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهو بذلك لا يختلف عن بقية زعماء العالم الثالث، آنذاك، الذين خيّروا التضحية بالديمقراطية لصالح التنمية؟!
تتجاوز المسألة، حسب رأينا، هذا التأويل بالنسبة إلى بورقيبة شخصيّا الذي لم يكن يؤمن أصلا بالمبادئ الديمقراطية وهو ما تجسّد في سلوكه السياسي خلال مرحلة التحرّر الوطني ثم بعد توليه السلطة. فرغم أنه حكم البلاد في إطار نظام جمهوريّ وبدستور عصري غير أن الدستور كان على مقاسه وانتهى الأمر بتحوير الدستور ليسمح له بالرئاسة مدى الحياة (مارس1975).
- الحركة الوطنية التونسية والمسألة الديمقراطية أثناء الفترة الاستعمارية(1881-1956):
- الهامش الديمقراطي في وسط استعماري
استفادت النخبة التونسية من القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالجمعيات والمطبوعات التي سنّتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية لصالح المستوطنين الفرنسيين بالبلاد(أحزاب صحف وجمعيات ونقابات ومنظمات الاجتماعية واقتصادية…)كما استفادت تلك النخبة من مختلف الهياكل الفرنسية تلك سواء من خلال العمل داخلها أو من خلال مراقبة نشاطها..أو بتأسيس هياكل وأطر، شبيهة، خاصة بالتونسيين مثل الصحف والجمعيات والنقابات والأحزاب.. ([15]).
لم تكن المسألة الديمقراطية غائبة عن برنامج الحركة الوطنية التونسية وخاصة الحزب الحر الدستوري التونسي إذ مثّل كل من مطلبي الحرية والدستور(نسبة إلى الدستور التونسي الذي صدر سنة 1861) أحد مكونات اسم هذا الحزب وذلك رغبة منه في تحقيق نظام برلماني. و كانت الديمقراطية بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذات حضور قوي في استراتيجية الحزب و برنامجه ([16]).كما تميّز نظامه الداخلي باعتماده المبادئ الديمقراطية في التسيير، بغض النظر عن الممارسة التي لم تكن كذلك بالضرورة.
وكان الحزب بذلك وطنيا وديمقراطيا سعى إلى تأطير التونسيين في صفوفه بغض النظر عن ديانتهم(يهود ومسلمين)([17]) بل انه ضمّ عناصر غير تونسية وخاصة من الجزائريين([18]). واعتمد في نضاله على الشرائح الشعبية والنخبة المثقفة([19]).وكانت أساليب نضاله مطلبية سلمية نابذة لمختلف أساليب العنف سواء تجاه إدارة الحماية و أجهزتها المختلفة، أو تجاه خصومه السياسيين من التونسيين. كما واجهت قيادة الحزب المنشقين عنها بالحوار والجدل عبر الصحف ووسائل التبليغ الأخرى المتوفرة ([20]).
وقد أقرت قيادة الحزب هذه المبادئ ومارست ذاك السلوك برغم أن مرجعيتها الفكرية كانت تقليدية في الغالب، مقارنة بالزعامة الجديدة التي انشقت عن الحزب في 2 مارس 1934 بقيادة المحامي الحبيب بورقيبة ومجموعة من رفاقه الذين درسوا جميعا في الجامعات الفرنسية وتلقوا علوما عصرية و تشبعوا بأفكار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وعاينوا التجربة السياسية الديمقراطية الفرنسية عن قرب([21]).
فهل واصلت القيادة الجديدة نضالها من أجل تحقيق تلك المطالب الديمقراطية؟ وهل مارست سلوكا ديمقراطيا تجاه الأطراف السياسية الوطنية الأخرى؟ وخاصة داخل الحزب الحر الدستوري، الديوان السياسي؟
واصل الحزب الجديد بقيادة بورقيبة(الديوان السياسي أو الحزب الجديد) رفع نفس مطالب الحزب (القديم) و لكن بالتأكيد على أن هدفه كان “تحرير الشعب التونسي والحصول على دستور يصون الشخصية التونسية وسيادة الشعب وذلك بواسطة برلمان تونسي ينتخب بالاقتراع العام ويملك حق وضع منهاج أعماله وتكون له كامل السلطة التشريعية والفصل بين السلطات وإقرار حكومة مسؤولة أمام هذا البرلمان..). وقد عمّق الحزب تلك المطالب، و تجذّر المطلب الديمقراطي في خطاب الحركة الوطنية التونسية( بشقيها النقابي والسياسي) خلال الخمسينيات، خاصة، تماشيا والتحولات السياسية والفكرية التي عرفها العالم. إذ أولت الحركة اهتماما خاصا بمسألة الحريات العامة وطالبت بتمكين التونسيين من حقوقهم السياسية والدستورية و بحلّ المجلس الكبير واستبداله بمجلس نيابي والدعوة إلى اعتماد نظام الملكية الدستورية المقيّد وإرساء نظام سياسي ديمقراطي تعددي([22]).ولم تكن الديمقراطية التي ناد بها الوطنيون ذات بعد سياسي وحسب بل تم التأكيد أيضا على البعد الاقتصادي والاجتماعي في الوقت ذاته سواء من قبل الحزب الدستوري أو الاتحاد العام التونسي للشغل([23]).
- بورقيبة والمسألة الديمقراطية(أثناء الفترة الاستعمارية):
تدفع ثقافة بورقيبة السياسية العميقة باتجاه تبينه المبادئ الديمقراطية بشكلها الليبرالي السائد آنذاك، غير الواقع كان غير ذلك إذ يلاحظ الباحث غياب اهتمام بورقيبة بالمسألة الديمقراطية، خلال مرحلة التحرر الوطني، سواء في نصوصه أو خطبه. كما تميّزت ممارسته السياسية داخل الحزب أو مع بقية الأطراف السياسية الوطنية التونسية، آنذاك، بسلوك غير ديمقراطي في الغالب.
وكان تزامن بروز الحزب الدستوري الجديد مع انهيار الأنظمة الديمقراطية الليبرالية وسيطرة الأحزاب الكليانية في أوروبا قد أثّر، حسب أحد الباحثين، على فهم بورقيبة لدور الحزب وآليات عمله سواء داخل أطر حزبه أو تجاه السلطة الاستعمارية الفرنسية([24]).
أ- هل كان انشقاق بورقيبة عن الحزب ممارسة ديمقراطية؟
انضمّ بورقيبة لقيادة الحزب الدستوري أو أُدخل إليه حسب روايته([25])، واستمر انتمائه إليه أقل من أربعة أشهر(12-5-1933-9-9-1933) وكانت استقالته تلك بسبب اللّوم الذي وجهته قيادة الحزب إليه بعد أن قام بزيارة الباي(الملك) مع وفد من مدينته دون أن يستشير حزبه في ذلك([26]).ويُعتبر اللّوم الذي وجهته قيادة الحزب إلى بورقيبة، وهو عضو مسؤول، إجراءََ تعتمده أغلب الأحزاب والمنظمات السياسية.كما أن صيغة اللّوم تلك لا تعتبر نوعا من العقوبة، إذ لم يتضمن سلّم العقوبات التي اعتمده الحزب في نظامه الداخلي مثل تلك “العقوبة” لذلك يبدو هذا الإجراء المتّخذ ضدّ بورقيبة،من قبل قيادة الحزب، متسامحا. ويظهر أن عدم لجوء القيادة إلى اعتماد سلّم العقوبات الذي يتضمنه النظام الداخلي للحزب إنما يعبّر عن عدم رغبتها في التصادم مع بورقيبة وتطوير الخلاف معه على خلفية تصرفه.
فهل يستدعي هذا الإجراء “التأديبي” تزعّم حركة انشقاق داخل الحزب؟هذا الحزب الذي وصفه بورقيبة نفسه بأنه “:..عظيم بما لديه من نظام عتيد يجمع النزعات الوطنية التونسية ويوحّدها..”([27]). خاصة أن بورقيبة كان يؤكد على ضرورة”وحدة القيادة كضمان لوحدة الحزب والجماهير..”([28]).
أخذ بورقيبة يردّد تُهما ضد قيادة الحزب، بعد خروجه منه، فوصفها ب”الاستبداد بالرأي” و”سوء التصرف المالي” و “التزلف للحكومة”. وبغض النظر عن حقيقة ذلك فمن المفترض أن تكون تلك مسائل معلومة لدى بورقيبة سواء قبل انتمائه للحزب أو بعد ذلك، خاصة وانه كان عضوََا قياديّا. لذلك يبدو أن اللّوم الذي وُجّه إلى بورقيبة لم يكن السبب الحقيقي الذي دفعه للاستقالة من الحزب وإنما تقف وراءه دوافع أخرى تتعلّق بشخصيّته. ومن الطريف أن نذكر أن بورقيبة كان قد تعرّض لحادثة معاكسة مع احد أصدقائه، مدير جريدة “صوت التونسي” الناطقة بالفرنسية ([29]) والتي كان بورقيبة ينشر فيها مقالاته، إذ قابل مدير الجريدة، المقيم العام الفرنسي بتونس دون إعلام بورقيبة، فلامه هذا الأخير على ذلك. أما المدير فقد أجاب بورقيبة بأنه لا يتلقى تعليماته إلا من الحزب فردّ عليه هذا الأخير قائلا”:..إننا اجتمعنا في الصحيفة لان الشعب أوكل إلينا العمل باسمه لا في الحزب.”؟!([30]) نذكر هذه الحادثة فقط لنصل إلى نتيجة أساسية مفادها أن شخصية بورقيبة بما تضمّنت من “نرجسية مطلقة” لا يمكن أن تؤمن بالديمقراطية كقيمة وممارسة وسلوك نضالي.
ب- بورقيبة وقيادات الحزب: بعد مرور نحو ثلاث سنوات من تأسيس الحزب الجديد استقال رئيس الحزب بالإضافة إلى أحد أبرز مؤسسيه ([31])، ورغم أن أسباب الاستقالة تعود إلى إختلاف وجهات نظر هؤلاء مع بورقيبة حول بعض الممارسات النضالية فان عوامل أخرى ساعدت في تأجيجها وتطويرها ومنها طريقة التسيير غير الديمقراطي داخل الحزب وخاصة طريقة اتخاذ القرار.إذ كان بورقيبة يتخذ القرارات،عادة، دون استشارة رفاقه حتى بالنسبة إلى القرارات المصيرية([32])وكان يُعيّن قادة الحزب الجدد مثلا دون استشارة بقية الأعضاء، مردّدا «ملزومته” الشهيرة” توسّمت في فلان الخير”. وتواصل هذا السلوك طيلة الفترة الاستعمارية، بل حتى بعد الاستقلال. فبحجة الظروف الاستثنائية التي كانت تعيشها البلاد والحزب كان بورقيبة يختار قيادة الحزب من صفوف الطلبة الذين انهوا دراستهم في فرنسا دون الرجوع إلى القيادة([33]). وبالنتيجة لم يستمر مع بورقيبة في قيادة الحزب من العناصر المؤسسة للحزب، بعد أقل من 5 سنوات من التأسيس، أيِِّ من المؤسسين([34]).أما في الأربعينيات، من القرن الماضي، فقد تم تأسيس الجبهة الوطنية(1945) ثم مؤتمر الاستقلال المعروف بمؤتمر ليلة القدر(أوت 1946) وهو ما يمثل نقلة نوعية في تفكير رجالات الحركة الوطنية التونسية وسلوكها،وقد تم إنجاز كل ذلك بغياب بورقيبة الذي لم يعترف صراحة بقراراتها كما لم يعمل بموجبها.ويظهر أن الممارسات غير الديمقراطية التي كان بورقيبة يعتمدها قد أدت إلى بروز قيادات و أقطاب متعددة داخل الحزب منذ أواخر الأربعينيات، سواء في خارج البلاد أو في الداخل([35]). ويظهر انه ونتيجة لارتباك اختيارات الحزب السياسية وتأزم العلاقات بين بورقيبة وبقية القيادات قد أصبح البعض من الدستوريين الأوائل ينادون بضرورة انعقاد مؤتمر الحزب بهدف “…البحث عن الأسباب التي جعلت أقطاب الحركة يبتعدون الواحد تلو الآخر كما جعلت(كذا) القادة يدوسون قانون الحزب بالأقدام ويعبثون بالحركة الوطنية حتى صارت بضاعة تجارية..”([36]).
- استخدام العنف لحل الخلافات مع الخصوم الوطنيين:
لم يكن خيار ممارسة العنف ضد الاستعمار الفرنسي بتونس أحد الثوابت الاستراتيجية للحزب الدستوري الديوان السياسي ولا حتى بالنسبة إلى زعيمه الحبيب بورقيبة إلا في ما ندر وللضرورة (1938 وبين 1952-1954).إذ كان الأسلوب الذي اختاره الحزب منذ البداية هو النضال السلمي والتفاوض مع الإدارة الاستعمارية سواء بتونس أو بباريس لمعالجة المشاكل الطارئة. غير أن بورقيبة لم يَستخدم نفس الأسلوب مع خصومه الوطنيين سواء في الحركة النقابية أو السياسية([37]).ويُنسب لبورقيبة انه صرّح في أحد الاجتماعات “إن الحماس وتعصّب بعض الأتباع، الذي يبلغ درجة فوق المعقول، هو شيء ضروري لحياة الحزب ويجب أن نعذر لهم ذلك”([38]). ولا شكّ أن تصريحا مثل هذا يُعدّ مؤشرا ودافعا قويا لقطاع هام من الدستوريين لممارسة شتى أنواع العنف بعد أن أعطى الزعيم الشرعية لممارسته. و يمكن تفهم هذا، التحريض على العنف، إذا كان مُؤطّرا ومُوجّها ضد المؤسسات الاستعمارية وأعوانها، أما أن يُمارس ضد الوطنيين، مهما كانت درجة وطنيتهم ودرجة الاختلاف معهم، فان ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويؤسس لتقاليد ستكون لها انعكاسات خطيرة على الحركة الوطنية ذاتها…
أ- في علاقة الحزب بجامعة عموم العملة التونسية الثانية:
رغم أن الحزب لم يتحمس كثيرا لتأسيس هذه النقابة الوطنية في البداية([39])غير انه بدّل موقفه عند تشكيل الهيئة الوقتية(مارس 1937) فتبناها وأسند أمانتها العامة لأحد الدستوريين([40])إلا أن الخلاف سريعا ما دبّ بين الطرفين نتيجة رفض القيادة النقابية الخضوع لأوامر الحزب الدستوري([41]).إذ يرى بورقيبة أن دور المنظمات الوطنية يجب أن تستجيب لأوامر الحزب عند تحديدها لخياراتها و قراراتها ونضالاتها واعتبر سلوك القيادة النقابية خارجا عن مبدأ الوحدة الوطنية لذلك قرر الحزب السيطرة علي النقابة الوطنية الوليدة وقامت مجموعة من القيادات الدستورية التي لا علاقة لها بالنشاط النقابي بشكل مباشر، باقتحام قاعة المؤتمر بالقوة في 29-1-1938 واستخدام العنف الجسدي ضد القيادة النقابية الشرعية([42])، ورغم تدخل الشرطة فقد تمكنت القيادة الدستورية من تكوين مكتب نقابي جديد وُصف بأنه غير شرعي برئاسة الهادي نويرة، غير أن هذا المكتب لم يقم بأي نشاط غير الذي قام به ولم يستمر إلا لبعض الشهور فقط؟!([43]).
ب- استخدام العنف في مواجهة المشروع التوحيدي: رحّب الحزب بعودة الشيخ عبد العزيز الثعالبي وسافر صالح بن يوسف بتوجيه من بورقيبة لمرافقته عند عودته ونظّم له الحزب استقبالا جماهريا واسعا.وكان بورقيبة يسعى، على ما يبدو، لجلب الشيخ إلى صفوف حزبه بما يمتلك الثعالبي من شرعية ورمزية نضالية في تونس وفي العالم العربي والإسلامي..([44])وبعدما طرح الثعالبي مشروع توحيد الحزبين ([45])رفض الديوان السياسي بحجج مختلفة هذا المشروع وتحول ودّ قيادة الديوان السياسي نحو الثعالبي إلى عداوة وأخذ أعضاء الحزب، الجديد، يلاحقون الشيخ في تنقلاته ويعتدون بالعنف عليه شخصيا وعلى مناصريه في محاولة منهم لمنعه من عقد اجتماعات عامة مع الدستوريين مما أدى إلى سقوط القتلى والجرحى من مناصري الشيخ عبد العزيز الثعالبي([46]).
وتواصل هذا السلوك خلال الأربعينيات إذ تعرض شمس الدين العجيمي زعيم حركة”الاتحاد والترقي”([47]) إلى محاولة اغتيال في يوم 21 افريل 1949 على يد أحد الدستوريين([48])بعد اتهامه من قبل الحزب بأنه من دعاة سياسة المراحل، في الوقت الذي كان الحزب نفسه، يعتمد التكتيك نفسه، فقد نادي الحزب بالاستقلال ثم تراجع عن المطالبة به سنة 1950 بعد قبوله المشاركة في حكومة محمد شنيق وذلك دون أن يقوم بمراجعة أفكاره وخططه السياسية.كما قاد أعضاء من الحزب الدستوري الاعتداء الذي تعرض له مؤسس ومدير جريدة “إفريقيا لشمالية” و”الحزب القومي التونسي” المكي بن محمد كمال بن عزوز ([49]) من قبل ثلاثة أشخاص ([50])، وتمت إدانة هذا السلوك من قبل أغلبية النخبة السياسية ووُصفت العملية بأنها “جريمة شنعاء ضد حرية الرأي..”([51]). واستغل الحزب الدستوري –القديم – هذا الحادث ليندد به وليبرز انعكاساته الخطيرة على حركة الكفاح الوطني واتهم بورقيبة شخصيا برغبته الانفراد بتقرير مصير الشعب التونسي دون سواه واعتبر ذلك سلوكا فاشيا “:.. أن تكون حرية الناس أيا كانوا تحت رحمة تقدير فرد يخضعها لتحكمه ويتصرف فيها حسب هواه. إن وافقت سمح بها وان خالفته قضى عليها، هذا القضاء الشنيع الذي يجر من ورائه الاستهزاء بالحركة الوطنية القائمة على أساس المطالبة بالحرية ثم تأبى أن تسم بها الخصوم..إن التوسل إلى إسكات الخصم بالرصاص والاعتداء على الحرية وعلى الأخص حرية الرأي إنما هي طريقة فاشستية طالما صرخت في وجهها حركة الكفاح الوطني صرخت مقت واستنكار..”([52]). واستمر هذا النهج ضد بعض خصوم الحزب السياسيين خلال الخمسينيات وخاصة بمناسبة الانتخابات البلدية التي جرت بين أيام 3 و10 ماي 1953 والتي عارضها الحزب الدستوري الجديد وشاركت فيها بعض الشخصيات التونسية المستقلة أو المحسوبة على إدارة الحماية إذ قام الحزب بعمليات اغتيال استهدفت مجموعة من الشخصيات السياسية نذكر منهم الطيب غشام(شقيق وزير الصحة)والشاذلي القسطلي(نائب رئيس بلدية تونس ومدير جريدة النهضة) والدكتور بن الرايس( وزير التجارة) ومحمود التارزي (كاهية منزل تميم وقايد نابل بالنيابة)وعيسى نوار مفتش الشرطة وعز الدين باي الأمحال…([53]).فكيف ستتصرّف النخبة الدستورية الجديدة بعد الاستقلال تجاه المجتمع معارضيها؟
- ديمقراطية الواجهة: بين 1956-1975
تميزت النخبة التي حكمت البلاد التونسية بعد الاستقلال بخلفيتها الفكرية الليبرالية الديمقراطية إذ درست وعاشت لفترات متفاوتة في فرنسا وعاينت من موقعها ذاك التجربة الديمقراطية الفرنسية بل أن البعض منها مارس نشاطا سياسيا في بعض الأحزاب و المنظمات الفرنسية قبل أن ينتقل إلى العمل في إطار الحركة الوطنية التونسية سواء في فرنسا أو عند العودة إلى البلاد([54]).فكان من المنطقي أن تتشبث هذه النخبة وتعمل من أجل تكريس النظام الديمقراطي الذي اختارته بعد التخلي عن النظام الملكي واعتماد النظام الجمهوري([55]).فإلى أي مدى كانت النخبة وفيّة لما أقرته من مبادئ وهياكل؟
- تصفية هياكل المجتمع المدني ورموزه:
لا يشير وجود مؤسسات الحكم الديمقراطي بالضرورة إلى سيادة النظام الديمقراطي.فالمملكة المتحدة دولة ديمقراطية بامتياز دون أن تحتكم إلى دستور مكتوب. أما النظام الذي أسسه بورقيبة، اعتمادا على الحزب الدستوري، فكان نظاما غير ديمقراطي بامتياز برغم وجود دستور ومؤسسات النظام الديمقراطي إذ نصّ الدستور التونسي في عدة فصول منه وأقرّ مجموعة من الحريات الفردية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية([56]) وأحال الأمر إلى القانون لترتيب تلك الحريات وتنظيمها “تقنيا”.وكان بعض المثقفين الدستوريين،في وقته، قد نبّه لخطورة النظام البرلماني الذي أُقرّ بالبلاد وذلك بـ”وجود بورقيبة الذي سيعطّل السير العادي لهذا النظام ما لم يكن للبرلمان إمكانية عزل رئيس الجمهوري” معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى إرساء”تقليد سيّئ طالما ظلّ بورقيبة في الحكم”([57]) كما يرى بعض الباحثين أن”الدستور الذي صُوّتَ عليه لم يكن سوى “ديكورا” براقا يضمن كل الحقوق الديمقراطية وقوانين التسيير، التي قتلت أي حسّ ديمقراطي،كما نظمت الحياة الوطنية على المقياس الشخصي لبورقيبة”([58]).
تميّز نشاط النخبة التونسية، قبل الاستقلال، بمختلف مكوناتها بحيوية ملفتة على جميع المستويات فقد بلغ عدد الدوريات التي صدرت بتونس بين 1881 واستقلال مثلا نحو 338 دورية ناطقة بالعربية والعبرية إلى جانب 975 جريدة ناطقة بالفرنسية و وصل هذا النشاط مداه خلال الفترة الممتدة بين 1945-1956 إذ صدرت نحو 145 جريدة باللغتين الفرنسية والعربية([59])إلى جانب مئات الجمعيات والمنظمات الثقافية والاجتماعية والرياضية والاقتصادية والمهنية([60]).أما بعد الاستقلال فقد تم القضاء على الصحافة التونسية شيئا فشيئا وبطريقة الموت البطيء ولم تبق إلا الصحافة الموالية للحزب الحاكم([61])بل أن البعض من عناصر الحزب ذاته قد دفع ضريبة نقد الحكم الفردي للرئيس الحبيب بورقيبة([62]).كما تراجع عدد الجمعيات والمنظمات وتم اختراق ما تبقى منها والسيطرة عليها وأصبحت جزءََ لا يتجزّأ من جهاز الحزب ولم تُستثنى من ذلك عمادة المحامين التي تم حلّها في جوان 1958 ثم احتوائها، كما كان الشأن بالنسبة إلى الأحزاب السياسية التي اندثر البعض منها إما خوفا أو بعد تحجير نشاطها ووسائل إعلامها بأمر([63]).
فقد قام النظام الجديد حتى قبل اكتماله بتصفية التيار “اليوسفي” بكل عنف وقسوة عن طريق مؤسسات الحزب والدولة وبتحالف ضمني مع الإدارة الفرنسية بتونس([64]). وبعد الاستقلال انتصبت محكمة القضاء العليا بهدف محاكمة “اليوسفيين” و”المتعاملين ” سابقا مع الاستعمار وبعض أفراد العائلة الحاكمة وأصدرت بين تاريخ تأسيسها إلى تاريخ إلغائها أواخر أكتوبر 1959 أحكاما قاسية جدا على مئات المتهمين ومن بينهم مناضلين “اليوسفيين”وغيرهم من المعارضين.([65]).وسينتهي الأمر باغتيال صالح بن يوسف في سويسرا عن طريق أحد أبرز المقرّبين لبورقيبة([66]).
اعتبر الرئيس الحبيب بورقيبة أن الأمن قد استتب وسادت الديمقراطية بالبلاد ([67])، بعد القضاء على الحركة “اليوسفية” ودليله على ذلك هو وجود الحزب الشيوعي التونسي الذي يعمل في إطار القانون بكل حرية رغم انه “.. أصغر حزب شيوعي في العالم..”([68]).
اعتبر بورقيبة، في هذه المرحلة، أن وجود معارضة يمثّل شرطا أساسيّا لضمان الحرية والديمقراطية إذ يقول “..ونحن نقبل مبدأ المعارضة ونعترف بما لها من حقّ بل” يعتبرها شرطا أساسيا”.. لضمان الحرية والديمقراطية…” ولكن دون القبول بمعارضة أخرى غير الحزب الشيوعي التونسي وخاصة بقايا الحركة اليوسفية واللجنة التنفيذية إذ يؤكد أن “..الذي لا نقبل به إطلاقا هو أن يستغل بعض الناس هذه المعارضة لإرضاء عواطفهم الحقودة فيحرضون على التقتيل ويبثون التفرقة في صفوف الشعب الذي استقبلني في غرة جوان 1955″([69]). أما المعارضة التي يحبّذها بورقيبة فهي المعارضة المُطيعة لقرارات الحكومة وغير ذلك النوع من المعارضة هو تجسيد لتأخّر الشعب وتخلّفه “..إن الشعب الذي لا يمتثل لمقرّرات حكومته و لا أوامرها يّعد شعبا متأخرا لا يفهم القيم الروحية التي يتطلبها وطنه…”([70]).
غير أن الأمر كان غير ذلك إذ سريعا ما تمّ تحجير نشاط هذا الحزب المعارض سنة 1963 ومنذ سنة 1964 انضوت جميع المنظمات النقابية المهنية والاجتماعية تحت سلطة الحزب الحاكم وطال الأمر الحزب الحاكم (والوحيد)نفسه إذ تم إدخال تحويرات على نظامه الداخلي باتجاه مركزة التنظيم والتسيير وانحسرت نتيجة لذلك الممارسات الديمقراطية، الجزئية، التي كانت تجري في مستوى بعض الهياكل الوسطى والدنيا. وتدرّج الأمر إلى اندماج الحزب والدولة بقيادة بورقيبة صاحب القرار الأول والأخير في الحزب والدولة([71])وهو ما أدى، بالإضافة إلى أسباب أخرى، إلى تناسل التنظيمات السياسية السريّة المعارضة للنظام سواء من خارج الحزب أو من داخله والتصادم معه([72])، مما أدى إلى كثرة المحاكمات السياسية خلال الفترة المدروسة والتي استهدفت بعض الدستوريين(أحمد بن صالح وجماعته)والماركسيين والقوميين بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية ([73]).
- مفهوم الديمقراطية عند بورقيبة و شروطها: الاستبداد العادل:
لم تحتل المسألة الديمقراطية حيزا هاما من الخطابات المنطوقة لبورقيبة، وكان يثير هذه المسألة لِمَامََا في مناسبات معينة وخاصة في بداية الاستقلال (عند المجلس التأسيس، الانتخابات البلدية، الانتخابات التشريعية..أو عند بروز بعض الخلافات في صلب الحزب أو تذمر بعض الأعضاء القياديين في الحزب من السلوك غير الديمقراطي للقيادة ([74]).
يضع بورقيبة مجموعة من الشروط، التي تبدو تعجيزية، لتحقيق ما يطلق عليه بالديمقراطية “الحقّة” من ذلك أن”:.. يكون كل مواطن في مستوى من النضج يجعله قادرا على كبت عواطفه حتى نستطيع التحكم في أنفسنا للقيام بدورنا في تسيير شؤون الدولة دون مسيطر..” ([75]) و المسيطر الذي يعنيه،بورقيبة،هو الآخر الأجنبي وهو ما يعني أنه في سبيل تحقيق الاستقلال الوطني علي الشعب التونسي التضحية بحريته مرة أخرى لصالح الحاكم الوطني وهو سبيل “..التقدم والازدهار..” وان تلك العملية مشروطة في “تكتل الشعب وإقباله على العمل الجدّي ” حول قيادته الوطنية، و ليس أمام الشعب التونسي إلا الاختيار بين أمرين فـ”.. إما أن لا يستطيع السير في هذه الطريق فتغلب عليه العاطفة وتفرقّه شذرا مذارا، أو يقوده من يطلقون عليه نعت المستبد العادل لأنه يسيّره إلى الطريق السوي قهرا..”. ولتبرير شرعية هذا النوع من الحكم وجدواه ويستنجد بورقيبة بالتاريخ الإسلامي في شمال أفريقيا ويقدم تجارب قام بها رجال يعتبرهم عظام ويصفهم بالمستبدين المستنيرين ([76]).
لذلك يعتبر بورقيبة أي مواطن يعارض الحكومة خائن إذ أن ما يتطلبه هذا الشكل من الحكم هو الطاعة العمياء للحكومة”..إن كل إخلال بالأمن يعتبر خيانة للوطن ستقابله الحكومة بصرامة بالغة يقرها جميع العقلاء، فعلى كل مواطن، مهما تكن أفكاره وميوله، أن يؤيدها ويساندها ويتضامن معها في كل ما تقوم به..”([77]).
- رؤية بورقيبة للديمقراطية ([78])
في الوقت الذي أغلق الأبواب على كل إمكانية للتنظم السياسي الحر يقول بورقيبة إن “..الانتماء إلى غير الحزب الدستوري ليس ممنوعا..” ولكن هل بقيت على الساحة أحزاب بعد حظر الحزب الشيوعي (سنة 1963 )وتآكل اللجنة التنفيذية للحزب وتصفية الحركة اليوسفية وبعد أن تم منع حرية التنظّم بفعل الواقع الذي خلقه النظام البورقيبي؟ يستدرك بورقيبة بنفسه الأمر قائلا أن ذلك في الواقع”:..صعب في بلد متحمّس يؤدي فيه الحزب أجلّ الخدمات ويضطلع بواجباته ومسؤولياته على الوجه الأكمل وهو ناجح في جميع أعماله، ذلك أنه لا يمكن أن يوجد من بين التونسيين من يخالفه في الأهداف والمبادئ إلى درجة تكوين حزب آخر ذي فلسفة ومبادئ وطرق عمل أخرى..”([79]). أما النشاط النقابي الذي استمر فتمّ إخضاعه بدوره للحزب الحاكم ويحتلّ أمينه العام موقعا في الديوان السياسي للحزب(المكتب السياسي) وهو الأمر الذي أكده بورقيبه نفسه”..ما دامت الحكومة دستورية فمن فائدة النقابة ونجاعة أعمالها أن يكون على رأسها دستوريون منسجمون مع النظام والدولة..”([80]).
أما اذا لم ينسجم هؤلاء مع الحكومة فتقوم قيادة الحزب من عزلهم من الاتحاد ومن الحزب وكان ذلك حال أحمد بن صالح وأحمد التليلي والحبيب عاشور وهم من القيادات التاريخية للاتحاد العام التونسي للشغل..
وتبعا لكل ما سبق، يبدو فهم بورقيبة للديمقراطية وممارستها مرتبط بمسألتين أساسيتين وهما:
أ- أن الشعب التونسي غير جدير بالحرية والديمقراطية لعدم نضجه: فرغم تحقيق الاستقلال و بناء النظام الجمهوري فان الشعب لم ينضج بَعْدُ لممارسة الديمقراطية ” نعم أقمنا جمهورية وجعلنا حكم الشعب بيده، ولكن كيف يتم ذلك والأغلبية لم ترتق بعد إلى مستوى النضج والتمييز..”([81]) ولذلك مارس بورقيبة الحكم على أساس نظرية المستبد العادل في انتظار أن يتم النضج المطلوب لتحقيق الحرية “..وهو ما فرض علينا اعتبار الواقع التونسي الذي يتطلب أن تكون البلاد مُسيّرة ولو إلى فترة من الزمن ريثما يرتفع مستوى الإطارات وتبلغ الأمة في مجموعها مبلغ من هم جديرون بالحرية بمعناها الصحيح..”([82]).
فإذا أخذنا بقول بورقيبة هذا، فانه من الشرعيّ التساؤل كيف تحقق استقلال البلاد وعن طريق من ؟ هل بواسطة هذا الشعب الذي اعتبره بورقيبة “غير جدير بالديمقراطية والحرية”أما أن الاستقلال قد تحقق عن طريق شعب آخر أكثر نضجا وأكثر وعيا من الشعب التونسي الذي قدم آلاف الضحايا من سجناء ومبعدين وشهداء؟ أم أن الشعب التونسي قد فعل كل ذلك دون وعي منه(أي الشعب)؟ أم أن الاستقلال قد تحقق بفعل عوامل أخرى ومنها القدرة الخارقة للزعيم الذي قاد قطيعا؟ هذا القطيع الذي لا يفهم معنى الحرية وإنما فعل كل ما فعل لعيون بورقيبة فقط؟
يدعو بورقيبة، أحيانا، الشعب لتجاوز العقد والمركبات وغضّ النظر عن المطلب الديمقراطي لصالح نظام ديكتاتوري وذلك كمقدمة لبناء النظام الديمقراطي الموعود إذ قد”.. تصير الديكتاتورية ضرورية أحيانا وبالأخص حين تكون الغاية منها تهيئة أسباب الديمقراطية الحقّ..”([83]).
ويستخدم بورقيبة أسلوب التخويف والترويع وذلك بهدف تعميم فكرة مخاطر إرساء النظام الديمقراطي في مجتمع يتميز أفراده بالتأخر وجهل جوهر الديمقراطية. وتتردد هذه الفكرة في أغلب خطبه عن الديمقراطية “..إذا تسرعنا في الأخذ بالديمقراطية على أوسع معانيها قبل توفّر شروطها نكون قد ألقينا بأنفسنا إلى التهلكة ويعود مثلنا كمثل من يعهد إليه بإقامة دار وهو لا يحسن البناء..”([84]). ورغم إقراره بايجابيات النظام الديمقراطي “..الديمقراطية نظام يستهوي النفوس ويجلب عطفها لما فيه من معاني الكرامة والمساواة بين كل المنتسبين للذات البشرية ولإقراره حقوق الناس كافة وهو رائع نظريا”([85]) غير انه سريعا ما يتدارك الأمر مؤكّدا انه “:…عند التطبيق(تتحول إلى) مثار خلاف، وحين الممارسة يجئ التفاوت، بحسب ما بين العقول والقلوب من تفاوت يشبه الجهل أو الغواية والظلال وقد تهوى أمّة كاملة من جرّاء سوء التصرّف كما فعل الديكتاتوريون بشعوبهم قديما وحديثا..”([86]). فالنظام الديمقراطي «.. دقيق ومتشعّب سرعان ما يعود بالضرر إن أسيء استعماله خصوصا حين ينحط مستوى الأفراد والإطارات في الأمة وينهار سلم القيم وتنعدم الكفاءات المفروض توفرها”.ويتطلب هذا النظام باعتباره” جهاز آلي دقيق لا يحسن أن يُعهد به إلا لذي الخبرة والمعرفة و إلا انقلب وَبالاََ وهو ما أرجوكم فهمه جيّدا حتى لا ينطلي عليكم تشدّق المغرضين والجهلة بالترّهات والأباطيل..”([87]).
بـ- الوحدة “القومية” بديلا عن الديمقراطية:
و نتيجة لجميع كل ذلك يحثّ بورقيبة الشعب التونسي الإقلاع عن المطالبة بالديمقراطية فبريقها زائف ونتيجتها مدمّرة قد تؤدي بالبلاد إلى الوقوع في الاستعمار من جديد “:..ومن الخير لكم أن تحذروا بريق الديمقراطية المزيفة التي من شأنها أن تؤول إلى بثّ الفوضى، وخلق أسباب التنافر والتطاحن بين المواطنين ممّا قد يعيدنا إلى الوضع الذي كنّا فيه والذي قضى علينا بالوقوع في قبضة الاستعمار بينما نحن نصبو إلى الحرية ونودّ أن يكون كلّ إنسان مسؤولا وأن يرفع صوته ويبدي رأيه..”([88]). فما العمل إذن؟ يجيب بورقيبة قائلا عليكم بالصبر والمثابرة “..وتهمنا أصالة أن تعيش الديمقراطية بيننا في كنف الاطمئنان والتقدم والازدهار، لكن يتعذر تحقيق ذلك بغير العمل المنظّم والنفس الطويل كما يوجبه العقل ويقتضيه المنطق السليم..”([89]).
ويردد بورقيبة كالعادة ضرورة أن يتحقق التقدم والرقيّ والانسجام والامتثال التلقائي”:..وحين يبلغ الشعب درجة ملحوظة من الرقيّ والتقدم والتفهّم الصحيح لمصالحه البعيدة سيُتاح له أن يحقّق لنفسه ديمقراطية وفق رغائبه بما يكون قد أوتيه (؟) من انسجام وامتثال تلقائي..”([90]). ولكن كيف يتم ذلك؟ إن بورقيبة كفيل بذلك ولكن بشرط أن يضحي الشعب بحريته “:..ونحن نستطيع أن نضمن الاطمئنان والحرية معا، فنجعل المواطنين يتقبلون الحدّ من الحرية عن طيب خاطر عندما يوافقون على الاتجاه والانسجام فيجعل من مستواهم قوما يشعرون بأن الحدّ من الحرية أمر ضروري فرضته مصلحة البلاد ليمكن لها أن تتقدّم وتزدهر ما دمنا متكتلين متضامنين..”([91]). وحتى ذلك يتطلب التروّي والصبر لأن”..الديمقراطية طريق وعرة خادعة، ينبغي التقدّم فيها بخطى ثابتة ولو اعتبرها البعض وئيدة بطيئة، فسياسة الشعوب تتطلب من الأناة والتبصّر الشيء الكثير، لأن أيّ خطأ في التقدير يتسبّب في كوارث لا تحصى نتائجها العاجلة والآجلة..”([92]).
وباعتبار أن التجربة الديمقراطية تتطلب زمنا طويلا ليتدربّ الناس عليها حسب بورقيبة فان العملية تلك تنطوي على العديد من المخاطر “..أما الخوف كل الخوف فهو أن تؤدي المناقشات والاجتماعات والانتخابات والتدرب على الديمقراطية إلى التحجّر ونشوب الأحقاد عوض زوال الخلافات بالحوار الحر النزيه ففي تلك الصورة تصبح الديمقراطية نكبة على الأمة..”([93]).
وبالنتيجة فان تفكير بورقيبة يستبعد جدوى الممارسة الديمقراطية لان شروطها غير متوفرة عند الشعب التونسي.ويضيف المجاهد الأكبر معطى تاريخي آخر هام وهو أن الديمقراطية لم تكن هدفا سعت إلى تحقيقه الحركة الوطنية بل إن هدفها كان تحرير الوطن من الاستعمار الأجنبي وبناء الدولة الوطنية وتوحيد الأمة”:..فحققنا ما عجز عنه السلف من تحرير الوطن وبناء الدولة وتوحيد الأمة…”([94]) هذه الأمة التي لم تتمكن من تحقيق اندماجها الوطني وكانت تشقها النعرات والخلافات ولكن بفضله”.. تسنى( لنا) بلوغ ذلك بفضل قيادة رشيدة ووحدة قومية من وراء تلك القيادة واجتماع هذين العنصرين من نوادر التاريخ في بلادنا، إذ كانت تغلب عليها في الماضي العصبيات القبلية والجهوية وكانت تمزق شملها فتن متوالية من جراء التكالب على الحكم، كل يدعي لنفسه الأمر، ولو كان ذلك خروجا عن القانون والعرف والتقاليد أو ما اجتمعت عليه أغلبية القوم..” ([95]).
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بعد كل الذي ذكرنا هل كانت عوائق الديمقراطية، كما عرضها بورقيبة، عصية على المعالجة من قبل هذه الشخصية الفذّة التي حققت للشعب التونسي المعجزات، حسب ما يورد هو شخصيا وفي عدة مناسبات؟! أم أن ما حققه بورقيبة كان شديد الهشاشة لدرجة أن الممارسة الديمقراطية تحوّلت إلى عامل هدم لكل تلك الإنجازات كما يقول بورقيبة “..فنعمل دوما على صيانة الدعائم الأساسية التي تقوم عليها الوحدة القومية والتي باختلالها تختل أوضاع الأمة وتضعف عن مقاومة نزعات التفرقة وتصبح مرتعا للهيمنة الأجنبية ومن أهم هذه الدعائم: الدولة والحزب إذ كلاهما أداة وضمان لوحدة الأمة..”([96]).
وان كانت الديمقراطية خطيرة لهذه الدرجة علينا التساؤل أيضا عن الأسباب التي دعت الحبيب بورقيبة في أوائل الخمسينيات على تحريض النسوة “الأميات والجاهلات”لممارسة حقّهن في التصويت أثناء الانتخابات البلدية والتشريعية وتحدي معارضة الآباء والأزواج ؟ولماذا قام بورقيبة بإلقاء بعض الخطب بهدف إقناع الرافضين لممارسة النسوة حقّهنّ في الانتخاب وتحريك جهاز الحزب لنفس الغرض، وهو نفس الأمر الذي حدث بعد صدور قانون الأحوال الشخصية الذي قوبل عن مضض،آنذاك، من قبل قطاعات واسعة من الشعب التونسي الذي عارض حتى نزع المرأة لحجابها بخصوصيته التونسية. ورغم ذلك كان بورقيبة مقتنعا بما أقدم عليه ولم يكترث بالمجتمع لأنه، ببساطة، لم يكن يكّن له الاحترام أو التقدير.
بعد 15 سنة من الاستقلال، طالبت بعض قيادات حزب بورقيبة بضرورة إرساء التعددية والديمقراطية في البلاد فلم يتردّ الزعيم في تأكيد مواقفه السابقة من المسألة الديمقراطية ذاكرا انه”…في عصرنا هذا، ينبغي أيضا أن نحذر من سبب آخر يمكن أن تنشا عنه التفرقة والبغضاء وهو تسرع بعض الأفراد أو الفئات في إدخال تغييرات جوهرية على المجتمع قبل أوانها، أو دون مراعاة التدرج الذي تقتضيه طبيعة تلك التغيرات.”([97]) مؤكّدا “.. إن نحن أردنا الإسراع في تطوير الأوضاع السياسية بأكثر مما تطيق عقلية الشعب وتتقبّل درجة النضج التي بلغها، فإنّا نكون قد عرضنا البلاد لمخاطر الديمقراطية الغربية التي لا تلائم أوضاعنا و لا تناسب مقدار وعي الجماهير عندنا..”([98]) وبذلك تصبح الديمقراطية حسب بورقيبة خطرا على المجتمع المتأخر.فماذا أنجزت دولة الاستقلال غير التأخر إذن؟!
خاتمة:
تميّز خطاب بورقيبة حول الديمقراطية بإبراز وتضخيم العوائق التي تقف أمام إنجاز النظام الديمقراطي وذلك دون التحدث عن إيجابياته. وكان بورقيبة يردد عند حديثه عن الديمقراطية أن الشعب التونسي غير جدير بالحرية والديمقراطية لعدم نضجه..و أن الديمقراطية لا جدوى منها للبلاد لان شروطها غير متوفرة وان العمل بها سيؤدي بالبلاد إلى التهلكة:نزعات التفرقة و الهيمنة الأجنبية.. ومن شأن اعتماد النظام الديمقراطي تهدم دعائم الدولة الأساسية…أما على صعيد الممارسة فلم يكن سلوكه ديمقراطيا،في أي مرحلة من المراحل، سوى خلال الفترة الاستعمارية أو بعد استقلال البلاد ورئاسته للدولة التونسية وتحوّله إلى رئيس لمدى الحياة منذ 1975.
ويظهر أن الايجابيات الكثيرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحقّقت في عهد بورقيبة قد دفعت أحد أهم المؤرخين التونسيين المعاصرين للقول أن تونس قد “مثلت في العهد البورقيبي جزيرة استقرار، رغم بعض الهزات العابرة…”.ويؤكّد أن « الحكم البورقيبي(كان) أفضل من أغلب الأنظمة السياسية التي عرفها العالم الثالث في نفس فترة حكمه..”([99]).ورغم رجاحة هذا الرأي غير أن البعض يرى أنه كان بامكان بورقيبة، بما امتلك من “كاريزما” ومن شرعية تاريخية نضالية وجرأة سياسية، تأسيس تجربة ديمقراطية تكون نموذجا و إطارا لبناء مغرب عربي موحّد؟!
[1] – سنهتم بدراسة وتحليل ممارسة بورقيبه وآراءه حول المسالة الديمقراطية بين 1933(تاريخ انضمامه إلى الحزب)إلى سنة 1975 بعد أن تم تحوير الدستور واعتماد فصل ينص رئاسة بورقيبة للجمهورية التونسية مدى الحياة.
[2] – من توصيات المؤتمر السابع لجمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين، جريدة “ميسيون”ا(الرسالة)لناطقة بالفرنسية عدد يوم 28-9-1950، ص3
[3]– Camau(Michel) :La notion de démocratie dans la pensée des dirigeants maghrébines,thèse pour le doctorat en droit,ronéotypé. Aix-en Provence, 1969,573 pages.
كامو(ميشال):مفهوم الديمقراطية في فكر القيادات المغاربة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون، مرقونة.اكس –أن بروفانس، 1969، 573 صفحة
[4] – الحبيب بورقيبة(1903-2000):درس في الصادقية (تعليم مزدوج اللغة)، تحول إلى فرنسا ودرس الحقوق، رجع إلى تونس سنة 1927وعمل في المحاماة واخذ يكتب في الصحافة الوطنية العربية والفرنسية منذ سنة 1930، انظم إلى الحزب الحر الدستوري التونسي لكن سريعا ما انشق عنه وأسس الحزب الحر الدستوري، الديوان السياسي، الذي سيعرف بالحزب الجديد عكس الحزب الأول الذي سيوصف بالقديم القديم.سُجن بورقيبة وأُبعد ونُفي داخل البلاد وخارجها عدة مرات..وتحول إلى قائد للحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي بدون منازع.. توخى أسلوب المراحل في نضاله. وكان يؤمن بالحوار مع السلطات الفرنسية وبالتفاوض معها لحل مشاكل البلاد و بعد هزيمة فرنسا في معركة “ديان بيان فو” (الفيتنام) ثم اندلاع الثورة الجزائرية عبّرت فرنسا عن استعدادها لمنح تونس الاستقلال الداخلي فقبله بورقيبة باعتباره مرحلة للوصول إلى الاستقلال التام(1955) مما ولّد معارضة قوية داخل الحزب بقيادة صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الذي اعتبر= القبول بذلك هو خطوة إلى الوراء وطعنا للثورة الجزائرية الأمر الذي أدى إلى صراع مرير بين أفراد الحزب الواحد حُسم لصالح بورقيبة و اعتراف فرنسا باستقلال تونس في 20 مارس 1956..وتولى بورقيبة رئاسة البلاد من سنة 1956 إلى 7 نوفمبر 1987 بعد أن أقيل من قبل الوزير الأول السيد زين العابدين بن عليّ(رئيس الجمهورية الحالي) من منصبه بحكم تقدّمه في السنّ وعجزه عن ممارسة صلوحياته الدستورية..
[5] – كان استخدام العنف من قبل الحركة الوطنية التونسية محدودا جدا(1938ثم 1952-1954) واستخدم لتحقيق أهداف سياسية معيّنة.
[6] – كريم(مصطفى): تأملات في شخصية بورقيبة”، في: الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة الوطنية:قراءات علمية للبورقيبية.إعداد وتقديم عبد الجليل التميمي،مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات،تونس 2000، 12-20
[7] -الحناشي(عبد اللطيف):المراقبة والمعاقبة بالبلاد التونسية الإبعاد السياسي أنموذجا1881-1955، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، صفاقس تونس2003.
[8] – كان بورقيبة على وعيِِ بما يستهدف المجتمع التونسي المستعمَر من عوامل “تفسّخ” هويته فكان محتوى أول مقال كتبه، بعد رجوعه من باريس إلى تونس، هو الدفاع عن حجاب المرأة التونسية باعتباره يمثل احد مظاهر الذاتية التونسية العربية الإسلامية في وسط مستعمر.أما أول تحرك جماهيري قام به فكان قيادة مظاهرة ضدّ السماح بدفن المتجنّسين التونسيين بالجنسية الفرنسية.وهي إحدى الوسائل التي قاومت بها الحركة الوطنية مسالة تجنيس التونسيين بالجنسية الفرنسية وكانت تلك من الطرق التي استخدمتها فرنسا للقضاء على هويّة التونسيين وإدماجهم في المشروع الفرنسي.
[9] – صدر قانون التعليم في 4-11-1958تم بموجبه تم توحيد التعليم وإقرار مجانيته وفتحه أمام جميع التونسيين إناثا وذكورا(الصفوف مختلطة)ورصدت الدولة نحو ربع الميزانية لهذا القطاع.
[10] – أصدر بورقيبة يوم 13-8-1956(أي بعد اشهر قليلة من الاستقلال و)هذا القانون وأقرت هذه المجلة منع تعدد الزوجات وإقرار الطلاق بحكم عدلي وتحددت سن زواج للجنسين وتمكّنت المراة من حقها في الانتخاب و الترشح لكل المسؤوليات..
[11]– قامت السلطات الجديدة بتوحيد القضاء بعد أن كان متعددا (13-8-1956) واعتماد القضاء على القانون الوضعي.
[12] – تعتبر إحدى الباحثات أن الإعلان عن الجمهورية هو في احد معانيه لا يشكل قطيعة مع النظام السابق بل مواصلة لأرث سياسي مشترك حسيني(نسبة للحسين ابن عليّ الذي أسس العائلة الحسينية منذ 1705) فرنسي؟!
– Asma(Larif Beatrix) : « L’Etat tutélaire,système politique et espace éthique » ;in Camau Michel :Tunisie au présent ,une modernité au-dessus de tout soupçon ?éd du C.N.R.S,Paris1987,p131
– أسماء(لعريف بياتركس):” دولة الوصاية، النسق السياسي والمجال الأخلاقي”في كامو ميشال:تونس الراهنة:حداثة فوق كل الظنون؟منشورات المركز القومي للبحث العلمي باريس 1987، ص131.
[13]– بن نور الدين( بن خذر)، مجلة حقائق عدد919-920، تونس 7-20 أوت 2003
[14] – المرجع نفسه.
[15] – برزت أول صحيفة تونسية قبل الحماية الفرنسية وذلك سنة 1860 وهي الرائد التونسي أما أول جريدة بعد الحماية فكانت “الحاضرة” سنة 1888، و أول جمعية تونسية فكانت “الخلدونية”سنة 1896، وأول نقابة تونسية سنة 1924، وأول حزب سنة 1920.
[16] – من أهم القضايا التي طالب بها الحزب في بدايته:
- تأسيس مجلس يتكون من أعضاء تونسيين وفرنسيين منتخبين بالاقتراع العام يتمتع بالسيادة الكاملة في وضع برنامج أعماله وله اختصاصات واسعة فيما يخص الميزانية.تأسيس حكومة مسؤولة أمام هذا المجلس.الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. تنظيم بلديات منتخبة بالاقتراع العام في جميع أنحاء المملكة.المطالبة بحرية الصحافة والاجتماع وتأسيس الجمعيات.إجبارية التعليم.
[17] – ترك الحزب للنخبة اليهودية عدة مناصب في قيادة الحزب:اللجنة التنفيذية 3 مناصب واللجنة التشريعية منصبين واللجنة المالية منصب واحد.كما خصصت قيادة الحزب التوراة حتى يتسنى لليهود أداء قسم اليمين ولكن لم يلتحق احد من هؤلاء بالحزب.انظر تفاصيل ذلك في:
– المدني(احمد توفيق):حياة كفاح (مذكرات)الجزء الأول، في تونس 1905-1925، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1976، ص194.
[18] – حول نشاط الجزائريين في الحزب انظر:
– مناصرية(يوسف):الحزب الحر الدستوري التونسي 1919-1934، دار الغرب الإسلامي بيروت 1988، ص71-72، أيضا:
– الحناشي(عبد اللطيف):”الإبعاد في مواجهة النشاط السياسي للعرب المقيمين بالبلاد التونسية.مثال الجزائريين 1911-“1939،المجلة التاريخية المغاربيّة،العددان 97-98،تونس ماي 2000،ص55-72.
[19]– محمد(مسعود إدريس):”مساهمة الشرائح الشعبية في الحركة الوطنية:الحزب الدستوري في مدينة تونس(1920-1934)”، في المغيبون في تاريخ تونس الاجتماعي.بيت الحكمة. تونس1999
[20] – عرف الحزب عدة انشقاقات في صفوفه بداية العشرينات من ذلك الحزب الإصلاحي(1921) برئاسة حسن القلاتي والحزب الحر المستقل (1922) بزعامة فرحات بن عياد..
[21] – وهم الحكيم محمود الماطري والبحري قيقة والطاهر صفر..وصالح بن يوسف.
[22] – البلهوان (علي): تونس الثائرة، إصدار لجنة تحرير المغرب العربي القاهرة 1954، ص397…
[23] – شهادة أحمد بن صالح السياسية: إضاءات حول نضاله الوطني والدولي تقديم الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي، مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، زغوان، مارس2002، ص151-154( تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل في 20-1-1946)
[24] – التيمومي(الهادي):تونس 1956-1987، دار محمد عليّ للنشر تونس 2005، ،ص 90.
[25] -بورقيبة(الحبيب):حياتي، آرائي، جهادي.الطبعة ثانية وزارة الإعلام، تونس 1983، ص91.
[26] – المصدر نفسه، ص91-92.
[27] – بورقيبة( الحبيب): بين تونس وفرنسا، وزارة الإعلام، تونس 1985، ص76.
[28] – المصدر نفسه، ص 50، مقال بعنوان”نداء الاتحاد”.
[29] – وهو الشاذلي خير الله(1898-1972):صحفي ومناضل وطني أسس عدة صحف ناطقة بالفرنسية وبالعربية في تونس وفرنسا…
[30] – بورقيبة(الحبيب):حياتي آرائي…، مصدر سبق ذكره، ص85-86 ويواصل بورقيبة حديثه بالقول”… بعد هذه المشادة أخذت أتملص شيئا فشيئا من الجريدة وأحجمت عن الكتابة فيها فارتبكت أمورها وضعف حالها…فانسحبت سنة1931″
[31] – وهما محمود الماطري(1897-1972)و الطاهر صفر(1903-1942).
[32]– Matri (M) : Itinéraire d’un militant (1926-1942). Tunis.CERES.1992
[33] – العضو الوحيد في قيادة الحزب(الديوان السياسي)الذي لم يدرس في فرنسا بل في تونس(جامع الزيتونة)كان يوسف الرويسي.
[34] – وهم محمود الماطري و البحري قيقة والطاهر صفر ومحمد بورقيبة.
[35] – Slimen (B.S) : Souvenirs politiques .Cérès productions 1989pp403.
[36] – الصريح عدد 287 مؤرخ في 14-1-1952، “رسالة الزعيم جراد إلى رئيس الحزب” محمد الصالح جراد.
[37] – التيمومي(الهادي):تونس….ص87.
[38] – أفريقيا الشمالية عدد 47 مؤرخ في 6-1-1951.
[39] -بن حميدة(عبد السلام):تاريخ الحركة النقابية الوطنية للشغيلة بتونس1924-1956، ترجمة جماعية، دار محمد علي الحامي، صفاقس تونس1984، ص63-66.
[40] – القناوي(بلقاسم):مذكرات نقابي وطني، تحقيق فريد بن سليمان، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية، تونس 1998
[41] – عدم الموافقة على إضراب المتلين بجهة بنزرت في 31-5-1937 وعدم مؤازرة الديوان السياسي في العنف الذي مورس ضد الثعالبي ورفض النقابة المشاركة في إضراب 20-11-1937 الذي اقره المؤتمر الثاني للحزب للتنديد بالعنف المسلط على الوطنيين في كل من الجزائر والمغرب الأقصى..
[42] – الشخصيات هي الهادي نويرة وصالح بن يوسف والمنجي سليم درسوا كلهم القانون بفرنسا واشتغلوا في قطاع المحاماة وكانوا من قيادات الحزب الجديد ولم يكن لهم ماض في الحقل النقابي.
[43] – المحجوبي(عليّ):الحركة الوطنية التونسية بين الحربين، منشورات الجامعة التونسية، تونس 1986، ص127-136.
– بن حميدة(عبد السلام):الحركة النقابية الوطنية للشغيلة بتونس(1924-1956)جزءان، الجزء الأول، ترجمة جماعية نشر دار محمد عليّ الحامي، صفاقس-تونس 1984
[44] – بن ميلاد(احمد)و إدريس(محمد مسعود):الشيخ عبد العزيز الثعالبي والحركة الوطنية 1892-1940، الجزء الأول، بيت الحكمة تونس 1991، 400-401
[45] – الثعالبي(عبد العزيز):الكلمة الحاسمة، دار المعارف للطباعة والنشر سوسة تونس1989، ص76.
[46] – بن ميلاد(احمد)و إدريس(محمد مسعود):الشيخ عبد العزيز الثعالبي..مرجع سبق ذكره،ص410-415 .
[47] – مؤسس هذه الحركة هو شمس الدين العجيمي عمل محاميا ومستشارا بلديا.. ومن بين مؤسسي الحزب شخصيات من النخبة الوطنية.
[48] – تم إلقاء القبض على صاحب المحاولة الذي صرح بأنه أراد إخافة العجيمي وليس قتله. وحكم عليه بثمانية اشهر سجنا و خطية بخمسة آلاف فرنك.
[49] – المكي بن محمد كمال بن عزوز:ولد بتونس يوم 10 جوان 1927زاول تعليمه بالمدرسة العربية الفرنسية ثم التحق بجامع الزيتونة ونال الأهلية عمل بالصحافة وأصدر جريدة إفريقيا الشمالية سنة 1945 ثم صوت المسلم سنة 1956.
[50] – تم إلقاء القبض على المعتدين وصدرت ضد كل متهم عقوبات بأربعة اشهر سجن.
[51] – الإرادة عدد765 مؤرخ في 26-4-1949 “جريمة ضد الحرية”.
[52] – المصدر نفسه والمقالة ذاتها.
[53] – المكني(عبد الواحد):”ظاهرة الاغتيالات السياسية في تونس الخمسينيات:مثال الهادي شاكر 13 سبتمبر 1953″، روافد عدد 9، المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية تونس 2004، ص257-268.
[54] – بن يوسف(عادل):النخبة العصرية التونسية.طلبة الجامعات الفرنسية:1880-1956، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، دار الميزان تونس 206، ص432 حول النخبة الحاكمة في عهد بورقيبة انظر أيضا:
– الشرفي(منير):وزراء بورقيبة، دراسة ترسم ملامح الوزير التونسي في عهد الحكم الفردي، مطبعة تونس قرطاج(بدون تاريخ)، ص259.
[55] – أصدر باي(ملك)تونس أمرا مؤرخا في 29 ديسمبر 1955 ينص على إنشاء “مجلس قومي تأسيسي منتخب لإعداد دستور للبلاد وتمت الانتخابات في 25 مارس 1956 في أوضاع تميّزت بالاضطراب وفازت فيها “الجبهة القومية”بقياد الحزب الدستوري والمنظمات الوطنية المتحالفة معه.وألغي هذا المجلس النظام الملكي(25 جويلية1957)وأُعلن عن النظام الجمهوري وتم تكليف الحبيب بورقيبة(كان رئيس الحكومة) برئاسة الدولة إلى حين الإعلان عن الدستور(1 جوان 1959).
[56] – مثلا الفصلان الخامس والسادس والثامن من الدستور (1959).
[57] -جريدة”لاكسيون”(العمل)عدد جانفي 1958، ص4، وهي جريدة ناطقة باسم الحزب الدستوري الحاكم خصصت أعداد شهر جانفي لسبر آراء عديد الشخصيات الفكرية والسياسية حول الإصلاحات التي تمت بتونس وانعكاساتها على مستقبل البلاد. أما الموقف أعلاه فهو للسيد منصور معلّى وكان آنذاك طالبا غير انه أصبح فيما أحد وزراء بورقيبة في عدة مناسبات…
[58] – كريّم(مصطفى):”تأملات في شخصية بورقيبة..مرجع سبق ذكره،14
[59] – حمدان(محمد):دليل الدوريات الصادرة بالبلاد التونسية من سنة 1838 إلى مارس 1956، بيت الحكمة، قرطاج تونس1989، ص330.
[60] – الثقافة والحياة الجمعياتية والتغيرات الهيكلية في المجتمع التونسي 19896-1956، وزارة الثقافة، تونس 1992.
– الغول(رضا):الجمعيات الخيرية في تونس قبل الاستقلال.الهياكل والوظائف،شهادة الكفاءة في البحث بإشراف الأستاذ الطاهر لبيب،جامعة تونس الأولى كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس،تونس 1993،ص212.
[61] -Souriau(Christiane) : « L’opinion dans la presse Maghrébine arabe en 1966 »,in annuaire de l’Afrique du Nord.Aix-en -Provence1967,p177
“الرأي في صحافة المغرب العربي العربية سنة 1966»في، اكس أن فروفانس1967، ص177.
[62] – يتعلق الأمر بالمقال الذي صدر في جريدة “Afrique-Action”(أفريقيا-العمل) بتوقيع كل من محمد المصمودي(عضو هيئة التحرير) والبشير بن يحي(صاحب الجريدة) في أكتوبر 1961 بعد، معركة بنزرت وهما من قيادات الحزب ووزيران في أول حكومة أسسها بورقيبة. أما عنوان المقال فكان «السلطة الفردية”وكان الى جانب المقال صورة للملك فاروق.ونتيجة لذلك تم منع الجريدة من الصدور وإقالة محمد المصمودي من منصبه الوزاري ومن الديوان السياسي(المكتب السياسي) للحزب.
[63] – اندثر مثلا الحزب الحر الدستوري اللجنة التنفيذية أما الأحزاب التي كانت متهمة بالارتباط بفرنسا فقد اندثرت بدورها وحوكم بعض أفرادها أما الحزب الشيوعي التونسي الذي تأسس منذ سنة 1919 فقد منع من النشاط منذ سنة 1963 ومنعت صحفه والصحف القريبة منه.
[64] -نسبة إلى الزعيم صالح بن يوسف الذي اختلف مع الزعيم الحبيب بورقيبة الذي وافق على الاستقلال الداخلي باعتباره خطوة إلى الأمام ستؤدي إلى الاستقلال التام في حين اعتبر بن يوسف ذلك خطوة إلى الوراء..حول هذه”الحركة”انظر:
– واردة(المنجي):”جذور الحركة اليوسفية”، المجلة التاريخية المغاربة العدد71-72 تونس ماي1993، ص479-558
[65] – المنصر(عدنان):دولة بورقيبة،فصول في الايدولوجيا والممارسة(1956-1970)،تقديم الأستاذ حسين رؤوف حمزة،كلية الآداب والعلوم الإنسانية سوسة-تونس2004،ص177…
[66] – بورقيبة(الحبيب):حياتي..، مصدر ذكر سابقا، ص279
[67] – بورقيبة(الحبيب): خطب(خ) الجزء4(ج4)ص59، أكرا في 5-3-1957
[68] – المصدر نفسه، خ.ج4، ص59، أكرا في 5-3-1957
[69] – المصدر نفسه، خ.ج2، ص133، تطاوين 18-6-1956
[70] – المصدر نفسه، خ، ج2، ص192-193، خزندار 13-7-1956
[71] – المنصر(عدنان):دولة بورقيبة، فصول… مرجع سبق ذكره، ص36-46
[72] – التيمومي(الهادي):تونس…مرجع سبق ذكره،ص149..
[73] – ضيف الله(محمد):”المحاكمات السياسية في تونس1956-1987″، في:القضاء والتشريع في تونس البورقيبية والبلاد العربية، جمع وتقديم الأستاذ د.عبد الجليل التميمي.مؤسسة التميمي وكونراد اديناور، زغوان.تونس مارس2004، 159-178.
[74] – مثلا عندما نشر القيادي النقابي و الدستوري أحمد التليلي سنة 1963 رسالته انتقد فيها النظام السياسي في البلاد أو عند بروز التيار الديمقراطي داخل الحزب في مؤتمر 1971.انظر:
– Tlili(A) :Lettre au Président Bourguiba, rédigée le 25 Janvier 1966.éditée à Tunis 1988,43p.
[75] – المصدر نفسه، خ.ج2، ص336 بمناسبة افتتاح مؤتمر الجامعات الدستورية بالساحل في 25-8-1956
[76] – المصدر نفسه:خ.ج2،ص336 بمناسبة افتتاح مؤتمر الجامعات الدستورية بالساحل في 25-8-1956
[77] – المصدر نفسه، خ.ج2، ص74،باردو 24-4-1956
[78] – عند مراجعتنا خطب بورقيبة لاحظنا أن بورقيبة لم يتحدث عن المسالة الديمقراطية خلال سنوات 1959-1960-1961-1962-1963
[79] – بورقيبة(الحبيب): خطب، مصدر سبق ذكره،.ج 18، ص 52، بنزرت 20-10-1964
[80] – المصدر نفسه، خ.ج18، ص 52، بنزرت 20-10-1964
[81] – المصدر نفسه، خ.ج18، ص61، بنزرت21-10-1964
[82] -المصدر نفسه، خ.ج21،ص236، قرطاج 26-4-1966
[83] – المصدر نفسه، خ.ج21، ص238، قرطاج 26-4-1966
[84] – المصدر نفسه، خ.ج21، ص237، قرطاج 26-4-1966
[85] – المصدر نفسه، خ.ج21، ص240، قرطاج 26-4-1966
[86] – المصدر نفسه، خ.ج21، ص240، قرطاج 26-4-1966
[87] – المصدر نفسه، خ.ج21، ص241، 26-4-1966
[88] – المصدر نفسه، خ.ج 24، ص 234، خطاب مؤرخ في مؤرخ في 17-12-1967
[89] – المصدر نفسه، خ.ج21، ص241،خطاب مؤرخ في 26-4-1966
[90] – المصدر نفسه، خ.ج21، ص241، خطاب مؤرخ في 26-4-1966
[91] – المصدر نفسه، خ.ج24، ص229،خطاب مؤرخ في 17-12-1967
[92] – من خطاب بورقيبة في افتتاح مؤتمر الحزب الثامن المنعقد بمدينة المنستير بين 11 الى 15 أكتوبر 1971، نشر وزارة الشؤون الثقافية والأخبار، تونس فيفري 1972، صص151، ص 67
[93] – المصدر نفسه، خ.ج 24، ص229، خطاب مؤرخ في 17-12-1967
[94] – من خطاب بورقيبة في افتتاح مؤتمر الحزب الثامن، مرجع سبق ذكره.
[95] – المصدر نفسه، ص64.
[96] – المصدر نفسه، ص 66.
[97] – المرجع نفسه، ص 67
[98] – المرجع نفسه، ص 67
[99] -التيمومي(الهادي):تونس…مرجع سبق ذكره،ص125-126