معن بشور: الصادق المهدي.. محطات في مسيرة “الامام”
1 min readمعن بشور
في مسيرة الامام الصادق المهدي زعيم “حزب الأمة القومي” في السودان، ورئيس “منتدى الوسطية”، العديد من المحطات السياسية والثقافية والفكرية الهامة التي جعلت من الامام، مثقفاً بين السياسيين، وسياسياً بين المثقفين، وشخصية قادرة على التعبير المميز عن الأبعاد الثلاثة للشخصية السودانية، وهي البعد العربي والاسلامي والافريقي، مدركاً ان تكامل هذه الابعاد هو ضمانة وحدة السودان على تنوعه، وضمانة دور السودان في محيطه وقارته….
كما كان حريصاً على هوية السودان العربية محذراً جهاراً نهاراً من مخاطر تغيير هوية السودان عبر مشروع “”السودان الجديد” الذي أسماه السودان البديل” إذ رأى فيه محاولة لاستبدال ثقافته وتاريخه ومكوناته الحضارية بسودان بديل يصبح سكيناً في الخاصرة العربية ،وبشكل خاص في خاصرة مصر.
بين هذه المحطات، كان لي شرف مشاركته في محطات اربع شكلت علامات مضيئة في تاريخ امتنا المعاصر. المحطة الأولى كانت في الخرطوم في31/1/1987 حين أفتتح الامام الصادق المهدي رئيس الحكومة السودانية انذاك المؤتمر الأول (بعد المؤتمر التأسيسي) “للمنظمة العربية لحقوق الانسان” والذي تعذر انعقاده في أي بلد عربي فحرص الصادق، وبإسهام من الرجلين الكبيرين الراحلين الميرغني النصري وامين مكي مدني ، على استضافته حيث انتخب المهندس أديب الجادر (رحمه الله) رئيساً، والاستاذ محمد فايق (اطال الله عمره )، رفيق جمال عبد الناصر، أميناً عاماً، وأمانة عامة ضمت أبرز رجالات التيار القومي العربي من أقصى المغرب الى أقصى المشرق ممن أرادوا التأكيد على اعتبار الديمقراطية وحقوق الانسان احد أبرز عناصر المشروع النهضوي العربي.
وللمنظمة العربية لحقوق الانسان التي تأسست في جزيرة قبرص عام 1982 قصة جديرة بالتذكر دائماً، ففي ذلك الحين لم يجد مركز دراسات الوحدة العربية وعلى رأسه الاخ الكبير الدكتور خير الدين حسيب (أطال الله عمره) غير ” ليماسول” القبرصية مدينة تستقبل ندوة “الديمقراطية وحقوق الانسان في الوطن العربي”، بعد أن اعتذرت كل العواصم الأخرى التي جرى الاتصال ببعضها، فيما كانت بيروت تعاني يومها من آثار الغزو الصهيوني عام 1982 وغير قادرة على استقبال الندوة. على هامش تلك الندوة التقى المشاركون وكانوا من مختلف أقطار الأمة، على فكرة تأسيس “المنظمة العربية لحقوق الانسان” لا لتكون اطاراً للدفاع عن حقوق الانسان العربي المنتهكة في معظم الأقطار فحسب، بل لتقدم نسخة عربية من منظمات حقوق الانسان عصية على استغلال الغرب لها لتحقيق أغراضه الاستعمارية، او لتبرير تدخله في الشؤون الداخلية للأقطار العربية.
في ذلك المؤتمر الذي انعقد في “الفندق الكبير” في الخرطوم، وحضرته من لبنان والدكتور معن زيادة (رحمه الله) والأخ فيصل درنيقة مدير العلاقات العامة في مجلة “المنابر” التي كانت قد صدرت حديثاً ،كان للصادق المهدي في افتتاح ذلك المؤتمر كلمة بالغة الأهمية عن العلاقة بين الثقافة والسياسة، بين نهوض الأمة وبناء الدولة الديمقراطية التي دفع الصادق ثمناً باهظاً في السجون والمنافي بسبب دفاعه عنها… اما المحطة الثانية التي جمعتنا بالراحل الصادق المهدي فكانت في المؤتمر القومي / الإسلامي الذي تأسس بمبادرة من المؤتمر القومي العربي عام 1994، فقد كان الصادق المهدي اول المتجاوبين مع هذه الفكرة ومع دعوة اول منسق عام للمؤتمر الدكتور احمد صدقي الدجاني (رحمه الله)، رغم انه لم يكن “قومياً عربياً” بالمعنى المتعارف عليه، كما لم يكن على علاقة جيدة مع “الحركة الإسلامية” في السودان ومؤسسها، زوج شقيقته، الراحل الدكتور حسن الترابي.
وتفسير الصادق لمشاركته تلك، هو انه يعتقد ان ما من تيار واحد في الأمة قادر على مواجهة التحديات كافة التي تواجهها الأمة، وان التكامل بين الإسلام والعروبة والافريقانية هو أحد أبرز الشروط لترسيخ وحدة العديد من أقطار الأمة ، وفي مقدمها السودان، التي تتشكل شعوبها من تكامل هذه الهويات.
وأذكر انني قلت له يومها ” انك بتأكيدك على التكامل بين الابعاد الثلاث تلتقي مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي تحدث عن الدوائر الثلاث التي ستتحرك الثورة المصرية في اطارها وهي الدوائر العربية والإسلامية والافريقية.”
المحطة الثالثة كانت في ملتقى القدس الدولي الذي انعقد في اسطمبول في 15-17 تشرين الثاني 2007 بدعوة من مؤسسة القدس الدولية وهيئات واتحادات عربية عديدة، وكم سعدت بجوابه لي حين أتصلت بصفتي رئيساً للجنة التحضيرية للملتقى لدعوته للمشاركة :” نداء القدس لا يمكن لعربي او مسلم او حر في العالم إلا ويستجيب له، فأمتنا، إما ان تنتصر في القدس وإما تبقى مهزومة الى الأبد..” وكان حضوره لافتاً بين الالاف من الشخصيات الوافدة من كل أرجاء العالم، حيث كان يلتف حوله العديد منهم يستمعون بأهتمام بالغ الى أفكاره وأرائه ناهيك الى كلمته المؤثرة في الأفتتاح.
اما المحطة الرابعة فكانت في 15/7/2016، حين دعا ” المؤتمر القومي العربي” في دورته السابعة والعشرين المنعقدة في تونس في فندق “لورويال” في مدينة الحمامات ، الى التنسيق مع “المؤتمر القومي/ الإسلامي” و”المؤتمر العام للأحزاب العربية” لعقد الدورة السابعة “للمؤتمر العربي العام” من أجل رفض تصنيف ” حزب الله” منظمة إرهابية ردا على ما جرى في مؤتمر وزراء الداخلية والخارجية العرب قبلها… أبدى الامام الصادق المهدي حماساً لاستعداده للحضور الى المؤتمر الذي انعقد في بيروت في فندق رامادا بلازا وكان لحضوره الافتتاح مع المئات من الشخصيات العربية والإسلامية وجلوسه على المنصة الرئيسية مع فاروق القدومي (احد مؤسسي حركة فتح) والأستاذ حمدين صباحي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (فك الله أسره) اللذين نالا اكثر من عشرة ملايين صوت في الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012، وأمين عام جمعية العلماء المسلمين في الجزائر الاخ صالح دحان، والمنسق العام للمؤتمر القومي/ الإسلامي الاخ خالد السفياني (المغرب) والأمين العام لمؤتمر الأحزاب العربية الاخ قاسم صالح (لبنان)، والراحل حسين شيخ الإسلام رحمه الله (ممثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية) والسيد إبراهيم امين السيد (ممثل حزب الله) بالإضافة الى امين عام المؤتمر القومي العربي يومها الدكتور زياد حافظ (لبنان).
وأذكر ان الصادق المهدي قال عشية افتتاح المؤتمر لمديرته الأخت رحاب مكحل:” انا سليل اسرة مقاومة للاحتلال البريطاني والتي كان يسمونها “بالإرهاب” فكيف لا أشارك بمؤتمر يندد بتصنيف المقاومة ارهاباً”.
كان ذلك الحضور اللافت لممثلي هذا الطيف الواسع من القوى الشعبية العربية ( قومية وإسلامية ويسارية)، وفي المقدمة الصادق المهدي، أحد الأسباب التي حالت دون ادراج ذلك البند المهين في قمة نواكشوط العربية بعد أشهر على ذلك المؤتمر وبعد أن أتضح ان الموقف الشعبي العربي في واد وموقف بعض الأنظمة في واد آخر… وهو أمر يتضح اليوم أيضاً في المعارضة الشعبية العربية الواسعة للتطبيع مع العدو(و الامام الصادق من أبرز اركان هذه المعارضة) مقابل هرولة بعض الحكام وأتباعهم اليه. ولعل في محاضرة الصادق المهدي مؤخراً ضد التطبيع في الخرطوم أسطع دليل على وطنية الرجل وايمانه بعروبته واسلامه وانسانيته.
في حياة الرجل الذي أمضى عقوداً منها متنقلاً بين السجون والمنافي وبين رئاسة وزراء بلاده، العديد من المحطات الهامة لا سيما في ألدفاع عن قضايا بلاده الملحة سواء بالنسبة لدفاعه عن الديمقراطية او لحرصه على حل سلمي لمشكلة الجنوب، ولدفاعه عن القضايا العربية وفي المقدمة قضية فلسطين…
كانت سيرة الامام الصادق المهدي الحافلة بالنضالات والمواقف الشجاعة خير معبر عن ثنائية حكمت السودان منذ استقلاله عام 1954، وقد لخصها في يومها المفكر الكبير الراحل منح الصلح حين تحدث عن “التناوب بين الانقلاب العسكري والديمقراطية المتخلفة، ففشل الثانية يمهد للانقلاب، وفشل الحكم العسكري يمهد للثانية.” وهذه المعادلة على ما يبدو ما زالت قائمة رغم التعديلات النسبية التي حصلت عليها بعد انتفاضة الشعب السودانيالاخيرةوقيام أئتلاف بين العسكر والقوى المدنية يبدو هو الآخر مهددا بالانفراط…