محمد صالح صدقيان: رمال الشرق الاوسط المتحركة
محمد صالح صدقيان
بات الاعتقاد واضحا لدى الجميع ان منطقة الشرق الاوسط مقبلة على متغيرات سياسية جديدة استنادا على معطيات واضحة المعالم خصوصا تلك التي تقدم عليها الادارة الامريكية . هذه المتغيرات ضغطت على العديد من الدوائر ذات الاهتمام للاستعداد من اجل حجز مقعد في القطار الجديد الذي يريد ان يعطي صورة اخرى للمنطقة .
رمال المنطقة المتحركة لم تكن ثابتة منذ ان تدفق النفط في اراضيها وهي تأنّ بسبب دوي آليات الحفر التي تنهش في ترابها بحثا عن المادة التي تريد ان تٌشغّل عجلة الحياة في أرجاء المعمورة .
المنطقة عاشت ردحا من الزمن وفق معادلات فٌصلت على مقاساتها وفي اكثر الاوقات على مقاسات اخرى من اجل استخراج النفط وتصديره للدول المستهلكة . هذه المعادلات لم تكن اقتصادية او علمية او اجتماعية وانما كانت معادلات امنية عسكرية سياسية صيغت على قواعد الحرب الباردة التي استمرت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي . ومنذ ذلك الحين تعيش هذه المنطقة في فراغ امني واضح بعد انهيار النظام الامني فيها .
الولايات المتحدة رغبت وسعت لفرض معادلة جديدة تستند على نظرية القطب الواحد ؛ لكن الاخرين قالوا ان هذا الفراغ سيكون لصالح قوى اقليمية صاعدة اضافة الى الصين وروسيا القريبتين من المنطقة .
الولايات المتحدة طرحت فكرة « الشرق الاوسط الجديد » في عهد المحافظين الجدد ايام الرئيس جورج بوش الابن . وزيرة الخارجية في ذلك العهد كونداليزا رايس تنبأت ان « الشرق الاوسط الجديد » سيٌخلق من مخاض الحرب اللبنانية “الاسرائيلية” عام 2006 لكن ذلك لم يحدث . بقيت المنطقة تعيش ارهاصات البحث عن النظام الامني الذي يسد الفراغ في المنطقة حتى طلع علينا الصهر المدلل كوشنير في عهد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ليبشر بـ « صفقة القرن » التي لم يتسن لها ان تٌطبخ جيدا واحترقت مع احتراق الورقة الانتخابية للرئيس ترامب وهزيمته في الانتخابات .
الان لازالت هذه الرمال تتحرك في هذه المنطقة . يقولون ان الرئيس جو بايدن الذي جاء على انقاض سياسة ترامب الخشنة يريد ان يصحح المسارات . فالرجل يريد العودة للاتفاق النووي ؛ وهو يرغب بإنهاء حرب اليمن ؛ كما انه يود اعادة العلاقة مع سوريا ؛ ويتمنى تعزيز الامن في العراق ؛ وجدي في مساعدة اللبنانيين لتشكيل حكومتهم العتيدة ؛ ويدفع لنجاح الانتخابات العراقية في اكتوبر القادم ؛ كما انه يعتزم الانسحاب من افغانستان ويمضي في المصالحة مع الطالبان . هذه النوايا التي لا اعلم هل انها رحمانية ام شيطانية الا انها دفعت دول المنطقة وحكوماتها لترتيب اوراقها استعدادا للقادم الجديد !. الادارة الامريكية تحركت على دول المنطقة بوفد ضم مسؤولين من الامن القومي والخارجية والدفاع للوقوف على الوضع الميداني ونقل تصورات الادارة بشان ملفات المنطقة الساخنة .
هذه التصورات التي لم تكن مفاجئة منذ فوز الرئيس بايدن طالبت هذه الدول التفاعل معها من اجل حل مشاكلها وعدم التخلف عن مواكبة تطورات المنطقة تماما كما فعل الرئيس ترامب عندما زار المنطقة بعد انتخابه مباشرة في العام 2016 وطالب دول المنطقة التفاعل مع جهوده سياسيا وأمنيا وماليا .
الجميع سمع من الوفد الامريكي الذي شد رحاله للمنطقة ان الادارة عازمة على العودة للاتفاق النووي ؛ وسمع ايضا ان احياء الاتفاق النووي سوف ينعكس امنيا وسياسيا على ملفات المنطقة ؛ وسمع ثالثا ؛ ضرورة ترطيب العلاقات الثنائية تمهيدا لتفكيك الحروب والازمات وإزالة التوتر في المنطقة .
ليس مهما معرفة كل ذلك ؛ لكن المهم كيف يمكن توظيف المتغيرات والتطورات من اجل خدمة مصالح هذه المنطقة التي راهن البعض فيها على ازاحة الاخر من هذه الرقعة او تلك . الان ليس المطلوب ان يتنازل هذا الطرف او ذاك عن مطالبه او مواقفه بقدر البحث عن المطلوب لتفهم الاخر . دول المنطقة لديها مصالح ولديها اصدقاء وعليها ان تتفاهم او ان تتفهم الاخر .
في نهاية المطاف يجب ان يصل الجميع الى آلية لتفهم الاخر من اجل العيش المشترك الذي يقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير . سألني صديقي عندما كنت اتحدث معه في هذه الافكار والتصورات ؛ من يضمن ذلك ؟ قلت له الارادة السياسية المتوفرة لدى كافة الاطراف ؛ اضافة الى الحكمة والقناعة بضرورة اللجوء الى ثقافة الحوار وطاولته عند اي مشكلة تواجه المنطقة وعدم اللجوء الى مسارات المواجهة . قال وهل هذا ممكن ؟ قلت يجب ان ننظر لنصف الكاس الملآن وعدم النظر لنصفه الفارغ .