28 ديسمبر 2024

محمد الصادق عبد اللطيف: الشاذلي القليبي.. النجم الذي هوى وعتاب على الوزارة وعلى قليبية

محمد الصادق عبد اللطيف

أولا‭: ‬الإنسان‭ ‬وما‭ ‬بعده‭.. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬نعرفه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭.‬

ثانيا‭: ‬لقد‭ ‬عرفنا‭ ‬التاريخ‭ ‬بأن‭ ‬الأمم‭ ‬الراقية‭ ‬تكتب‭ ‬تاريخها‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬أربعة‭:‬

1‭) ‬كتاب‭ ‬أعمالها‭.‬

2‭) ‬كتاب‭ ‬أقوالها‭.‬

3‭) ‬كتاب‭ ‬آثارها‭.‬

4‭) ‬كتاب‭ ‬أعلامها‭.‬

ولا‭ ‬سيبل‭ ‬لفهم‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬إلا‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الكتابين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬والأمم‭ ‬الراقية‭ ‬تكبر‭ ‬أعلامها‭ ‬وترفع‭ ‬من‭ ‬شأنهم‭ ‬أحياء‭ ‬وأمواتا،‭ ‬وسي‭ ‬الشاذلي‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬أعلام‭ ‬تونس‭ ‬علما‭ ‬وثقافة‭ ‬ولطفا‭. ‬عرفته‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬الوطنية‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مناضلا‭ ‬ثقافيا‭ ‬وتربويا‭ ‬برز‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال‭ ‬كأحد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلة‭ “‬الندوة‭” ‬بتبريك‭ ‬من‭ ‬المدير‭ ‬محمد‭ ‬النيفر‭ ‬صاحب‭ ‬المجلة‭ ‬فكان‭ ‬ينشر‭ ‬فيها‭ ‬أفكاره‭ ‬ويطرح‭ ‬فيها‭ ‬قضايا‭ ‬ثقافية‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الوطنية‭ ‬وأهمها‭ ‬قضية‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭.‬

اشتغل‭ ‬بالتدريس‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬الثانوية‭ ‬وكان‭ ‬يتحسس‭ ‬طريقه‭ ‬للنضال‭ ‬الثقافي‭ ‬والنقابي‭ ‬وحتى‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬احتشام‭.‬

كان‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬مؤتمر‭ ‬صفاقس‭ ‬للحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬مكلفا‭ ‬بنقل‭ ‬الخطب‭ ‬والتدخلات‭ ‬والنقاش‭ ‬من‭ ‬المسجلة‭ ‬إلى‭ ‬الرقن،‭ ‬بدأ‭ ‬يظهر‭ ‬كوجه‭ ‬إعلامي‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬خاص‭.‬

سطع‭ ‬نجمه‭ ‬لما‭ ‬انتدب‭ ‬للتدريس‭ ‬الجامعي‭ ‬بتونس‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬المعملين‭ ‬العليا‭ ‬بتونس‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الوزير‭ ‬الأمين‭ ‬الشابي‭ ‬باعتباره‭ ‬مبرزا‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬والآداب‭ ‬العربية‭ ‬وبعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬انتدب‭ ‬مديرا‭ ‬للإذاعة‭ ‬التونسية‭ ‬وفيها‭ ‬حاول‭ ‬تجديديا‭ ‬العمل‭ ‬الإعلامي‭ ‬والسمعي،‭ ‬فأرسى‭ ‬نظاما‭ ‬تجديدا‭ ‬ببعث‭ ‬مجلة‭ “‬الإذاعة‭” ‬لنقل‭ ‬صوت‭ ‬الإذاعة‭ ‬مصورا‭ ‬ومكتوبا‭ ‬للعموم‭ ‬واستحدث‭ ‬برامج‭ ‬ترفيهية‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬خاص‭ ‬وقد‭ ‬أحاط‭ ‬نفسه‭ ‬بنخبة‭ ‬نيرة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الفكر‭ ‬والقلم‭ ‬والإعلام‭ ‬لوضع‭ ‬عملية‭ ‬التطوير‭ ‬ولعل‭ ‬أبرز‭ ‬برنامج‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أعده‭ ‬حمادي‭ ‬الصيد‭ “‬سلوى‭ ‬البعيد‭” ‬والذي‭ ‬استضاف‭ ‬فيه‭ ‬سي‭ ‬الشاذلي‭ ‬وتم‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أعداد‭ ‬المجلة‭ ‬وتصوره‭ ‬لأفكاره‭ ‬التجديدية‭.‬

دخل‭ ‬مجال‭ ‬الرفع‭ ‬العملي‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬السكان‭ ‬فأسس‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬ديوان‭ ‬تعليم‭ ‬الكهول‭ ‬ورفع‭ ‬الأمية‭ ‬وبعث‭ ‬التلفزة‭ ‬التربوية‭ ‬لتثقيف‭ ‬الشعب‭ ‬بدروس‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬والحساب‭ ‬والكتابة‭ ‬والتنقل‭ ‬إلى‭ ‬المدن‭ ‬والأرياف‭ ‬بالقافلة‭ ‬السينمائية‭ ‬والمكتبة‭ ‬المتجولة‭ ‬لنشر‭ ‬الوعي‭ ‬ورفع‭ ‬الجهل‭ ‬ودمج‭ ‬هذه‭ ‬القفزة‭ ‬بإحداث‭ ‬أسابيع‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬جندوبة‭ ‬وتونس‭ ‬وصفاقس‭. ‬ولمن‭ ‬يريد‭ ‬معرفة‭ ‬آثاره‭ ‬فليعد‭ ‬إلى16‭ ‬مؤسسة‭ ‬ثقافية‭ ‬أحدثها‭ ‬وغرسها‭ ‬في‭ ‬جهات‭ ‬الجمهورية‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬قد‭ ‬تعطل‭ ‬وهدم‭ ‬وسرق‭ ‬بعده‭ ‬حين‭ ‬تولى‭ ‬بعضهم‭ ‬الوزارة‭ ‬فجمد‭ ‬بعضها‭ ‬وغير‭ ‬الآخر‭ (‬كالشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬أو‭ ‬كمؤسسة‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬قمرت‭) ‬أو‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الاسطنوانات‭ ‬في‭ ‬بن‭ ‬عروس‭. ‬

أما‭ ‬الأسابيع‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬بعثها‭ ‬للخارج‭ ‬فهي‭ ‬رسالة‭ ‬ثقافية‭ ‬تعرف‭ ‬بالوطن‭ ‬وبتراثه‭ ‬وثقافته‭ ‬وما‭ ‬يحسب‭ ‬له‭ ‬ثقافيا‭ ‬هو‭ ‬تكوين‭ ‬لجنة‭ ‬علمية‭ ‬بارزة‭ ‬لمراجعة‭ ‬مخطوط‭ ‬اتحاف‭ ‬أهل‭ ‬الزمان‭ ‬لابن‭ ‬أبي‭ ‬الضياف‭ ‬ونشره‭ ‬في‭ ‬ثمانية‭ ‬أجزاء‭.‬

كان‭ ‬يصاحب‭ ‬الرئيس‭ ‬بورقيبة‭ ‬في‭ ‬جولاته‭ ‬العربية‭ ‬ويكون‭ ‬لسانه‭ ‬هناك‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭.‬

إن‭ ‬سيرة‭ ‬الشاذلي‭ ‬معددة‭ ‬الاختصاصات‭ ‬فهو‭ ‬الجامعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والوزير‭ ‬المسؤول‭ ‬وهو‭ ‬عضو‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭. ‬أنا‭ ‬أحتفظ‭ ‬بتذكار‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1973م‭ ‬عندما‭ ‬زار‭ ‬قليبية‭ ‬كي‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬آثارها‭ ‬وانجازاتها‭ ‬الثقافية‭ ‬وهو‭ ‬المؤسس‭ ‬الفعلي‭ ‬لدار‭ ‬الشعب‭ ‬ومسرح‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭ ‬وباعث‭ ‬مهرجان‭ ‬هواة‭ ‬السينما‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬الغربي‭ ‬رئيس‭ ‬البلدية‭ ‬تم‭ ‬ضبط‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬بغداد‭ ‬بشارع‭ ‬بورقيبة‭ ‬بتونس‭ ‬مع‭ ‬الأخ‭ ‬عبد‭ ‬الحق‭ ‬الأسود‭ ‬بصفته‭ ‬متدربا‭ ‬حزبيا‭ ‬جهويا‭.‬

ومن‭ ‬صفاته‭ ‬الصمت‭ ‬والتأمل‭ ‬والرصانة‭ ‬وكان‭ ‬يحرر‭ ‬خطب‭ ‬بورقيبة‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭ (‬المولد‭ ‬النبوي‭) ‬والخطب‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬يلقيها‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬العربية‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭ (‬بورقيبة‭ ‬لا‭ ‬يكتب‭ ‬خطبه‭ ‬الموجهة‭ ‬ألى‭ ‬التونسيين‭).‬

ترطبه‭ ‬صلة‭ ‬تراسل‭ ‬واتصالات‭ ‬هاتفية‭ ‬وكان‭ ‬يتشوق‭ ‬لمعرفة‭ ‬أصول‭ ‬العائلات‭ ‬القليبية‭ ‬الأصل،‭ ‬تقربت‭ ‬منه‭ ‬أكثر‭ ‬حين‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬كتابة‭ ‬كلمة‭ ‬عن‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬الروؤف‭ ‬الخنيسي‭ ‬لنشرها‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أعده‭ ‬عنه‭ ‬فاستجاب‭ ‬واقترحت‭ ‬عليه‭ ‬أيضا‭ ‬تقديم‭ ‬كتابي‭ “‬المقتطف‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬وأعلامه‭ ‬في‭ ‬تونس‭”‬‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬هذا،‭ ‬وكان‭ ‬يرد‭ ‬علي‭ ‬بكلمات‭ ‬مقتضبة‭ ‬لكنها‭ ‬فاعلة‭ ‬وقد‭ ‬شكرني‭ ‬حين‭ ‬نشرت‭ ‬عنه‭ ‬مقالا‭ ‬في‭ “‬الملحق‭ ‬الثقافي‭” ‬لجريدة‭ “‬الحرية‭” ‬بصفته‭ ‬شاعرا‭ ‬7‭/‬7‭/‬2007‭ ‬فاستحسن‭ ‬العملية‭ ‬وأعلمني‭ ‬بأن‭ ‬ذاك‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬يصور‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭ ‬ولعل‭ ‬له‭ ‬غيرها‭ ‬ومكتبه‭ ‬يعج‭ ‬بالمزيد‭ ‬ولعل‭ ‬كاتبه‭ ‬الخاص‭ ‬يفهرس‭ ‬تلك‭ ‬الخزانة‭ ‬ويشع‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬أذكر‭ ‬أنه‭ ‬شارك‭ ‬كناقد‭ ‬حصيف‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬عقدتها‭ ‬مجلة‭ “‬الفكر‭” ‬لتقديم‭ ‬كتاب‭ “‬السد‭” ‬بمشاركة‭ ‬فتحية‭ ‬مزالي‭ ‬والمحجوب‭ ‬بن‭ ‬ميلاد‭ ‬والبشير‭ ‬العريبي‭ ‬وصاحب‭ “‬السد‭” ‬محمود
‭ ‬المسعدي‭.‬

وشارك‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ “‬الأدب‭ ‬العربي‭” ‬بحضور‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬عندما‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬لحضور‭ ‬امتحان‭ ‬طلبة‭ ‬دار‭ ‬المعلمين‭ ‬العليا‭ (‬السنة‭ ‬الأولى‭)‬،‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الندوة‭ ‬مع‭ ‬محمود‭ ‬المسعدي‭ ‬وعلي‭ ‬البلهوان‭ ‬ونصها‭ ‬منشور‭ ‬في‭ ‬عددين‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ “‬الإذاعة‭ ‬التونسية‭” (‬5/1979‭ ‬العدد‭ ‬443‭ ‬وعدد‭ ‬444‭).‬

واشتغل‭ ‬بصدق‭ ‬كمسؤول‭ ‬طيلة‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المهام‭ ‬الي‭ ‬اضطلع‭ ‬بها‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬واستقال‭ ‬منها‭ ‬حين‭ ‬رجوعها‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬كان‭ ‬ينتظر‭ ‬دعوة‭ ‬رسمية‭ ‬لقليبية‭ ‬لجمع‭ ‬شمل‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬وقد‭ ‬سعت‭ ‬جمعية‭ ‬السير‭ ‬الثقافية‭ ‬لدى‭ ‬السلطة‭ ‬المهنية‭ ‬لإطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬دار‭ ‬الثقافة‭ ‬تخليدا‭ ‬لمآثره‭ ‬التي‭ ‬نفتخر‭ ‬بها‭ ‬مارس‭  ‬2020‭ ‬ليرى‭ ‬الفرحة‭ ‬وهو‭ ‬حي،‭ ‬لكن‭ ‬البطء‭ ‬الإداري‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬حساب‭ ‬الموت‭ ‬فرحل‭ ‬سي‭ ‬الشاذلي‭ ‬ولم‭ ‬تصل‭ ‬الرسالة‭ ‬لتحقيق‭ ‬المطلب‭ ‬وهو‭ ‬عتاب‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬هنا‭ (‬المعتمدية،‭ ‬الولاية،‭ ‬البلدية،‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإخفاق‭).‬

إن‭ ‬فقدنا‭ ‬سي‭ ‬الشاذلي‭ ‬فإن‭ ‬التاريخ‭ ‬سيتحدث‭ ‬عنه‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬كشخص‭ ‬فاعل‭ ‬ثقافي‭ ‬وعن‭ ‬إنجازاته‭ ‬فيها‭ ‬الـ16‭ ‬محطة‭ ‬ثقافية‭.‬

ألا‭ ‬فليرحمه‭ ‬الله‭ ‬ويعطف‭ ‬عليه‭ ‬ويجازيه‭ ‬خيرا‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.