كلمة د.خالد شوكات في المهرجان الخطابي الافتراضي بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني 29 نوفمبر 2020
د.خالد شوكات
القضية الفلسطينية ثابت من الثوابت الوطنية التونسية لم يعد لي الكثير مما أقوله في حضرة هذه القامات القومية والشخصيات النضالية التي سبقتني الى الحديث في هذه المناسبة العظيمة، اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ومن بينهم اساتذة اجلاء لي تتلمذت على أيديهم منذ عقود في العطاء والثبات والاباء لقضية طالما اعتبرناها كتونسيين وما نزال قضية وطنية، وليس فقط قضية عربية واسلامية وانسانية عادلة تشكل بوصلة لجميع الأحرار أينما كانوا.
دعوني استذكر معكم ونحن نستعد في تونس لتخليد الذكرى العاشرة لصورة الحرية والكرامة، ذلك الموقف الذي عبّر عنه الشباب التونسي الثابت تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية تونسية، فقد كان الشباب منذ اليوم الاول للثورة في 17 ديسمبر 2010 يرفع الى جانب شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، شعار “الشعب يريد تحرير فلسطين”.
وقد استمر هذا المحدّد، محدد اعتبار فلسطين قضية وطنية تونسية، فاعلا بقوة طيلة السنوات العشر الماضية، وتكفي الإشارة هنا الى ان احد الدواعي الاساسية في انتخاب رئيس الجمهورية الحالي تقدير الشعب انحياز الرجل للقضية الفليسطينية واعتباره التطبيع الجرم الاعظم الذي يخرج صاحبه من دائرة الامة ويستوجب المحاكمة.
وان متابع الشأن التونسي سيلحظ هذه اليقظة الدائمة والتعبئة الشعبية المستمرة ضد اي حدث قد يجري وتشتم منه رائحة التطبيع مع العدو الصهيوني او اي اختراق عبر النوافذ العربية خاصة يفهم منه السعي الى ضرب المقاومة او تجريمها، ويكفي القول بانه لم يمر وزير او مسؤول تونسي تشتم عليه هذه الرائحة دون ان تتم محاكمته بشدة سواء امام البرلمان او في وسائل الاعلام وامام الرأي العام، حتى انه لم يعد بمقدور اي شخص او قوة سياسية في تونس اليوم تملك القدرة على التعبير علنا عن موقف يدعو الى التطبيع او حتى يتفهمه، وهو ما يؤكد على ان فلسطين هي فعلا من الثوابت الاساسية القليلة التي يتمسك بها التونسيون عبر العقود الماضية.
ان اكتساب القضية الفلسطينية لهذه الخاصية الوطنية يعود في الحقيقة الى الحقبة التي تأسست فيها حركة التحرر الوطني التونسي التي كافحت الاستعمار. لقد كان الشيخ عبد العزيز الثعالبي مؤسس الحزب الحر الدستوري سنة 1920 احد ابرز المنظمين للمؤتمر الاسلامي الاول في القدس سنة 1931، والذي كان اول مؤتمر من نوعه ينبه الى خطر المشروع الصهيوني.
أما المناضل الكبير الازهر الشرايطي الذي شارك في حرب فلسطين الاولى، والذي واكب النكبة فقد عاد من رحلته النضالية الاولى سنة 1948 بفكرة الثورة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي التي سيطلقها الى جانب رفاقه في الكفاح الوطني مطلع سنة 1952.
وفيّ هذا السياق علينا ان لا ننسى مواقف مكتب المغرب العربي بقيادة الامير محمد بن عبد الكريم الخطابي وسائر قادة العمل الوطني المغاربي في الأقطار الثلاثة من قضية فلسطين والتأكيد المستمر على اعتبارها قضية مغاربية وهو الالتزام الذي لم تفارقه شعوب المغرب العربي الى اليوم.
وستستمر مسيرة الاندماج النضالي بين التونسيين والفلسطينيين طيلة عقود الاستقلال حتى بلغت ذروتها باختلاط دم الشهداء، سواء في الاعمال الثورية التي ساهم فيها مناضلون تونسيون في مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية استشهدوا في مختلف جبهات القتال والاشتباك مع العدو في فلسطين او بلدان الطوق، او عندما اخترق الكيان الصهيوني الأجواء الوطنية التونسية وقام في اكتوبر 1985 بقصف مقر منظمة التحرير الفلسطينية في ضاحية حمام الشط، التي سقط جراءها مئات الشهداء من الفلسطينيين والتونسيين.
وَكما يعلم الاصدقاء، فقد كنت من المقرّبين من الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، أوّل رئيس للجمهورية التونسية واحد كبار مهندسي الانتقال الديمقراطي، وأريد ان اؤكد من خلال ما سمعته منه مباشرة رحمه الله، ان دوره في عرقلة الفيتو الامريكي تجاه قرار الادانة الاممي للعدوان الاسرائيلي على حمام الشط، كان من ابرز المواقف التي يفتخر به، وكان كثيرا ما يستحضرها مع ضيوفه المعنيين بالقضية الفلسطينية، وكان تهديد الزعيم بورقيبة بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية ان هي استعملت الفيتو كعادتها لحماية الكيان الصهيوني ابرز تفاصيل هذا الموضوع، عندما كان الرئيس الباجي حينها وزيرا للخارجية.
وعلى الرغم من كل دواعي اليأس والتثبيط، التي ظهرت على الساحة العربية مؤخرا، خصوصا تهافت أولئك الذين لم يجرح لم إصبع في اي حرب من حروب فلسطين، كما يقول شاعرنا العربي الكبير نزار قباني، وتداعيهم دون مبرر للاستسلام والتطبيع، والتفريط فيما لا يملكون لمن لا يستحقون، فان اليقين لم يفارقني في ان فلسطين عائدة لاهلها، وان أولئك الذين اجبروا على المغادرة وهم يحملون منذ عقود مفاتيح بيوتهم لم يفرطوا فيها، سيعودون من شتاتهم الى وطنهم فحقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم ومتى ما كان وراءها شعب عظيم مقاوم وبطل كالشعب الفلسطيني.
وطالما كانت فلسطين بوصلة جميع الأحرار في كل مكان، فعندما زرت السويد والنرويج قبل نحو عامين، وعندما تجولت في عديد البلدان في الغرب والشرق وجدت دائما من يقف في الشوارع رافعا لافتات وشعارات تنصر الحق الفلسطيني. ففلسطين اضحت محددا للعالم الجديد العادل والفاضل الذي ترنو الى إقامته الانسانية الجمعاء.
وفيّ الختام اقول شكرا لجمعية الشتات الفلسطيني في السويد ولتجمع عائدون ولجميع المناضلين الثابتين على مواقف الحق والنضال في فلسطين وفيّ الساحة العربية والإسلامية وفيّ جميع أنحاء العالم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.