قصص في التربية على الدولة المدنية
1 min readد. عامر حسن فياض
كلية العلوم السياسية / جامعة النهرين – العراق
بصفتي معلم ، اتلذذ بمذاق مهنة التربية والتعليم ، احرص على قص القصص ذات الصلة بالدولة المدنية وحكمها الرشيد من جهة والتربية على الدولة المدنية من جهة اخرى .قبل ذلك هل نريد تربية لبناء دولة مدنية ام نريد دولة مدنية التربية فيها هي تربية على الدولة المدنية ؟ بكل الاحوال نريد الدولة الصح التي تولد من رحم معافى هو مجتمع مدني خال من التشوهات يصعب تلمسه في مجتمعاتنا التي تعاني من اوجاع ادت الى غضب عبرت وتعبر عنه حركات احتجاجية تتلاعب بها ثلاثة خطابات رئيسية تتفرع عنها خطابات فرعية هي :
- خطاب الخارج الدولي والاقليمي …الاول الدولي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية واتباعها يهدف من الحركات الاحتجاجية تدمير الدولة الوطنية واشاعة الفوضى والااستقرار وتوظيف الغضب توظيفا غير برئ وصولا الى حكومات تخاصم ايران وتشيطنها ..والثاني الاقليمي الذي تقوده ايران واذرعها الحليفة تريد حكومات تشيطن الولايات المتحدة الامريكية ولا تخاصم ايران .
- خطاب الداخل السياسي الذي تتمسك به قوى سياسية متنفذه تعمل على البقاء ضمن نظام سياسي تتحكم فيه منظومة الجهوية الضيقة والفساد بكل ضروبه واشكاله ترافقها بتنسيق او بدونه قوى التوق الى الماضي ( النستولوجي ) ويهدف هذا الخطاب العودة الى الوراء وخصومة حاضر الديمقراطية الناشئة وكراهية المستقبل .
- خطاب المستقبل الذي تتبناه قوى المحتجين السلميين وهو خطاب الدولة المدنية التي تريد حكومات بديلة هي حكومات اصلاح وتغيير وتقويم مسار التحول الى دولة مدنية …
وفي كل الاحوال وحيث ان الدولة المدنية هي معطية من معطيات الحداثة كما يرى (هيجل ) ، وبما ان تاريخنا الحاضرهو ماضي الغرب فيما يتعلق بفلسفة الدولة المدنيةونظرياتها فان الدولة المدنية عندنا ما تزال حلم اذا تواضعنا القول وهي مشروع لم يتحقق بعد اذا تجاسرنا القول …وهذا ما يبرر حاجتنا الى التربية على الدولة المدنية وقصص عنها ومن اجلها .
(1) قصة الحكم الصالح
قديما اجاب الحكيم الصيني عن سؤال يتعلق بما هية ركائز الحكم الصالح بالقول انه الحكم الذي يقوم على ( جند وقوت وثقة ) . فالجند يعني الحكم القوي . والقوي يعني الحكم الذي يكافح الجوع . والثقة تعني المقبولية المتبادلة بين الحاكم والمحكوم … ثم اضاف ان الحكم الصالح يبقى صالحا اذا افتقد الجند ليبقي صالحا بفعل القوت والثقة … ثم اضاف ان الحكم يبقى صالحا اذا افتقد الى القوت ليبقى صالحا يفعل الثقة المتبادلة بين الحاكم المحكوم – وعندما قيل له كيف يبقى صالحا وقد افتقد الى ركيزتين مما اشترطت ؟ فاجاب لان الثقة بين الحكم والمحكوم مثلها مثل الحصان الذي يجر عربة الخيرات , هي الجالبة للقوة وهي القادرة على طرد الجوع….
(2) قصة السياج الثاني للمدن
ذهبت الحكمة اليونانية الى ضرورة ان يكون لدويلات المدن اسيجة وقلاع صخرية تحميها .ومرة اجاب الحكيم اليوناني القديم ان المدنية بحاجة الى سور ثان فضجر سامعية حيث استحضرو شقاء وضحايا وتضحيات وخسائر بناء سور المدنية الصخري والحجري المرهق متسارع الحكيم الى ردهم بان السور الثاني للمدنية ليس صخريا ولا حجريا انما هو القانون .. وحقا ان كل مدنية تحرص على حماية ارضها ومياهها وسماءها وساكنيها من كل الشرور تحتاج ان تتحصن بالقانون ومتعلاقه بالسن السليم للقانون والالتزام بتنفيذه وحسن تطبيقه .. وتلك قصة من الماضى يحتاجها الحاضر تحكيها مع امنياتنا بان مدن المستقبل ستعيشها .
(3) قصة التاريخ
كل الشعوب ينبغي ان تحترم موروثاتها وتغني وتتغنى وتغتني بمأثرها التاريخية ذات المنفعة حينها وما بعد حينها للانسانية … وهي بهذه الحالة تستحضر التاريخ لا تسترجعه وتغادره لاتعيش فيه ولا تعتاش عليه … ومن حقها ان تعتاش من يومنه موروث سياحي بمردود مفيد لاجل الحاضر ومستقبل لاجل الاحياء ومن بعدهم لا لاجل الاموات ومن مضى قبلهم … ودون ذلك فان استرجاع التاريخ دون استحضاره يعني مراوحه في حاضر الماضي الذي لايمكن ان يعود كما يعني كراهية للمستقبل الذي ينبغي ان نتفننن في عشقه والتحضير له وصناعة حضنا أمنا ونافعا للابناء ومن بعدهم الاحفاد .
(4) قصة الحق والحرية
متى نتلمس الحق ونتذوق الحرية ؟ يتوهم من يصدق ان حصوله على وجبة الحق والحرية التي يشتهيها الانسان عبر العصور تأتي بالسماع بها او بالحديث فيها او بالدردشة عنها .. ويخدع من يتصور ان امتلاكه للحق والحرية يتاتى بالتمني او التأمل او الدعاء … ومسكين من يتوقع ان يعيش في ظل الحق والحرية تحت رعاية مانح لهما او متصدق بهما ..
اذن متى سنتلمس الحق ونتذوق الحرية ؟ ان التلمس والتذوق والامتلاك والعيش بالحق والحرية يستوجب ضمان وتنظيم وتمكين . فالحق والحرية ومضمونة بدستور ( دسترة الحقوق والحريات) , ومنظمة بقانون (قوتنة الحقوق والحريات ), وممكنة بمؤسسات (مأسسة الحقوق والحريات)وغير تلك الثلاثية المتلازمة عيش صديقي الانسان دون ان نتلمس الحق ودون ان تتذوق الحرية …
(5) قصة التقدم ومفاتيحه
تترى التعسفات وتتشعب وربما يزدحم العقل بتفاصيل صعبة اللملمة والحصر عندما نريد الاجابة عن سؤال التقدم ومفاتيحه فيذهب هذا الى مفتاح الاقتصاد ويرى ذلك بالتعليم بينما يميل اخر الى السياسة ويركز رابع على الادارة وينحاز خامس الى صدمة الخارج المتمثلة بتدخل او منحه مساعدات وهكذا تتنوع الاجتهادات ان الوقوف اليقظ على تجارب التقدم عند الامم والشعوب يرشدنا الى الاسترشاد بثلاثة انواع من البيوت هي بيوت العبادة وبيوت المعرفة وبيوت العدالة . فعندما نرى ونتلمس ان بيوت العبادة على مختلف انواع العبادات والعابدين فيها متعايشة ومحترمة تبز امام انظارنا العلامة الاولى من علامات التقدم .. وعندما نرى ونتلمس ان بيوت المعرفة من الروضة الى الجامعة محترمة وتاطينها والعاملين فيها تبز امام انظارنا العلامة الثانيةمن علامات التقدم … وعندما نرى ونتلمس ان بيوت العدالة والعاملين فيها محترمة والعاملين فيها تبز امام انظارنا العلامة الثالثةمن علامات التقدم …فأي مفتاح يدخلنا الى هذه البيوت المحترمة علينا الحرص على امتلاكه واستخدامه.
(6) قصة القمم المدببة
في علم الجغرافيا تعلم الجميع ان القمم مدببة بيد ان مفردة القمم انصرفت للتعبير عن التفوق اي الارتقاء الى فوق وصولا الى الفرادة لا التفرد ويعنية التميز لا التمييز.
وحتى لو كان الامر كذلك فان القاعدة تشير الى ان القمم مدببة او الاسنثناء فانه يشير الى ثلاث قمم تصبح شاذة ان كانت مدببة وهي قمة الوطنية وقمة الايمان وقمة المعرفة – فالوطنية قمة واسعة فسيحة تتسع لجميع من يسعى بحق للوصول اليها والتربع فيها ولا بحق لواحد ان يدعي انه الوطني الاوحد.. كذلك الايمان قمة واسعة فسيحة تتسع لمن يريد نشرانه ولا يحق لواحد ان يدعي انه المؤمن الاوحد الذي يمتلك قمة الايمان دون غيره من المذاهب والاديان .. والمعرفة قمة واسعة فسيحة تتسع لجميع طلاب الوصول اليها لا بحق لواحد ان يدعي انه الأعلم دون غيره…
(7) قصة سلطة المعرفة
ان السلطة بوصفها قوة او نفوذ او امر ونهى او طاعة اوتأثير ارتبطت وجودا بوجود التجمع عبر عصور التاريخ الانساني ..
وقد توزعت اصول ومصادر شرعية السلطة مابين اصل غير ارادي غير انساني للسلطة عندما يكون التايض على السلطة اله او وكيلا للالهة او مفوضامنها وبين اصل ارادي انساني للسلطة عندما يكون التايض على السلطة مستمرا شرعيته في الشجاعة والانتصار في الحرب والاستيلاء عليها بالقوة او بالرضا على اساس السن او الحكمة او البيعة او الاستفتاء او الانتخاب…
وقد شهدنا سلطة القوة وسلطة الثروة على مر العصور بيد ان نهايات عصرنا الحاضر وبدايات العصر الاتي المعولم تشهد اكتساح سلطة المعرفة وغلبتها المتوقعة على سلطتي القوة والثروة … وعليه فان الشعوب العاقلة عليها ان تفكر جيدا وتعمل جيدا من اجل انتاج المعرفة وامتلاك المعرفة واحتكار المعرفة لان المعرفة بالامتلاك والانتاج والاحتكار هي التي ستجلب القوة والثروة والعكس ليس صحيح دوما… وتلك القصة هي قصة المستقبل لمن يعشق المستقبل وليس لمن يعشق العيش والاعتياش بالماضي او المراوحة بالحاضر… والمعرفة طاحونة تطحن من لايمتلكها وينتجها ويحتكرها.
(8) قصة العراق الصح
في مجتمعنا المعاصر كما في المجتمعات المتحولة ، يتم توظيف الاليات الانتخابية لصعود اعداء الديمقراطية الى سدات الحكم والسلطة ، لتصبح هذه الاليات اليات حق يراد بها باطل ! ومن العلامات الفارقة لمرحلة التحول المعاصرة ان كل واحدة من بلدان هذه المجتمعات المتحولة تريد اقامة ديمقراطية بمغادرة الدولة الوطنية او الابقاء على كيانها السياسي او الخروج به الى كيانات سياسية مبعثرة .
اي ان المتحولين يريدون اقامة “ديمقراطية ” بلا ديمقراطيين ، بينما لا يمكن ان تؤكد لنا التجربة الانسانية ، تاريخيا ، قيام ديمقراطية بلا دولة وطنية .
حيث ان الدولة قد تنشأ بلا ديمقراطية ، بيد ان الديمقراطية لا يمكن ان تبنى وتستمر بلا دولة وطنية .. دولة لها هيبة وقوة متاتيتان من حكمها بالقانون المنبثق عن سلطة تشريعة منتخبة يدير مؤسساتها الدستورية رجال دولة لا رجال سياسة فقط !
اما المشاركة السياسية بوصفها جوهرة من جواهر الديمقراطية فانها في معظم هذه المجتمعات المتحولة ” ومنها العراق ” تحولت من علاقة تعامل سياسي تنافسي بين شركاء الى علاقة تحدي ونصب شراك بينهم على منوال علاقات الصراع والتشفي والتطير بين الزوجات المتعددات لزوج واحد (علاقة شرايج)!
وفي هذه المجتمعات المتحولة اصبحت التعددية غير منسجمة لانها منصهرة قسراً في (كل واحد) لتصبح ، بعد التحول واثناءه ، تعددية منفلتة غير منسجمة تحكمها المحاصصة وتوزيع الغنيمة على اكر من (كل ) على طريقة الشاعر الذي يقول ( قومي رؤوس كلهم ارأيت مزرعة البصل) !
وعلى وفق هذه العلامات السلبية تسير عجلة السياسات فلا يستقيم وطن ولا تتبلور دولة وطنية .فهذا العراق الذي يحاول الانتقال من كيان او كيانات سياسية ما قبل الدولة الى دولة وطنية كيما يكون عراق الصح فان كل تحول ديمقراطي فيه ينبغي ان لا يفسر الا بوصفه مساراً ادواته تعددية حزبية وتحالفات سياسية لان الديمقراطية من حيث المبدأ ليست عقيدة نناصرها مقابل من يناهضها ، ولا هي مذهب نقدسه مقابل من يدنسه ، ولا هي ايدولوجيا نتقاتل من اجلها ضد من يتقاتل ضدها ، ولا هي الية نتوسل ادواتها لنتسلق السلطة مرة ونتخلى عن ادواتها مرة اخرى كي لا ننزل عن منصات التسلط . بمعنى اخر ان الديمقراطية منظومة فكر وممارسة متكاملة تضم وتؤطر التنوعات وتعمل ضمن حركة تحالفات ومسارات تحسن ادارة التنوعات ، وعلى اساس ذلك فان تلك المنظومة الحركية لا يمكن ان تكون جزء من نشاط حزب سياسي ولا يمكن ان تجيير باسم حزب ، ولا يمكن ان تكون ملحق بحزب ولا واجهة جانبية او خلفية لحزب . وفي سياق استكمال مواصفات العراق الصح نقول ان العراق الصح هو عراق الدولة وليس عراق ما قبل الدولة …وعراق المصلحة الوطنية وليس المحاصصة الجهوية ….وعراق الديمقراطية المؤطرة بالاستقلال الوطني وليس عراق الاستقلال الملوز بالديمقراطية وليس عراق الديمقراطية المطعمة بالسيادة ، وعراق الاتحاد الصاعد للوحدة وليس عراق الوحدة المعدومة الهابطة للاتحاد ، وعراق المسؤول الباني التكميلي وليس عراق المسؤول الهدام التصفيري ….وعراق ماسسه المناصب لا تنصيب الاشخاص …وعراق يخاف فيه الفاسد لا عراق يخاف من فاسد …وعراق منخرط في قضايا العدالة والحرية لا عراق ينأى بنفسه عن قضايا العدالة والحرية لشعبه ولكل الشعوب …وعراق نريد وطن لا عراق نبيع وطن …وعراق يستحضر الماضي للتذكير بحسناته ومغادرة سيئأته لا عراق يسترجع الماضي ليعيش به ويعتاش منه …عراق احياء يعمل لمستقبل احياء لا عراق احياء يحكمهم اموات ..عراق يعرف حكامه ثقافة الاستقالة لا عراق تعشعش في عقول حكامه ثقافة الاستطالة …وعراق يفهم التاريخ ويتفهم الحاضر ويعشق المستقبل لا عراق يعيش التاريخ ويراوح في الحاضر ويكرة المستقبل ….وعراق ينظر الى تنوعاته من ابواب العراق الواسعة وليس عراق ينظر اليه من ثقوب تنوعاته الجهوية المذهبية والعرقية والمناطقية الضيقة …
واخيرا العراق الصح هو عراق التوأمة ان لم نقل عراق الزواج الكاثوليكي بين الاستقلال الوطني والديمقراطية على مستوى التعامل مع الخارج بعد ان يتطهر من وساخة الوجود العسكري الاجنبي بالرحيل عن ارضه عموديا والا سيكنس افقياً . على ان يتلزم تحقق هذا الرحيل مع طلاق العراق الابدي من المحاصصة المقيتة والفساد الوسخ على مستوى التعامل في الداخل .