6 يناير 2025

فقدان العرب للسيادة اللغوية كما يتجلى في معادلة بنود ميثاق اللغة

1 min read

د‭. ‬محمود‭ ‬الذوادي

العلاقة‭ ‬الطبيعية‭ ‬مع‭ ‬اللغة

ترتكز‭ ‬مقولتنا‭ ‬في‭ ‬سطور‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬المختصر‭ ‬على‭ ‬أبجدية‭ ‬بسيطة‭ ‬لإقامة‭ ‬الناس‭ ‬لعلاقة‭ ‬طبيعية‭ ‬أو‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬لغتهم‭ (‬كسب‭ ‬رهان‭ ‬السيادة‭ ‬اللغوية‭). ‬نستعمل‭ ‬كلمتيْ‭ ‬طبيعية‭ ‬وسليمة‭ ‬كنعتين‭ ‬مترادفين‭. ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬أبجدية‭ ‬منهجيتنا‭ ‬هذه‭  ‬تتضمن‭ ‬معالم‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬تجعل‭ ‬الحكم‭ ‬بشفافية‭ ‬وبساطة‭ ‬سهلا‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬أو‭ ‬فقدان‭ ‬علاقة‭ ‬سليمة‭/‬السيادة‭ ‬اللغوية‭  ‬للناس‭ ‬والمجتمعات‭ ‬مع‭ ‬لغاتهم‭. ‬تؤكد‭ ‬وتقول‭ ‬هذه‭ ‬الأبجدية‭  ‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ولغتهم‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬أربعة‭ ‬بنود‭ ‬لميثاق‭ ‬اللغة‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬العلماء‭ ‬القوانين‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬الموجودات‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭. ‬تُعرف‭ ‬القوانين‭ ‬الطبيعية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬التناسق‭ ‬والانتظام‭ ‬في‭ ‬معالم‭ ‬الطبيعة‭. ‬ووفقا‭ ‬لرؤية‭ ‬منهجيتنا‭ ‬المطروحة‭ ‬هنا،‭  ‬يتمثل‭ ‬سلوك‭ ‬التناسق‭ ‬والانتظام‭ ‬الطبيعيين‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬السليم‭/ ‬الطبيعي‭ ‬مع‭ ‬لغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬سلوكيات‭ ‬الناس‭ ‬اللغوية‭  ‬التالية‭ :  ‬1‭ – ‬استعمالهم‭ ‬لها‭ ‬وحدها‭ ‬شفويا‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شؤون‭ ‬حياتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬والجماعية‭ ‬و2‭ – ‬استعمالهم‭ ‬لها‭ ‬فقط‭  ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬للغة‭ ‬حروفها‭ ‬أو‭ ‬إن‭ ‬استعملت‭ ‬حروف‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬للكتابة‭. ‬3‭ – ‬من‭ ‬المسلمات‭ ‬أن‭ ‬استعمال‭ ‬اللغة‭ ‬بطريقة‭ ‬سليمة‭ ‬يتطلب‭ ‬معرفتها‭ ‬الوافية‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬مفرداتها‭ ‬والإلمام‭ ‬بقواعدها‭ ‬النحوية‭ ‬والصرفية‭ ‬و‭ ‬الإملائية‭ ‬وغيرها‭ ‬لاستعمالها‭ ‬بطريقة‭ ‬صحيحة‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬والكتابة‭. ‬يمثل‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬اللغوي‭ ‬الشفوي‭ ‬والكتابي‭ ‬الأرضية‭ ‬الأساسية‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬يقيم‭ ‬بواسطتها‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمعات‭ ‬علاقة‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬لغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭.‬4‭ – ‬تنشأ‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭ ‬التفاعلية‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ (‬1و2و3‭)  ‬ما‭ ‬نسميها‭  ‘‬العلاقة‭ ‬الحميمة‭’ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬والتي‭ ‬تتجلى‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬المواصفات‭ ‬النفسية‭ ‬والسلوكية‭ ‬التالية‭: ‬حب‭ ‬للغة‭ ‬والغيرة‭ ‬عليها‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬لغة‭ ‬أو‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتعلمها‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم‭. ‬إن‭ ‬التزام‭ ‬المجتمعات‭ ‬بممارسة‭ ‬البنود‭ ‬الأربعة‭ ‬لميثاق‭ ‬اللغة‭ (‬1و2و3و4‭) ‬تمنحها‭ ‬السيادة‭ ‬اللغوية‭ ‬الكاملة‭. ‬

‭ ‬واستنادا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬البنود‭ ‬الأربعة‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭ ‬يسهل‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬نوعية‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬الناس‭ ‬مع‭ ‬لغاتهم‭. ‬فالذين‭ ‬يلبون‭ ‬بالكامل‭ ‬تلك‭ ‬البنود‭ ‬الأربعة‭ ‬مع‭ ‬لغاتهم‭ ‬هم‭ ‬قوم‭ ‬يتمتعون‭ ‬بعلاقة‭ ‬طبيعية‭ ‬أو‭ ‬سليمة‭ ‬معها،‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬سيادة‭ ‬لغوية‭ ‬مطلقة‭. ‬أما‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يلبونها،‭ ‬فهم‭ ‬أصناف‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬التمتع‭ ‬بالسيادة‭ ‬اللغوية‭ ‬الكاملة‭ ‬أو‭ ‬الناقصة‭  ‬حسب‭ ‬درجة‭ ‬تلبيتهم‭ ‬لأي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البنود‭ ‬الأربعة‭ ‬للميثاق‭ ‬اللغوي‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬لغاتهم‭. ‬يسمح‭ ‬تشخيصنا‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬بدراسة‭ ‬حال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬واللهجات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬ببيان‭ ‬درجات‭ ‬فقدان‭ ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭ ‬أو‭ ‬السيادة‭ ‬اللغوية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬واللهجات‭ ‬العربية‭. ‬

أبجدية‭ ‬فهم‭ ‬العلاقة‭ ‬الحميمة‭ ‬مع‭ ‬اللغة

يساعد‭ ‬منظور‭ ‬علم‭ ‬اجتماع‭ ‬المعرفة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬العلاقة‭ ‬الحميمة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الناس‭ ‬باللغة‭ ‬إن‭ ‬هم‭ ‬استعملوها‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬بالكامل‭ ‬ودائما‭  ‬شفويا‭ ‬وكتابة‭ (‬1+2‭) ‬في‭ ‬كل‭ ‬شؤون‭ ‬حياتهم‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭ ‬وعرفوا‭ ‬مفرداتها‭ ‬وقواعدها‭ ‬النحوية‭ ‬والصرفية‭ ‬وغيرها‭ (‬3‭). ‬يجوز‭ ‬القول‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الحميمة‭ (‬4‭) ‬مع‭ ‬لغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬لعملية‭ ‬التفاعل‭/‬الاستعمال‭ ‬المكثف‭ ‬معها‭ ‬ولها‭ ‬الذي‭ ‬يُنتظر‭ ‬أن‭ ‬ينشئ‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬النفسية‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تخلق‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬ومتينة‭ ‬،‭ ‬أي‭ ‬حميمة‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬بسبب‭ ‬عملية‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬اللغوية‭ ‬الكاملة‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭ ‬مع‭ ‬لغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭.‬وبعبارة‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬فمثل‭ ‬ذلك‭ ‬التفاعل‭ ‬الشديد‭ ‬الكثافة‭ ‬والتواصل‭ ‬والاستعمال‭ ‬للغة‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬بالعلاقة‭ ‬الأولية‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭. ‬وهي‭ ‬علاقة‭ ‬نَدِية‭ ‬بالعواطف‭ ‬والشعور‭ ‬والتحمس‭ ‬لصالح‭ ‬اللغة‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬حصيلة‭ ‬لتنشئة‭ ‬لغوية‭ ‬اجتماعية‭ ‬طبيعية‭  ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬استعمال‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الشفوي‭ ‬والكتابي‭ ‬ووفقا‭ ‬لمفرداتها‭ ‬وقواعدها‭ ‬النحوية‭ ‬والصرفية‭ ‬والإملائية‭ ‬الصحيحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شؤون‭ ‬الحياة‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭. ‬يمكن‭ ‬صياغة‭ ‬مقولة‭ ‬طرحنا‭ ‬النظري‭ ‬بخصوص‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬معادلتين‭ ‬شبه‭ ‬حسابيتين‭: ‬1‭- ‬الالتزام‭ ‬الكامل‭ ‬بالبنود‭  ‬الأربعة‭ (‬1+2+3+4‭ )= ‬علاقة‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ =‬سيادة‭ ‬لغوية‭ ‬كاملة‭  ‬و2‭- ‬الالتزام‭ ‬الجزئي‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬الكامل‭ ‬بالمعالم‭ ‬الأربعة‭ (‬1+2+3+4‭) = ‬علاقة‭ ‬غير‭ ‬سليمة‭ ‬كثيرا‭ ‬أو‭ ‬قليلا‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬بينهما‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭= ‬فقدان‭ ‬السيادة‭ ‬اللغوية‭. ‬

الأوروبيون‭ ‬وعلاقاتهم‭ ‬الطبيعية‭ ‬مع‭ ‬لغاتهم

تجعل‭ ‬معظم‭ ‬أنظمة‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬تعلم‭ ‬لغة‭ ‬أو‭ ‬لغتين‭ ‬أجنبيتين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬أمرا‭ ‬واجبا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المتعلمين‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المرحلتين‭ ‬الإعدادية‭ ‬والثانوية‭. ‬لكن‭ ‬عملية‭ ‬التعلم‭ ‬هذه‭ ‬للغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬لا‭ ‬تفسد‭ ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭ ‬مع‭ ‬لغاتها‭ ‬الوطنية‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تظل‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬لغات‭ ‬الاستعمال‭ ‬الشفوي‭ ‬والكتابي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ميادين‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬استعمال‭ ‬اللغات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬التدريس‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬التعليم‭. ‬وهي‭ ‬سياسية‭ ‬لغوية‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متداول‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أنظمة‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭ ‬التي‭ ‬تدرس‭ ‬أغلبيتُها‭ ‬العلومَ‭ ‬بغير‭ ‬لغتها‭ ‬الوطنية‭ (‬العربية‭) ‬أي‭ ‬بالانجليزية‭ ‬أو‭ ‬بالفرنسية‭ ‬في‭ ‬معاهد‭ ‬التعليمي‭ ‬العالي‭ ‬والجامعات،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تدريس‭ ‬العلوم‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭/‬الوطنية‭  ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الثانوية‭ ‬بالمدارس‭ ‬التونسية‭.‬

اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬واللهجات‭ ‬العربية

يعرف‭ ‬علم‭ ‬اللسانيات‭ ‬اللهجة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬نوع‭ ‬معيَن‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬ما‭ ‬يُستعمل‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬محدد‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جغرافية‭ ‬أخرى‭.‬ويتمثل‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬اللغات‭ ‬واللهجات‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬الفهم‭ ‬المتبادل‭ ‬أو‭ ‬عدمه‭ . ‬فالمتحدثون‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬فهم‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تعلموها‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬أيضا‭. ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬فالإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬هما‭ ‬لغتان‭ ‬مختلفتان‭ ‬لأن‭ ‬الفهم‭ ‬ينعدم‭ ‬بين‭ ‬الناطقين‭ ‬بهما‭. ‬أما‭ ‬المتحدثون‭ ‬باللهجات‭ ‬فيفهمون‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يتحدث‭ ‬سكان‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬لهجات‭ ‬عربية‭ ‬متعددة‭ ‬ومختلفة‭ ‬داخلها‭ ‬وبينها‭. ‬لكن‭ ‬يفهم‭ ‬عموما‭ ‬بعضُهم‭ ‬البعض‭ ‬بطريقة‭ ‬جيدة‭. ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وسكان‭  ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭. ‬ويلاحظ‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ ‬أن‭ ‬سكان‭ ‬المجتمعات‭ ‬المغاربية‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬المشرقية‭ ‬من‭ ‬العكس‭. ‬ويعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأسباب‭  ‬الرئيسية‭: ‬أ‭- ‬تنحدر‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬والمغرب‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭. ‬ب‭- ‬يتعلم‭ ‬جميع‭ ‬التلاميذ‭ ‬العرب‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬التعليم‭ ‬المختلفة‭.‬ت‭- ‬أثرت‭ ‬و‭ ‬تؤثر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الحديثة‭ ‬كالإذاعات‭ ‬والقنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬وغيرها‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬مواطني‭ ‬المجتمعات‭ ‬المغاربية‭ ‬للهجات‭ ‬العربية‭ ‬المشرقية‭ ‬بطريقة‭ ‬واسعة‭ ‬للغاية‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ذُكر،‭ ‬فإن‭ ‬تشخيص‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬ولغتهم‭ ‬العربية‭ /‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬يشمل‭ ‬جبهتين‭: ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬واللهجات‭ ‬العربية‭. ‬وبعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬درجة‭ ‬وجود‭ ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭/ ‬الطبيعية‭ (‬السيادة‭ ‬اللغوية‭) ‬أو‭ ‬فقدانها‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬ومواطنيها‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصيحة‭ ‬واللهجات‭ ‬العربية‭ ‬وفقا‭ ‬لتعريفنا‭ ‬لمدلول‭ ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭ ‬مع‭ ‬اللغات‭ ‬المذكور‭ ‬أعلاه؟‭ ‬أترك‭ ‬الإجابة‭ ‬للقارئ‭ ‬الكريم‭.‬فهي‭ ‬سهلة‭ ‬بعد‭ ‬الفهم‭  ‬الكامل‭ ‬لما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬السطور‭ ‬السابقة‭ ‬لهذا‭ ‬المقال‭. ‬فالبنود‭  ‬الأربعة‭  ‬لميثاق‭ ‬اللغة‭ ‬المذكورة‭ ‬لقياس‭ ‬وجود‭  ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭ (‬السيادة‭ ‬اللغوية‭)  ‬أو‭ ‬فقدانها‭  ‬مع‭ ‬لغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬تمثل‭ ‬دليلا‭ ‬بسيطا‭ ‬وشفافا‭ ‬لمعرفة‭ ‬دقيقة‭  ‬لنوعية‭ ‬علاقة‭ ‬الناس‭ ‬بلغاتهم‭ ‬ولهجاتهم‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬والشمال‭ ‬والجنوب‭.‬

فقدان‭ ‬العرب‭ ‬للسيادة‭ ‬اللغوية

فمن‭ ‬الكذب‭ ‬الغبي‭ ‬انتظار‭ ‬وجود‭ ‬علاقة‭ ‬كاملة‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬لغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭/‬العربية‭  ‬لدى‭ ‬معظم‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬والحال‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يلبون‭ ‬بالكامل‭ ‬المبادئ‭ ‬الأربعة‭ ‬في‭ ‬المعادلة‭ (‬1+2+3+4‭ ) ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬سابقا‭. ‬والكذب‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬هؤلاء‭ ‬بلغتهم‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬لأنه‭ ‬يمس‭ ‬اللغة‭ ‬باعتبارها‭ ‬أعز‭ ‘‬معلم‭ ‬أصيل‭’ ‬في‭ ‬هويات‭ ‬الشعوب‭. ‬يُجمع‭ ‬أهلُ‭ ‬الذكر‭ ‬على‭ ‬الأهمية‭ ‬القصوى‭ ‬لتمسك‭ ‬الشعوب‭ ‬بلغاتها‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يخسر‭ ‬لغته‭ ‬وثقافته‭ ‬يكتب‭ ‬غيرُه‭ ‬معالمَ‭ ‬مسيرة‭ ‬مستقبله‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬قول‭ ‬الكاتب‭ ‬دايفس‭”‬فشعب‭ ‬بدون‭ ‬لغته‭ ‬الأصلية‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬نصف‭ ‬أمة‭. ‬فينبغي‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬حماية‭ ‬لغتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حمايتها‭ ‬لأراضيها‭. ‬إذ‭ ‬اللغة‭ ‬أمتن‭ ‬وأقوى‭ ‬حاجز‭ ‬حام‭ ‬لحدودها‭ ‬من‭ ‬الغابة‭ ‬أو‭ ‬النهر‭ ‬أو‭ ‬البحر‭”.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.