فاضل مناصرية: حكومة التكنوقراط تجتاز اختبار الشتاء
1 min read
المصير- فاضل مناصرية:
لم يفلح اتفاق الكامور الذي وقعته حكومة التكنوقراط برئاسة هشام المشيشي، فيما يبدو في إرسال رسالة طمأنة للجهات الداخلية، وبدل النزوع الى التهدئة مثلما كان تتوقع الأطراف الحكومية على الاقل، تحركت الاحتجاجات في اكثر من مدينة في الجنوب، ففي قابس والصخيرة عمد الشباب المحتجون الذين يطالبون بالعمل الى إغلاق مداخل ومخارج المناطق الصناعية، على نحو خلق أزمة غاز ووقود في عديد الجهات وزاد من تأزيم الأوضاع، وفيّ الحوض المنجمي لم يختلف الامر، حيث شهدت مدن الرديف وان العرائس وقفصة والمتلوي بوادر احتجاجات شبابية، لم تزدها قرارات المجلس الوزاري المنعقد يوم الثلاثاء 24 نوفمبر 2020، الا اشتعالا، ولا يبدو ان الأوضاع في ولاية سيدي بوزيد ستختلف كثيرا، حيث عمد محتجون في معتمدية جلمة طيلة الأيام الماضية الى إشعال العجلات المطاطية والدخول في مناوشات مع الفرق الأمنية.
وعلى غرار السنوات العشر الماضية، شهدت مدن الجنوب والوسط والشمال الغربيين، طيلة اشهر الشتاء الثلاثة، نوفمبر وديسمبر وجانفي، تحركات احتجاجية وقفت وراءها مجموعات من الشباب العاطل عن العمل، تساندها اطراف اجتماعية وسياسية، للمطالبة بتغيير الواقع التنموي وإيجاد حلول للقضايا الاجتماعية والاقتصادية العالقة منذ سنوات دون ان تفلح الحكومات المتتالية على تنوعها السياسي والأيديولوجي، في تحريكها والبدء في حلها، حتى تحول الشتاء الى ما يشبه الاختبار الدائم لأي حكومة تضطلع بمهام تسيير البلاد.
وعلى الرغم من الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد جراء تفشي فيروس الكورونا ومنح الحكومة الاولوية لمواجهة هذا الوباء، فان اختبار الشتاء بقي قائما كما بينت ذلك احداث الأيام الماضية، وعلى نحو اصبح معه الواقع اكثر تعقيدا وصعوبة حيث اضحى هذا الاختبار مزدوجا، يجمع بين الاحتجاجات الاجتماعية والازمة الوبائية، فاذا ما أضيف الى ذلك الأزمة المالية المستفحلة، جراء تراجع موارد الدولة وضغط المديونية وانخرام التوازنات العامة، فان تونس اصبحت تعيش على صفيح ساخن حقيقي، ينذر بأخطر العواقب ويهدد لأول مرة منذ سقوط النظام السابق، بزعزعة الجمهورية الثانية.
وَمِمَّا يصعّب من مأمورية حكومة المشيشي، تواضع موهبتها القيادية والاتصالية، التي تجعلها حبيسة مكاتب الادارة، عاجزة عن التواصل مباشرة مع جمهور المحتجين، بالاضافة الى هشاشة الحزام البرلماني والسياسي الذي منحها الثقة، حيث أظهرت الاحزاب المؤيدة للحكومة انقساما في موقفها من التحرّكات الاحتجاجية، فقد أعلن ائتلاف الكرامة مساندته الصريحة لها، بينما لم تظهر حركة النهضة وقلب تونس الشريكان الاكبر اي موقف واضح، ولا يستبعد مراقبون انقسام هذه الاحزاب بين نوّاب الجهات المحتجة الذين سيظهرون التعاطف مع جهاتهم والقيادة الوطنية التي قد تميل الى إظهار بعض المساندة للحكومة حرصا على الاستقرار السياسي.
وتكشف عديد المصادر عن وجود ضبابية في موقف رئاسة الجمهورية مما يحدث جنوب البلاد، ففي حين تؤكد بعض هذه المصادر وجود دور كبير للتنسيقيات المساندة لرئيس الجمهورية في قيادة التظاهرات الاحتجاجية، تنفي مصادر اخرى اي صلة لرئيس الدولة بما يجري، وهو امر ينطبق ايضا على الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يبدو ان علاقته برئيس الحكومة توترت خلال الفترة الاخيرة، دون ان تصل الى حد القطيعة، لكن دور الاتحادات الجهوية في دعم الاحتجاجات واضح وملموس بحسب عديد الأطراف المتابعة لما يحدث في مواقع الاحتجاج.
وفيّ هذا السياق، يشير بعض المهتمين الى وجود تقارب بين باردو وقرطاج نتج عن وساطة قطرية اثر الزيارة الاخيرة التي قام به رئيس الجمهورية الى الدوحة، وهو ما يمكن ان يكون بحسب هؤلاء توجها وانقلابا في الموازين على حساب حكومة التكنوقراط المتداعية، التي بدا ان مظاهر العجز والخلل في ادائها في تزايد مستمر، تماما كأخطاء أعضائها المتزايدة من خلال تصريحات اعتبرها البعض ضعيفة وغير مَسؤولة.
وإجمالا، يبدو اختبار الشتاء العسير الذي تجتازه الحكومة الراهنة، اختبارا اكبر واخطر للمسار الثوري ومسار الانتقال الديمقراطي منذ عقد من الزمان على انطلاقه، ولعله سيشكل اهم عقبة يمر بها قطار الجمهورية الثانية، فيما لا يتردد البعض في النظر الى الامر باعتباره اختبارا للدولة التونسية في حد ذاتها.