عبد السلام لصيلع: وحدة المغرب العربي ضرورة ومستقبل ومصير
عبد السلام لصيلع
كاتب وصحفي تونسي
ظلت فكرة وحدة المغرب العربي و مازالت من الأفكار الكبيرة التي امنت بها شعوب هذه المنطقة من ليبيا الى موريتانيا مرورا بتونس و الجزائر و المغرب الأقصى, و كانت الفكرة في حد ذاتها حلما جميلا من أحلام شعوبنا المغاربية, احتفى بها الكتاب و الفلاسفة و تغنى بها الشعراء و الأدباء و الفنانون على مدى عقود منذ سنوات الاستعمار حين كان زعماء المغرب العربي يقودون كفاح التحرير الوطني في الداخل و الخارج من أجل حرية أقطارهم و استقلالها. و الحقيقة أن جذوة حلم الوحدة لم تنطفئ لدى أبناء هذه الأقطار الذين عزلتهم الحدود الاستعمارية المصطنعة عن بعضهم بعضا و مازالوا يحملون بتحقيق وحدتهم الشعبية في الواقع و على الأرض رغم أن هذه الوحدة قائمة في العقول و مترسخة و متعمقة في النفوس و الوجدان.
و من المعروف أن مكتب المغرب العربي الذي تأسس في القاهرة سنة 1947 من قبل و كان يجمع زعماء و مناضلين مثل عبد الكريم الخطابي و علال الفاسي و الحبيب ثامر و الحبيب بورقيبة و صالح بن يوسف و حسين التريكي و الرشيد ادريس و الطيب سليم و علي البلهوان و عبد الكريم غلاب و الشاذلي المكي و يوسف الرويسي و غيرهم, و كان المكتب ملتقى للطلبة و المقيمين في المشرق العربي و القادين من شمال افريقيا, قام بدور و فعال في زرع روح وحدة التضامن بينهم و في التعريف بوحدة المغرب العربي.
و في محاضرة له ببغداد سنة 1951 أبرز العلامة المرحوم الأستاذ أبو القاسم محمد كرو قيمة و أهمية وحدة كفاح شعوب المغرب العربي ضد الاستعمار و الاحتلال الأجنبي و كان تجند الأقلام في الصحف و الاذاعات لمقاومة خطر الاستعمار على هذه الشعوب و الذي كان يعتبره خطرا مدججا ” بالسلاح و الأغلال و المدعم بالرعب و الارهاب “.
و في مجلده الفخم ” حصاد العمر ” ( المجلد 1 و المجلد 2 ), أطنب الأستاذ أبو القاسم محمد كرو في الحديث عن المغرب العربي بجغرافيته و تاريخه و كفاحه و كتابه و نخبه, و في كتابه ” الشهيد الحبيب ثامر في ذكراه ” يصف لنا الأستاذ كرو مبنى مكتب المغرب العربي فيقول ” يقع مكتب المغرب العربي في شارع ضريح سعد رقم 10 بالقاهرة, و المبنى عبارة عن فيلا متوسطة و جميلة المنظر… و قد زالت منذ سنوات و قامت مكانها عمارة شاهقة. و لو كانت دول المغرب العربي حريصة على تاريخها الوطني و نضالها الوحدوي المشترك لتحولت الفيلا – بعد شرائها – الى متحف أو سفارة أو مركز ثقافي مشترك ؟ و لكن أين نحن من هذه البديهيات التي هي بمثابة المستحيلات عند أصحاب السلطة ؟ “.
و يضيف الأستاذ أبو القاسم محمد كرو سارد ذكرياته : ” تكون مكتب المغرب العربي اثر مؤتمر تأسيسي لمدة أسبوع بين 15 – 22 / 2 / 1947 , و كان متكونا من ثلاثة أقسام ذات استقلال داخلي في شؤونها ( قسم تونسي ) و قسم ( جزائري ) و ( قسم مغربي ) و له ادارة عامة يتولاها سنويا قطر من الأقطار الثلاثة و قد تولى الشهيد ثامر ادارة المكتب في العام الأول ” 1947 “ و تولى ادارته في العام الثاني الشهيد محمد بن عبود.
عندما تعرفت جيدا على العاملين في مكتب المغرب العربي و المنتسبين اليه أو المتصلين به… تبين لي أن أكبر ممثلي الجزائر هو الشاذلي المكي بل لعله كان في وقت مبكر الممثل الوحيد. أما أكبر ممثلي تونس بعد الزعيم بورقيبة فهو الدكتور ثامر و حولهما من التونسيين السادة الرشيد ادريس و الطيب سليم و حسين التريكي و يليهم تونسيون اخرون اشتهر منهم – فيما بعد – ابراهيم طوبال و يونس درمونة, أما الهادي السعيدي فكان قد توفي. و بعد سفري الى بغداد ( أكتوبر 48 الى 1952 ) التحق بالمكتب زعماء و مناضلون اخرون, منهم بالخصوص المرحومان علي البلهوان و صالح بن يوسف, فضلا عن أسماء عديدة أخرى كانت ذات علاقة أو دور و ربما مسؤولية قبل وصولي الى القاهرة ( جوان 48 ), و على سبيل الذكر لا الحصر, كان من مؤسسيه المناضل المرحوم يوسف الرويسي و المرحوم عز الدين عزوز و خليفة حواس و الهادي السعيدي, كما اتصل به أو تعاون معه ( أعني مع القسم التونسي ) عديد الشبان التونسيين المقيمين في القاهرة خاصة منهم الطلاب مثل زميلي ( في الهجرة ببغداد ) الهادي بن عمر و يوسف العبيدي.
أما القسم المغربي فكانت زعامته مجسمة في شخص علال الفاسي و كان الدكتور امحمد بن عبود أكبر ممثليه ثم عبد الكريم غلاب و عبد المجيد بن جلون و أحمد بن المليح و عبدالكريم بن ثابت… ”
و من ناحية أخرى انعقدت في تونس في أكتوبر 1956 ندوة مغاربية هامة كان هدفها وضع أسس وحدة شمال افريقيا و قد حضرها الملك محمد الخامس من المغرب و كان من المنتظر أن يحضرها أيضا زعماء و قادة يمثلون الثورة الجزائرية في مقدمتهم الزعيم الفذ أحمد بن بلة لكن الطائرة التي كانت تقلهم الى تونس تعرضت الى قرصنة و وقع اختطافها من قبل السلطات الفرنسية فلم يصلوا الى تونس و لم يحضروا الندوة.
حول عملية القرصنة الفرنسية كتب الزعيم أحمد بن صالح افتتاحية في العدد 34 من جريدة ” صوت العمل “, لسان الاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 26 أكتوبر 1956 تحت عنوان ” هذه وحدة المغرب ” ندد فيها بعملية القرصنة الفرنسية ضد قادة ثورة الجزائر و أكد تضامن شعوب المنطقة معهم و أشاد بوحدة المصير و الكفاح و المستقبل التي تجمعها.
و قد جاء في افتتاحية أحمد بن صالح منذ 67 سنة, تواصل فرنسا الحرب في الجزائر و هي في الواقع حرب في شمال افريقيا بأسرها و ضد شعوب المغرب بأسرها.
و قد برهنت للعالم في هذا الأسبوع بأنها لا تؤمن بغير الحرب في الجزائر, و اعتبرت شعوب شمال افريقيا من جهتها أن الحرب ليست فقط بين فرنسا و الشعب الجزائري, فقد وقف المغرب العربي كله رجلا واحدا متين الوحدة و العزيمة يوم ألقي القبض غدرا على زعماء الجزائر.
و كان ذلك أول مرحلة واقعية حاسمة في طريق توحيد كفاح شمال افريقيا توحيدا بالفعل. و كانت موجة الغضب على هذا الأساس على هاته العاطفة و على هذا الاعتبار.
فاجئ بلة و صحبه من زعماء المغرب العزيز, انتصارهم انتصارنا و كفاحهم كفاحنا.
ان اعتداء فرنسا على القانون و الحرمة و المروءة اعتداء كبير على ثورة الجزائر و على كفاح أقطار شمال افريقيا من أجل وحدتها و ازدهارها.
لذلك و الى جانب الاستنكار عبرنا عن ابتهاجنا بتأثير ” هردزة “الاستعمار على مجرى كفاحنا الزاحف الى الانتصار.
و لكن المهم اليوم هو أن نشارك الجزائر في مرحلة كفاحها الحاسمة مشاركة أقوى و أشد في جميع ميادين كفاحها. المهم اليوم هو أن نعمل على استعمال كل الوسائل في الداخل و الخارج ليقوى الضغط على فرنسا و تعود الى الصواب و تعود للجزائر حريتها و تتدعم للمغرب العربي وحدته, المهم اليوم هو أنا لا يهدأ لنا بال لحظة أو يوم حتى ننجح في اطلاق سراح المجاهدين و حتى تتفاوض معهم فرنسا على قاعدة الاعتراف باستقلال الجزائر.
فكفاحنا لم يتم و قد عبرنا عن هذه العقيدة مرات و كفاحنا لا يتطلب فقط وحدتنا في تونس بل يتطلب وحدة جميع العناصر الشعبية المختلفة في كامل شمال افريقيا “.
بقدر ايماننا بأن وحدة المغرب العربي ضرورة و مستقبل و مصير, فستبقى الفكرة و الحلم و المشروع و الارادة الى أن تتحقق سواء من قبل هذا الجيل أو بالأجيال المغاربية القادمة بعدما تنهار الأسوار و تسقط العراقيل و الاحباطات و تتهدم الحواجز, فان لم تتحقق وحدة المغرب العربي – تماما مثل الوحدة العربية – في حياتنا اليوم فسوف تتحقق ان شاء الله بعدنا في يوم من الأيام.