4 يناير 2025

عبدالحق لبيض: تدريس اللغات وتعلمها: أي أفق لتدبير التعدد اللغوي في المدرسة المغربية؟

1 min read

عبدالحق لبيض
رئيس‭ ‬المركز‭ ‬المغربي‭ ‬لحوار‭ ‬الثقافات‭ ‬وتنمية‭ ‬القيم‭ ‬

شكل‭ ‬موضوع‭ ‬تدريس‭ ‬اللغات‭ ‬والتدريس‭ ‬بها‭ ‬موضوع‭ ‬جدل‭ ‬وتدافع‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنظومات‭ ‬التربوية‭ ‬العالمية،ونتجت‭ ‬عنها‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬التي‭ ‬تعددت‭ ‬اتجاهاتها‭ ‬ومذاهبها‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬ـوحققت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النتائج‭  ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬أفق‭ ‬النقاش‭ ‬اللغوي‭ ‬على‭ ‬مشارب‭ ‬عدة‭ ‬ومسارات‭ ‬متنوعة‭.‬

ولم‭ ‬تبتعد‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬المغربية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬التربوي‭ ‬والسياسي،حيث‭ ‬خضع‭ ‬الوضع‭ ‬اللغوي‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬،لجدل‭ ‬قوي‭ ‬،وطرحت‭ ‬مسألة‭ ‬الأولويات‭ ‬اللغوية‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأبعاد‭ ‬والدلالات‭ ‬والغايات‭ ‬والأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬أو‭ ‬الخفية‭.  ‬ولفهم‭ ‬وإدراك‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬تشكله‭ ‬عبر‭ ‬تمرحلاته‭ ‬التاريخية‭ ‬وتشكلاته‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الذهنية‭ ‬المغربية،منطلقين‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬الإسئلة‭ ‬التالية‭: ‬أي‭ ‬تدبير‭ ‬لمختلف‭ ‬الجوانب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بعملية‭ ‬تدريس‭ ‬اللغات‭ ‬وتعلمها‭ ‬بمكوناتها‭ ‬العربية‭ ‬والأمازيغية‭ ‬والأجنبية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مشهد‭ ‬ثقافي‭ ‬وطني‭ ‬متسم‭ ‬بالتنوع‭ ‬اللغوي؟وما‭ ‬هي‭ ‬مسوغات‭ ‬الاختيار‭ ‬اللغوي‭ ‬للمدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬فوضى‭ ‬النقاش‭ ‬والجدل‭ ‬في‭ ‬أولويات‭ ‬الاختيارات‭ ‬بين‭ ‬الدوافع‭ ‬الفكرية‭ ‬والهوياتية‭ ‬والعلمية‭ ‬والدوافع‭ ‬المصلحية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمواقع‭ ‬القرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التابعة‭ ‬لمراكز‭ ‬الضغط‭ ‬الدولية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الدوائر‭ ‬الفرنكفونية‭ ‬المتجذرة‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والثقافي‭ ‬المغربي؟‭ ‬وهل‭ ‬نستطيع‭ ‬اليوم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬اختيار‭ ‬لغوي‭ ‬أمام‭ ‬غياب‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬لمقومات‭ ‬ثوْرةٍ‭ ‬ثقافية‭ ‬يستعيد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬المغرب‭ ‬دولة‭ ‬ومجتمعا‭ ‬زمام‭ ‬استقلال‭ ‬القرار‭ ‬الوطني‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬قرار‭ ‬التدْبير‭ ‬اللغوي‭ ‬قرار‭ ‬بيداغوجي‭ ‬وتربوي‭ ‬خالص‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬قرار‭ ‬سياسي‭ ‬وسياديٌ‭ ‬مرتبطٌ‭ ‬بمقومات‭ ‬الأمة‭ ‬وعناوين‭ ‬شخصيتها‭ ‬الحضارية؟

أسئلة‭ ‬عديدة‭ ‬توجه‭ ‬وتحدد‭ ‬مقاربتنا‭ ‬لسؤال‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬المغربية‭ .‬

وسنحاول‭ ‬بدْءاً‭ ‬تأطير‭ ‬قضية‭ ‬اللغة‭ ‬ضمن‭ ‬مسارها‭ ‬التاريخي‭ ‬لفهم‭ ‬خلفيات‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬نقاش‭ ‬حادٍ‭ ‬حول‭ ‬المسألة‭ ‬اللغوية‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التراشق‭ ‬بالتهم‭ ‬والتهم‭ ‬المضادة‭ ‬،وأثار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللغط‭ ‬السياسي‭ ‬والشعبي‭ ‬والثقافي‭.‬

المسألة‭ ‬اللغوية‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬نحو‭ ‬تشكيل‭ ‬رؤية‭ ‬تاريخية‭:‬

لايمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬التعدد‭ ‬اللغوي‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬،اليوم،‭ ‬بدْعةً‭ ‬أبدعتها‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬الراهنة‭ ‬،بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬واقع‭ ‬تشكلت‭ ‬ملامحه‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬حتى‭  ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الحماية‭ ‬الفرنسية‭ ‬للمغرب‭. ‬فإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الوضعية‭ ‬المتسمة‭ ‬بالتنوع‭ ‬والتعدد‭ ‬اللغويين‭ : ‬لهجاتٍ‭ ‬أمازيغيةٍ‭ ‬ولهجات‭ ‬عربية‭ ‬دارجة‭ ‬وحسانية‭ ‬،كانت‭ ‬الفرنسية‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭.‬ففي‭ ‬سنة‭ ‬1885‭ ‬ثم‭ ‬إحداث‭ ‬أول‭ ‬مدرسة‭ ‬فرنسية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬‭.‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1908‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬المدارس‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إحداث‭ ‬مدارس‭ ‬إسبانية‭ ‬وإنجليزية‭. ‬وهكذا‭ ‬،ففي‭ ‬سنة‭ ‬1908‭ ‬كان‭ ‬4136‭ ‬تلميذا‭ ‬مغربيا‭ ‬يتلقون‭ ‬تعليما‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭. ‬

وبعد‭ ‬الحماية‭ ‬الفرنسية‭ ‬،لوحظ‭ ‬أول‭ ‬إجهاض‭ ‬لانفتاح‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬تعدد‭ ‬لغوي‭ ‬متسم‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬المساوتية‭ ‬والنفعية‭ ‬والمصلحية‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الأمة‭ ‬وتستجيب‭ ‬لحاجياتها‭ ‬الأساسية‭.‬فقد‭ ‬فرضت‭ ‬الفرنسية‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الإدارات‭ ‬وهيئات‭ ‬الحماية‭ ‬،في‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬تقليص‭ ‬حجم‭ ‬حضور‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كلغة‭ ‬قومية‭ ‬موحدة‭ ‬لأهل‭ ‬المغرب،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬التقليدية‭. ‬فما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬ليوطي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬التاريخ‭ ‬شاهدا‭ ‬عليه‭ ‬،حيث‭ ‬سعى،‭ ‬عبر‭ ‬قراره‭ ‬الشهير‭ ‬سنة‭ ‬1927‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭  ‬المدرسة‭ ‬مشتلا‭ ‬لتدجين‭ ‬الأهالي‭ ‬وفصلهم‭ ‬عن‭ ‬مقومات‭ ‬شخصيتهم‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية‭..‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬العربيةوهي‭ ‬لغة‭ ‬ثقافة‭ ‬المغاربة‭ ‬وهويتهم‭ ‬تلقن‭ ‬إلا‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬كلغة‭ ‬أجنبية‭ ‬متساوية‭ ‬في‭ ‬المكانة‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭.‬

استطاعت،في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬اعتماد‭ ‬آليات‭ ‬لتدبير‭ ‬وصون‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجديد‭ ‬الكتاتيب‭ ‬القرآنية‭ ‬،وإنشاء‭ ‬مدارس‭ ‬حرة‭ ‬،‭ ‬وتحسين‭ ‬العدة‭ ‬الديداكتيكية‭ ‬لتدريس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭.‬وقد‭ ‬أسفرت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬نسبة‭ ‬المغاربة‭ ‬المسجلين‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الأوروبية‭ ‬إبان‭ ‬الاستقلال‭ :‬12‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬التلاميذ‭ ‬المسجلين‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬العمومي‭.‬

من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬ينصب‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬وبإصلاحها‭ ‬وتحديثها‭ ‬بعيد‭ ‬الاستقلال‭ ‬على‭ ‬ركيزة‭ ‬اللغة‭ ‬أساسا‭ ‬باعتبارها‭ ‬مفتاح‭ ‬الإصلاح‭ ‬الحقيقي‭ ..‬فقد‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬اللجنة‭ ‬الملكية‭ ‬لإصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬أربعة‭ ‬مبادئ‭ ‬باعتبارها‭ ‬رافعة‭ ‬لأي‭ ‬إصلاح‭ ‬تربوي‭ ‬حقيقي‭ ‬وفعال،‭ ‬وهي‭ :‬التوحيد‭ ‬،والتعميم،والمغربة‭ ‬،والتعريب‭. ‬وهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬الأربعة‭ ‬ظلت‭ ‬الموجه‭ ‬لأية‭ ‬مبادرة‭ ‬أورؤية‭ ‬إصلاحية‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬التعريب‭ ‬تم‭ ‬اعتماد‭ ‬مدخلين‭ ‬أساسين‭ : ‬تمكين‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬مكانتها‭ ‬كلغة‭ ‬وطنية‭ ‬رسمية‭ ‬،وجعل‭ ‬التعريب‭ ‬اختيارا‭ ‬سياسيا‭ ‬رسميا‭ ‬واستراتيجيا‭.‬ففي‭ ‬مناظرة‭ ‬إيفران‭ ‬سنة‭ ‬1970،‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬مخطط‭ ‬عشري‭ ‬للتعريب‭ ‬،غير‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬السلك‭ ‬الابتدائي‭..‬وهكذا‭ ‬،وحتى‭ ‬وزارة‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬العراقي‭ ‬حيث‭ ‬سيتم‭ ‬توسيع‭ ‬التعريب‭ ‬ليشمل‭ ‬السلكين‭ ‬الإعدادي‭ ‬والثانوي‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المواد‭ ‬العلمية‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المناهضين‭ ‬للتعريب‭ ‬يتحججون‭ ‬بكون‭ ‬التعريب‭ ‬كان‭ ‬فوقيا‭ ‬وفرض‭ ‬على‭ ‬المغاربة‭ ‬فرضا‭ ‬متعسفا‭ ‬،غير‭ ‬أن‭ ‬استعراض‭ ‬الوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬وقوة‭ ‬النقاش‭ ‬والجدال‭ ‬الدائرين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬،ومشاركة‭ ‬كافة‭ ‬الأطياف‭ ‬والحساسيات‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬فيه‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬اختيارا‭ ‬قوميا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬إلى‭ ‬الشخصية‭ ‬المغربية‭ ‬وربطها‭ ‬بسياقها‭ ‬الحضاري‭ ‬والثقافي‭ ‬العربي‭.‬لكن‭ ‬المثير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أنه‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬تتدخل‭ ‬القوى‭ ‬الفرنكفونية‭ ‬لتعطيل‭ ‬مشروع‭ ‬التعريب‭ ‬وإجهاضه‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

‭-‬ إيقاف‭ ‬مسلسل‭ ‬التعريب‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الثانوي‭ ‬وعدم‭ ‬تمكينه‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬السلك‭ ‬الجامعي‭.‬وقد‭ ‬بات‭ ‬اليوم‭ ‬معروفا‭ ‬حقائق‭ ‬السياسية‭ ‬التجريفية‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬الإدارة‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استدراج‭ ‬الطلبة‭ ‬المغاربة‭ ‬،وخاصة‭ ‬المتفوقين‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬استكمال‭ ‬دراستهم‭ ‬بالمعاهد‭ ‬والجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬الفرنسية‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبراتهم‭ ‬وإمكانياتهم‭ ‬الإبداعية‭ ‬،مما‭ ‬يعرض‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬استنزاف‭ ‬لعقولها‭ ‬المبدعة‭ ‬والفاعلة‭ ‬والمنتجة‭. ‬

‭- ‬عدم‭ ‬تمكين‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬التهْيئة‭ ‬اللغوية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تحْيينها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬المستجدات‭ ‬العالمية‭ ‬،وبخاصة‭ ‬في‭ ‬الجالات‭ ‬العلمية‭ ‬والتقنية‭.‬

شكل‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬للتربية‭ ‬والتكوين‭ ‬محطة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬بالمغرب‭(‬1999‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬شدد‭ ‬على‭ ‬مركزية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية،‭ ‬ودعا‭ ‬في‭ ‬الدعامة‭ ‬التاسعة‭ ‬إلى‭ “‬اعتبار‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬،بمقتضى‭ ‬دستور‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬اللغة‭ ‬الرسمية‭ ‬للبلاد،‭”‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تعزيزها‭ ‬واستعمالها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬العلم‭ ‬والحياة‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬وسيبقى‭ ‬طموحا‭ ‬وطنيا‭”. ‬كما‭ ‬دعا‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬111‭ ‬من‭ ‬الدعامة‭ ‬التاسعة‭ ‬إلى‭ ” ‬تجديد‭ ‬تعليم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وتقويته‭ ..”.‬وستأتي‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬2015‭-‬2030‭ ‬لتدعم‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬وتؤكد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الرافعة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ” ‬تقوية‭ ‬وضعها‭ ‬وتنميتها‭ ‬،وتحديثها‭ ‬وتبسيطها‭ ‬،وتحسين‭ ‬تدريسها‭ ‬وتعلمها‭ ‬،وتجديد‭ ‬المقاربات‭ ‬والطرائق‭ ‬البيداغوجية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بها‭”. ‬وتشير‭ ‬الرافعة‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ” ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬التدريس‭ ‬الأساس‭ ‬،ويتم‭ ‬تفعيل‭ ‬مبدأ‭ ‬التناوب‭ ‬اللغوي‭ ‬بالتدرج‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬تدريس‭ ‬بعض‭ ‬المضامين‭ ‬أو‭ ‬المجْزوءات‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬التأهيلي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الإعدادي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬وفي‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬التأهيلي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭.‬

والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬العرض‭ ‬اللغوي‭ ‬التنويعي‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬استحضار‭ ‬الجانب‭ ‬الكمي‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬اللغات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬قدرات‭ ‬المتعلم‭ ‬،وبخاصة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الإبتدائي،‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬هذا‭ ‬الارهاق‭ ‬اللغوي‭.‬حيث‭ ‬تم‭ ‬التنصيص‭ ‬على‭ ‬إلزامية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وإلزامية‭ ‬اللغة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬وإلزامية‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬هذا‭ ‬السلك‭ ‬كافة‭ ‬،بوصفها‭ ‬لغة‭ ‬مدرسةً،ثم‭ ‬إدراج‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الرابعة‭”…‬

هذه‭ ‬الهندسة‭ ‬اللغوية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سيعتمدها‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬الإطار‭ ‬51‭-‬17‭ ‬،حيث‭ ‬عرف‭ ‬مفهوم‭ ‬التناوب‭ ‬اللغوي‭ ‬مرة‭  ‬في‭ ‬المادة‭ ‬2‭ ‬بالقول‭ :” ‬مقاربة‭ ‬بيداغوجية‭ ‬وخيار‭ ‬تربوي‭ ‬يستثمر‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬المزدوج‭ ‬أو‭ ‬المتعدد‭ ‬اللغات‭ ‬،بهدف‭ ‬تنويع‭ ‬لغات‭ ‬التدريس‭ ‬،وذلك‭ ‬بتعلم‭ ‬بعض‭ ‬المضامين‭ ‬أو‭ ‬المجزوءات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬،قصد‭ ‬تحسين‭ ‬التحصيل‭ ‬الدراسي‭ ‬فيها‭”‬،‭ ‬ليأتي‭ ‬فيحرف‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬31‭ ‬بالقول‭ ” ‬إعمال‭ ‬مبدإ‭ ‬التناوب‭ ‬اللغوي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدريس‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬العلمية‭ ‬والتقنية‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬المضامين‭ ‬أو‭ ‬المجزوءات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬بلغة‭ ‬أو‭ ‬بلغات‭ ‬أجنبية‭”‬‭.‬

نحن‭ ‬إزاء‭ ‬ارتباك‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬مفهوم‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يتسم‭ ‬بالدقة‭ ‬والاخترال‭ ‬والعلمية‭.‬فمرة‭ ‬يعني‭ ‬تدريس‭ ‬بعض‭ ‬المضامين‭ ‬أو‭ ‬المجزوءات‭ ‬بلغة‭ ‬أو‭ ‬بلغات‭ ‬أجنبية‭ ‬،ومرة‭ ‬يعني‭ ‬تدريس‭ ‬مواد‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬المضامين‭ ‬أو‭ ‬المجزوءات‭ ‬بلغة‭ ‬أو‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭.‬

اللغات‭ ‬والتمدرس‭ ‬من‭ ‬وهم‭ ‬التعددية‭ ‬اللغوية‭ ‬إلى‭ ‬البعد‭ ‬الوظيفي‭ ‬للغات‭.‬

إن‭ ‬أكبر‭ ‬وهم‭ ‬يطلعنا‭ ‬به‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬الإطار‭ ‬هو‭ ‬وهم‭ ‬التعددية‭ ‬اللغوية‭  ‬وإشكالية‭ ‬تدبيرها‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬المغربية‭ .‬تعْرف‭ ‬التعددية‭ ‬اللغوية‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬اللغوي‭ ‬بتعدد‭ ‬الألسن‭ ‬داخل‭ ‬جماعة‭ ‬بشرية‭ ‬محددة‭  ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تنوعا‭ ‬عرقيا‭ ‬أو‭ ‬عقديا‭ ‬أو‭ ‬مناطقيا‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬التفاعل‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضاري‭.‬

إن‭ ‬التعدد‭ ‬اللغوي‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬حركية‭ ‬المجتمعات،‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬الدينامية‭ ‬التاريخية‭ ‬للجماعات‭ ‬البشرية‭ ‬داخل‭ ‬فضاء‭ ‬جغرافي‭ ‬معين‭ ‬لفترات‭ ‬تاريخية‭ ‬طويلة‭ ‬وممتدة‭.‬وهكذا‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬التنوع‭ ‬اللسني‭ ‬الأصيل‭ ‬للمغاربة‭ ‬يتشكل‭ ‬من‭ ‬اللسان‭ ‬العربي‭ ‬الفصيح‭ ‬ومن‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬المتعددة‭ ‬جهويا،‭ ‬واللغات‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والحسانية‭ .‬أما‭ ‬اللغات‭ ‬الحية‭ ‬الأخرى‭ ‬كالفرنسية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬والإسبانية،‭ ‬وغيرها‭ ‬،‭ ‬فهي‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭ ‬تخضع‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬حضورها‭ ‬أو‭ ‬خفوتها‭ ‬داخل‭ ‬مجتمع‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬عوامل‭ ‬تاريخية‭ ‬وسياسية‭ ‬محددة‭ ‬،والتعامل‭ ‬معها‭ ‬يكون‭ ‬بمقتضى‭ ‬قرار‭ ‬سياسي‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬دولية‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تستغني‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬أجنبية‭ ‬وتعويضها‭ ‬بلغة‭ ‬أخرى‭ ‬بجرة‭ ‬قلم‭ : ‬ماليزيا،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬قرارا‭ ‬سياسيا‭ ‬جريئا‭ ‬لتوقيف‭ ‬تجربة‭ ‬التدريس‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وتعويضها‭ ‬باللغة‭ ‬القومية‭ “‬المالوية‭” ‬وفْق‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬العقلاني‭ ‬ومنطق‭ ‬الأفضلية‭ ‬اللغوية‭ ‬للجماعة‭ ‬البشرية‭ ‬ذات‭ ‬الأولويات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭.‬أضف‭ ‬إليها‭ ‬تحول‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬،وهما‭ ‬مستعمرتان‭ ‬فرنسيتان،‭ ‬من‭ ‬اعتماد‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ . ‬وتاريخيا،‭ ‬تحول‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬اعتماد‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كلغة‭ ‬نخبة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ …‬

‭ ‬لقد‭ ‬أثْبتث‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬اللغوية‭ ‬واللسانية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬أهمية‭ ‬تمكن‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬لغته‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬نظرا‭ ‬لأن‭ ‬العامل‭ ‬اللغوي‭ ‬أهم‭ ‬مقومٍ‭ ‬مشكلٍ‭ ‬لهوية‭ ‬الإنسان‭ ‬والأمة‭ ‬،ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بواضعي‭ “‬ميثاق‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭”‬،‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو،‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭  ‬على‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬ليست‭ ‬أداة‭ ‬للاتصال‭ ‬واكتساب‭ ‬المعرفة‭ ‬فحسب‭ ‬،بل‭ ‬إنها‭ ‬أيضا‭ ‬مظهر‭ ‬أساسي‭ ‬للهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬ووسيلة‭ ‬لتعزيزها‭ ‬،سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للفرد‭ ‬أو‭ ‬للجماعة‭. ‬وقد‭ ‬نصت‭ ‬المنظمة،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬توصياتها‭ ‬التربوية،‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التزام‭ ‬الدول‭ ‬بتدْريس‭ ‬أبنائها‭ ‬اللغة‭ ‬القومية،‭ ‬أواللغة‭ ‬الأم‭ ‬،‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬السنوات‭ ‬حتى‭ ‬يستقيم‭ ‬لسانهم‭ ‬وتتشبع‭ ‬شخصيتهم‭ ‬بمكونات‭ ‬الحمولة‭ ‬الثقافية‭ ‬والحضارية‭ ‬للغة‭ ‬،مما‭ ‬يخلق‭ ‬لديهم‭ ‬التوازن‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تحصيلهم‭ ‬الدراسي‭ ‬وقدرتهم‭ ‬الإبداعية‭.‬إن‭ ‬اللغة‭ ‬،كما‭ ‬يقول‭ ‬بيير‭ ‬بورديو‭ (‬1990‭)” ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ناقلة‭ ‬للثقافة‭ ‬المادية‭ ‬والقيمية‭ ‬فقط‭ ‬،بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ماهية‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬،ذلك‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬ليست‭ ‬القناة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬قيم‭ ‬وثقافة‭ ‬وحضارة‭ ‬المجتمعات‭ ‬،بل‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬،وغياب‭ ‬اللغة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يفقدها‭ ‬مكانتها‭ ‬،وحتى‭ ‬حضورها‭ ‬التقافي‭ ‬والتاريخي‭”.‬

أما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬لغة‭ ‬التعليم‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬المعرفية‭ ‬للتلاميذ‭ ‬،فقد‭ ‬أبانت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬مدى‭ ‬أهمية‭ ‬التلقين‭ ‬باللغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬التمدرس‭ ‬الابتدائي‭.‬كما‭ ‬أبانت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭  ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعليم‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اللغات‭ ‬الأم‭ ‬للتلاميذ‭ ‬وتطوير‭ ‬القرائية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللغات‭ .‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬دراسة‭ ‬ميدانية‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬فريق‭ ‬بحث‭ ‬شمل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المتخصصين‭ ‬والتربويين‭ ‬خلصت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬ضعف‭ ‬التلاميذ‭ ‬المغاربة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القدرات‭ ‬القرائية‭ ‬يعود‭ ‬ذلك،في‭ ‬نظرنا‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬العبء‭ ‬الذي‭ ‬يحس‭ ‬به‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تلقين‭ ‬اللغات‭”.‬وتبرز‭ ‬الدراسات‭ (‬كولدنبرغ‭ ‬2008‭) ‬أن‭ ‬تعليم‭ ‬التلاميذ‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم‭ ‬،يسهل‭ ‬مستويين‭ ‬عاليين‭ ‬من‭ ‬المردودية‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬،‭ ‬لأنهم‭ ‬يتوفرون‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬لسنية‭  ‬أكثر‭ ‬متانة‭ ‬بحيث‭ ‬تشكل‭ ‬فكرهم‭ ‬اللغوي‭ ‬وتنمي‭ ‬قدراتهم‭ ‬،خاصة‭ ‬وأن‭ ‬تمة‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬والفكر‭. ‬فالأطفال‭ ‬بحاجة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتهم‭ ‬الإدراكية،‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬ينتظم‭ ‬فكرهم‭ ‬في‭ ‬إطارها‭. ‬وتكفي‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬المحاولة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬سنة‭ ‬1964‭ ‬حيث‭ ‬مولت‭ ‬مشروعا‭ ‬لتدريس‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬13‭ ‬سنة‭ ‬لمدة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬35‭%‬من‭ ‬مدارس‭ ‬إنجلترا،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للبحوث‭ ‬التربوية‭ ‬بقياس‭ ‬اتجاهات‭ ‬التلاميذ‭ ‬وأدائهم‭ ‬تبين‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬فوارق‭ ‬ذات‭ ‬دلالات‭ ‬إحصائية‭ ‬بين‭ ‬آداء‭ ‬التلاميذ‭ ‬الذين‭ ‬درسوا‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬الثامنة‭ ‬والتلاميذ‭ ‬الذين‭ ‬بدأوا‭ ‬بدراسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬لذلك‭ ‬أوصت‭ ‬الدراسة‭ ‬بعدم‭  ‬جدوى‭ ‬توسيع‭ ‬المشروع‭ ‬واستمراره،وبذلك‭ ‬أسدل‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭.‬

‭ ‬يعيش‭ ‬المغرب،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬دول‭ ‬نامية‭ ‬أخرى،‭ ‬معْضلةً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التخطيط‭ ‬اللغوي؛إذ‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬محكوما‭ ‬بالتبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬لدوائر‭ ‬المركز‭..‬وهذه‭ ‬التبعية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬توجه‭ ‬تخطيطاته‭ ‬التنموية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬،وهي‭ ‬تخطيطات‭ ‬ترْهن‭ ‬حاضره‭ ‬ومستقبله‭ ‬للمجهول‭. ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتخطيط‭ ‬اللغوي‭ ‬فإن‭ ‬تمة‭ ‬خللا‭ ‬بنيويا‭ ‬يبْرز‭ ‬في‭  ‬الميل‭ ‬الواضح‭ ‬لصالح‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬غير‭ ‬العمومية‭ ‬،والاتجاه‭ ‬المتنامي‭ ‬نحو‭ ‬تقويتها‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العمومي‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬قوة‭ ‬العلاقة‭ ‬المغربية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية،لكن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الأمد‭ ‬المتوسط‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للمغرب‭ ‬على‭ ‬الأمد‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد‭…‬

‭ ‬إن‭ ‬الاختيار‭ ‬اللغوي‭ ‬المناسب،‭ ‬اليوم،‭ ‬للتطلعات‭ ‬التنموية‭ ‬المغربية‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬ينصب‭ ‬حول‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الهوية‭ ‬والثقافة‭ ‬المغربيتين‭ ‬،واستحضار‭ ‬الأبعاد‭ ‬والاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬تميل‭ ‬نحوها‭ ‬؛فاللغة‭ ‬من‭ ‬المقومات‭ ‬الجوهرية‭ ‬لهوية‭ ‬الفرد‭ ‬والجماعات‭ ‬وعنصر‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬كيان‭ ‬مجتمعي‭ ‬منسجم‭ ‬ومتفاعل‭ ‬ومتناغم‭ ‬،كما‭ ‬تمثل‭ ‬اللغة‭ ‬العامل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للتقدم‭ ‬نحو‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وللربط‭ ‬السلس‭ ‬بين‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭ ‬والقضايا‭ ‬المحلية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬المقولة‭ ‬الشهيرة‭ “‬يجب‭ ‬التفكير‭ ‬عالميا‭ ‬والعمل‭ ‬والتدبر‭ ‬محليا‭”.‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬الأساسية‭ ‬لأية‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية‭ ‬تتطلب‭ ‬استحضار‭ ‬البعد‭ ‬اللغوي‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬وحماية‭ ‬سيادة‭ ‬اللسان‭ ‬الوطني‭ ‬ومقومات‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.