29 ديسمبر 2024

سناء بنضو: النهضة في مواجهة سيناريو النداء!؟

1 min read

 سناء بنضو

تتزايد مخاوف النخبة السياسية المرتبطة بمسار الانتقال الديمقراطي، هذه الأيام جراء ما تعيشه حركة النهضة من مظاهر انقسام وتأزّم غير مسبوقة، وحدة في خطاب بعض قياداتها غير مألوف ازاء قضايا الشأن الداخلي، التي لطالما عرف هذا الحزب ذو المرجعية الاسلامية المعتدلة كيف يستوعبها ويحول دون خروج أصدائها إلى الفضاء العام.

قيادات غاضبة جدّا: لا يستبعد بعض المحللين المهتمين بشأن حركة النهضة أن تعيش خلال هذه الفترة البرلمانية الحالية (2019-2024) ذات السيناريو الذي عرفته حركة نداء تونس رغم اختلاف المرجعية الفكرية والسياسية لهما، حيث توجد العديد من عناصر الشبه مثل: وجود زعيم تاريخي مهيمن له مصالح خاصة وارتباطات عائلية طموحة، وتفجر صراع حول الخلافة، وتصدّر للخارطة البرلمانية والسياسية مع وجود روافد متنافسة ذات مصالح ورؤى متباينة ومتضاربة، مع تأثير سلبي لتجربة الحكم وشُقّة تتسع بين تيار مرتبط بتراث الحركة الديني وتيار آخر براغماتي أقل ارتباطا بهذا التراث وأكثر حرصا على مواقع الحكم والسلطة.

جميع هذه العوامل تفسّر إلى حد كبير حدّية الخطاب التي جاءت على لسان كثير من القيادات البارزة للحركة، فلطفي زيتون مثلا لم يتردد في القول بان “شعار التحول الى حزب سياسي وطني محافظ لا يعدو ان يكون خدعة” و”ان حركة النهضة ما تزال حركة دينية صرفة”، وهو امر لا يتفق مع مصالح الوطن العليا.

ردود الفعل التنظيمية ازاء تصريحات زيتون الحادة كانت ايضا مثيرة للاستغراب، فقد تحركت الصفحات النهضوية المناصرة لقيادة الشيخ بطريقة جماعية في حملة بدا أنها مأمورة لتكيل للرجل اقذع الاوصاف والاتهامات، من بينها وصفها له ب”الكركدن”، وهي السيرة التي استغربها البعض ممن يَرَوْن ان الاختلاف لا يجيز الانحدار الى هذا المستوى من النقاش غير المقبول، خصوصا داخل حزب لطالما أكد على مرجعيته الدينية والأخلاقية.

الاستقالات..كرة الثلج التي تكبر: من الظواهر الاخرى اللافتة للانتباه في مسار النهضة، تسارع وتيرة الاستقالات، سواء من الحركة برمّتها كما فعل القيادي البارز عبد الحميد الجلاصي وقبله الامين العام حمادي الجبالي، أو من بعض مؤسساتها تمهيدا ربما للتصعيد والانشقاق التام كما هو الحال مع لطفي زيتون او زبير الشهودي او نجيب الغربي او غيرهم من القيادات الوسطى الاقل شهرة.

لقد كان الشيخ راشد الغنوشي فيما سبق يهوّن من أمر هذه الاستقالات، ويؤكد على ان كل من يخرج من التنظيم سينتهي الى لا شيء، لكن هذا التشخيص المستهزئ لم يعد متماسكا مثل يؤكد خبراء الحركة الاسلامية، حيث يقرأ هؤلاء تواتر الاستقالات من قبل قيادات بارزة وتاريخية على انها كرة ثلج تكبر مع تقدم الزمن وتدحرج الامور نحو الأسفل خطابا وممارسة.

مجموعة المائة..الانشقاق الممكن لم يعد الحديث عن الانشقاق داخل حركة النهضة مسألة مستبعدة مثلما كان الحال سابقا، فعلى الرغم من فشل المحاولات السابقة التي عرفتها الحركة عبر تاريخها منذ تأسيسها أواخر الستينيات، سواء قبل الثورة من قبيل مجموعة الإسلاميين التقدميين خلال السبعينيات بقيادة أحميدة النيفر و صلاح الدين الجورشي، او خلال التسعينيات بقيادة الهاشمي الحامدي، أو بعد الثورة من قبيل تلك التي قادها الشيخ عبد الفتّاح مورو او رياض الشعيبي او غيرهم، فإن مبادرة مجموعة المائة التي ضمت اكبر عدد من الاسماء القيادية، والتي عبرت عن نفسها من خلال الرسالتين الاولى والثانية ثم من خلال الانسحاب من الاجتماع الاخير لمجلس الشورى، تبدو مبادرة شديدة الخطورة تحمل في طياتها نذر انقسام حقيقي ولا يمكن تجاهلها او التخفيف من تأثيراتها السلبية المُحتملة مثلما تحاول بعض القيادات الموالية للشيخ راشد ان تفعل، كمن يريد ان يحجب أشعة الشمس بالغربال.

الشيخ راشد الغنوشي..بين الاعتراف والمكابرة تؤكد جهات خبيرة بشأن الحركة الاسلامية ان مستقبل الحركة مرتبط بمواقف وسلوك رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي الى حد كبير، وما اذا كان الرجل سيسير على خطى رفيقه الباجي قائد السبسي في ادارته المكابرة لازمة نداء تونس، ام انه سيختار نهجا مغايرا يقوم على الاعتراف بالازمة بدل المكابرة وسيفوت بمرونته المُحتملة الفرصة الذين يراهنون على انقسام النهضة وتفتتها على غرار شريكها في تجربة التوافق نداء تونس.

غير ان الناظر في سيرة الشيخ طيلة الأشهر الماضية لا يخرج بنتائج واضحة نساعد على استشراف نتيجة ومآل الأزمة، فأحيانا يبدو الرجل متفهما لمطالب الاصلاح الداخلي ولمطالب من يسميهم ابناءه في التداول السلمي على قيادة الحركة، ومن جهة ثانية تظهر مواقفه أشبه بالمعهود في سيرته من حيث التهوين والاستعلاء والمكابرة.. بل لعلَّ البعض لا يستبعد سبق الشيخ راشد للانشقاق من خلال مبادرة تصعيدية ياخذ فيها المرتبطين بِه الى حزب جديد. ان اخطر ما في امر أزمة النهضة انعكاساتها على المسارين، الانتقال الديمقراطي والمصلحة الوطنية، على ان القاعدة في تجارب الدول التي مرت بالانتقال الديمقراطي تبقى انقراض جيل من الاحزاب وظهور جيل جديد، فكما اختفت تجارب الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس لا يستبعد خبراء التحولات الديمقراطية ان تختفي النهضة ايضا، ومن خلال التفكيك واعادة التركيب ستبرز الى الوجود في أفق العشرية القادمة احزاب جديدة اكثر برامجية وأقل ايديولوجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.