4 يناير 2025

رشيد الذوادي: الزعيم أحمد المستيري.. الرجل والقضية

1 min read

رشيد‭ ‬الذوادي

في‭ ‬البدء‭:‬

في‭ ‬البدء‭ ‬وفي‭ ‬ظلال‭ ‬الأضواء‭ ‬الكاشفة‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬أمتنا‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬تمتد‭ ‬فيه‭ ‬أيدينا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الملفات،‭ ‬نرى‭ ‬أعمالا‭ ‬كبرى‭ ‬انبنت‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ومناهج‭ ‬وقواعد‭ ‬بذل‭ ‬فيها‭ ‬جهد‭ ‬ضخم،‭ ‬ونجد‭ ‬رجالا‭ ‬ومصلحين‭ ‬عبدوا‭ ‬لنا‭ ‬الطرائق،‭ ‬وشخصيات‭ ‬وزعماء‭ ‬كان‭ ‬أملهم‭ ‬أن‭ ‬تتقدم‭ ‬الأمة،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬حظ‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬وفيما‭ ‬يحفظ‭ ‬شخصيتها‭ ‬الوطنية‭ ‬وقيمها‭ ‬الأصيلة‭.. ‬ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬كتاب‭ ‬وسياسيون‭ ‬بذلوا‭ ‬النفس‭ ‬والنفيس‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحرير‭ ‬أوطانهم‭ ‬كـ‭: ‬سعد‭ ‬زغلول،‭ ‬وخير‭ ‬الدين‭ ‬الزركلي،‭ ‬وعبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي،‭ ‬وساطع‭ ‬الحصري،‭ ‬وعبد‭ ‬الحميد‭ ‬بن‭ ‬باديس،‭ ‬وعبد‭ ‬القادر‭ ‬المغربي،‭ ‬ومحي‭ ‬الدين‭ ‬القليبي،‭ ‬وعباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد،‭ ‬والإمام‭ ‬محمد‭ ‬عبده،‭ ‬والطاهر‭ ‬الحداد،‭ ‬والحبيب‭ ‬بورقيبة،‭ ‬وصالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف،‭ ‬وعلي‭ ‬البلهوان،‭ ‬وفرحات‭ ‬حشاد،‭ ‬وأحمد‭ ‬بن‭ ‬صالح،‭ ‬والحبيب‭ ‬طليبة،‭ ‬وحسيب‭ ‬بن‭ ‬عمار،‭ ‬وأحمد‭ ‬بن‭ ‬صالح،‭ ‬وأحمد‭ ‬المستيري‭ ‬وأضرابهم‭..‬

فهؤلاء‭ ‬الأبطال‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬عاشوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الغير‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬خضم‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتحمسوا‭ ‬لقضايا‭ ‬شعوبهم،‭ ‬كما‭ ‬تحملوا‭ ‬الأعباء‭ ‬الصعبة‭ ‬في‭ ‬أحرج‭ ‬الأوقات‭.. ‬وهم‭ ‬وإن‭ ‬اختلفنا‭ ‬حول‭ ‬رؤاهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القضايا،‭ ‬لكن‭ ‬والحق‭ ‬يقال‭ ‬جميعهم‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬مرجع‭ ‬واف‭ ‬ومفصل‭ ‬مدروس،‭ ‬يبرز‭ ‬فيه‭ ‬الصور‭ ‬المثلى،‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬الكنز‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬تأنس‭ ‬بها‭ ‬الأفكار‭ ‬وتقبلها‭ ‬العقول‭.‬

ومما‭ ‬يقال‭ ‬عنهم،‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭: ‬هم‭ ‬رجال‭ ‬صناديد‭ ‬قاوموا‭ ‬الاستغلال‭ ‬ومؤامرات‭ ‬التغريب،‭ ‬ولفتوا‭ ‬الأنظار‭ ‬في‭ ‬الثبات‭ ‬والإقدام،‭ ‬وعززوا‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬المقترنة‭ ‬بالكفاح‭ ‬الشعبي‭ ‬وبالنهضات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬كما‭ ‬عاشوا‭ ‬عذابات‭ ‬السنين،‭ ‬وعرفوا‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬مظالم‭ ‬المستبدين،‭ ‬وعما‭ ‬روجوه‭ ‬من‭ ‬افتراءات‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬والإسلام‭.‬

في‭ ‬الموسوعات‭ ‬الفكرية‭:‬

ونحن‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الموسوعات‭ ‬الفكرية‭ ‬وإلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬جدا‭ ‬نجد‭ ‬الصدى‭ ‬الواسع‭ ‬عن‭ ‬حراك‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬أحدثوا‭ ‬انقلابا‭ ‬في‭ ‬الأفكار‭ ‬والأساليب،‭ ‬وانبعث‭ ‬عنهم‭ ‬ما‭ ‬ألهب‭ ‬جوانح‭ ‬النفس،‭ ‬وما‭ ‬أعاد‭ ‬الروح‭ ‬للبناء‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬الصامدة‭.‬

فـ‭(‬الحراك‭) ‬كان‭ ‬نابعا‭ ‬من‭ ‬الذات‭.. ‬وهدفه‭ ‬تقوية‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬الأشقاء،‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬الكفاح‭ ‬الشعبي،‭ ‬وعلى‭ ‬لفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رائع‭ ‬وخصب‭..‬‭ ‬ومثل‭ (‬الحراك‭) ‬أيضا،‭ (‬فكرا‭ ‬تجديديا‭)‬،‭ ‬وحصيلة‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬الأسرار‭ ‬مازالت‭ ‬تروج‭ ‬وتقوي‭ ‬لروح‭ ‬الأمة،‭ ‬وتصف‭ ‬تاريخها‭ ‬الفكري،‭ ‬وتطور‭ ‬عقليتها‭ ‬وما‭ ‬تفاخر‭ ‬به‭ ‬وتعتز‭ ‬ضمن‭ ‬مفاخر‭ ‬الزمن‭.‬

وشخصيا‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الموسوعات‭ ‬أخبارا‭ ‬شائقة‭ ‬تحكي‭ ‬عن‭ ‬الشيخين‭: ‬محمد‭ ‬السنوسي‭ ‬التونسي،‭ ‬ومحي‭ ‬الدين‭ ‬الخياط،‭ ‬وعن‭ (‬فرسان‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭) ‬كـ‭: ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬المنعم‭ ‬خفاجي،‭ ‬وعبد‭ ‬الحميد‭ ‬بن‭ ‬باديس،‭ ‬ومحمد‭ ‬الفاضل‭ ‬ابن‭ ‬عاشور،‭ ‬والبشير‭ ‬الإبراهيمي‭ (‬889-31965‭) ‬الذي‭ ‬تلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬علماء‭ ‬الدين،‭ ‬وجاور‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬ثم‭ ‬تطلع‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العودة‭ ‬بالدين‭ ‬إلى‭ ‬بساطته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬موجة‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني‭: (‬1839-1897م‭) ‬إلى‭ ‬المشرق،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ “‬اللغة‭ ‬العربية‭” ‬والقائل‭ ‬عنها‭: “‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القطر‭ ‬الجزائري‭ ‬ليست‭ ‬غريبة‭ ‬ولا‭ ‬دخيلة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬دارها‭ ‬وبين‭ ‬حماتها‭ ‬وأنصارها،‭ ‬وهي‭ ‬ممتدة‭ ‬الجذور‭ ‬مع‭ ‬الماضي،‭ ‬مشتدة‭ ‬الأواصر‭ ‬مع‭ ‬الحاضر،‭ ‬طويلة‭ ‬الأفنان‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬ممتدة‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭ ‬لأنها‭ ‬دخلت‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الفاتحين،‭ ‬ترحل‭ ‬برحيلهم‭ ‬وتقيم‭ ‬بإقامتهم‭..”(‬1‭).‬

شخصيات‭ ‬لامعة‭ ‬في‭ ‬غمار‭ ‬أحداث‭ ‬العرب‭ ‬الكبرى‭:‬

فهكذا‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬العربي،‭ ‬وكنتم‭ ‬ورأيتم‭ ‬فيه‭ ‬أقلاما‭ ‬ناضلت‭ ‬ببسالة‭ ‬عن‭ ‬الكيانات‭ ‬العربية،‭ ‬ودافعت‭ ‬عن‭ “‬لغة‭ ‬العرب‭” ‬وعن‭ ‬أصالتهم،‭ ‬وتحدثت‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬وعن‭ ‬معاناة‭ ‬العرب‭ ‬وعذاباتهم،‭ ‬وألحت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬صيانة‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم،‭ ‬وشهرت‭ ‬بمن‭ ‬ابتعد‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬عن‭ ‬الجماهير‭ ‬الشعبية،‭ ‬بوصفهم‭ ‬حراسا‭ ‬للكلمة‭ ‬الصادقة‭ ‬وللفضائل‭.‬

فكل‭ ‬هذا‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬العرب‭ ‬المضطرب،‭ ‬وفي‭ ‬أصداء‭ ‬نضالاتهم‭.. ‬وقد‭ ‬رأيناه‭ ‬ماثلا‭ ‬وجليا‭ ‬أمامنا‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الكتابات‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬مجلات‭: ‬المنار‭)‬،‭ ‬و‭(‬التمدن‭ ‬الإسلامي‭)‬،‭ ‬و‭(‬الفتح‭) ‬في‭ ‬المشرق،‭ ‬وفي‭ (‬شمس‭ ‬الإسلام‭)‬،‭ ‬و‭(‬السعادة‭ ‬العظمى‭)‬،‭ ‬و‭(‬المجلة‭ ‬الزيتونية‭) ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ثم‭ ‬وفي‭ ‬مجلة‭ (‬المعرفة‭)‬،‭ ‬وصحيفة‭ (‬البصائر‭) ‬الصادرتين‭ ‬بالجزائر،‭ ‬وفي‭ (‬مجلة‭ ‬الوحدة‭) ‬في‭ ‬الرباط‭(‬2‭).‬

أقلام‭ ‬جعلت‭ ‬الصدق‭ ‬شعارها‭:‬

واعتبارا‭ ‬لكل‭ ‬هذا،‭ ‬استوجب‭ ‬أ،‭ ‬نقول‭ ‬بالصوت‭ ‬العالي‭: ‬إن‭ “‬الأقلام‭” ‬لم‭ ‬تتأخر‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الأوطان،‭ ‬بل‭ ‬وغذت‭ ‬روح‭ ‬الإنتماء‭ ‬الوطني،‭ ‬وعززت‭ ‬الكفاح‭ ‬الشعبي‭.. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأقلام،‭ ‬أقلام‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬وصالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف،‭ ‬وابن‭ ‬باديس،‭ ‬وعلال‭ ‬الفاسي،‭ ‬وعلي‭ ‬البلهوان،‭ ‬ومحي‭ ‬الدين‭ ‬القليبي،‭ ‬وعبد‭ ‬الكريم‭ ‬غلاب،‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬قنون،‭ ‬وفرحات‭ ‬حشاد،‭ ‬والمنصف‭ ‬المستيري‭.. ‬والقائمة‭ ‬طويلة‭..‬

إذن‭ ‬كان‭ ‬للأفلام‭ ‬دور،‭ ‬والأقلام‭ ‬أحيت‭ ‬فينا‭ ‬التفكير‭ ‬الصائب،‭ ‬وحررتنا‭ ‬من‭ ‬الجمود،‭ ‬وعرفتنا‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬متشابه‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬والخلق‭ ‬والمزاج،‭ ‬وبفضلها‭ ‬تأثرت‭ ‬الأجيال،‭ ‬فكان‭ ‬إيقاظ‭ ‬الهمم‭ ‬وتحريك‭ ‬السواكن‭.. ‬وشخصا‭ ‬تذكرني‭ ‬الأقلام‭ ‬العربية‭ ‬باستمرار،‭ ‬بكوكبة‭ ‬من‭ ‬المجاهدين‭ ‬الصادقين‭ ‬منهم‭: ‬الخضر‭ ‬حسين،‭ ‬ومحمد‭ ‬الفاضل‭ ‬ابن‭ ‬عاشور،‭ ‬والطاهر‭ ‬الحداد،‭ ‬وعبد‭ ‬الحميد‭ ‬بن‭ ‬باديس‭(‬3‭) ‬ومحب‭ ‬الدين‭ ‬الخطيب‭ ‬الذي‭ ‬مارس‭ ‬الكتابة‭ ‬وتعلق‭ ‬بحب‭ ‬الأوطان‭ ‬العربية‭ ‬وعاش‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬الأوطان،‭ ‬وإلى‭ ‬دراسة‭ ‬ميراث‭ ‬العرب‭ ‬والرد‭ ‬على‭ ‬خصومهم‭.. ‬ووجدناه‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬حاسمة‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬العرب‭ ‬يحث‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬بالعلم‭ ‬والتربية‭.. ‬وصفحاته‭ ‬ظلت‭ ‬مدوية‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ “‬الفتح‭” ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬وضمت‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬صفحة‭ ‬لتصحيح‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬ولمعارك‭ ‬العرب‭ ‬الكبرى‭.‬

وأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬لست‭ ‬أعرف‭ ‬مفكرا‭ ‬أوضح‭ ‬رأيا‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬الإسلام‭ ‬بالعروبة‭ ‬منه،‭ ‬ولا‭ ‬حرصا‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الشباب‭ ‬ليقبل‭ ‬على‭ ‬الدراسة‭ ‬والتعلم‭.. ‬ويؤكد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬بقوله‭ ‬في‭ ‬افتتاحية‭ ‬مجلة‭ “‬الزهراء‭” ‬عام‭ ‬1924‭ ‬بقوله‭:‬

‭”‬تأصل‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬منذ‭ ‬أعوام‭ ‬كثيرة‭ ‬أن‭ ‬الناطقين‭ ‬بالضاد،‭ ‬لا‭ ‬تثبت‭ ‬لهم‭ ‬نهضة،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬دعامتين‭:‬

‭* ‬الأولى‭: ‬في‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بتقاليدنا‭ ‬التاريخية‭ ‬وأوضاعنا‭ ‬الوطنية‭ ‬ولساننا‭ ‬العربي‭ ‬الأصيل‭.‬

‭* ‬والثانية‭: ‬في‭ ‬الاقتباس‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬القوة‭ ‬لدى‭ ‬الغرب‭(‬4‭).‬

فتلك‭ ‬هي‭ ‬قناعات‭ ‬الرجل‭ ‬ورؤاه‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬العصيب‭ ‬لذا‭.. ‬ونحن‭ ‬كتونسيين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬كتابات‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬محنهم،‭ ‬نجدها‭ ‬كتابات‭ ‬صادقة‭ ‬وعبرت‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬وأزمات‭ ‬وانشغالات‭.. ‬و‭(‬الأقلام‭ ‬التونسية‭) ‬بانت‭ ‬للجمعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزحام،‭ ‬أقلام‭ ‬شجاعة‭ ‬ألهبت‭ ‬العواطف،‭ ‬ووجهت‭ ‬النفوس‭ ‬لتقويض‭ ‬صروح‭ ‬الظلم‭.. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الكتابات‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬كتابات‭ ‬الزعيمين‭: ‬فرحات‭ ‬حشاد‭ (‬أب‭ ‬الشغالين‭)‬،‭ ‬وأحمد‭ ‬المستيري‭: (‬أب‭ ‬الديمقراطية‭) ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الحديثة‭.‬

أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬الحياة‭:‬

والحديث‭ ‬عن‭ ‬الزعيم‭ ‬الكبير‭ ‬أحمد‭ ‬المستيري،‭ ‬وعن‭ ‬سيرته‭ ‬ومساراته‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية،‭ ‬هو‭ ‬حديث‭ ‬شائق،‭ ‬ويذكرنا‭ ‬بصفوة‭ ‬من‭ ‬عظماء‭ ‬الأمة‭ ‬كـ‭: ‬شكيب‭ ‬أرسلان‭ ‬وحسين‭ ‬الشافعي،‭ ‬والحبيب‭ ‬بورقيبة،‭ ‬وصالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف،‭ ‬والمنجي‭ ‬سليم،‭ ‬وفرحات‭ ‬حشاد،‭ ‬والمهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭.. ‬وأضرابهم‭.. ‬وبالنخب‭ ‬الفكرية‭ ‬الصادقة‭ ‬ذات‭ ‬الأثر‭ ‬الخالد‭ ‬من‭ ‬نقابيين‭ ‬وسياسسين‭ ‬كـ‭: ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬صالح،‭ ‬والمنجي‭ ‬سليم،‭ ‬والحبيب‭ ‬طليبة،‭ ‬وحسين‭ ‬بن‭ ‬عمار،‭ ‬ومصطفى‭ ‬الفيلالي،‭ ‬ومحمد‭ ‬مزالي‭.‬

والرجل‭ ‬كما‭ ‬أثبتته‭ ‬الأيام،‭ ‬شق‭ ‬طريقه‭ ‬دون‭ ‬جلبة‭ ‬أو‭ ‬ضوضاء،‭ ‬وعاش‭ ‬يعمق‭ ‬هذه‭ ‬الطريق‭ ‬بالكد‭ ‬وبمقومات‭ ‬الكفر‭ ‬والإيمان،‭ ‬وبنظافة‭ ‬اليد،‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬دقيقا‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬العاصمة‭ ‬التونسية‭.‬

هو‭ ‬فخور‭ ‬جدا‭ ‬بعائلته‭ ‬وبإخوته‭ ‬وجده،‭ ‬وأبيه‭ ‬وعمه‭.. ‬وفخور‭ ‬أيضا‭ ‬بأصدقائه‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الصبا‭ ‬والدراسة‭ ‬والكفاح،‭ ‬وسجل‭ ‬لأساتذته‭ ‬كـ‭: ‬محمد‭ ‬الصالح‭ ‬الخماسي،‭ ‬والهادي‭ ‬عويج،‭ ‬وسعيد‭ ‬شويرف‭.. ‬والرجل‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬صباه‭ ‬في‭ ‬المرسى‭ ‬أين‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1925م‭ ‬وتعرف‭ ‬على‭ ‬أصدقاء‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المرسى‭ ‬ومن‭ ‬كامل‭ ‬البلاد‭ ‬لما‭ ‬اختلط‭ ‬بالشبان‭ ‬في‭ ‬معاهد‭ ‬التعلم،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقظا‭ ‬كل‭ ‬اليقظة،‭ ‬وأسعده‭ ‬الحظ‭ ‬أن‭ ‬يحضر‭ ‬بعض‭ ‬المناقشات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬جده‭ (‬حمودة‭) ‬كشاهد‭ ‬صامت‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يقال‭ ‬فيها‭.. ‬وأحمد‭ ‬المستيري‭ ‬أمتعنا‭ ‬كثيرا‭ ‬لما‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬أسرته‭ ‬قائلا‭: “‬إني‭ ‬سليل‭ ‬عائلتين‭ ‬من‭ ‬أعرق‭ ‬عائلات‭ ‬العاصمة‭ ‬وضواحيها،‭ ‬وقدم‭ ‬إليها‭ ‬أسلاف‭ ‬والدي‭ (‬الحاج‭ ‬فرج‭ ‬مرزوق‭) ‬مصحوبا‭ ‬بابنه‭ ‬الحاج‭ ‬أحمد‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬المنستير‭ ‬بالساحل‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭(‬هـ‭) ‬والثامن‭ ‬عشر‭(‬م‭) ‬واستقرا‭ ‬بنهج‭ ‬سيدي‭ ‬الرصاص‭ ‬قرب‭ ‬حي‭ ‬باب‭ ‬سويقة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬جدي‭ (‬حمودة‭) ‬بعد‭ ‬قرن‭ ‬إلى‭ (‬ضاحية‭ ‬المرسى‭)‬‭ ‬حيث‭ ‬ولدت‭.. ‬وأخذ‭ ‬أسلافي‭ ‬لقب‭ (‬المنستيري‭).‬

وهذا‭ ‬اللقب‭ ‬منتشر‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أنحاء‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬ويحمله‭ ‬المهاجرون‭ ‬من‭ (‬المنستير‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬غيرهم‭ ‬نم‭ ‬المهاجرين‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬أخرى‭.‬‭. ‬وتحول‭ ‬المنستيري‭ ‬إلى‭ “‬المستيري‭) ‬بحذف‭ ‬النون‭ ‬عملا‭ ‬بقاعدة‭ ‬اختزال‭ ‬الأحرف‭ ‬المعروفة‭ ‬عند‭ ‬اللغويين‭”(‬5‭).‬

وأحمد‭ ‬المستيري‭ ‬سليل‭ ‬العائلة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والذي‭ ‬التحق‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬بالمرسى‭ ‬عام‭ ‬1931م،‭ ‬ومنها‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ (‬خير‭ ‬الدين‭) ‬بنهج‭ (‬التريبونال‭) ‬بالعاصمة‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬العادل،‭ ‬بدأ‭ ‬ولوعه‭ ‬بالسياسة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬المراهقة‭ ‬وتأثر‭ ‬بجده‭ (‬حمودة‭ ‬ووالده‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬كانا‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬آزروا‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬يوم‭ ‬أسس‭ (‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭) ‬عام‭ ‬1920م‭ ‬وأول‭ ‬اجتماع‭ ‬عقدته‭ (‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭) ‬التأم‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬جده‭ (‬حمودة‭) ‬بالمرسى‭(‬6‭).‬

والحفيد‭ ‬حدثنا‭ ‬عن‭ ‬جده‭ (‬حمودة‭) ‬يقول‭: “‬كان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الوفد‭ ‬الذي‭ ‬عرض‭ ‬ميثاق‭ ‬الحزب‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬الناصر‭ ‬باي،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬ضمن‭ ‬الوفد‭ ‬الذي‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬لعرض‭ (‬القضية‭ ‬التونسية‭) ‬على‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬الفرنسي‭ ‬المهتمين‭ ‬بشؤون‭ ‬المستعمرات‭ ‬ووزارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬مع‭ ‬تقدمه‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬سلم‭ ‬المشعل‭ ‬إلى‭ ‬ابنه‭ (‬المنصف‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ (‬اللجنة‭ ‬التنفيدية‭) ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بقي‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬يتابع‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬قضايا‭ ‬الساعة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬أبنائه‭ ‬وأصدقائه‭..”(‬7‭).‬

وأحمد‭ ‬المستيري،‭ ‬الذي‭ ‬أنهى‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬خلال‭ ‬صائفة‭ ‬1948‭ ‬بإحرازه‭ ‬على‭ ‬الإجازة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬باريس،‭ ‬دخل‭ ‬معترك‭ ‬الحياة‭ ‬المهنية‭ ‬والعامة‭ ‬في‭ ‬سلك‭ ‬المحاماة‭ ‬في‭ ‬سوسة‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬ويعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬هي‭ ‬فترة‭ ‬مناسبة‭ ‬له‭ ‬ومكنته‭ ‬من‭ ‬الإطلاع‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬دوالي‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحماية‭.. ‬ويقول‭ ‬عنها‭: “‬اكتشفت‭ ‬فيها‭ ‬مدى‭ ‬نفوذ‭ ‬الفرنسيين‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتونسيين‭ ‬وحدهم‭ ‬كالمحاكم‭ ‬التونسية،‭ ‬وإدارة‭ ‬الأوقاف،‭ ‬والإدارة‭ ‬الجهوية‭”.‬

و‭(‬المستيري‭) ‬الشاب‭ ‬المثقف،‭ ‬له‭ ‬إسهامات‭ ‬جدية‭ ‬ووافرة‭ ‬في‭ ‬منظمات‭ ‬المرسى‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬شبابه‭ ‬كـ‭: (‬الكشافة‭)‬،‭ ‬و‭(‬الهلال‭ ‬الأحمر‭)‬،‭ ‬و‭(‬الشبان‭ ‬المسلمين‭)‬،‭ ‬و‭(‬الشبيبة‭ ‬الدستورية‭)‬،‭ ‬و‭(‬شعبة‭ ‬المرسى‭)‬،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الطيب‭ ‬المهيري،‭ ‬ومحمد‭ ‬الصالح‭ ‬الشاهد،‭ ‬وحسين‭ ‬النيفر،‭ ‬وصالح‭ ‬المهدي،‭ ‬وصالح‭ ‬المهيري،‭ ‬والحبيب‭ ‬البوزيري،‭ ‬ومحمد‭ ‬السنوسي‭.‬

و‭(‬المستيري‭) ‬المناضل‭ ‬عاش‭ ‬أحداث‭ ‬9‭ ‬أفريل‭ ‬1938م‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬الوفي‭ ‬حسيب‭ ‬بن‭ ‬عمار‭.. ‬وقص‭ ‬علي‭ ‬حكايات‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬9‭ ‬أفريق‭ ‬وعن‭ ‬بطليها‭: ‬علي‭ ‬البلهوان‭ ‬والمنجي‭ ‬سليم،‭ ‬وقال‭: “‬كنا‭ ‬كشبان‭ ‬ووطنيين‭ ‬نتهيأ‭ ‬للقيام‭ ‬بالمظاهرة‭ ‬استعدادا‭  ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬التحريري‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭.. ‬وهنا‭ ‬سعدت‭ ‬بزيارة‭ ‬المناضل‭ ‬محمد‭ ‬الماطري،‭ ‬وروجته،‭ ‬وبإلحاح‭ ‬شديد‭ ‬أن‭ ‬يتواجد‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬صفوف‭ ‬المتظاهرين‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ابتعاده‭ ‬عن‭ (‬حركة‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭) ‬يومئذ‭.. ‬ويومها‭ ‬استجاب‭ ‬محمود‭ ‬الماطري‭ ‬لطلبي،‭ ‬فكان‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬المطالبين‭ ‬ببرلمان‭ ‬تونسي‭.. ‬وما‭ ‬أن‭ ‬علم‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة‭ ‬بحضوره‭.. ‬حتى‭ ‬تساءل‭ ‬قائلا‭: “‬لماذا‭ ‬أحضرتم‭ ‬الماطري؟‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬لنا‭ ‬إنه‭ ‬ابتعد‭ ‬عنا‭ ‬وعن‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد؟‭..”.‬

أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬كما‭ ‬عرفته‭:‬

تعود‭ ‬بدايات‭ ‬معرفتي‭ ‬بأحمد‭ ‬المستيري‭ ‬إلى‭ ‬صائفة‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬يوم‭ ‬أقام‭ ‬لنا‭ ‬عشاء،‭ ‬كأعضاء‭ ‬للجنة‭ ‬التنسيق‭ ‬ببنزرت،‭ ‬بوصفه‭ ‬رئيسا‭ ‬للقائمة‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬الجهة‭.. ‬وفي‭ ‬العشاء‭ ‬تحدث‭ ‬إلينا‭ ‬عن‭ ‬النكسة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بمصر،‭ ‬وعن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬الممتد‭.‬

وكان‭ ‬أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬جادا‭ ‬في‭ ‬حديثه،‭ ‬وكشف‭ ‬لنا‭ ‬عما‭ ‬حل‭ ‬بالخيال‭ ‬والعاطفة،‭ ‬ويستخلص‭ ‬من‭ ‬حديثه‭ ‬أن‭ ‬قضايا‭ ‬الأوطان‭ ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬إلا‭ ‬بالديمقراطية،‭ ‬وبحرية‭ ‬الشعوب،‭ ‬وبإحياء‭ ‬إمتدادات‭ ‬تاريخها‭ ‬وكتابته‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬ويتم‭ ‬لي‭ ‬أيضا‭ ‬لقاء‭ ‬آخر‭ ‬معه‭ (‬بالمصيدة‭) ‬في‭ ‬بنزرت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الصائفة،‭ ‬ويومها‭ ‬كنت‭ ‬مساعدا‭ ‬لرئيس‭ ‬بلدية‭ ‬بنزرت،‭ ‬ورئيسا‭ ‬للجنة‭ ‬الثقافية‭ ‬الجهوية‭ ‬بها‭.. ‬واللقاء‭ ‬تم‭ ‬بمناسبة‭ ‬توزيع‭ ‬الجوائز‭ ‬على‭ ‬المتفوقين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬العسكريين‭ ‬في‭ (‬البحرية‭).. ‬ومما‭ ‬استرعى‭ ‬انتباهي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحفل‭ ‬البهيج،‭ ‬أن‭ ‬الحضور‭ ‬كان‭ ‬مكثفا‭.. ‬والحدث‭ ‬أعطاني‭ ‬صورة‭ ‬جادة‭ ‬عن‭ (‬قضايا‭ ‬الرجل‭) ‬وعن‭ ‬اهتماماته‭ ‬الذهنية‭ ‬والعلمية‭ ‬والسياسية‭.. ‬وبان‭ ‬لي‭ ‬الوزير‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬كلمته‭ ‬وتوجيهاته‭ ‬للمتفوقين،‭ ‬أنه‭ ‬مثقف،‭ ‬وواسع‭ ‬الأفق،‭ ‬ومحب‭ ‬لوطنيه،‭ ‬ومؤمن‭ ‬بأمته‭ ‬العربية‭ ‬وبفكرها‭ ‬وقيمها،‭ ‬وشديد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬أبنائه‭ ‬المتفوقين‭ ‬بزاد‭ ‬معرفي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الإرشاد‭..‬

‭.. ‬وتلك‭ ‬المناسبة‭ ‬أتاحت‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أهديه‭ ‬كتابا‭ ‬لي‭ ‬في‭ (‬أدب‭ ‬الرحلة‭) ‬وهو‭ (‬يوغسلافيا‭ ‬كما‭ ‬شاهتها‭).. ‬وأثنى‭ ‬علي‭ ‬قائلا‭: “‬الكتابة‭ ‬كما‭ ‬تعلم،‭ ‬هي‭ ‬رسالة‭ ‬سامية‭.. ‬والكاتب‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬بحرية،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يثابر‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬الغايات‭ ‬المنشودة‭.. ‬وشخصيا‭ ‬إني‭ ‬متابع‭ ‬لما‭ ‬يكتبه‭ ‬أدباؤنا‭ ‬أمثال‭:‬‭ ‬عزالدين‭ ‬المدني،‭ ‬والحبيب‭ ‬الجنحاني،‭ ‬وحسن‭ ‬نصر‭.. ‬ومتابع‭ ‬لما‭ ‬تنشره‭ ‬أنت‭ ‬في‭ (‬الصباح‭)‬،‭ ‬وفي‭ (‬مجلة‭ ‬الشباب‭) ‬تحديدا‭”.‬

وتمضي‭ ‬الأيام،‭ ‬وتتعدد‭ ‬متابعاعتي‭ ‬لنشاطاته‭ ‬السياسية،‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬موقف‭ ‬مؤيد‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬إثر‭ (‬مؤتمر‭ ‬المستيري‭) ‬1971‭ ‬نقل‭ ‬له‭ ‬الخبر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المناضل‭ ‬حسب‭ ‬بن‭ ‬عمار،‭ ‬والأخ‭ ‬محمد‭ ‬الصالح‭ ‬بالحاج‭.‬

وتبعا‭ ‬لما‭ ‬حصل‭ ‬تعززت‭ ‬ثقة‭ ‬المستيري‭ ‬بي،‭ ‬واقتبلني‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬مرارا‭ ‬بمكتبه‭ ‬بنهج‭ ‬الجزائر‭ ‬بتونس،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بحضور‭ ‬الأخ‭ ‬محمد‭ ‬الصالح‭ ‬بالحاج‭ ‬المناضل‭ ‬المعروف‭.. ‬وهنا‭.. ‬تعددت‭ ‬أحاديثي‭ ‬وحواراتي‭ ‬مع‭ ‬الرجل،‭ ‬وأحيانا‭ ‬ينضم‭ ‬إلينا‭ ‬المؤرخ‭ ‬المعروف‭ ‬الراحل‭ ‬المنصف‭ ‬الدلاجي،‭ (‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬قسم‭ ‬أرشيف‭ ‬الدولة‭).‬

•‭ ‬وسألته‭ ‬يوما‭: ‬كيف‭ ‬استلمتم‭ ‬مقاليد‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الاستقلال؟‭.. ‬وهل‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صعوبات؟‭.. ‬

•‭ ‬وأجاب‭: ‬بالطبع،‭ ‬ولكن‭ ‬بفضل‭ ‬حماسنا‭ ‬أقدمنا‭ ‬على‭ ‬تجسيم‭ ‬الاستقلال‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

•‭ ‬وعن‭ ‬دور‭ ‬حشاد‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬التحريري؟‭..‬

•‭ ‬أجابني‭: ‬حشاد‭ ‬كان‭ ‬زعيما‭ ‬وعظيما‭ ‬بحق،‭ ‬وله‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬الشعبي،‭ ‬واجتمعت‭ ‬فيه‭ ‬خصال‭ ‬عديدة‭: ‬العبقرية‭ ‬والوطنية‭ ‬الصادقة،‭ ‬واللطف،‭ ‬ودماثة‭ ‬الأخلاق‭.‬

•‭ ‬ولماذا‭ ‬منعتكم‭ ‬السلط‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬الإدلاء‭ ‬ببيان‭ ‬للشعب‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬مارس‭ ‬1956‭ ‬بواسطة‭ ‬الإذاعة؟

•‭ ‬أجابني‭: ‬توجهت‭ ‬مع‭ ‬الصادق‭ ‬المقدم‭ ‬ويومها‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬بالنيابة‭ ‬إلى‭ (‬مبنى‭ ‬الإذاعة‭) ‬للإدلاء‭ ‬ببيان‭ ‬إلى‭ ‬الشعب،‭ ‬فمنعونا‭ ‬من‭ ‬الدخول،‭ ‬وبقينا‭ ‬مدة‭ ‬ننتظر‭ ‬الترخيص‭ ‬من‭ “‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬الفرنسية‭” ‬دون‭ ‬جدوى‭.‬

وعن‭ ‬أزمة‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬بورقيبة‭ ‬وصالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭.. ‬قال‭: “‬إن‭ ‬المفاوضات‭ ‬كانتصعبة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بالمفاوض‭ ‬الأصلي‭ ‬المرحوم‭ ‬المنجي‭ ‬سليم‭.. ‬والضغوطات‭ ‬هي‭ ‬متعددة‭ ‬ومتناقضة‭.. ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ (‬الباي‭) ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الطاهر‭ ‬بن‭ ‬عمار،‭ ‬بل‭ ‬وأساسا‭ ‬عن‭ ‬رئيس‭ ‬الحزب‭ ‬وكاتبه‭ ‬العام‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭” ‬وذكر‭ ‬لي‭ ‬أنه‭ ‬حضر‭ ‬في‭ (‬جنيف‭) ‬مقابلات‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬مع‭ ‬المنجي‭ ‬سليم،‭ ‬والطاهر‭ ‬بن‭ ‬عمار،‭ ‬والعزيز‭ ‬الجلولي،‭ ‬وصالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬يستدل‭ ‬بآراء‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬المقترحات‭ ‬لتعديل‭ ‬فصول‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭..‬

تونس‭.. ‬وأزمة‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬بورقيبة‭ ‬وبن‭ ‬يوسف‭:‬

والخلاف‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬أحدث‭ ‬رجة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وكاد‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية،‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬تستدعي‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬وتجسيد‭ ‬حريته‭.. ‬ومنشأ‭ ‬الخاف‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬زعامة‭ ‬الحزب،‭ ‬واشتد‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1955م‭ ‬ورفض‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬الدعوة‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه‭ ‬لحضور‭ (‬مؤتمر‭ ‬صفاقس‭) ‬في‭ ‬15‭ ‬نوفمبر‭.. ‬فقد‭ ‬طالب‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬بتأجيله‭ ‬ليتمكن‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬أنصاره‭ ‬وتشريكهم‭ ‬فيه‭.. ‬وبقول‭ ‬أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭: “‬كان‭ ‬الاختيار‭ ‬صعبا‭ ‬بين‭ ‬الجرلين‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الغموض‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الأوضاع‭ ‬والريبة‭ ‬في‭ ‬مآل‭ ‬الأمور‭.. ‬وتحدثت‭ ‬مع‭ ‬بورقيبة‭ ‬وبن‭ ‬يوسف،‭ ‬ومع‭ ‬أنصار‭ ‬كل‭ ‬منهما،‭ ‬ومع‭ ‬الباهي‭ ‬الأدغم‭ ‬وعلي‭ ‬البلهوان‭ ‬والمنجي‭ ‬سليم‭ ‬وتبين‭ ‬لنا‭ ‬يوما‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الطيب‭ ‬المهيري‭ ‬في‭ ‬المسألة‭: ‬من‭ ‬هو‭ ‬رقم‭ (‬1‭) ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬رقم‭ (‬2‭)‬؟‭ ‬وصالح‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬رقم‭ (‬2‭) ‬في‭ ‬المعادلة‭.‬

ويذكر‭ ‬أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬التاريخية‭ ‬جعلت‭ ‬فرنسا‭ ‬تسرع‭ ‬بالإعتراف‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬لتونس،‭ ‬بعد‭ ‬تأثير‭ ‬ثورة‭ ‬الجزائر‭ ‬عام‭ ‬1954م‭ ‬وثبات‭ ‬ومثابرة‭ ‬المقاومة‭ ‬المغربية‭.. ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثير،‭ ‬على‭ ‬الاسة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬ليكونوا‭ ‬مدفوعين‭ ‬للتنازل‭ ‬لبورقيبة‭ ‬وللإمضاء‭ ‬على‭ (‬بروتوكول‭ ‬20‭ ‬مارس‭ ‬1956م‭)(‬8‭).‬

والزعيم‭ ‬أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬الواثق‭ ‬بقدراته‭ ‬وآرائه‭ ‬وبما‭ ‬أنجزه‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التنمية‭ ‬والإصلاح،‭ ‬تولى‭ ‬مهمات‭ ‬سياسية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬منها‭: ‬وزارة‭ ‬المالية،‭ ‬ووزارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬ووزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني،‭ ‬ووزارة‭ ‬العدل،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬سفيرا‭ ‬لتونس‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬وصديقة‭: ‬كالقاهرة،‭ ‬والجزائر،‭ ‬وموسكو‭.‬

وفي‭ ‬أيم‭ ‬اضطلاعه‭ ‬بوزارة‭ ‬العدل‭ ‬وتقلدها‭ ‬في‭ ‬أفريق‭ ‬1956‭ ‬إلى‭ ‬موفي‭ ‬1958م‭ ‬أنجز‭ ‬عدة‭ ‬محاكم‭ ‬إبتدائية‭ ‬واستئناف‭ ‬لتقريب‭ ‬المحاكم‭ ‬من‭ ‬المتقاضين،‭ ‬كما‭ ‬م‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬توحيد‭ ‬القضاء،‭ ‬وتنظيم‭ ‬مهنة‭ ‬المعاماة،‭ ‬والعدول‭ ‬المنفذين،‭ ‬وإصدار‭ ‬قانون‭ ‬الجنسية،‭ ‬وحل‭ ‬الأوقاف،‭ ‬وإصدار‭ ‬عديد‭ ‬المجلات‭ ‬مثل‭: ‬‭(‬مجلة‭ ‬العقود‭ ‬والإلتزامات‭)‬،‭ ‬و‭(‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭)(‬9‭).‬

فهذا‭.. ‬هو‭ ‬أحمد‭ ‬المستيري،‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬مراحل‭ ‬الكفاح‭ ‬الوطني‭ ‬وتعرض‭ ‬للمضايقات‭.. ‬هو‭ ‬مناضل‭ ‬بامتياز،‭ ‬وزعيم‭ ‬بحق،‭ ‬وصاحب‭ ‬رؤية‭ ‬ورسالة،‭ ‬ونموذج،‭ ‬وصورة‭ ‬متجددة‭ ‬للسياسيين‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬أعطوا‭ ‬وبذلوا،‭ ‬وأوصوا‭ ‬الأجيال،‭ ‬لكي‭ ‬تحترم‭ ‬الكلمة‭ ‬الحرة،‭ ‬وبتعزيز‭ ‬الحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭: (‬الصوت‭ ‬المؤيد‭ ‬والصوت‭ ‬المخالف‭ ‬لك‭).. ‬هو‭ ‬خبرة‭ ‬وحيوية،‭ ‬وذكاء،‭ ‬ونظافة‭ ‬يد‭.. ‬عرفته‭ ‬ضمن‭ ‬الوجوه‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري،‭ ‬وحاورته‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الشؤون‭ ‬وتلازمنا‭ ‬لما‭ ‬التقينا‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬مقر‭ (‬صحيفة‭ ‬الرأي‭) ‬مع‭ ‬الإخوة‭: ‬حسيب‭ ‬بن‭ ‬عمار،‭ ‬ومحمد‭ ‬مواعدة،‭ ‬وأحمد‭ ‬الكرفاعي،‭ ‬وإسماعيل‭ ‬بولحية،‭ ‬ومحمد‭ ‬الصالح‭ ‬بلحاج‭.. ‬وكان‭ ‬المستيري‭ ‬مدركا‭ ‬للمواقف‭ ‬المطلوبة‭ ‬كما‭ ‬أسسنا‭ (‬الرأي‭)‬،‭ ‬ومدركا‭ ‬لمقتضيات‭ ‬الإصلاح،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬المبادئ‭ ‬هي‭ ‬أغلى‭ ‬وأسمى‭ ‬القيم،‭ ‬وتجسمت‭ ‬لنا‭ ‬أقواله‭ ‬فيما‭ ‬أوصانا‭ ‬به‭ ‬حشاد‭ ‬وأحمد‭ ‬التليلي،‭ ‬ورفقاء‭ ‬لهما‭ ‬من‭ ‬النقابيين‭ ‬الشجعان‭ ‬أمثال‭: ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬صالح،‭ ‬والحبيب‭ ‬طليبة‭ ‬وأبو‭ ‬بكر‭ ‬عزيز‭.‬

وأحمد‭ ‬المستيري‭ ‬هو‭ ‬مناضل‭ ‬نشيط،‭ ‬وودود‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬عرفهم‭ ‬وعمل‭ ‬معهم‭.. ‬وخياراته‭ ‬باستمرار،‭ ‬هي‭ ‬خيارات‭ (‬اللعبة‭ ‬الديمقراطية‭) ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬لونا‭ ‬من‭ ‬التعددية‭ (‬الديكور‭) ‬الصالحة‭ ‬للاستغلال،‭ ‬لذلك‭ ‬استبشر‭ ‬بالثورة‭ ‬وقال‭ ‬عنها‭: “‬إنها‭ ‬المعجزة‭ ‬التونسية‭”‬،‭ ‬واستمعنا‭ ‬إليه‭ ‬يتحدث‭ ‬وأدلى‭ ‬بآرائه‭ ‬في‭ ‬الثورة،‭ ‬وفي‭ ‬متطلبات‭ ‬الثورة،‭ ‬وراسلته‭ ‬حول‭ ‬ذلك‭.‬

الهوامش‭:‬

1‭) ‬انظر‭ ‬صحيفة‭ (‬البصائر‭) ‬الجزائرية‭ ‬العدد‭ ‬415‭ ‬عام‭ ‬1948م‭ ‬وكتاب‭: (‬رواد‭ ‬الإصلاح‭: ‬رشيد‭ ‬الذوادي‭ ‬ط4‭ ‬2017‭ ‬صفحات‭: ‬154‭-‬166‭.‬

2‭) ‬انظر‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬باديس‭ ‬في‭ (‬رواد‭ ‬الإصلاح‭): ‬رشيد‭ ‬الذوادي‭ ‬ط4‭ ‬صفحات‭ ‬127‭-‬153‭.‬

3‭) ‬انظر‭ ‬كتاب‭ (‬مفكرون‭ ‬وأدباء‭): ‬أنور‭ ‬الجندي‭ ‬ط‭ ‬بيروت‭ ‬ص198‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

4‭) ‬المصدر‭ ‬نفسه‭ ‬ص‭ ‬199‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

5‭) ‬كتاب‭ (‬شهادة‭ ‬للتاريخ‭): ‬أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬ط‭ ‬تونس‭ ‬2011م‭ ‬ص13‭.‬

6‭) ‬المصدر‭ ‬نفسه‭ ‬ص16‭.‬

7‭) ‬المصدر‭ ‬نفسه‭ ‬ص18‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

8‭) ‬شهادة‭ ‬للتاريخ‭ ‬ص90‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

9‭) ‬انظر‭ (‬شهادة‭ ‬للتاريخ‭: ‬أحمد‭ ‬المستيري‭ ‬ص102‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.