28 ديسمبر 2024

د. محمد الحوراني: الجيوشُ الإنسانية وزمنُ النُّخَب الثقافية

د. محمد الحوراني
* رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية

 

في خضمّ المأساة الطبيعية الكارثية التي يعيشُها الشعبُ العربيّ السوريّ، ينتابُكَ شعورٌ بالفخر والاعتزاز، حتى وأنت تصارعُ الوجعَ، وتُواجهُ الموتَ عارياً إلّا من إرادتك ومن شهامة أهلك وأشقّاء روحك في أيّ مكان كانوا فيه من بقاع المعمورة.
لستُ أدري إن كانت مُصادفةً أن تصلني نسخةٌ من كتاب الصديق والمُفكّر العراقيّ عبد الحسين شعبان “الزمن والنُّخَب في أنطولوجيا الثقافة العربية”، وهو كتابٌ يجمعُ بين دفّتَيهِ أصالةَ الكاتب والمؤلف والباحث، ومصداقيةَ الكُتّاب والباحثين والمثقفين العرب الذين تحدّثَ عنهم في تأريخه الثقافيّ والمعرفيّ والفكريّ هذا، بل إنّ صدقَ الانتماء، والانحياز إلى القضايا العادلة، والدفاع عن المبادئ عَبْرَ مسيرة حياتهم، كانت السمات الأبرز لغالبيّة الشخصيات العروبيّة والوطنية التي تحدّث عنها البروفيسور شعبان في هذا الكتاب، ولعلّ هذا ما جعلني أربطُ بينَ أصالةِ الموقف العروبيّ في الغالبيّة العُظمى من دُوَل وطننا العربي، وبين الهبّة الشعبية العارمة في غالبيّة الدُّوَل العربية لمُؤازرة إخوانهم المنكوبين في سورية ممّن أصابتهم كارثةُ الزلزال المُدمِّر.
وإذا كان الموقفُ الداخليّ السوريّ، في مختلف الجغرافيا السورية، قد شهدَ حالةً غيرَ مسبوقة من التلاحم والتعاون والمُؤازرة والرغبة في تخفيف المعاناة عن الآلاف من ضحايا الزلزال الذين بقوا على قيد الحياة مُشرّدين أو مُصابين، فإنّ حالةَ التضامُن من الدُّوَل العربية وكثير من الدول الصديقة، جعلتنا نزدادُ يقيناً بأنّ الخيرَ لا يزالُ موجوداً في هذه الأمة، وفي الخيّرين في أنحاء المعمورة كافة، ذلك أنّ انتماءَ أولئك وإنسانيّةَ هؤلاء جَعَلاهُم يضربون عرضَ الحائط بالحصار الظالم المفروض على الشعب السوري، ويقفونَ وقفةَ رَجُلٍ واحد، مُحاولينَ التخفيف من آثار الكارثة الطبيعية التي أصابته، وقد زادَ من مأساويّتها الحصارُ والعقوباتُ المفروضة على الشعب السوريّ.
وإذا كانت النُّخَبُ الصادقة والمُنتمية هي الأقدر على الفعل المُؤثّر وعلى النهوض بواقع أمّتها، وهو ما يتحدّثُ عنه الباحثُ شعبان في كتابه، فإنّ أبناءَ الشعب السوريّ لا يزالونَ يُعلّقُونَ آمالاً كبيرة على دور النُّخَب الثقافية والسياسية والمُجتمعية الوطنية الصادقة، في توحيد كلمتها، ورفع سقف مُطالباتها للمُنظّمات الحقوقية العربية والدولية، بضرورة رفع الحصار المفروض على سورية، لتمكين أبناء الشعب السوريّ من إعادة بناء ما أفسدته الحربُ الإرهابية، وما دمّرتْهُ الكارثةُ الزلزالية الطبيعية، ولا سيّما أنّ حجمَ الألم والمعاناة أصبحَ فائضاً على الشعب السوري الذي احتملَ ما لم يحتملْهُ شعبٌ من شعوب العالم.
لقد أثبتَ الأشقّاءُ العرب والأصدقاءُ في أرجاء المعمورة امتلاكَهم جيشاً إنسانياً بهرَ العالمَ بسرعة تجاوبه مع الوجع السوريّ، ولهفته في السعي لتخفيف الألم عن هذا الشعب، عَبْرَ طائراتهم وقوافل مُساعداتهم وفِرَق إنقاذهم التي ملأت المُحافظات السورية المنكوبة، وكان لها الدور الأبهى في التخفيف من معاناة المُشرّدين والمنكوبين.
ولأننا كُنّا الأكثرَ إيماناً بدور المثقف وقدرته على الفعل، فإننا نأملُ أن تتكاتفَ جهودُ الجميع لإسقاط الحصار المفروض على الشعب السوري وتمكينه من إعادة بناء ما دمّرَهُ الإرهابُ والزلزال، وهو ما لا يمكن أن يتحقّقَ إلّا بدعم الخُلّص من أبناء الأمة والعالم، وعلى رأسهم النُّخَب الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية ممّن تحدّث عنهم الباحثُ في كتابه، الذين تمتعوا بحضورهم الفاعل في مسيرة أمتهم، ورغبتهم الصادقة واستبسالهم في سبيل رفع الظلم عن المظلومين من أبناء الأمة، انطلاقاً من قاعدة الأُخُوّة والتسامُح والمحبّة القائمة على الأُسُس الإنسانية والمبادئ الأخلاقيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.