د. عبد القادر بشته: الكورونا زمن العولمة
1 min readد. عبد القادر بشته
لا شك أن لوباء الكورونا سلبيات اخطرها المرض العضال و الموت … لكن ماذا لو نظرنا الى المسألة من زاوية مضار العولمة . وقد اتبع المفكر الكبير ادغار مورن هذا التمشي في حواراته الأخيرة المتعلقة بهذا الوباء.
1المستوى السياسي
انبثقت خلال العولمة التي بدأت تحديدا في تسعينات القرن الماضي سياسات مستقرة تقوي الأقوياء يعني البلدان المصنعة الكبرى وتضعف الضعفاء بل وتقهرهم. وقد حدت أزمة الكورونا على ما يبدو من هذه الأوضاع. فقد تحدث الرئيس الفرنسي في خطابه المشهور خلال الأزمة لا فقط عن المصانع كعادته بل وأيضا عن الأجراء والعاطلين على العمل . كما أشار الى إمكانية تأسيس نمط جديد للنمو والتطور . وهي لعمري بداية جيدة لتغيير الأحوال . وفي أمريكا يمكن لترامب أن لا ينتخب ثانية نظرا لأدائه اثناء الكورونا وبعدها وتفضيله للاقتصاد عن حياة الناس وان حصل هذا فعلا فستتغير السياسة الأمريكية بصفة جدية. وأكبر مستفيد سيكون شعبنا الفلسطيني الأبي. أما تونس فعرفت نجاحا كبيرا في محاربة الوباء وهدوءا سياسيا نسبيا تبعا لذلك . لكن الأمور بدأت في الانفجار في غياب الداء لأسباب غير وبائية أجلتها الكورونا ولعلنا في كل هذا تلامس الاقتصاد غير المنفصل عن السياسة في هذا المجال وغيره.
2 المستوى الاقتصادي
فقد تميزت العولمة على هذا الصعيد خصوصا بإرادة الربح وبضرورة المردودية ضاربة عرض الحائط كل ما هو محلي إذ هي تخدم أساسا رؤوس الاموال الكبرى العالمية معتمدة على ما يسمى بالتحررية الجديدة (Néolibéralisme) القائمة على حرية الفرد القوي و الثري.
ومن المفروض أن تشجع الكورونا على ازدهار المحليات وعلى تراجع الكونيات عبر ارساء التجارة المحلية والحرف المحلية التي بدورها تساعد على ايجاد مواطن شغل.
وعلى كل حال يمكن القول بشيء من الحذر إن لهذا الوباء ايجابيات على مستوى الإقتصاد التونسي وذلك لسببين على الأقل.
أ) إن بلادنا المدانة جدا لدى البنوك الدولية شديدة الارتباط بالعولمة ستحظى ببرمجة جديدة مريحة.
ب) إن تعليق الحج في مصلحة الاقتصاد التونسي وهو ناتج طبعا عن الخوف من تفشي الكورونا. أعتبر انني مسلم إلى حد النخاع وانني أكن محبة خاصة للشقيقة العربية السعودية. ونحن نعلم أن هناك من الحجيج من هم تحت الصفر ماديا يحجون على حساب قوت اسرهم. زد على ذلك يوجد من يحج قصد الفسحة والتجارة لا استجابة إلى نداء الواجب الديني. وهكذا سيتسنى لبلادنا الاحتفاظ بأموال كبيرة.
3 الناحية البيئية
وقد ادت العولمة إلى تلوث كبير للبيئة عن طريق انتشار الغاز الفحمي (Gaz carbonique) وكذلك بسبب الإشعاعات النووية مما أدى إلى أمراض كثيرة مثل السرطان عفانا وعفاكم الله.
وكان للكورونا على هذا المستوى بعد ايجابي. فقد أعطانا العزل الصحي فرصة لاستنشاق هواء غير ملوث.
وفي السياق نفسه أصبحنا في هذه الوضعية نبتعد نسبيا عن الأطعمة المسممة التي كنا نتناولها يوميا وعن ثقافة ما يقذف مباشرة بعد الإستهلاك ((Jetables.
4 البعد الإنساني
وقد عرفت العولمة تباعدا بين الناس.فالجميع يعملون (إن وجدوا عملا) ولا يهتمون إلا بمصالحهم الخاصة والأخ لا يكاد يلتقي مع أخيه والإبن منهمك في شؤونه الخاصة ولا يلتفت إلى أبيه إلا نادرا إلخ .. والكورونا قربت الناس من بعضهم البعض انسانيا.
وأصبحنا نتصل بالأصدقاء يوميا وبدون حرج. وفي هذا الصدد يتوجب شكر الإستشفائييين وأن ننوه بإخلاصهم وتفانيهم فالأطباء ومساعدوهم قامو بعمل جبار في كل انحاء المعمورة رغم
خطورته على صحتهم وعلى حياتهم.
وهكذا تكون الكورونا قد ساعدت على إيجاد الفهم الضروري بين الناس وبروز انسانية الإنسان من حب ومحبة إلخ …وهي مشاعر كادت تلغيها العولمة رغم أهميتها.
5 حدود المعرفة الإنسانية
ومادمنا نتحدث عن المستوى الإنساني فلا بد من الإشارة إلى أن الكائن الإنساني أصبح يؤمن جازما في الوصول إلى المطلق ونموذجه في ذلك هو العلم الذي ساد الإعتقاد أنه طريق اليقين. هذا ما كنا نسلم به خلال العولمة.
و من المفروض أن توقضنا الكورونا من سباتنا هذا فقد اختلف العلماء في خصوص مصدر الوباء ودوائه إلخ … مما يؤدي إلى تغيير الرأي السائد.
وفي الحقيقة إنها فرصة حتى يعرف الإنسان حدوده المعرفية وأن لا يصبو إلى اليقين المطلق الذي يبقى من مشمولات خالق الكون.
والجدير بالذكر أن هذه الحقيقة ليست دينية فقط بل لقد ذهب إليها العديد من الفلاسفة الكبار ايضا أمثال ملبرنش و بركلي و كانط.
وهكذا تكون لجائحة الكورونا ايجابيات من هذه الزاوية بالذات. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.