1 يناير 2025

د. عبد الحسين شعبان: مناظرة السليمانية واستذكارات الحوار العربي – الكردي

1 min read

كان‭ ‬أول‭ ‬حوار‭ ‬عربي‭ ‬–‭ ‬كردي‭ ‬خارج‭ ‬الأطر‭ ‬الرسمية‭  ‬تقرر‭ ‬قبل‭ ‬30‭ ‬عاماً،‭ ‬حين‭ ‬اجتمعت‭ ‬نخباً‭ ‬فكرية‭ ‬وثقافية‭ ‬وحقوقية‭ ‬و‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والكرد‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬التي‭ ‬تسجل‭ ‬لها‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة،‭ ‬وذلك‭ ‬لمناقشة‭ ‬جوهر‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬و‭ ‬أهم‭ ‬الإشكاليات‭ ‬النظرية‭ ‬والعملية‭ ‬والقضايا‭ ‬الخلافية‭ ‬لبحثها‭ ‬ومناقشتها‭ ‬بروح‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬والحرص‭ ‬وبكل‭ ‬صراحة‭ ‬وشفافية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تبادل‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬واستمزاج‭ ‬الآراء‭ ‬والاستئناس‭ ‬بأفكار‭ ‬متنوعة‭ ‬بشأن‭ ‬واقع‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ – ‬الكردية‭ ‬وآفاق‭ ‬المستقبل‭ ‬،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬المآسي‭ ‬والارتكابات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬لاسيما‭ ‬إثر‭ ‬مشاهد‭ ‬الهجرة‭ ‬الجماعية‭ ‬الكردية‭ ‬المرعبة‭ ‬1991‭ ‬بعد‭ ‬حملة‭ ‬الأنفال‭ ‬السيئة‭ ‬الصيت‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قصف‭ ‬قضاء‭ ‬حلبجة‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬–‭ ‬17‭ ‬آذار‭/ ‬مارس1988‭  ‬بالسلاح‭ ‬الكيماوي‭ ‬وغاز‭ ‬الخردل،‭ ‬الذي‭ ‬أودى‭ ‬بحياة‭ ‬بضعة‭ ‬آلاف،‭ ‬وذلك‭  ‬قبيل‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬–‭ ‬الإيرانية‭ (‬1980‭ – ‬1988‭) ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬انتهائها‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬آب‭/ ‬أغسطس‭ ‬1988‭ ‬، ‬بقبول‭ ‬إيران‭ ‬لقرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬رقم‭ ‬598‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1987‭ .‬

لمعان‭ ‬الفكرة

حين‭ ‬علمت‭ ‬أن‭ ‬وفد‭ ‬الجبهة‭ ‬الكردستانية‭ ‬وصل‭ ‬بغداد‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية،‭ ‬لمعت‭ ‬برأسي‭ ‬فكرة‭ ‬الحوار‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي،‭ ‬وذلك‭ ‬بعيد‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬،‭ ‬إثر‭ ‬حرب‭ ‬التحالف‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬17‭/‬1‭/‬1991‭  ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬وصدور‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬رقم‭ ‬688‭ ‬الخاص‭  ‬باحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬انتفاضة‭ ‬آذار‭ / ‬مارس‭ ‬1991‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬فطرحت‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬محاضرة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬الكوفة‭ ‬كاليري‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وسط‭ ‬حشد‭ ‬كبير‭ ‬وذلك‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬نيسان‭/ ‬أبريل‭ ‬1991،‭ ‬وكانت‭ ‬المحاضرة‭ ‬بعنوان‭ ” ‬المهجرون‭ ‬العراقيون‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬موثقة‭ ‬بكتابي‭ “‬‭ ‬عاصفة‭ ‬على‭ ‬بلاد‭ ‬الشمس‭”‬،‭ ‬دار‭ ‬الكنوز‭ ‬الأدبية،‭ ‬بيروت،‭ ‬1994‭ . ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬جريدة‭ ‬الحياة‭ (‬اللندنية‭)  ‬في‭ ‬28‭/‬4‭/‬1991‭ . ‬ولكن‭ ‬الفكرة‭ ‬اختمرت‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬وقررت‭ ‬الإشتغال‭ ‬عليها‭ ‬بسبب‭ ‬تباين‭ ‬المواقف‭ ‬واختلاف‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬خلال‭ ‬وبعيْد‭ ‬المفاوضات‭ ‬الحكومية‭ – ‬الكردية‭.‬

اعتبارات‭ ‬موضوعية‭ ‬وذاتية

تعود‭ ‬قناعتي‭ ‬بفكرة‭ ‬الحوار‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإعتبارات‭ ‬أهمها‭:‬

أولها‭ – ‬الموقف‭ ‬المادي‭ ‬الجدلي‭ “‬الماركسي‭” ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬حق‭ ‬تقري‭ ‬المصير‭ ‬والذي‭ ‬مثل‭ ‬رؤية‭ ‬أممية‭ – ‬إنسانية‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬صالحة‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي،‭ ‬لاسيما‭ ‬المتعلق‭ ‬بالهويات‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬والبلدان‭ ‬المتعددة‭ ‬الثقافات‭ ‬،‭ ‬والذي‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬عملية‭ ‬إتخذتها‭ ‬الحركة‭ ‬الشيوعية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1935‭ ‬حين‭ ‬رفعت‭ ‬شعاراً‭ “‬على‭ ‬صخرة‭ ‬الإتحاد‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي‭ ‬تتحطم‭ ‬مغامرات‭ ‬الإستعمار‭ ‬والرجعية‭”‬،‭ ‬وذلك‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬إيمانها‭ ‬بحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬للشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬والذي‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ملموس‭ ‬في‭ ‬الكونفرنس‭ ‬الثاني‭ ‬للحزب‭ ‬العام‭ ‬1956‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ” ‬الإستقلال‭ ‬الذاتي‭” ‬لكردستان‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التحالف‭ ‬القوي‭ ‬بين‭ “‬حركة‭ ‬الانبعاث‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬والحركة‭ ‬القومية‭ ‬الكردية‭ ‬وتطلع‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬إلى‭ ‬التحرر‭ ‬والوحدة‭ ‬القومية‭”‬،‭ ‬فالاستعمار‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬فرق‭ ‬كردستان‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬شجع‭ ‬سياسة‭ ‬الإضطهاد‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬قسم‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فيه‭. ‬

وثانيها‭ – ‬علاقاتي‭ ‬الكردية‭ ‬وصداقاتي‭ ‬الحميمة‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكرد،‭ ‬خصوصاً‭ ‬فترة‭ ‬دراستي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بغداد،‭ ‬وسبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬رويت‭ ‬الكثير‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬مختلفة‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬معرفتي‭ ‬بواقع‭ ‬الاضطهاد‭ ‬والإستلاب‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬منه‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬وذاكرتي‭ ‬الأولى‭ ‬لإحدى‭ ‬المناسبات‭ ‬وأنا‭ ‬فتى‭ ‬حين‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬بيان‭ ‬من‭ ‬صفحة‭ ‬واحدة،‭ ‬وجهها‭ ‬الأول‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬،‭ ‬ووجهها‭ ‬الثاني‭ ‬باللغة‭ ‬الكردية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬فضولي‭ ‬الشديد‭ ‬آنذاك‭ (‬ربما‭ ‬كان‭ ‬بمناسبة‭ ‬كردية‭ ‬أو‭ ‬عيد‭ ‬نوروز‭)‬،‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬أثار‭ ‬قدوم‭ ‬الزعيم‭ ‬الكردي‭ ‬الكبير‭ ‬الملا‭ ‬مصطفى‭ ‬البارزاني‭ ‬من‭ ‬المنفى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1958‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬تضامن‭ ‬ضلت‭ ‬عالقة‭ ‬بذهني‭.‬

‭‬وثالثها‭ – ‬انخراطي‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬جماهرية‭ ‬مبكرة‭ ‬بشأن‭ ‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1961‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬عضويتي‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي،‭ ‬ومنها‭ ‬مشاركتي‭ ‬في‭ ‬تظاهرة‭ ‬تدعو‭ ‬للسلم‭ ‬في‭ ‬كردستان‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1962‭ ‬،‭ ‬كذلك‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬عريضة‭ (‬مذكرة‭)  ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬الزعيم‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬قاسم‭  ‬تطالبه‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الحركة‭ ‬الكردية‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬بالإعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السلم‭ ‬والحوار‭. ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬تواقيع‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬حينها‭.‬

ورابعها‭ – ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬المبكرة‭ ‬التي‭ ‬تولدت‭ ‬لدي‭ ‬بشأن‭ ‬بعض‭ ‬مواقفنا‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الكردية،‭ ‬ومواقف‭ ‬القوى‭ ‬الأخرى،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القوى‭ ‬القومية‭ ‬الكردية‭. ‬وهنا‭ ‬أذكر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬شعار‭ “‬السلم‭ ‬في‭ ‬كردستان‭”‬،‭ ‬الذي‭ ‬نظرت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬لاحقة‭ ‬باعتباره‭ ‬شعاراً‭ ‬عاماً‭ ‬يصلح‭ ‬لمنظمة‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني،‭ ‬أو‭ ‬جمعية‭ ‬إنسانية‭ ‬لا‭ ‬لحزب‭ ‬عريق‭ ‬ذو‭ ‬تاريخ‭ ‬عريق‭ ‬ومواقف‭ ‬عريقة‭ ‬بصدد‭ ‬القضية‭ ‬الكردية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الموقف‭ ‬الخاطئ‭ ‬والضار‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬السلاح‭ ‬ضد‭ ‬الحركة‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الجبهة‭ ‬الوطنية‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1974،‬وهذه‭ ‬ربما‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مناقشتها‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬التاريخي‭ ‬دون‭ ‬تبريرها‭ ‬أو‭ ‬إغفالها‭.‬

‭‬وهناك‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬تحفظات‭ ‬بشأنها،‭ ‬وخصوصاً‭  ‬اتفاقية‭  ‬6‭ ‬آذار‭/ ‬مارس‭ ‬لعام‭ ‬1975‭ ‬المعروفة‭ ‬بإسم‭ “‬إتفاقية‭ ‬الجزائر‭” ‬وهي‭ ‬اتفاقية‭ ‬مجحفة‭ ‬وغير‭ ‬متكافئة،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬توقفت‭ ‬عندها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬أذكر‭ ‬بعضاً‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬كتابي‭ ” ‬النزاع‭ ‬العراقي‭ – ‬الإيراني‭”‬،‭ ‬بيروت،‭ ‬1981،‭ ‬وما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقالة‭ ‬بحثية‭ ‬بعنوان‭: “‬القضية‭ ‬القومية‭ ‬الكردية‭ ‬والحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬العراقي‭”‬،‭ ‬مجلة‭ ‬الحرية،‭ ‬العدد‭ ‬87‭ (‬1162‭) ‬في‭ ‬21‭/‬10‭/ ‬،‭ ‬1984‭. ‬ومقالة‭ ‬أخرى‭ ‬الموسومة‭ “‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬والحرب‭ ‬العراقية‭ – ‬الإيرانية‭”‬،‭ ‬مجلة‭ ‬الحرية،‭ ‬العدد‭ ‬96‭  (‬1171‭) ‬في‭ ‬23‭/‬12‭/‬1984،‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬نهجاً‭  ‬لي‭ ‬في‭  ‬معالجة‭ ‬الوضع‭ ‬العراقي‭.‬

أين‭ ‬دور‭ ‬المثقفين؟

ويعود‭ ‬الإهتمام‭ ‬بالقضية‭ ‬الكردية‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬شعوري‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬دور‭ ‬للمثقفين‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يلعبوه‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بهدف‭ ‬بلورة‭ ‬رؤية‭ ‬خارج‭ ‬الأطر‭ ‬الرسمية،‭ ‬بحيث‭ ‬تساهم‭ ‬فيها‭ ‬النخب‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬العربية‭ – ‬الكردية‭ ‬اليسارية‭ ‬والقومية‭ . ‬وقد‭ ‬أخذت‭ ‬على‭ ‬عاتقي‭ ‬تحويل‭ ‬الفكرة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة،‭ ‬وهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬قابل‭ ‬للتنفيذ‭ ‬بتشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬تحضيرية‭ ‬للملتقى‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ “‬الحوار‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي‭” ‬عنواناً‭ ‬له،‭ ‬وضمت‭ ‬اللجنة‭ ‬التحضيرية‭ ‬للملتقى‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬للمنظمة‭ ‬العربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وساهم‭ ‬معنا‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الكرد‭ ‬سامي‭ ‬شورش‭ ‬كعضو‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬التحضيرية،‭ ‬وانعقد‭ ‬المؤتمر‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬الكردي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرأسه‭ ‬محمد‭ ‬صديق‭ ‬خوشناو‭ ‬حينها‭. ‬

وقد‭ ‬اخترنا‭ ‬عدداً‭ ‬متكافئاً‭ ‬من‭ ‬الكرد‭ ‬والعرب‭ (‬25‭ + ‬25‭) ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬المجموع‭ ‬50‭ ‬مثقفاً‭ ‬وحضرت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبعض‭ ‬الصحافيين‭ ‬مثل‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬بدرخان‭ ‬وحازم‭ ‬صاغية‭ ‬وكاميران‭ ‬قرداغي،‭ ‬وكانت‭ ‬الشخصيات‭ ‬العربية‭ ‬والكردية‭  ‬تمثل‭ ‬الألوان‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬والفكرية‭. 

‭‬ووقع‭ ‬اختيارنا‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬شخصيات‭ ‬أساسية‭ ‬تمثل‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬تياراً‭ ‬فكرياً‭ ‬فعامرعبد‭ ‬الله‭ ‬رمزاً‭ ‬للشيوعيين‭ ‬والماركسيين‭ ‬وهاني‭ ‬الفكيكي‭ ‬عن‭ ‬البعثيين‭ ‬والقوميين‭ ‬والسيد‭ ‬محمد‭ ‬بحر‭ ‬العلوم‭ ‬عن‭ ‬الإسلاميين‭ ‬وعبد‭ ‬الكريم‭ ‬الأزري‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التيار‭ ‬الملكي‭ ‬المنفتح‭ ‬وحسن‭ ‬الجلبي‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬الليبرالي‭ ‬الأكاديمي‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬التوجه‭ ‬الغربي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬عراقي‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المهتمة،‭ ‬ومن‭ ‬العرب‭ ‬حضرت‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬و‭ ‬سوريا‭ ‬والسودان‭ ‬و‭ ‬لبنان‭  ‬وفلسطين‭ ‬و‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬و‭ ‬البحرين‭ ‬و‭ ‬ليبيا‭.‬

ولعل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬النوعي‭ ‬والجغرافي‭ ‬كان‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حوار‭ ‬مفتوح‭ ‬دون‭ ‬أجندات‭ ‬مسبقة‭ ‬أو‭ ‬إصطفافات‭ ‬مبيتة،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬منه‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬المطالب‭ ‬الكردية‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬الكرد‭ ‬بشكل‭ ‬حر‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬مواقف‭ ‬عربية‭ ‬بعضها‭ ‬يستمع‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬التنوع‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الكرد‭ ‬من‭ ‬مظالم‭. 

وكان‭ ‬التمهيد‭ ‬لذلك‭ ‬الحوار‭ ‬محاضرة‭ ‬ألقيتها‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬آل‭ ‬البيت‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ( ‬بإدارة‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬بحر‭ ‬العلوم‭) ‬والموسومة‭ “‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬العراقي‭ ” (‬31/5/1992‭)‬،‭ ‬ومحاضرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬الكردي،‭ ‬نشرتها‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الحياة‭ ‬بعنوان‭:” ‬الفيدرالية‭ ‬وحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭: ‬جدل‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭”‬،‭ (‬حلقتان‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬و‭ ‬3‭ ‬آب‭/ ‬أغسطس‭ ‬1992‭ ).‬

القرار‭ ‬688‭ ‬

ترافق‭ ‬ذلك‭ ‬التوجه‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬مفاوضات‭ ‬بغداد‭ ‬و‭ ‬صدور‭ ‬القرار‭ ‬688‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬نيسان‭/ ‬أبريل‭ ‬1991‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬حيث‭ ‬عادت‭ ‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬إلى‭ ‬الأروقة‭ ‬الدولية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬القرار‭ ‬المذكور‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬القمع‭ ‬الذي‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬المنطقة‭ ‬الكردية‭ ‬وبقية‭ ‬مناطق‭ ‬العراق،‭ ‬بل‭ ‬اعتبر‭ ‬هذا‭ ‬القمع‭ “‬تهديداً‭ ‬خطيراً‭” ‬للسلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬احترام‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬لجميع‭ ‬المواطنين‭ ‬العراقيين،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬ارتفعت‭ ‬لاحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لاسيما‭ ‬بعد‭ ‬تحلل‭ ‬الكتلة‭ ‬الإشتراكية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬كما‭ ‬طلب‭ ‬تقديم‭ ‬تقرير‭ ‬دوري‭ ‬إلى‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

    ‬وبسبب‭ ‬مشاهد‭ ‬الهجرة‭ ‬الجماعية‭ ‬وما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬إنسانية،‭ ‬وأخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بتداعيات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬غزو‭ ‬الكويت‭ ‬وتدمير‭ ‬العراق،‭ ‬قررت‭ ‬حكومات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬منع‭ ‬الطيران‭ ‬العراقي‭ ‬من‭ ‬التحليق‭ ‬فوق‭ ‬خط‭ ‬العرض‭ ‬36‭ ‬باعتباره‭ ‬منطقة‭ ‬آمنة‭ “‬الملاذ‭ ‬الآمن‭ ” ‬Safe‭ ‬Haven‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬شملت‭ ‬المنطقة‭ ‬الكردية‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬فيها‭ ‬إدارة‭ ‬ذاتية‭ ‬بعد‭ ‬إنسحاب‭ ‬الإدارة‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬1991‭ ‬وإجراء‭ ‬إنتخابات‭ ‬لأول‭ ‬برلمان‭ ‬في‭ ‬كردستان‭ (‬ربيع‭ ‬العام‭ ‬1992‭) ‬،‭ ‬وتأليف‭ ‬أول‭ ‬حكومة‭ ‬لإقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬الذي‭ ‬قرر‭ ‬برلمانه‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭ / ‬أكتوبر‭ ‬1992‭ ‬اختيار‭ ‬الفيدرالية‭ ‬كشكل‭ ‬للعلاقة‭ ‬المستقبلية‭ ‬مع‭ ‬عرب‭ ‬العراق‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تقرر‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬للمعارضة‭ ‬

        ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬مصير‭ ‬العلاقة‭ ‬العربية‭ – ‬الكردية‭ ‬هي‭ ‬الجهات‭ ‬السياسية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬القابضة‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬فإن‭ ‬رأياً‭ ‬عاما‭ ‬يمثل‭ ‬تيارات‭ ‬مختلفةً‭ ‬وبقوة‭ ‬ناعمة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بحضور‭ ‬نوعي‭ ‬للمثقفين،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬العام،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتراكم‭ ‬والتطور‭ ‬التدرجي،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬حين‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بيان‭ ‬11‭ ‬آذار‭ /‬مارس‭ ‬1970‭ ‬،‭ ‬سوى‭ ‬ثمرة‭ ‬لتراكم‭ ‬كمي‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬النوعي‭. ‬

      ‬إن‭ ‬فكرة‭ ‬الحوار‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬ومعالجات،‭ ‬ووضع‭ ‬مخرجات‭ ‬للتطبيق‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خلفية‭ ‬لأصحاب‭ ‬القرار،‭ ‬فالحوار‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الكردي،‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬ندعو‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬حوار‭ ‬معرفي‭ ‬وثقافي‭ ‬وفكري‭ ‬وحقوقي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬منطلقات‭ ‬المصير‭ ‬المشترك‭ ‬والحقوق‭ ‬المتكافئة‭ ‬وتوسيع‭ ‬الخيارات‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬لمصالح‭ ‬الشعبين‭ ‬العربي‭ ‬والكردي،‭ ‬ومن‭ ‬مقاصده‭ ‬أيضاً‭ ‬لفت‭ ‬الإنتباه‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬كمسألة‭ ‬مركزية‭ ‬بالإرتباط‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬السلطة‭ ‬والمعارضة،‭ ‬وكان‭ ‬شعار‭ “‬الديمقراطية‭ ‬للعراق‭ ‬والحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬لكردستان‭”  ‬يمثل‭ ‬جزءًا‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬وعموم‭ ‬الحركة‭ ‬الكردية‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات‭.‬

    ‬والحوار‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭  ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والشجاعة‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬المشكلات‭ ‬بصراحة‭ ‬ووضوح‭ ‬وأفق‭ ‬مستقبلي‭ ‬أيضاً،‭ ‬دون‭ ‬نسيان‭ ‬الحواجز‭ ‬الفعلية‭ ‬والوهمية‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬هذه‭ ‬الطريق،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مواقف‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬السلبية‭ ‬ولا‭ ‬أبالية‭ ‬الحركة‭ ‬الدينية‭ ‬الناشئة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفاً‭ ‬فعلياً‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الكردية‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1992،‭ ‬بل‭ ‬ظل‭ ‬موقفها‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬جملٍ‭ ‬عمومية‭ ‬متفرقة‭. ‬

مناظرة‭ ‬بعد‭ ‬30‭ ‬عام

      ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأسس‭ ‬والخلفية‭ ‬التأمت‭  ‬مناظرة‭ ‬بعد‭ ‬30‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬والجمال‭ ‬السليمانية‭ ‬ضمت‭ ‬كاتب‭ ‬السطور‭ ‬والسياسي‭ ‬والمثقف‭  ‬الكردي‭ ‬الفطن‭ ‬والجريء‭ ‬ملا‭ ‬بختيار‭ ( ‬حكمت‭ ‬محمد‭ ‬كريم‭) ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الإتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬الكردستاني‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬الرئيس‭ ‬جلال‭ ‬طالباني‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1975‭ ‬،‭ ‬لتناقش‭ ‬بجو‭ ‬حضاري‭ ‬وشفافية‭ ‬عالية‭ ‬المشكلات‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬احتواها‭ ‬الدستور‭ ‬النافذ‭ ‬لعام‭ ‬2005‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المشتركات‭ ‬وتوسيع‭ ‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬السلم‭ ‬والمساواة‭ ‬والجمال‭. ‬

    ‬جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬المناظرة‭ ‬التي‭ ‬خصصت‭ ‬لها‭ ‬جلسة‭ ‬مستقلة‭ ‬و‭ ‬لقيت‭ ‬اهتماماً‭ ‬بالغاً،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬نقلها‭ ‬مباشرة‭ ‬عبر‭ ‬يوتيوب،‭ ‬كانت‭ ‬ضمن‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭  ‬فعالية‭ ‬ثقافية‭ ‬عربية‭ ‬تم‭ ‬تنظيم‭ ‬جلستها‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬العمارة‭ ( ‬جنوب‭ ‬العراق‭) ‬لتجمع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ “‬مؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬الثقافي‭” ‬الذي‭ ‬ينسق‭ ‬أعماله‭ ‬الأديب‭ ‬محمد‭ ‬رشيد،‭ ‬فجاءت‭ ‬المناظرة‭  ‬مترافقة‭ ‬مع‭ ‬انعقاد‭ ‬الجلسة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬السليمانية‭. ‬

    ‬وكان‭ ‬الحوار‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬المدح‭ ‬أو‭ ‬القدح‭ ‬وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬الولاء‭ ‬أو‭ ‬العداء‭ ‬أو‭ ‬التأييد‭ ‬أو‭ ‬التنديد‭ ‬أو‭ ‬التقديس‭ ‬أو‭ ‬التدنيس،‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬طرح‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬الإهتمام‭ ‬المشترك‭ ‬بروح‭ ‬الصداقة‭ ‬المتبادلة‭ ‬وضمن‭ ‬أجواء‭ ‬حضارية‭ ‬ومستقبلية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تباين‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬واختلاف‭ ‬زوايا‭ ‬الرؤية‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭. ‬

    ‬فماذا‭ ‬يريد‭ ‬الكرد‭ ‬من‭ ‬العرب؟‭ ‬

    ‬وماذا‭ ‬يريد‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬الكرد؟‭ ‬

    ‬وكيف‭ ‬السبيل‭ ‬لطي‭ ‬صفحة‭ ‬الماضي‭ ‬البغيض‭ ‬خصوصاً‭ ‬تعامل‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬مع‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬اقترنت‭ ‬بالتمييز‭ ‬والعسف‭ ‬والاضطهاد،‭ ‬ومنذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1921‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬أكثرها‭ ‬قسوة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬النظام‭ ‬البعثي‭ ‬السابق،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الإعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬الأولية،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تقرر‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬11‭ ‬آذار‭/ ‬مارس‭ ‬1970‭ ‬وأدرجت‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬العراقي‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬تموز‭/ ‬يوليو‭ ‬1970‭ ‬،‭ ‬وتلك‭ ‬مفارقة‭ ‬كبيرة‭ ‬أيضاً‭ ‬تستحق‭ ‬التوقف‭ ‬عندها،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أضئت‭ ‬بعض‭ ‬جوانبها‭. ‬

نصوص‭ ‬دستورية

      ‬كان‭ ‬أول‭ ‬نص‭ ‬دستوري‭ ‬تقرر‭ ‬فيه‭ “‬شراكة‭ ‬العرب‭ ‬والكرد‭” ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العراقي‭ ‬قد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬العراقي‭ ‬المؤقت‭ ‬الذي‭ ‬خطه‭ ‬يراع‭ ‬الطيب‭ ‬الذكر‭ ‬الفقيه‭ ‬القانوني‭ ‬حسين‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1958‭ ‬بعيد‭ ‬ثورة‭ ‬14‭ ‬تموز‭/ ‬يوليو،‭ ‬وأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬11‭ ‬آذار‭/ ‬مارس‭ ‬1970‭ ‬حيث‭ ‬ورد‭ ‬النص‭ ‬دستورياً‭ ” ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬قوميتين‭ ‬رئيسيتين‭ ‬هما‭ ‬العربية‭ ‬والكردية‭ ….” ‬وهو‭ ‬إعتراف‭ ‬صريح‭ ‬وواضح‭ ‬بالحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬والإدارية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الإئتلاف‭ ‬والإختلاف،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإقرار‭ ‬بخصوصية‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وهذه‭ ‬تقود‭ ‬منطقياً‭ ‬إلى‭ ‬الإعتراف‭ ‬بمقوماته‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.‬

      ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬الانفصال‭ ‬كما‭ ‬يذهب‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬إعتقادٌ‭ ‬خاطئ‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جاء،‭ ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬القوميات‭ ‬والشعوب‭ ‬والمجموعات‭ ‬الثقافية‭ ‬والإثنية‭ ‬والدينية‭ ‬والسلالية‭ ‬واللغوية‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬متعددة‭ ‬الثقافات‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬حقوق‭ ‬متساوية‭ ‬دستورياً،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬عددها‭ ‬وحجمها،‭ ‬لكن‭ ‬الإقرار‭ ‬بكيانيتها‭ ‬وخصوصيتها‭ ‬يمنحها‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬يمكنها‭ ‬التمتع‭ ‬فيه‭ ‬كحق‭ ‬قانوني‭ ‬واستخدامه‭ ‬بطريقة‭ ‬إيجابية،‭ ‬وتعود‭ ‬المسألة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬تطور‭ ‬المجتمع‭ ‬والثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬ودور‭ ‬النخب‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬من‭ ‬الأمة‭” ‬المضطهدة‭” ‬ومدى‭ ‬تضامنها‭ ‬مع‭ ‬الأمة‭ “‬المضطهدة‭”  ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ” ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لشعب‭ ‬يضطهد‭ ‬شعباً‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حراً‭” ‬،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الإستقلالية‭ ‬المتجسدة‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬أو‭ ‬الفيدرالية‭ ‬أو‭ ‬الكونفيدرالية‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬كيانية‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬يصبح‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭ ‬مستحيلاً،‭ ‬وهو‭ ‬مثل‭ ‬الطلاق‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬لينين‭ ( ‬أبغض‭ ‬الحلال‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ).‬

    ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬مرهونة‭ ‬بالظرف‭ ‬الموضوعي‭ ‬والذاتي‭ ‬للطرفين‭ ‬ومدى‭ ‬توافقهما‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬والمنافع‭ ‬المتبادلة‭ ‬وعلى‭ ‬درجة‭ ‬الإصطفاف‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أو‭ ‬معسكر‭ ‬الأعداء‭. ‬أي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تضامن‭ ‬الأمة‭ ‬الأكبر‭ ‬مع‭ ‬الأمة‭ ‬الأصغر‭  ‬في‭ ‬نبذ‭ ‬الإستعلاء‭ ‬والهيمنة‭ ‬مقابل‭ ‬نبذ‭ ‬الأمة‭ ‬الأصغر‭ ‬للتعصب‭ ‬والانغلاق،‭ ‬سواء‭ ‬حين‭ ‬يتقرر‭ ‬الإتحاد‭ ‬الإختياري‭ ‬الأخوي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شراكة‭ ‬متكافئة،‭ ‬ومواطنة‭ ‬كاملة‭ ‬ومتساوية‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬يتقرر‭ ‬الإنفصال،‭ ‬علماً‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬انفصال‭ ‬يقضي‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬ورفاه‭ ‬وتنمية،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬توفرت‭ ‬ظروفه‭ ‬الموضوعية‭ ‬والذاتية،‭ ‬وتجربة‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬الذي‭ ‬انفصل‭ ‬باستفتاء‭ ‬حاز‭ ‬على‭ ‬98‭% ‬لصالحه‭ ‬وبإشراف‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لكن‭ ‬أوضاعه‭ ‬زادت‭ ‬سوءًا‭ ‬وحالته‭ ‬تدهوراً‭.‬

دروس‭ ‬التاريخ

    ‬إن‭ ‬دراسة‭ ‬التاريخ‭ ‬ضرورية،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬مراوغ‭ ‬وماكر‭ ‬حسب‭ ‬هيغل،‭ ‬ووفقاً‭  ‬لماركس‭ “‬ليس‭ ‬وعي‭ ‬الناس‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحدد‭ ‬وجودهم‭ ‬إنما‭ ‬وجودهم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحدد‭ ‬وعيهم‭” ‬بمعنى‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬الوعي،‭ ‬وبالطبع‭  ‬فلكل‭ ‬تاريخ‭ ‬فلسفته‭ ‬،‭ ‬وفلسفة‭ ‬تاريخ‭ ‬القمع‭ ‬ضد‭ ‬الكرد،‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬الانجراف‭ ‬بالضد‭ ‬من‭ ‬الصيرورة‭ ‬الإنسانية‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬أسئلة‭ ‬مقلقة‭ ‬بشأن‭ ‬استخدامات‭ ‬القوة‭ ‬والعنف‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬السلاح‭ ‬‭ ‬لحل‭ ‬الخلافات،‭ ‬خصوصاً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬القوى‭ ‬المهيمنة،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬الحق‭ ‬وقوة‭ ‬المقاومة‭ ‬متسقة‭ ‬برفض‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬للقمع،‭ ‬ففي‭ ‬وجهها‭ ‬الثاني‭ ‬تضامنٌ‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المظلومين‭ ‬والمضطهدين،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأن‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬تعرض‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬إنتهاكات‭ ‬سافرة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬ملا‭ ‬بختيار‭.‬

      ‬وكانت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬حقوقه‭ ‬موقفاً‭ ‬سلبياً‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬مبالياً‭ ‬حتى‭ ‬فترة‭ ‬قريبة‭. ‬وقد‭ ‬حاولت‭ ‬جميع‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬تعاقبت‭ ‬على‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬استخدام‭ ‬الوسائل‭ ‬العسكرية‭ ‬و‭ ‬العنفية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مطالبه‭ ‬العادلة‭ ‬والمشروعة،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬فل‭ ‬عزيمته،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬نيل‭ ‬حقوقه‭ ‬وتحقيق‭ ‬آماله‭ ‬بوسائل‭ ‬المقاومة‭ ‬العنفية‭ ‬على‭ ‬أهميتها‭ ‬وعلى‭ ‬اضطراره‭ ‬إليها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬التفكير‭ ‬ملياً‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية‭ ‬والمدنية‭ ‬أسلوباً‭ ‬مرجحاً‭ ‬وغالباً‭ ‬لتحقيق‭ ‬طموحاته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬إربيل‭ ‬ببغداد‭ ‬وعلى‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬الإدارة‭ ‬الذاتية‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وعلاقتها‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭.‬

الحوار‭ ‬الثاني

      ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬حوار‭ ‬عربي‭ ‬–‭ ‬كردي‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬جرت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬انعقد‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1992‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬الحوار‭ ‬الثاني‭ ‬التأم‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1998‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬الإقتتال‭ ‬الكردي‭ – ‬الكردي‭ ‬1994‭ – ‬1998‭  ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬لجنة‭ ‬التضامن‭ ‬المصرية‭ ‬برئاسة‭ ‬أحمد‭ ‬حمروش‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬التحضير‭ ‬له‭ ‬الصديق‭ ‬عدنان‭ ‬المفتي‭ (‬ممثل‭ ‬عن‭ ‬أوك‭) ‬وعمر‭ ‬بو‭ ‬تاني‭ (‬ممثل‭ ‬عن‭ ‬حدك‭) ‬،‭ ‬وحضره‭ ‬نحو75‭  ‬شخصية‭ ‬بينهم‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬الكردية‭ ‬وعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬كاتب‭ ‬السطور‭ ‬الذي‭ ‬حضر‭ ‬بحثاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المصرية‭ ‬البارزة‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬مؤتمر‭ ‬القاهرة‭ ‬استكمالاً‭ ‬وتواصلاً‭ ‬للحوار‭ ‬الأول‭ ‬وشارك‭ ‬فيه‭ ‬جلال‭ ‬الطالباني،‭ ‬زعيم‭ ‬الإتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬الكردستاني‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬قيادات‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الكردستاني‭ ‬وبمباركة‭ ‬من‭ ‬رئيسه‭ ‬مسعود‭ ‬البارزاني‭. 

    ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬المتكافئ‭ ‬والموضوعي‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬تطويره‭ ‬و‭ ‬مأسسته،‭ ‬وجرت‭ ‬محاولات‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬جمعيات‭ ‬للصداقة‭ ‬العربية‭ – ‬الكردية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬دعوات‭ ‬لقيام‭ ‬معهد‭ ‬للدراسات‭ ‬العربية‭ – ‬الكردية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬إحتلال‭ ‬العراق‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬اتخذ‭ ‬أشكالاً‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬وذلك‭ ‬باستقطابات‭ ‬جديدة،‭ ‬فإما‭ ‬كان‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬مهرجانات‭ ‬تأييد‭ ‬ومبايعة‭ ‬وولاء‭ ‬دون‭ ‬حوار‭ ‬يطرح‭ ‬الإشكالات‭ ‬أو‭ ‬يقترح‭ ‬حلولاً‭ ‬ومعالجات‭ ‬أو‭ ‬يناقش‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المختلفة،‭ ‬حيث‭ ‬ظلت‭ ‬معظم‭ ‬المشكلات‭ ‬عائمة‭ ‬دون‭ ‬حلول،‭ ‬وانعكس‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬العام‭ ‬2005‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الإختلاف‭ ‬بسبب‭ ‬الألغام‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬احتواها‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الفرقاء‭ ‬الذين‭ ‬أقروا‭ ‬الصيغة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬حين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬وفي‭ ‬مؤتمر‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬1992‭  ‬ظهروا‭ ‬كمتخاصمين،‭ ‬بل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ “‬الإخوة‭ ‬الأعداء‭” ‬باقتباس‭ ‬من‭ ‬عنوان‭ ‬رواية‭ ‬الشاعر‭ ‬والمفكر‭ ‬اليوناني‭ ‬نيكوس‭ ‬كازانتزاكيس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬في‭ ‬صياغات‭ ‬غامضة‭ ‬وملتبسة‭ ‬ومشفرة‭ ‬تكاد‭ ‬تنفجر‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬منعطف‭ ‬أو‭ ‬اختلاف‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬عند‭ ‬استفتاء‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬،‭ ‬وأصبحت‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الأيام‭ ‬عقداً‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬العقد‭ ‬المزمنة‭ ‬والمشاكل‭ ‬المعتقة‭.‬

الاستفتاء

      ‬كان‭ ‬الإستفتاء‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬25‭  ‬أيلول‭/ ‬سبتمبر‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬مجساً‭ ‬جديداً‭ ‬للعلاقات‭ ‬العربية‭ ‬–‭ ‬الكردية،‭ ‬وكاد‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬صدام‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬عقباه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي‭ (‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭)  ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يحتل‭ ‬الموصل‭ ‬وأجزاء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬محافظات‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬والأنبار‭ ‬وله‭ ‬جيوب‭ ‬في‭ ‬كركوك‭ ‬وديالى‭ . ‬وانقسمت‭ ‬النخب‭ ‬وسط‭ ‬تأجج‭ ‬للمشاعر‭ ‬واستدرار‭  ‬للعواطف‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬للإستفتاء،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مؤيداً‭ ‬لحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬للشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬ولكن‭ ‬لمكاسب‭ ‬وامتيازات‭ ‬وطموحات‭ ‬ومساومات‭ ‬سياسية‭ ‬وخصومات‭ ‬معلنة‭ ‬أو‭ ‬مستترة‭ ‬وفقاً‭ ‬لميزان‭ ‬القوى،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬رافض‭ ‬بالمطلق‭ ‬للفكرة‭ ‬أساساً‭ ‬منقلباً‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬مواقفه‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬تأييد‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬سواء‭ ‬لحسابات‭ ‬إقليمية‭ ‬أو‭ ‬لقصور‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬وضيق‭ ‬أفق‭ ‬ومحاولات‭ ‬للإستقواء‭.‬

      ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬الإقليم،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا،‭ ‬وكلاهما‭ ‬وجها‭ ‬رسائل‭ ‬واضحة‭ ‬وصريحة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭  ‬،‭ ‬بأن‭ ‬الإستفتاء‭ ‬لن‭ ‬يمر‭ ‬وسيعملان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يستطيعان‭ ‬على‭ ‬إفشاله،‭ ‬لإدراكهما‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬لديهما،‭ ‬فالبلدان‭ ‬يعانيان‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬إنسداد‭ ‬أفق‭ ‬إزاء‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬،‭ ‬فتركيا‭ ‬تلتهب‭ ‬فيها‭ ‬القضية‭ ‬الكردية‭ ‬منذ‭ ‬الثمانينيات‭ ‬وينشط‭ ‬فيها‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭ ‬PKK‭ ‬حيث‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬زعيمه‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬أوجلان‭ ‬رهن‭ ‬السجن‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1999‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬فكرة‭ “‬الأمة‭ ‬الديمقراطية‭ “‬التي‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬تحقيق‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬بالإعتراف‭ ‬به‭ ‬وبخصوصيته‭  ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه‭. ‬أما‭ ‬إيران‭ ‬فما‭ ‬تزال‭ ‬تعتبر‭ “‬القومية‭” ‬بدعة‭ ‬وضلالة،‭ ‬وكل‭ ‬بدعة‭ ‬في‭ ‬النار،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فأي‭ ‬مطالبة‭ ‬بالحقوق‭ ‬القومية‭ ‬تنظر‭ ‬إليها‭ ‬بصفتها‭ ‬استهدافاً‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإسلامية‭.‬

      ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الإستفتاء‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬وصوت‭ ‬إلى‭ ‬صالحه‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬سكانها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتائجه‭ ‬ظلت‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬الرغبة‭ ‬المعلنة،‭ ‬وهي‭ ‬خيار‭ ‬استراتيجي‭ ‬كردي‭ ‬مع‭ ‬معارضة‭ ‬قوى‭ ‬داخلية‭ ‬وإقليمية‭ ‬وتحفظات‭ ‬دولية‭. ‬وكان‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬وسوريا‭ ‬يلتقون‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينيات‭ ‬ولغاية‭ ‬وقوع‭ ‬العراق‭ ‬تحت‭ ‬الإحتلال‭  ‬العام‭ ‬2003‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬اجتماع‭ ‬،‭ ‬تتم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الفلتان‭ ‬الأمني‭ ‬والفوضى‭ ‬والمخاطر‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬العراقية،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬سوى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬خشية‭ ‬من‭ ‬انتقال‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬إليها،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بقيام‭ ‬كيانية‭ ‬كردية‭. ‬

اللحظة‭ ‬التاريخية

    ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬المؤيدين‭ ‬والمنددين‭ ‬لخيار‭ ‬الإستفتاء،‭ ‬فثمة‭ ‬فريق‭ ‬ثالث‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الأقل‭ ‬عدداً‭ ‬ولكنه‭ ‬الأكثر‭ ‬وجدانية‭ ‬وصميمية‭ ‬بتأييده‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬كاملة‭ ‬وغير‭ ‬منقوصة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬ولكن‭ ‬قرار‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬المصيري‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬دراسته‭ ‬بدقة‭ ‬وإحكام،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬قياس‭ ‬درجة‭ ‬تقبل‭ ‬الوضع‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حشد‭ ‬قوى‭ ‬صديقة‭ ‬ومجتمعية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬العراقي،‭ ‬كيما‭ ‬تتوفر‭ ‬له‭ ‬عوامل‭ ‬النجاح‭ ‬والإستمرارية‭ ‬والديمومة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأنه‭ ‬سيقود‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تغيرات‭ ‬جيوبوليتكية‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬حساب‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭  ‬في‭ ‬الإختيار‭ ‬والتوقيت‭ ‬استراتيجياً‭ ‬وتكتيكياً،‭ ‬بما‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭  ‬بمستقبل‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬وطموحاته‭ ‬المشروعة،إضافة‭ ‬إلى‭ ‬علاقته‭ ‬المستقبلية‭  ‬بالشعب‭ ‬العربي‭ ‬وظروف‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬عرضة‭ ‬لإختراق‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬ما‭ ‬يتردد‭ ‬عن‭ ‬تأييد‭ ‬مجاني‭ ‬يشكل‭ ‬إستفزازاً‭ ‬لمشاعر‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ “‬إسرائيل‭” ‬مستغلة‭ ‬ومستفيدة‭ ‬من‭ ‬اضعاف‭ ‬أي‭ ‬كيانية‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأجيج‭ ‬نار‭ ‬الصراع‭ ‬والإحتراب‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬تفتيتها‭ ‬أو‭ ‬تقسيمها‭.‬

      ‬وحتى‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬تأييدها‭ ‬لخطوة‭ ‬الإستفتاء،‭ ‬فإن‭ ‬موقفها‭ ‬كان‭ ‬سلبياً‭ ‬ومتحفظاً،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الكرد‭ ‬يعولون‭ ‬عليها،‭ ‬لأنها‭ ‬وضعت‭ ‬مصالحها‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والمنطقة،‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬آخر‭.‬

    ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭  ‬استراتيجية‭ ‬واشنطن‭ ‬المعلنة‭ ‬والتي‭ ‬بلورها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬واضح‭ ‬برنارد‭ ‬لويس‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إختيار‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬مسألة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬بنظر‭ ‬الإعتبار‭ ‬بقراءة‭ ‬المستجدات‭ ‬والمصالح‭ ‬الدولية،‭ ‬إذْ‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬أحياناً‭ ‬متوافقة‭ ‬أو‭ ‬متطابقة‭ ‬مع‭ ‬متغيرات‭ ‬محلية‭ ‬ولكل‭ ‬ذلك‭ ‬سياقاته‭ ‬الجيوبوليتكية‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬والإتفاق‭ ‬وبما‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الحيوية‭ ‬كما‭ ‬تسميها‭ ‬القوى‭ ‬المتنفذة‭. ‬

    ‬لقد‭ ‬نظر‭ ‬برنارد‭ ‬لويس‭  ‬لفكرة‭ ‬تقسيم‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬دويلات‭ ‬إثنية‭ ‬ودينية‭ ‬وطائفية‭ ‬ومناطقية‭ ‬وغيرها،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬اقترح‭ ‬خريطة‭ ‬ضمت‭ ‬41‭ ‬كياناً،‭ ‬وهكذا‭ ‬يصبح‭ ‬الجميع‭ “‬أقلية‭ “‬،‭ ‬وتكون‭ ‬حينها‭ “‬إسرائيل‭” ‬الأقلية‭ ‬المتفوقة‭ ‬تكنولوجياً‭ ‬وعلمياً،‭ ‬لاسيما‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭  ‬والغرب‭ ‬عموماً،‭ ‬وكان‭ ‬إيغال‭ ‬ألون‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬الإستيطانية‭ ‬الطويلة‭ ‬الأمد‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إجتياح‭ ‬لبنان‭ ‬ومحاصرة‭ ‬العاصمة‭ “‬بيروت‭” ‬1982‭ ‬قد‭ ‬تبنى‭ ‬سياسة‭ ‬القضم‭ ‬التدرجي‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتفتيت‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬قائم‭ ‬ومستمر‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬وليس‭ ‬أخيرها‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬روج‭ ‬له‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الإبن‭ ‬عند‭ ‬احتلال‭ ‬العراق،‭ ‬ومشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬بشرت‭ ‬به‭ ‬كونداليزا‭ ‬رايس‭ ‬وزيرة‭ ‬خارجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭  ‬بعد‭ ‬العدوان‭ “‬الإسرائيلي‭” ‬على‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2006‭  ‬ومشروع‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬الخاص‭ ‬بتقسيم‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬فيدراليات‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ “‬كانتونات‭” ‬أو‭ “‬دوقيات‭”  ‬والذي‭ ‬وافق‭ ‬عليه‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬العام‭ ‬2007‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬وإنْ‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬الأدراج‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬تحريكه‭ ‬باللحظة‭ ‬المناسبة‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬اختارت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ذلك،‭ ‬وقد‭ ‬دعا‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬لإتفاقية‭  ‬سايكس‭ ‬–‭ ‬بيكو‭ ‬ولكن‭ ‬بطبعة‭ ‬جديدة،‭ ‬وكان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬قد‭ ‬خسروا‭ ‬وطنهم‭ ‬في‭ ‬الصفقة‭ ‬الأولى،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬الكرد‭ ‬من‭ ‬تلبية‭ ‬طموحهم‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬موحد‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الملا‭ ‬بختيار‭ ‬في‭ ‬مناظرة‭ ‬السليمانية‭. ‬

وحتى‭ ‬بعد‭ ‬إتفاقية‭ ‬سيفر‭ ‬لعام‭ ‬1920،‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بجزء‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الكرد‭  ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تسويفها‭ ‬بمعاهدة‭ ‬لوزان‭ ‬العام‭ ‬1923حين‭ ‬قرر‭ ‬الحلفاء‭ ‬المساومة‭ ‬لحساب‭ ‬تركيا،‭ ‬كان‭ ‬الضحية‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬وشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬جميعاً،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬العام‭ ‬1917‭ ‬القاضي‭ ‬بمنح‭ ‬اليهود‭ ‬حق‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وتمهيداً‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬الإنتداب‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1922‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقرر‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬سان‭ ‬ريمو‭ ‬العام‭ ‬1920‭.‬

وحين‭ ‬أستعرض‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة،‭ ‬فإنما‭ ‬أريد‭ ‬الإضاءة‭ ‬على‭ ‬إشكالية‭ ‬إتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬بالتساوق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موضوعي‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬ذاتي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬تخفيض‭ ‬سقف‭ ‬مبدأ‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.  ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬الإستفتاء‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬زوبعة‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬والكراهية‭ ‬والإتهامات‭ ‬المنفلتة‭ ‬من‭ ‬عقالها،‭ ‬حيث‭ ‬عادت‭ ‬لغة‭ ‬التخوين‭ ‬والتشكيك،‭ ‬ووجد‭ ‬البعض‭ ‬ضالته‭ ‬بإذكاء‭ ‬نار‭ ‬الصراع،‭ ‬فأحيا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ما‭ ‬توفر‭ ‬في‭ ‬القاموس‭ ‬القديم‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬استخدامات‭ ‬الأنظمة‭ ‬السابقة‭ ‬ومعارضاتها،‭ ‬ولعبت‭ ‬القوى‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬في‭ ‬الضرب‭ ‬على‭ ‬الأوتار‭ ‬الحساسة‭ ‬لدى‭ ‬الجانبين‭ ‬العربي‭ ‬والكردي‭. ‬فماذا‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المؤمنين‭ ‬بقيم‭ ‬الحرية‭ ‬والتحرر‭ ‬وحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير؟

الأمير‭ ‬الحسن‭ ‬وحوار‭ ‬عمان

‭ ‬كمثقفين‭ ‬يهمنا‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬سوية‭ ‬ومتكافئة‭ ‬ومتساوية‭ ‬وسلمية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بما‭ ‬يجمعنا‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬مشتركة‭ ‬أساسها‭ ‬نبذ‭ ‬التمييز‭ ‬ورفض‭ ‬الظلم‭ ‬والإستبداد‭ ‬والإضطهاد‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬سلام‭ ‬عادل‭ ‬يلبي‭ ‬طموح‭ ‬الكرد‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولكي‭ ‬يتم‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الحوار‭ ‬ونزع‭ ‬فتيل‭ ‬النزاع‭ ‬بادر‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬طلال‭ ‬بقناعة‭ ‬بالدعوة‭ ‬الخيرة‭ ‬لرأب‭ ‬الصدع‭ ‬وإعادة‭ ‬اللحمة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬الكرد‭ ‬والعرب،‭ ‬فدعا‭ ‬في‭ ‬عمان‭ ‬إلى‭ ‬حوار‭ ‬عربي‭ ‬–‭ ‬كردي‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬آذار‭/ ‬مارس‭ ‬2018‭ ‬،‭ ‬ساهم‭ ‬فيه‭ ‬مثقفون‭ ‬كرد‭ ‬وعرب‭ ‬من‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبينهم‭ ‬بالطبع‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬أيضاً‭. ‬

‭ ‬وطرح‭ ‬لقاء‭ ‬عمان‭ ‬بلاتفورم‭ ‬للعمل‭ ‬عليه‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتعزيز‭ ‬الروابط‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬والأدبية‭ ‬وتشجيع‭ ‬الترجمة‭ ‬وتبادل‭ ‬الزيارات‭ ‬وإقامة‭ ‬فاعليات‭ ‬وأنشطة‭ ‬مشتركة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬الفنية‭ ‬والرياضية‭ ‬والإجتماعية،‭ ‬يكون‭ ‬سقفها‭ ‬الإحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬ومراعاة‭ ‬الخصوصية‭ ‬والهويات‭ ‬المتعددة‭ ‬بما‭ ‬يجمعها‭ ‬من‭ ‬مشتركات‭ ‬عامة‭. ‬وصدر‭ ‬في‭ ‬كراس‭ ‬بعنوان‭ ” ‬الحوار‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي‭” – ‬خلاصة‭ ‬أعمال‭ ‬ندوة‭ ‬عقدها‭ ‬منتدى‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬آذار‭/ ‬مارس‭ ‬2018‭.‬

وقد‭ ‬أجريت‭ ‬جولة‭ ‬الحوار‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي،‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬بشفافية‭ ‬عالية‭ ‬واعتمدت‭ ‬كأساس‭ ‬لإقامة‭ ‬جولة‭ ‬ثانية‭ ‬موسعة‭ ‬للحوار‭ ‬وفقاً‭ ‬للبلاتفورم‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬منتدى‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬ولولا‭ ‬اجتياح‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ (‬كوفيد‭-‬19‭) ‬لكان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬التواصل‭ ‬لتحديد‭ ‬موعد‭ ‬للجولة‭ ‬الثانية‭.‬

حوار‭ ‬أعمدة‭ ‬الأمة‭ ‬الأربعة

واستناداً‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬فكرة‭ ‬الحوار‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي،‭ ‬بادر‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الحسن‭ ‬لتبني‭ ‬مقترح‭ ‬تنظيم‭ ‬جولة‭ ‬لحوار‭ ‬مثقفي‭ ‬الأمم‭ ‬الأربعة‭: ‬الكرد‭ ‬والفرس‭ ‬والترك‭ ‬والعرب‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬تموز‭/ ‬يوليو‭ ‬2018‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬لقاء‭ ‬لوضع‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬موضع‭ ‬التنفيذ‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬للديمقراطية‭ ‬2016‭  ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬السطور‭ ‬،‭ ‬وشارك‭ ‬فيه‭ ‬شخصيات‭ ‬كردية‭ ‬وفارسية‭ “‬إيرانية‭” ‬وتركية‭ ‬وعربية،‭ ‬وتأسس‭ ‬وفقاً‭ ‬له‭ ‬لاحقاً‭ ‬منتدى‭ ‬التكامل‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬2019،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وظروف‭ ‬التباعد‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬تنشيط‭ ‬دوره،‭ ‬علماً‭ ‬بأنه‭ ‬عقد‭ ‬لقاءً‭ ‬تشاورياً‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬2020‭.‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الحسن‭ ‬فقد‭ ‬انعقد‭ “‬مؤتمر‭ ‬أعمدة‭ ‬الأمة‭ ‬الأربعة‭” ‬بحضور‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وكردستان‭ (‬العراق‭) ‬والبلاد‭ ‬العربية‭. ‬وتجري‭ ‬الإستعدادات‭ ‬لعقد‭ ‬لقاء‭ ‬جديد‭ ‬يستكمل‭ ‬اللقاءين‭ ‬السابقين،‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي‭ ‬و‭”‬أعمدة‭ ‬الأمة‭ ‬الأربعة‭”‬،‭ ‬وقد‭ ‬انعقد‭ ‬لقاء‭ ‬تشاوري‭ ‬للجنة‭ ‬مصغرة‭ ‬ضمت‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬مثقفين‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ .‬

السليمانية‭ : ‬التواصل‭ ‬والتكامل

‭ ‬تواصلاً‭ ‬مع‭ ‬مؤتمرات‭ ‬الحوار‭ ‬العربي‭ – ‬الكردي‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬عاماً،‭ ‬فإن‭ ‬المناظرة‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬انعقدت‭ ‬في‭ ‬السليمانية‭ ‬3‭-‬5‭  ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2021،‭ ‬والتي‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬ملا‭ ‬بختيار‭ ‬وكاتب‭ ‬السطور،‭ ‬أعادت‭ ‬طرح‭ ‬الإشكالية‭  ‬التي‭ ‬هي‭ ‬العنوان‭ ‬العام‭ ‬لجميع‭ ‬الحوارات‭: ‬ماذا‭ ‬يريد‭ ‬الكرد‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬وماذا‭ ‬يريد‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬الكرد؟‭ ‬وكيف‭ ‬السبيل‭ ‬لتعزيز‭ ‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬للتفاعل‭ ‬والتواصل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المشترك‭ ‬الإنساني؟

ومن‭ ‬خلال‭ ‬المداخلات‭ ‬وعلى‭ ‬هامشها‭ ‬أيضاً‭ ‬تم‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬سبل‭ ‬جديدة‭ ‬لبحث‭ ‬و‭ ‬تطوير‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مشترك‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خلافي،‭ ‬أو‭ ‬العكس‭ ‬البدء‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬خلافي‭ ‬لتنقية‭ ‬الأجواء‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مشترك،‭ ‬وذلك‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬طريق‭ ‬المثقفين‭ ‬والثقافة‭ ‬التي‭ ‬هي‭  ‬المظلة‭ ‬التي‭ ‬يستظلون‭ ‬تحت‭ ‬لوائها،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬الأولويات‭ ‬بدءًا‭ ‬بالمواطنة‭ ‬وفكرة‭ ‬الإتحاد‭ ‬الإختياري‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مناقشة‭ ‬التجارب‭ ‬العملية،‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬محتمل‭ ‬إبتداءً‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬ومروراً‭ ‬بالفيدرالية‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الكونفيدرالية،‭ ‬مثلما‭ ‬يمكن‭ ‬مناقشة‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬في‭ ‬تجلياته‭ ‬الحقوقية‭ ‬والسياسية،‭ ‬بجوانبها‭ ‬النظرية‭ ‬والعملية‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬تشكيل‭ ‬كيانية‭ ‬خاصة‭ ‬بالكرد‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬رغبوا‭ ‬بالإستقلال‭ ‬وتكوين‭ ‬دولة‭ ‬حين‭ ‬يصبح‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭ ‬مستحيلاً‭.‬

‭”‬الضد‭” ‬وا‭ “‬مع‭”‬

‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالرغبات‭ (‬ضد‭ ‬أو‭ ‬مع‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬بتوازن‭ ‬القوى‭ ‬والمصالح‭ ‬وإمكانية‭ ‬الإستمرار‭ ‬في‭ ‬كيانية‭ ‬كردية‭ ‬خاصة‭ ‬دون‭ ‬تداخلات‭ ‬أجنبية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬إقليمية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ضغوط‭ ‬دولية،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬الكردي‭ ‬النقدي‭ ‬التنويري‭ ‬التبصيري؟‭ ‬وأين‭ ‬يكمن‭ ‬جوهر‭ ‬ثقافته؟‭ ‬وكيف‭ ‬السبيل‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المثقف‭ ‬الإيراني‭ ‬والمثقف‭ ‬التركي‭ ‬؟‭ ‬والأسئلة‭ ‬ذاتها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬دوره؟‭ ‬وكيف‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬مطالب‭ ‬شقيقه‭ ‬المثقف‭ ‬الكردي؟‭ ‬وماذا‭ ‬يريد‭ ‬منه؟

‭ ‬ففي‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬ثمة‭ ‬اختبار‭ ‬لصدقية‭ ‬وإنسانية‭ ‬وثقافة‭ ‬المثقف،‭ ‬إذْ‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تطويع‭ ‬وسيلته‭ ‬الإبداعية‭ ‬لخدمة‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والجمالية؟‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬السبيل‭ ‬لتواصله‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬المثقف‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬أجزاء‭ ‬كردستان؟‭ ‬ويتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬النظر‭ ‬بحيوية‭ ‬وتكافؤ‭ ‬دون‭ ‬إستعلاء‭ ‬أو‭ ‬تسيد‭ ‬أو‭ ‬ادعاء‭ ‬بالأكثرية‭ ‬العددية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬ودون‭ ‬تعصب‭ ‬أو‭ ‬انغلاق‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المثقف‭ ‬الكردي‭.‬

الراهن‭ ‬مستمر

مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬الراهنة،‭ ‬كانت‭ “‬راهنة‭” ‬دائماً‭ ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الحساسية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تمت‭ ‬الدعوة‭ ‬لأول‭ ‬حوار‭ ‬عربي‭ ‬–‭ ‬كردي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1991‭ ‬خارج‭ ‬الأطر‭ ‬الرسمية‭ ‬حين‭ ‬التأم‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1992‭ ‬،‭ ‬ويتذكر‭ ‬الأحياء‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬حضروا‭ ‬المؤتمر‭ ‬الأول‭ ‬للحوار‭ ‬وهم‭ ‬كثر‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والكرد‭ ‬كيف‭ ‬سارت‭ ‬وجهة‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬بداياتها؟‭ ‬وكيف‭ ‬انتهت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬خاتمتها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬الثقة‭ ‬بالحوار‭ ‬وأهميته‭ ‬وأفقه‭ ‬المستقبلي؟‭ ‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬الإجتماع‭ ‬عنده‭ ‬كمثقفين‭ ‬وأصدقاء‭ ‬معنيين‭ ‬بشؤون‭ ‬الثقافة‭ ‬وبالدور‭ ‬المنشود‭ ‬للمثقف،‭ ‬خصوصاً‭ ‬حين‭ ‬يكونون‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأهمية‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬–‭ ‬الكردية‭ ‬ليس‭ ‬ببعدها‭ ‬السياسي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬بأبعادها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والإجتماعية‭  ‬والصداقية‭ ‬والإنسانية‭. ‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬ناقدٌ‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬النقد‭ ‬والنقد‭ ‬الذاتي‭ ‬والمراجعات‭ ‬الضرورية‭ ‬يمكن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬مشتركات‭ ‬لتجسير‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬أولاً،‭ ‬وإزالة‭ ‬بعض‭ ‬الحساسيات‭ ‬والعوائق‭ ‬خارج‭ ‬دوائر‭ ‬الإستتباع‭ ‬والهيمنة‭ ‬أو‭ ‬الإنعزالية‭ ‬والإنغلاق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬علاقات‭  ‬حميمية‭ ‬وصادقة،‭ ‬فلا‭ ‬الولاء‭ ‬أوالمديح‭ ‬أوتأييد‭ ‬السياسات‭ ‬بما‭ ‬لها‭ ‬وما‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬العداء‭ ‬أوالتجريح‭ ‬أو‭ ‬الشوفينية‭ ‬،‭ ‬تستطيع‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬صادقة‭ ‬وصافية‭ ‬ومحترمة‭ ‬وواعدة‭ ‬في‭ ‬الآن،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬توسيع‭ ‬خيارات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والتقدم‭ ‬والإزدهار‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬مناظرة‭ ‬السليمانية‭ ‬علامة‭ ‬مضيئة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحوار‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الكردي،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأنها‭ ‬من‭ ‬السليمانية‭ ‬وكردستان،‭ ‬لذلك‭ ‬فإنها‭ ‬ستكون‭ ‬خطوة‭ ‬إيجابية‭ ‬وموفقة‭ ‬لتعضيد‭ ‬المبادرات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نواة‭ ‬لحوار‭ ‬قادمٍ‭ ‬بين‭ ‬مثقفي‭ ‬الأمم‭ ‬الأربعة‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مأسسة‭ ‬وإدارة‭ ‬وتواصل‭ ‬في‭ ‬الحقول‭ ‬المختلفة‭.‬

حوار‭ ‬50‭ ‬عاماً‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬حرب‭ ‬

    ‬أعتقد‭ ‬إن‭ ‬السبيل‭ ‬لبلوغ‭ ‬الأهداف‭ ‬المشتركة‭ ‬هو‭ ‬الحوار،‭ ‬وكما‭ ‬قيل‭ ‬حوار‭ ‬50‭ ‬عاماً‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬ساعة،‭ ‬فالحرب‭ ‬ستترك‭ ‬ويلات‭ ‬ومآسي‭ ‬وآثار‭ ‬إجتماعية‭ ‬ونفسية‭ ‬وجروح‭ ‬يصعب‭ ‬إندمالها‭ ‬أحياناً‭ ‬وذاكرة‭ ‬قد‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬الكراهية‭ ‬والحقد‭ ‬والإنتقام،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬ضحيتها‭ ‬الشعب‭ ‬الأعزل‭ ‬والجهات‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬إليها‭ ‬دفعاً،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الصراع‭. 

  ‬‭  ‬والحوار‭ ‬يتطلب‭ ‬جهداً‭ ‬أكبر‭ ‬يجمع‭ ‬مثقفين‭ ‬من‭ ‬تيارات‭ ‬فكرية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ليكونوا‭ ‬قوة‭ ‬ضغط‭ ‬وقوة‭ ‬إقتراح‭ ‬وقوة‭ ‬شريكة‭ ‬ومكملة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الحلول‭ ‬والمقترحات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رؤية‭ ‬حقوقية‭ – ‬إنسانية،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬المشتركات‭ ‬والمصالح‭ ‬والمنافع‭ ‬المتبادلة‭.‬

    ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬كنخب‭ ‬عربية‭ ‬وكردية‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬حوارات‭ ‬معمقة‭ ‬وتفاهمات‭ ‬استراتيجية‭ ‬واتفاقات‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬وثقة‭ ‬متبادلة‭ ‬وصراحة‭ ‬كاملة‭ ‬وشفافية‭ ‬عالية‭ ‬ونقد‭ ‬متبادل‭ ‬ونقد‭ ‬ذاتي‭ ‬أيضاً،‭ ‬لندفع‭ ‬بجهد‭ ‬السياسيين‭ ‬لعلاقات‭ ‬منزهة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الأغراض‭ ‬والتكسب‭ ‬والمصالح‭ ‬الأنانية‭ ‬الضيقة،‭ ‬والتفاهمات‭ ‬التكتيكية‭ ‬الطارئة‭ ‬والظرفية‭ ‬والصفقات،‭ ‬والتي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تتبخر‭ ‬وتظهر‭ ‬عيوبها،‭ ‬وذلك‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أجواء‭ ‬الغرف‭ ‬المظلمة‭ ‬أو‭ ‬المهرجانات‭ ‬الصاخبة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الدعائي‭ ‬والتي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تأخذ‭ ‬جانب‭ ‬المجاملة‭ ‬والإحتفالية‭.‬

    ‬وكنت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬قد‭ ‬أشرت‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬مراجعة‭ ‬وتدقيق‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬الطرفان‭ ‬العربي‭ ‬والكردي‭ ‬وكلاهما‭ ‬مستهدفٌ‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬خارجية‭ ‬وأخرى‭ ‬داخلية‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬لهذا‭ ‬الملف‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬غاياته‭ ‬المنشودة‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬في‭ ‬المنتدى‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الدولي‭ ‬بالتعاون‭ ‬بين‭ ‬جامعتي‭ ‬كويسنجق‭ ‬وبغداد‭ ‬28‭ -‬‭ ‬29‭ ‬نيسان‭/ ‬أبريل‭ ‬2019‭ ‬وفي‭ ‬بحثٍ‭ ‬عن‭ “‬المثقف‭ ‬ومسألة‭ ‬التعايش‭ ‬المشترك‭” ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬أمام‭ ‬المعنيين‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ ‬وقفة‭ ‬جدية‭ ‬لمراجعتها‭ ‬ومنها‭: ‬

•‭ ‬المحاولات‭ ‬الحثيثة‭ ‬لعزل‭ ‬الكرد‭ ‬عن‭ ‬المحيط‭ ‬العربي‭ ‬وإضعاف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مشترك‭ ‬وإيجابي‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬وتقديم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إشكالي‭ ‬و‭ ‬خلافي،‭ ‬حيث‭ ‬يجري‭ ‬تضخيم‭ “‬الفوارق‭” ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تعظيم‭ “‬الجوامع‭”. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬هناك‭ ‬تفاصيل‭ ‬عديدة،‭ ‬تتعلق‭ ‬باللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬والترجمة‭ ‬والفنون‭ ‬والأداب‭ ‬والعلاقات‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

•‭ ‬تحميل‭ ‬العرب‭ ‬والعروبة‭ ‬وزر‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للكرد‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬وعسف‭ ‬شوفيني‭. ‬وبنظرة‭ ‬تعميمية‭ ‬تتحول‭ ‬ارتكابات‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬وآثامه‭ ‬والأنظمة‭ ‬التي‭ ‬سبقته‭ ‬وكأنها‭ ‬ارتكابات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬العرب‭ ‬والعروبة،‭ ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬العقلانية‭ ‬النقدية‭ ‬الإيجابية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬العرب‭ ‬فيتم‭: ‬

•‭ ‬اتهام‭ ‬الكرد‭ ‬بالانفصالية‭ ‬والعداء‭ ‬للعرب‭ ‬لمطالبتهم‭ ‬بحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬ودعوتهم‭ ‬لإقامة‭ ‬كيانية‭ ‬خاصة‭ ‬مستقلة‭ ‬بهم‭ (‬دولة‭) ‬،‭ ‬وتحميلهم‭ ‬مسؤولية‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال‭. ‬ومثلما‭ ‬ينبغي‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬عروبة‭ ‬الحكام‭ ‬المستبدين‭ ‬وعروبة‭ ‬العرب،‭ ‬فإن‭ ‬ضيق‭ ‬أفق‭ ‬بعض‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬الكردية‭ ‬الانعزالية‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتحمله‭ ‬المثقفون‭ ‬الكرد،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭. ‬

•‭ ‬عدم‭ ‬اكتراث‭ ‬بعض‭ ‬عرب‭ ‬العراق‭ ‬وقسم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬السياسية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬بمسألة‭ ‬كرد‭ ‬إيران‭ ‬وكرد‭ ‬تركيا‭ ‬وكرد‭ ‬سوريا‭ ‬وحقوقهم‭ ‬المشروعة،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يعنيهم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬يطالبون‭ ‬الكرد‭ ‬باتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬تضامنية‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬فلسطين،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يقفون‭ ‬موقفاً‭ ‬سلبياً‭ ‬إزاء‭ ‬حقوق‭ ‬الكرد‭.‬

•‭ ‬عدم‭ ‬اكتراث‭ ‬بعض‭ ‬كرد‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الكرد‭ ‬بحساسية‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ “‬إسرائيل‭” ‬المنتهكة‭ ‬لحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولاسيما‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.‬

•‭ ‬وعلى‭ ‬الطرفين‭ ‬العربي‭ ‬والكردي‭ ‬عدم‭ ‬تقديم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬طارئ‭ ‬ومؤقت‭ ‬وآني‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬شائكة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬استراتيجي‭ ‬وثابت‭ ‬وبعيد‭ ‬المدى‭. ‬والأمر‭ ‬يشمل‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأساسية،‭ ‬والنخب‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬والحقوقية‭ ‬أيضاً‭ ‬وإن‭ ‬بدرجة‭ ‬أدنى‭. ‬

وعلى‭ ‬الطرفين‭ ‬العربي‭ ‬والكردي‭ ‬تبديد‭ ‬المخاوف‭ ‬والشكوك‭ ‬إزاء‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض،‭ ‬إذْ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للمثقفين‭ ‬العرب‭ ‬تبديد‭ ‬مخاوف‭ ‬الكرد‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬وتوطيد‭ ‬العلاقة‭ ‬والتفاهم‭ ‬والمشترك‭ ‬الإنساني،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بحقوقهم‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتضمنه‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬من‭ ‬مضامين،‭ ‬لا‭ ‬باعتبارها‭ ‬منة‭ ‬أو‭ ‬هبة‭ ‬أو‭ ‬هدية،‭ ‬بقدر‭ ‬كونها‭ ‬إقراراً‭ ‬بواقع‭ ‬أليم‭ ‬وانسجاماً‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬الإنتصار‭ ‬للمظلوم‭ ‬والشريك‭ ‬في‭ ‬الوطن،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مبادئ‭ ‬المساواة‭ ‬والعدالة‭ ‬والشراكة‭ ‬والمواطنة‭ ‬المتكافئة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬،‭ ‬مثلما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشركاء‭. ‬فالكرد‭ ‬أمة‭ ‬مثل‭ ‬بقية‭ ‬الأمم‭ ‬لها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬وتحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬الكردية‭ ‬الكيانية،‭ ‬مثلما‭ ‬العرب‭ ‬أمة‭ ‬قسمها‭ ‬المستعمرون‭ ‬أيضاً‭ ‬ولها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يؤطر‭ ‬قانونياً‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬دستوري‭ ‬متسق‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬بد‭  ‬للمثقفين‭ ‬الكرد‭ ‬تبديد‭ ‬مخاوف‭ ‬العرب‭ ‬بتأكيد‭ ‬اعتبارهم‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬اختاروه‭ ‬عبر‭ ‬النظام‭ ‬الفيدرالي،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭  ‬لا‭ ‬سعادة‭ ‬للعرب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الكرد،‭ ‬ولا‭ ‬سعادة‭ ‬للكرد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬لأن‭ ‬مصيرهما‭ ‬مشترك‭ ‬وذلك‭ ‬قدر‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬نقمة‭  ‬أم‭ ‬نعمة‭.‬

ولعل‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬ستظل‭ ‬مطروحة‭ ‬للنقاش،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬مناظرة‭ ‬المفكر‭ ‬الكردي‭ ‬ملا‭ ‬بختيار‭ ‬مع‭ ‬كاتب‭ ‬السطور‭ ‬عبر‭ ‬فيها‭ ‬الطرفان‭ ‬برحابة‭ ‬صدر‭ ‬وموضوعية‭ ‬وشفافية‭ ‬عالية‭.‬

عوضاً‭ ‬عن‭ ‬الخاتمة

وفي‭ ‬الختام‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬قلته‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ “‬أغلبيات‭” ‬كثيرة‭ ‬اجتمعت‭ ‬في‭ ‬شخصي‭ ‬المتواضع،‭ ‬وذلك‭ ‬بمحض‭ ‬الصدفة،‭ ‬وهي‭ ‬أغلبيات‭ ‬دينية‭ ‬وقومية‭ ‬وحسب‭ ‬البعض‭ ‬مذهبية،‭ ‬وأزعم‭ ‬أنها‭ ‬أغلبيات‭ ‬شعبية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬دفاعي‭ ‬عن‭ ‬الفقراء‭ ‬والكادحين‭ ‬وعموم‭ ‬المظلومين،‭ ‬ولكن‭ ‬عروبتي‭ ‬التي‭ ‬أعتز‭ ‬بها‭ ‬وانتمائي‭ ‬الصميمي‭ ‬للحضارة‭ ‬العربية‭ – ‬الإسلامية‭ ‬ودفاعي‭ ‬عن‭ ‬المسحوقين‭ ‬ستكون‭ ‬ناقصة‭ ‬ومبتورة‭ ‬ومشوهة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أعترف‭ ‬بحقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬الشقيق،‭ ‬ولاسيما‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭.‬

وكنت‭ ‬كتبت‭ ‬رسالة‭ ‬خاصة‭ ‬للزعيمين‭ ‬الكرديين‭ ‬مسعود‭ ‬البارزاني‭ ‬و‭ ‬جلال‭ ‬الطالباني‭ ‬عشية‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬واحتلاله‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬محذراً‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬الجمة،‭ ‬وأكرر‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيهما‭ ‬فحتى‭ ‬لو‭ ‬تخلى‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬الكردي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬تكتيكية‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬فسوف‭ ‬أبقى‭ ‬مدافعاً‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭ ‬وخياراته‭ ‬الحرة‭ ‬لإيماني‭ ‬المبدئي،‭ ‬الفكري‭ ‬والحقوقي‭ ‬بذلك،‭ ‬ولأن‭ ‬ذلك‭ ‬حق‭ ‬قانوني‭ ‬وإنساني‭ ‬أيضاً،‭ ‬سواء‭ ‬بالإتحاد‭ ‬الإختياري‭ ‬الأخوي‭ ‬أو‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬صديقة‭ ‬للعرب،‭ ‬وأقول‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬لبس‭ ‬أو‭ ‬غموض‭ ‬وبثقة‭ ‬وشفافية‭ ‬كمثقف‭ ‬يؤمن‭ ‬بقيم‭ ‬التحرر‭ ‬والحرية‭ ‬والسلام‭ ‬والتسامح‭ ‬وحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.