4 يناير 2025

 د. خالد شوكات: هل يمكن إصلاح “الجزء” إن كان سياق “الكلّ” منحرفاً؟

1 min read

 د. خالد شوكات

الإصلاح هو ما تحتاجه بلادنا، والمنهج الاصلاحي هو المنهج الأقرب للشخصية التونسية بالمعنى التاريخي، وقد كانت تونس سباّقة في مجالها العربي الاسلامي الى اطلاق حركة اصلاحية منذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، على زمن حمودة باشا باي، كانت تهدف الى جسر الهوة مع الغرب واعادة بناء الدولة والمجتمع والجيش على أسس حديثة.

وحتى عندما ابتليت البلاد بالغزو الاستعماري، لم تتخلى الحركة الوطنية التي تناضل المستعمر من اجل الحرية والاستقلال عن وظيفتها الاصلاحية، وهكذا اصبحت تسمى الحركة الوطنية الاصلاحية، حتى دحرت الاستعمار فقامت وهي تبني الدولة الوطنية المعاصرة بتحويل المشروع الاصلاحي من مدونات نظرية الى ورشات عمل تطبيقية، في التعليم والصحة والثقافة وتحرير المرأة وغيرها.

لكن الاصلاح وظيفة دائمة تحتاج الي تعهّد لمضمونها وتجديد لأسسها عند كل مرحلة، ومن هنا الحاجة الى تظافر جهود النخب الفكرية والسياسية، لتقديم المشاريع الاصلاحية لكل جيل، فكل وطن يعجز عن تجديد فكره وتعهّد مشروعه الاصلاحي يسقط في التخلف ويتراجع، وهكذا نرى ان الواقع المتأزم الذي تعيشه تونس حاليا ليس سوى نتاج تقاعس التونسيين عن القيام بواجبهم الاصلاحي والتجديدي، وغرقهم في جدل بيزنطي لا صلة له بقضاياهم الكبرى الحقيقية وتورّطهم في معالجة الجزئيات بدل ادراك الكليات وانقسامهم حول توافه الامور عِوَض الارتفاع بالنقاش العام نحو المشاريع الكبرى والمخططات التنموية والطموحات الحضارية.

هكذا نرى تعيين وزير او مدير عام لشركة عمومية قد اضحى مجالا لجدال التونسيين ونقاشهم وموضوعًا لانقسامهم وتنازعهم، وكأن إصلاح الأجزاء ممكناً اذا كان السياق الكلي العام فاسدا أو معوّقا أو معرقلا، فتجارب الاصلاح والنهوض غالبا ما كانت في التاريخ ومن خلال التجارب المقارنة مشروعا كلّياً، فالتقدم والتخلف صنوان اذا هبّتْ ريح أحدهما تهبُّ كاملة، فترى القطاعات المتخلفة تنهض مجتمعة يرفد احدها الاخر، أو تتخلف فتتساقط تباعا كأحجار الدومينو. ومن هذا المنطلق يبدو سخيفا، -وقد زادته قنوات التواصل الاجتماعي سخفاً ووسائل الاعلام المهووسة بالإثارة تفاهة-، هذا الولع بتداول اخبار التعيينات في مواقع الدولة، وكان أصحابها – مهما كانت مواهبهم خارقة كما يزعم- قادرة على اجتراح المعجزات في مهمات جزئية جرى تكليفهم بالاشراف عليها، وجميع من شغل وظيفة حكومية يدرك تماما أنّ إصلاح وزارة او شركة في سياق حكم غير اصلاحي لن يقود الى نتائج مبهرة، اذ الدولة جسمٌ كالجسم البشري تماماً، على اجهزته ان تشتغل بتناغم جماعي كلي تحت إمرة عقل موحد يعرف ما يريد ويسير وفق مخطط حضاري واضح وبعزيمة قوية وتصميم على تحقيق الأهداف وادراك الغايات المرسومة.

إن التحوير الوزاري أو تعيين مسؤولين سامين، يمكن ان يكون مجديا ومفيدا اذا كان مندرجاً في سياق تعزيز النتائج الايجابية لمشروع حكم واضح وطموح، ولكنه غالبا ما يكون بلا اثر يذكر ان كان السياق سياق غنيمة وتقاسم وتوزيع، ولهذا فان تونس بحاجة الى تنافس بين قواها ونخبها من اجل انتاج مشاريع شاملة للتقدم والتحضّر، قابلة للتنفيذ، ودون هذا فاننا سنواصل الخروج من دورة جهنمية لنقع في دورة جديدة اشد استعاراً، ولن نتمكن من الافلات من الأزمة التي تتفاقم بهذا الهروب المستمر الى الامام وتتعقّد عملية حلّها. المشروع الحضاري الوطني القادر على إنجاز الاصلاح والتجديد، هو سياق اصلاحي كلّي يعبئ وسائل واجهزة الدولة والمجتمع لتنهض مجتمعة ويرفد بعضها بعضاً، ولا يعوز تونس شيء حتى يكون لها مشروع اصلاحي شامل لا يستثني ادارة أو شركة أو قطاعا او وكالة أو ديوانا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.