1 يناير 2025

د.خالد شوكات: هل فعلا نحبّ النقد والتغيير والمراجعة؟

د.خالد شوكات

قبل سنتين ونيف، وبدعوة من اتحاد الفلاحين الذي كان حينها يستعد لعقد مؤتمره الوطني، ركبنا الطائرة معاً مجموعة من القيادات السياسية والمدنية، كل سيمثل حزبه أو منظمته في الجلسة الافتتاحية، وفي الاستقبال في مطار توزر نفطة الدولي كان والّي الجهة في انتظارنا في قاعة الاستقبال.

جلس السيد نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل الى جانب الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، ولعلها من باب الدعابة ذات المعنى عندما سأل الطبوبي الغنوشي: ” ما حكاية ربطة العنق معك يا شيخ؟”، في إشارة الى “النيو لوك” الذي بدا عليه زعيم الحركة الاسلامية منذ فترة قصيرة حينها، فكانت اجابة الشيخ مثيرة للانتباه:” عجبت لكم يا قومي، تطالبوننا بالنقد والمراجعة والتغيير، فلّما نستجيب ونفعل ذلك ترفضون وتشككون، ماذا عسانا نفعل يا ترى لكي ترضوا عنا”؟

في واقع الامر لم يجانب الشيخ راشد في هذه الصواب، فنحن نطالب الاخرين بنقد انفسهم ومراجعتها وإجراء التغيير المناسب لذلك، ولكننا في واقع الامر لا نريد ان نصدق ونعمد غالبا الى التشكيك والرفض واطلاق الاحكام القطعية السالبة، بل لا نرى حرجا في ان نقسم جازمين بان هذه الجماعة او تلك غير قابلة للتغيير أبداً، فماذا نريد تحديدا، وهل نريد فعلا من الاخرين ان يجددوا انفسهم ويتعصرنوا ويتوطنوا، لنخبرهم في نهاية الامر بأننا لن نعرفهم حتى ولو خرجوا من جلودهم.

وحتى نكون صرحاء فعلا، هل نريدهم فعلا من هؤلاء ان يتغيروا، أم نريد تسجيل أهداف ضدهم باي طريقة سواء راجعوا وتراجعوا أم لم يفعلوا؟ أظن اننا لا نحب تغيير وليس ادل على ذلك من اننا لا نمدح الذين يتغيرون ويراجعون، كما فعل لطفي زيتون مثلا، وغالبا ما نوجه لهم ابشع النعوت: متبدلون ومتلونون وانتهازيون ومنافقون ومداهنون..الخ من الألفاظ النابية والحادة، وبالمقابل نمدح الجامدين الذين لا يتغيرون، ومن ولد ماركسيا فعليه ان يموت ماركسيا، ومن ولد إخوانيا لا يمكن ان يموت الا إخوانيا وهكذا يجب ان يبقى حمّة الهمامي كما عرفناه منذ السبعينيات حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بما يقارب الاربعين عاما، وان يبقى راشد الغنوشي إخوانيا رغم مرور خمسين عاما على فك الارتباط بين النهضة والجماعة.

وطبعا عندما نرفض نتائج النقد والمراجعة والتغيير فلن نعدم وجود أسطول من الحجج الدامغة على ان ما حدث لا يعد حقيقيا وانه مجرد مراوغات تكتيكية الهدف منها احراز أهداف مرحلية قبل ان يعود المتغير الى طبيعته الأصلية، واعرف بعض المتغيرين الذين ماتوا على نقدهم ومراجعاتهم والاصلاحات التي ألزموا بها انفسهم دون ان يعودوا الى اصولهم الفكرية والأيديولوجية التي غادروها ومع ذلك لم ينالوا بركة “المخبرين” الفكريين والسياسيين الذي رفضوا ان يمدوهم بصكوك الغفران التي يبيعونها وشهادات الاعتراف التي يحتكرون بلا مبرر حق إصدارها. يحلو لي ونحن نخلّد ذكرى 7نوفمبر 1987، اي ذكرى التغيير المبارك، ان استحضر الخطاب الاخير الذي القاه الرئيس بن علي رحمه الله يوما قبل مغادرته البلاد.

قال الزين يومها انهم غلطوه وانه لا رئاسة مدى الحياة بعد يومه ذاك وانه سيفسح المجال امام التعددية الحقيقية والصحافة الحرة والانتخابات ذات النزاهة والشفافية …الخ، فلماذا يهاجم الناس محمد الغرياني الذي بنى على هذا الخطاب المشحون بالنقد والرغبة في المراجعة والإصلاح والتغيير، بينما يمجّد كثير منهم من ارتد عن هذا المنهج ورفع راية الجمود وشعارات النوستالجيا والفاشية والانغلاق.

يقول بعضهم من باب اطراء الذات وكيل المديح لها، انا كذا وسأبقى كما انا ما حييت، وهل هذه صفة حسنة يا ترى، ان لا يقوم المرء بين الفترة والأخرى بتأمل فكره وسلوكه وتقييمه وتجديده ومراجعته وتغييره، وهل تتقدم الشعوب والأمم كما الأفراد برفض محاسبة الذات والتمسك بالسائد وان تجاوزه الزمن واقتضى التحيين.

ثم لماذا نصر على تحويل افكارنا الطارئة الى ثوابت دائمة، حتى حوّل بعضنا منظومات فكرية بشرية الى ما يشبه العقائد المقدسة، كما حولنا بعض زعمائنا الذين نجلّهم الى أنبياء معصومين عن الخطأ، فيما لو عدنا الى سيرتهم لوجدنا ان ابرز ما ميّزهم وارتقى بهم الى مصافّ القادة العظماء هو فكرهم النقدي ونزعتهم التجديدية وقيادتهم مسارات التغيير في بلدانهم وبين أممهم.

الفكر النسبي هو الذي يميّز الامم المتقدمة، بينما نحن متشبثون بفكر إطلاقي، وحتى أولئك الذين رفعوا رايات الحداثة حوّلوا الحداثة عندنا الى سلفية مقيتة ترفض ان يرتدي الشيخ ربطة عنق، وتصرّ على أن يستمر زعيما للإخوان المسلمين حتى نتمكّن من رجمه فكريا وسياسيا، والا ماذا سنفعل ان تحول الى شيء يشبهنا، فالذين يشبهوننا لا يحققون لنا الغاية؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.