د.خالد شوكات: هل ستشكل جربة متنفّسا لليبيين ثانية؟
1 min readد.خالد شوكات
تجتمع القيادات السياسية الليبية الممثلة لمختلف الأطراف المعنية والمتنازعة منذ سنوات، إبتداءًا من الغد 9 نوفمبر 2020، في جزيرة جربة، التي لطالما لعبت دور المتنفس لهذا البلد الشقيق عندما كان محاصرا سنوات التسعينيات وساهم في خروجه من تلك التجربة المريرة التي استهدفت سيادته ومعاشه ومستقبله، ولعل جربة القريبة دائما من قلوب الليبيين ومزاجهم، تلعب هذا الدور الإيجابي مرة أخرى في مساعدتهم على خروج من مستنقع الفتنة الداخلية المريرة وترتيب أوراقهم المستقبلية على نحو يخدم مصالحهم الجماعية ويفوّت الفرصة على من خطط لاستنزافهم وتقسيمهم إلى الأبد.
اختيار جربة لعقد اللقاء الليبي الجماعي ذو الوظيفة المصيرية، هو اختيار صائب لعدة أسباب لعلَّ أبرزها القرب الجغرافي والحياد الضروري والرمزية العالية والراحة النفسية والسياق السياسي المناسب، وجميعها عوامل يحتاجها المفاوضون لإتمام ما بدأوه في بوزنيقة المغربية وفي أماكن أخرى، وهم اليوم قاب قوسين أو أدنى من إنجاز المطلوب، على أن عقبات تنفيذ أي اتفاق لن تكون سهلة ولكنها أيضا ليست مستحيلة.
النقطة الاولى التي وردت في البيان الصحفي لآخر اجتماع للفرقاء الليبيين في بوزنيقة تكشف وعي المفاوضين بأهمية أن يدار الحوار السياسي بملكية ليبية خالصة، وهذا ما يفسّر اختيار جربة عن غيرها لعقد الجولة الاخيرة من هذا الحوار على ارض تونسية، فالأشقاء الليبيون يدركون ان تونس هي البلد الأكثر حرصا في العالم على احترام ملكيتهم الخالصة لشأنهم الداخلي، وان لا مصلحة لتونس الا ان تخرج ليبيا موحدة من المحنة وان تعيد بناء دولتها الوطنية وتستأنف مسار الانتقال الديمقراطي فيها، وان تونس ليست منحازة لطرف على حساب طرف اخر، وانها لم تتدخل يوما في الشأن الليبي على نحو يؤجج صراعها الداخلي، وانها لم تميز بين الاشقاء الليبيين وابقت على ابوابها مفتوحة أمامهم جميعا وانها لم تبخل على الشعب الليبي ساعة يحتاجها في اي يوم من الأيام، وقد تقاسم التونسيون مع أشقائهم الحلوة والمرة.
هناك خصوصية لتونس في علاقتها مع ليبيا قياسا باي دولة مجاورة اخرى، ويدرك التونسيون ان أشقاءهم في ليبيا لا يرتاحون في اي بلد آخر مثلما يرتاحون في تونس، وانه ليس هناك بلد يقاسمهم الروابط الاجتماعية وملاحم التضامن التاريخية مثل تونس، وان الوضع في البلدين مترابط الى درجة يظهر فيها التأثير مباشرا مثلما لا يظهر في اي حالة اخرى من علاقة ليبيا مع جيرانها الاخرين، وهو يجعل التونسيين يدركون تماما ان استقرار ليبيا وازدهارها هو جزء من استقرارهم وازدهارهم والعكس صحيح.
والحقيقة التي لا يمكن نكرانها، أن الله أكرم الليبيين مثلما لم يكرم أي بلد في العالم، اذ لا يوجد بلد يملك موارد ليبيا الطبيعية والجغرافية والتاريخية وغناها قياسا الى عدد سكانها، فهي الدولة المتوسطية الأطول شاطئا على هذه البحيرة الاكبر في قلب الدنيا، وهي صاحبة المدن الرومانية والبحيرات الصحراوية والأماكن المقدسة لجميع الأديان السماوية، فضلا عن النفط والغاز ومواد منجمية أخرى كثيرة، وتنوع بيئي وموقع استراتيجي وسواها من مظاهر الثروة الظاهرة والباطنة، وهنا سرّ المحن التي عاشتها ليبيا في الماضي وما تزال تعيشها، فإذا ما كتب الله لليبيين في جربة السلام والاستقرار من جديد فسيكون مقدمة رخاء على شعبها وعلى محيطها بأسره وفيّ مقدمة هذا المحيط تونس طبعا.
على الليبيين في جربة – وهو ما نتمناه- أن يفوتوا الفرصة على من يراهن على خلاف هذا التمشي الذي يتمناه التونسيون لهم، وان يضعوا حقائق تاريخهم نصب اعينهم، وخصوصا دروس التاريخ وعبره، اذ لا يوجد رابح ابدا في النزاعات الداخلية فالجميع خاسرون، ولا يوجد فائز في الحروب الأهلية فالجميع مهزوم، ولعل فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة سيساهم في التخفيف من أسباب التكالب الاقليمي على تأجيج الصراع بين الاشقاء وأبناء الوطن الواحد، وفي توفير مناخ دولي مناسب للمضي قدما في مسار السلم الأهلي والتحول الديمقراطي والوحدة الوطنية ومعالجة جراح الماضي بالحكمة والموعظة الحسنة.
ربي ايوفق الاخوة الليبيين على الاتفاق بينهم وينظرون إلى وطنهم العزيز والغالي عليهم وربي يحميهم ويمتعكم بالصحة والسعادة والهناء والعمل لما فيه خير البلاد والعباد