د.خالد شوكات: هل تحدث المصالحة بين النظام المصري والإخوان؟
1 min readد.خالد شوكات
ثمّةَ متغيّرات كبيرة مقبلة على المنطقة قريبا، سواء كانعكاس مباشر لهذا المتغير المحرّك الذي استجدّ في الولايات المتحدة بقدوم بايدن ورحيل ترامب، أو استثمارا له من قبل الفاعلين والمعنيين به في مجالنا العربي والإسلامي.
إن مصر، ويصرف النظر عن أوضاعها وسياساتها المتبدّلة طيلة العقود الماضية، تظل لاعبا أساسيا في منظومتنا العربية، بل اللاعب الأول بلا منازع، فهو البلد الوحيد الذي تؤثّرُ حالته الداخلية سلبا وايجابيا وضعفا وقوّة على المنطقة العربية، ولهذا فهو الأكثر استهدافا من غيره، من قبل القوى الدولية المعنية بالتحكم في مصائر العرب.
فعلى الرغم من مرور ما يزيد عن أربعين عاما من اتفاقية السلام مع اسرائيل، فان التقارير الاستخباراتية الاستراتيجية لدولة الكيان الصهيوني ما تزال تصنّف مصر سنويا عدوّها الاول في المنطقة، فقد أظهر الشعب المصري صلابة بطولية رغم كل المرونة التي أبدتها أنظمة دولته المتعاقبة، ويدرك الصهاينة قبل غيرهم أن الشعب هو الباقي أما الأنظمة فتأتي وتذهب، وفيّ مثل هذه الصراعات ذات المدى الطويل تؤخذ الشعوب أكثر بالحسبان. ويذهب المفكر الفلسطيني منير شفيق، في تقدير دور مصر القيادي في المجال العربي الى ما هو أبعد من ذلك، حيث لا يتردد في القول بأن القرار الغربي بزرع الكيان الصهيوني في الجسم العربي إنما مردّه قياسا لجم الطموح المصري، ذلك ان بقية الدول العربية الاخرى ذات الثقل الديمغرافي والحضاري مثل العراق أو سوريا أو المغرب أو الجزائر، لها موقع طرفي لا يساعدها على تعويض الدور المصري، وهو ما أثبتته الوقائع والاحداث الجارية طيلة القرن الماضي والى اليوم.
لقد أثّر الصراع المفتوح بين نظام الرئيس عبد الفتّاح السيسي وتنظيم جماعة الاخوان المسلمين ببعديه الوطني والدولي، بشكل سلبي ليس فقط على الدور المصري في مداه المحلي، بل أساساً على دور مصر ومكانتها الاقليمية والدولية، وخصوصا على قدرتها على تمثيل والدفاع عن مصالح الامة العربية ومنظومة الأمن القومي العربي، وقد اصبح هذا الصراع المصري- المصري مادة تستثمر غالبا من قبل القوى الاقليمية والدولية لاضعاف العرب سواء في علاقاتهم بجيرانهم الطبيعيين (ايران وتركيا وإثيوبيا اساسا) أو غير الطبيعيين (اسرائيل) أو في دعم قضاياهم العادلة والمصيرية مثل القضية الفلسطينية.
إن عديد الاراء والاطراف المستفيدة من هذا الصراع تحاول الإيحاء أنه صراع وجودي غير قابل للحلّ والتسوية ما بقي طرفاه، أي النظام والجماعة، وانه لن ينتهي الا بنهاية احدهما، فيما الرأي أن الصراع بين أبناء الوطن الواحد لا يمكن ان يكون وجوديا، وانها صراعات قابلة حتما للحل اذا توفرت الإرادة وجرى تغليب المصالح العليا الوطنية والقومية، وثمة ما يشجع في أفق المنطقة والعالم على الاعتقاد بامكانية إيجاد تسوية بين القاهرة والجماعة تنزع من على كاهل نظام الرئيس السيسي أعباء مواجهة داخلية منهكة ومحرجة ومكلفة، وتمنح الاخوان فرصة التطبيع مع دولتهم ومجتمعهم من جديد، في وضع يشبه على الاقل ما كان قائما زمن الرئيس مبارك رحمه الله، ويجنبهم حرج توظيف بعض القوى الاقليمية والدولية لهم في اضعاف بلدهم ودوره المحوري في قضايا الأمة، فضلا عن تسوية هذه الوضعية غير الانسانية التي يعيشها الكثير من قادتهم وأعضائهم سواء في المعتقلات والسجون أو في المهاجر والمنافي القريبة والبعيدة.
إن تحقيق المصالحة الوطنية المصرية، بطي صفحة المواجهة المفتوحة لمدة ثماني سنوات متواصلة، التي تجاوزت بعدها الداخلية الى ابعاد إقليمية ودولية، يقتضي شجاعة وإقدامها من الطرفين، وقدرة استثنائية على تجاوز آلام وآثار هذه المرحلة، ومبادرات من اهل الخير ممن لديهم صلة طيبة وتأثير محمود يمكن ان يوظف في إقناع مراكز القرار في الجهتين، وَكما يبدو الرابح في مثل هذه الصراعات خاسرا، فان التسوية تعني ان الجميع سيكون رابحا في النهاية، فعودة مصر بكل قواها الى الساحتين الاقليمية والدولية سيكون نصرا مؤزّرا للامة.
لقد اثبت النظام المصري استعداده من خلال اكثر من إشارة لإيجاد هذه التسوية المطلوبة، من قبيل إبقائه على علاقة طيبة من حركة حماس، التي تمثل جماعة الاخوان في فلسطين إلى جانب كونها جزءا من حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وقد ثابرت القاهرة على بذل جهود مستمرة في المصالحة الوطنية الفلسطينية، تماما كما يبدو الدور المصري المتنامي في المصالحة الوطنية الليبية مبشرا، هذا فضلا عن الخطوة المصرية الجريئة تجاه طرابلس وحكومة الوفاق التي يمثل الاخوان طرفا أساسيا فيها، والتي تعزز هذا الاعتقاد بوجود استعداد لدى النظام المصري في طي صفحة الماضي غير السوي في علاقتهم بجماعة يقارب قرنا من الزمان. جماعة الاخوان المسلمين مطالبة بدورها، بإبداء المرونة الضرورية حيال اي مبادرة إيجابية، ليس من باب مراعاة المصالح الوطنية والقومية العليا، بل كذلك مساهمة من قبلهم في دعم مسار المصالحة العربية العربية والعربية الاسلامية، فكلاهما الدوحة وأنقرة يتوقعان مساهمة الحليف الاخواني في رفع الحرج عنهما، في ظل ضرورات إقليمية ودولية تقتضي تطبيع العلاقات بين الاشقاء، اذ لا مصلحة لأحد – الا اسرائيل- في توتر العلاقات حد القطيعة بين القاهرة واسطنبول أو بين القاهرة والدوحة، وثمة حاجة قومية واسلامية في ترميم منظومة الأمن القومي العربي وتفعيلها لمواجهة التحديات الكبرى التي تعترض سبيل الامة في هذه المرحلة التاريخية الصعبة والانتقالية.
إن الأمم العاقلة لا يمكن ان تتخذ من صراعاتها الداخلية مصدرا تستمد منه دولها وانظمتها وجودها، فذلك غالبا ما يحدث ان تم لصالح القوى الاقليمية والدولية المعادية، وقد ان الاوان لتتحرر القاهرة من جميع القيود التي تكبل قدرتها على استعادة دورها الريادي لصالح امتها، وعلى قادة الاخوان المسلمين ان يتحلوا باكبر قدر من الشجاعة لمساعدة بلادهم على القيام بواجباتها، فالتنازل في هذا السياق لا يشكل انتقاصا من أحد بل زيادة، وعلى المستقبل ان يكون محل النظر لا الغرق في آهات الماضي.