28 ديسمبر 2024

د.خالد شوكات: هل بمقدورنا خلق ديناميكية وحدوية في الشمال الأفريقي؟

1 min read


د.خالد شوكات

تعطّلت القاطرة الاتحادية المغاربية في ظلّ احتدام النزاع المغربي-الجزائري الذي لا يبدو مؤهّلا للحل قريبا، بل لربّما ازداد حدّةً مع تباين صارخ في السياسات الخارجية للبلدين وإقبال محموم من قبل نظاميهما على التسلّح وتصعيد مستمرّ في الخطاب تجاه بعضهما وإقامة تحالفات دولية لكليهما تصبّ في سياق مزيد من توسيع الفجوة بينهما، وبالنظر إلى هذه المعطيات، فضلا عمّا هو سائد من قبيل الابقاء على الحدود البرّية وحتّى الجوّية مغلقة، فإن أحدًا لا يستطيع القول بأن هذا الواقع المغاربي مقبل على الانفراج وبأن هذه القاطرة المغاربية قد تتحرّك في المدى المنظور في الاتجاه الصحيح.
معضلة الاتحاد المغاربي كذلك لا تكمن فقط في السياسات الجزائرية والمغربية المتباينة، بل في حجم البلدين المتقارب من الناحيتين الديمغرافية والاقتصادية، وتاريخ البلدين الذي يبدو في “الماكرو-تاريخ” أقرب إلى الوحدة، فيما يظهر “الميكرو-تاريخ”، خصوصا الحديث والمعاصر منه، العديد من عناصر التنافر والتفرقة، من قبيل الانتماء العثماني للجزائر في مقابل بقاء المغرب لقرون ضمن دائرته السلطانية الخاصة، وكذلك الحال بعد استقلال القطرين عن المستعمر الفرنسي، حيث اختارت الجزائر أن تكون جمهورية قريبة من المعسكر السوفيتي الشرقي فيما تحوّلت المغرب إلى ملكية تدور في الفلك الأمريكي الغربي، وهو ما أقام حواجز نفسية تنافسية فاقت في نزوعها العدائي حجم الحواجز البرّية والحروب البينية الساخنة والباردة التي اندلعت بين الشقيقين وما تزال طيلة عقود من الزمان، مع وجود قضية كبرى مفتوحة بمثابة زيت قابل للسكب على النار كلّما اتجهت العلاقات نحو السكينة، فبقاء ملفّ الصحراء مفتوحا دون حسم يجعل من المصالحة الجزائرية- المغربية مسألة معقّدة للغاية وشبه مستحيلة.
لكن هل يجب علينا انتظار المستحيل حتّى يحدث، وهل يمكن أن ينتظرنا العالم المتغيّر المتقلّب الدافع نحو تكتّلات اقليمية قادرة على ضمان مصالح الدول والشعوب، حتّى نتمكّن نحن من القيام بما تستوجبه علينا التحديات المفروضة علينا والمصالح العليا لشعوبنا والتي تفرض علينا استئناف الديناميكية الوحدوية والعمل على بناء كيانات أكثر قوَة وفاعلية في المنطقة الشمال-أفريقية؟
طبعا، ثمّة فرص لتحريك الراكد في المنطقة لو توفّرت الإرادة لدى قيادة الدول المعنية، على الأقل جزئيا في مستوى ثلاثة أقطار مغاربية لديها مقوّمات اندماج سريع وفاعل، ولديها عدد أقل من العراقيل التي يمكن أن تعيق هذا التوجه الاتحادي الممكن، والذي بمقدوره إن أنجز أن يساعد في ايجاد حلول للمشاكل الكبرى المطروحة ويضمن نشوء قوّة اقليمية ودولية ذات وزن وفاعلية، فالجزائر وتونس وليبيا قادرة على بناء “اتحادية شمال-أفريقية” على قدر كبير من الانسجام، وهي مؤهلة بالنظر إلى أواصر الوحدة التاريخية والجغرافية المتعددة وإلى المصالح الكبرى المشتركة بينها، الى نسج تجربة وحدوية على غرار الاقليم “الجنوب-أفريقي” للقارّة السمراء، باستطاعتها فتح آفاق واعدة ومشجعة للسياقات الوحدوية المعنية بها، مغاربيا وعربيا وافريقيا، فهل يمكن لقيادات هذه الدول الراهنة التقاط الفكرة والسعي إلى تجسيدها، بما يخرجها من حالة التأزّم الداخلي التي تعيشها ويمكّنها من تحويل واقعها القطري المحدود إلى طموح إقليمي ودولي مشروع نصيب به عدّة أهداف في حركة تاريخية واحدة؟
إن حاجة الأنظمة السياسية الثلاثة في الجزائر وتونس وليبيا لماسّة إلى مثل هذه الديناميكية الوحدوية التي تقوم على مادّة نفيسة طيّعة قابلة للتشكيل، اذ أن هوية الشعوب الثلاثة قوميا ودينيا ولغويا وحتّى مذهبيا واحدة، فضلا عن اعتماد الاقطار الثلاثة لأنظمة سياسية جمهورية متشابهة، فإن اهتدت لخلق هذا الكيان الاتحادي، سنجد أنفسنا أمام تكتّل واعد لسوق مشتركة تقارب السبعين مليونا، ومجال حيوي غنيّ بالموارد البشرية والطبيعية، يملك قرابة خمسة آلاف كيلومتر على البحر المتوسّط، وأربعة مليون كيلومتر مربع من الأرض وموقع فريد في قلب العالم القديم والجديد على السواء، وبما سيعدم نسب البطالة في المنطقة ويوفّر فرصا للنهوض التنموي غير مسبوقة.
هي دعوة إذا للتفكير والحركة والمبادرة، وعلى النخب السياسية والمدنية في البلدان الثلاثة السعي إلى تبني الفكرة ما أمكن والنظر في مدى استجابة الانظمة لها ورسم السياسات المناسبة لتجسيدها، خصوصا وأنها معادلة رابحة لا خسارة لأحد في تبنيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.