د.خالد شوكات: هكذا عالج المغرب مسألة الهجرة الأفريقية؟
د.خالد شوكات
قبل سنوات أصدرت السلطات المغربية “عفوا عاما” على المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، في إطار رؤية وطنية لمعالجة هذه القضية، لا تنفصل عن الرؤية العامة التي تضبط علاقات المغرب بالقارة السمراء، وهي رؤية تقوم على مزيد من الاندماج والاستثمار والتواصل مع العمق الأفريقي، وبما يقوّي الحضور المغربي في اقتصاديات دول القارة، خصوصا في دول غرب أفريقيا القريبة.
ويقضي العفو بمنح الإقامة لكل مهاجر أفريقي يرغب في البقاء على الأراضي المغربية والعمل فيها أو الدراسة، ناهيك عن منح جميع أفراد العائلة الحقوق ذاتها، وليس كل الأفارقة يرغبون في الإقامة لأن عددا كبيرا منهم جاء للعبور من خلال المغرب إلى أوربا..
وتعتبر المعالجة المغربية لهذه المسألة منسجمة مع القيم الإنسانية التي تجرّم التمييز العنصري، ومع القوانين الدولية التي تحضّ الحكومات على التسوية القانونية للمهاجرين غير النظاميين، امتثالا لمنظومة حقوق الانسان كما نصّ عليها العهد الدولي والعديد من الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف، كما تحول مثل هذه المعالجات دون تنامي الأفكار العنصرية والفاشية والعنيفة وسواها من التصوّرات المتخلّفة التي لا تنسجم مع تطوّر الفكر البشري، ناهيك أن المغرب يعرف أن لديه الملايين من مواطنيه المهاجرين الى دول الضفة الشمالية، ويتطلّع دائما إلى معاملة بالمثل.
كما يملك المغرب استراتيجية تنموية إزاء أفريقيا، التي تعتبر قارّة المستقبل، فإذا أرادت دولة ما أن تكون مقبولة في افريقيا فعليها أن تستثمر في ذلك، ويبدأ استثمارها بالمعاملة الطيبة لأبنائها، وهكذا وظّف المغرب جميع العناصر الضرورية للتمكين لخطّته الاقتصادية الافريقية، ابتداء من قانون توطين الافارقة في المغرب إلى تطوير بنيته في النقل الجوي والبحري ومنظومته البنكية والتأمينية وديبلوماسيته الاقتصادية، وانتهاء بتوظيف الطرق الصوفية والسياحة الدينية والتبادل التعليمي والثقافي، وقد أثمر هذا التوجّه نتائجه المحمودة حيث أصبح المغرب رقما مهما في المعادلة الافريقية.
ويعتبر الحديث عن التغيير الديمغرافي، حديثا تافها وساذجا ومنافيا لكل وجهة نظر علمية، فالهجرة الافريقية غير النظامية هي هجرة لآلاف وليس لعشرات أو مئات الالاف، وحتى لو كانت كذلك فهي لن تؤثر في بنية سكانية من ملايين، ناهيك عن تناقضها الصارخ مع الشعارات المرفوعة، سواء تعلّق الأمر بالوحدة والتضامن الافريقيين، أو بأن أفريقيا للأفارقة..
أما حديث البعض عن سلوك الافارقة في عدم الالتزام بالنظافة أو عدم احترام القوانين المحلية أو سواها، فلن يكون سوى حديثا ممجوجا غير لائق بالانسان، وهو ترديد لشعارات اليمين المتطرّف في أوروبا الذي يقول كلاما سخيفا مماثلا عن المهاجرين العرب القذرين والمجرمين كما يزعم، في سحب مشين لتجاوزات فردية ربما على جماعات بأكملها.
وأما الحديث عن تهديد البعد الافريقي للهوية العربية الاسلامية، فأكثر سخافة بكثير، لأن أفريقيا قارّة مسلمة بالدرجة الأولى، ولأن عرب أفريقيا سمر البشرة في أغلبيتهم، سواء في دول الشمال الافريقي أو في دول الساحل والصحراء..
إن خطابات الكراهية والشوفينية والشعبوية والعنصرية والفاشية والنازية، هي خطابات تناقض الحقيقة التي يجب أن يكون عليها الانسان، كما تتناقض مع الانسانية..