د.خالد شوكات: مرجعية الثورة التونسية عربيا؟
1 min read
د.خالد شوكات
أعلن عبد الفتّاح البرهان في السودان عن استعداد المجلس العسكري الحاكم للتخلي عن مجلس السيادة الالية التي ابتدعها للحكم منذ سقوط نظام البشير سنة 2019، وعدم ممانعته بالتالي ترك الأمر للمدنيين في إطار جهود لجنة تقودها الأمم المتحدة لإنقاذ مسار الانتقال الديمقراطي.
وعلى الرغم من إقصائه الاسلاميين، فإن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي يثبت أن المؤسسة العسكرية الراعية للمسار منذ يوليو 2013، لم تعد قادرة على مواصلة ذات السيرة المهمّشة للقوى السياسية والمدنية، وأن الأمر في تقديرها قابل للانفجار في أي لحظة، لعوامل عديدة ومُرَكّبة ليس هنا مجال للتفصيل فيها.
دول الخليج، وخصوصا المملكة العربية السعودية مقبلة على متغيّرات نوعية عميقة، ليست عملية الانفتاح الاجتماعي التي قادها محمد بن سلمان، في سياق مسعاه لتأمين انتقال السلطة لصالحه بعد أبيه، إِلَّا مقدّمة لها، فالشعب السعودي ليس بمعزل عن أشواق الحرية والمواطنة والديمقراطية والتطلع إلى نظام حكم سياسي عصري، وهو الامر الذي تتحاشى بقية إمارات وسلطنات المنطقة وقوعه مرة واحدة، وتحاول جاهدة جعله مسارًا إصلاحيا بطيئا بدل ان يكون حالة انفجار ثوري.
ولن يختلف المصير بمنطق التاريخ الذي لا يضيّع شيئا، في دول الطوق الخليجي جنوبا في اليمن، أو شمالا في دول الهلال الخصيب، فهذه الحروب المدمرة والازمات المتناسلة تخفي التغييرات الكبرى الجارية في عمق تلك البلدان، شعوبا ومجتمعات ودولا، ولن يستقر الحال إلا عندما تستقر المعادلة الجديدة التي ستترجم انتقالها إلى الصيغة الجديدة بعد أن حاول القديم استعمال جميع وسائله في المقاومة ثم يئس واستسلم، ليس فقط بفعل التحوّل الاقليمي الجاري منذ أطاحت الثورة التونسية في 14 يناير 2011 بنظام الرئيس بن علي، بل كذلك بفعل التحوّل الدولي الذي لا يقلّ وطأة على قلب العالم القديم والجديد معاً، بعد أن تحرّكت الأطراف الناهضة لفرض رؤية مغايرة في قيادة العالم لتلك التي استقرت نسبيا بعد انهيار المعسكر الشرقي وقيام نظام ذو قيادة أحادية في تسعينيات القرن الماضي.
إن الثورة التونسية لم تكن في رأيي مجرد حالة قطرية معزولة، فهي حركة تاريخية إقليمية ودولية، ستفضي في نهاية المطاف إلى إلحاق المنطقة العربية برمّتها بحركة التاريخ المعاصر، ليس فقط من خلال إصلاح الأنظمة السياسية ودمقرطتها وتمدين دولها، بل كذلك من خلال فرض تغييرات ثقافية واجتماعية واقتصاية عميقة تجعلها جزءا من العولمة المتلاحقة حلقاتها.
هذا التحول العميق الذي شكلت الثورة التونسية مقدّمته بالمعنى التاريخي، شبيه بذلك التحول الذي قادته الثورة الفرنسية قبل اكثر من قرنين، وانتهى بعد مراحل متلاحقة من الحروب والصراعات والتقلبات والمد والجزر والظواهر الطبيعية والشاذة، الى هذا الغرب الناهض الراهن، وعلى الرغم من تسارع حركة التاريخ، خاصة جراء الثورة التكنولوجية والاتصالية الاخيرة ، فإن القاعدة – التي هي من السنن الكونية- هي ذاتها.
علينا اذاً أن نطمئن الى مآلات الأحداث في منطقتنا، و إلى أن نتسلح بإيمان عميق بعدالة قضايانا وانتصارها، سواء تعلق الامر بالديمقراطية، أو بفلسطين، أو بنهوض دولنا من كبوتها وتحقيق وحدتها، فالانخراط في المعارك المؤقتة يجب ان يندرج دائما في إطار تشبثنا بالمشروع النهضوي الحضاري العربي، وثقتنا بهذه الأمة الوسط من كل شيء، ذات الرسالة الخالدة والوظيفة التعديلية الناجزة.