د.خالد شوكات: ما الذي سيتغير لو أصبح بايدن رئيسا لأمريكا؟
د.خالد شوكات
تقول العبارة الشهيرة حول النظام السياسي في الولايات المتحدة الامريكية “ان الفرق بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي هو تماما كالفرق بين الكوكاكولا والبيبسي كولا”، ويعزز الخبراء هذه المقولة بتقدير اخر مفاده “أن تأثير الرئيس الامريكي على السياسات العامة والاستراتيجية للدولة لا يتجاوز العشرين بالمائة إن كان الرئيس من النوع الفاعل ذي الشخصية القوية”، ومن هنا تأتي الخلاصة التي يتبناها غالبية المهتمين بالسياسة الامريكية تجاه قضايا العالم العربي الاسلامي والتي تؤكد على ان الفوارق في هذا الشأن كانت غالبا طفيفة بين الرؤساء الديمقراطيين والرؤساء الجمهوريين، وان كلّا الصنفين كان منحازا ضد الفلسطينيين والعرب لصالح اسرائيل ومساندا للانظمة القمعية والديكتاتورية دون إيلاء كبير اهتمام لتطلعات الشعوب في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وغير متورع عن القيام بأبشع التدخلات العسكرية والاستخباراتية متى ما كانت المصالح الامريكية في النفط خاصة مهددة.
ولهذه الاسباب وغيرها، يرى بعض المعلقين العرب ان الحماسة المفرطة التي يبديها البعض في العالم العربي الاسلامي لفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالسباق الرئاسي المحموم في مقابل الشماتة في الرئيس المحتمل هزيمته دونالد ترامب، حماسة مبالغ فيها وربما تكون حماسة في غير محلّها، مذكرين بان ترامب على “شعبويته” الكريهة ومناصرته الفجة لإسرائيل وأعمالها العدائية والاستيطانية، يظل هو الرئيس الاقل تدخلا عسكريا في قضايا الشرق الأوسط، فضلا عن سحبه القوات الامريكية من اكثر من مكان وبلاد في المنطقة العربية الاسلامية، قياسا بالرؤساء الذين سبقوه جميعا منذ مطلع القرن الواحد والعشرين على الاقل، سواء اكانوا ديمقراطيين او جمهوريين، وانه الرئيس الاقل نفاقا برأيهم من حيث جهره المفضوح بآرائه العنصرية والصهيونية على السواء، مقارنة بأولئك الرؤساء الذين تمايز سلوك عن خطابهم حد التناقض.
في مقابل هذا الرأي، تعتقد الكثير من الأوساط العربية سواء داخل الأقلية العربية في امريكا التي صوتت باغلبية للمرشح الديمقراطي، او في العالم العربي نفسه، ان جو بايدن ان تمكن من حسم المسار الانتخابي واصبح رئيسا للولايات المتحدة، فانه غالبا ما سيعمل على اعادة المصداقية لمؤسسة الحكم الامريكية التي حولها ترامب في ظرف وجيز الى ما يشبه مجلس ادارة لشركة عائلية، وسيقلص من هامش المزاجية والأنانية والنظرة الضيقة التي حكمت قرارات وتصرفات الرئيس الحالي الذي ظهر نشازا بحسب المؤرخين وخبراء السياسة الامريكية قياسا باي رئيس امريكي سابق منذ جورج واشنطن الى باراك اوباما.
كما يتوقع هؤلاء المشمئزين من حكم ترامب، من بايدن ان يعيد السياسة الامريكية الى سالف اعتدالها وانحيازها النسبي للقضايا الكونية العادلة ومن أهمها كقضايا البيئة والديمقراطية وحقوق الانسان، وان يعمل على لجم التوجه الشعبوي الذي اطلق له ترامب العنان وشجعه في كل مكان، وان يدفع عربيا الى اعادة الاعتبار للمقاربة الاصلاحية والديمقراطية والحقوقية التي تأثرت بانحياز ترامب المفاجئ لقوى الردة السياسية بعد موجة ثورات الربيع العربي. بقي التذكير اخيراً بجملة من الحقائق التي تدعونا الى التزام الحذر والواقعية في استشراف سياسة بايدن الخارجية اذا ما اصبح رئيسا للولايات المتحدة الامريكية، أوّلها ان أولويات البيت الابيض غالبا ما تكون داخلية، وثانيها ان الدورة الاولى لأي رئيس امريكي عادة ما تكون حذرة ومحافظة وثالها ان مصالح اللوبيات تظل معتبرة وتاثيرها على السياسات الخارجية واضح.