1 يناير 2025

 د.خالد شوكات: لكل تيّار جناحان..أحدهما مع الثورة

1 min read

 د.خالد شوكات

بعد عشر سنوات من الثورة وانطلاق مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، يمكن القول بأن جميع التيارات الفكرية والسياسية الكبرى قد انقسمت الى فريقين أحدهما يتبنى الثورة ويعتبرها نقطة تحوّل هام في التاريخ الوطني نحو الافضل، بينما يعتبرها الثاني انتكاسة تخريبية ومؤامرة خارجية، وهكذا فان الانقسام لا يبدو كما يتهيأ للبعض بين بعض التيارات الثورية ضد تيارات أخرى تمثِّل الثورة المضادة، كأن يتصور البعض أن الإسلاميين واليساريين ثوريون بينما يقف الدساترة والقوميون العرب ضدها، فداخل جميع هذه العائلات هناك من يتبنى المسار ولو ببعض التحفظ، فيما يوجد من يتمنى لو لم تحدث.

ولنبدأ بالدساترة أو أنصار النظام السابق، من بورقيبيين والمعينين، الذين يودّ كثير من خصومهم الزج بهم جميعا في خانة واحدة وتصويرهم “ثورة مضادة”، فيما الواقع يثبت خلاف ذلك، فقد أنتجت الحالة الدستورية ما بعد الثورة نسختان، نسخة “نداء تونس” التي قادها الباجي قائد السبسي وقامت على النظر الى الثورة باعتبارها نتاجا لتراكم اصلاحي ساهم فيه الدساترة منذ عقود، حيث لم يخلو عقد من العقود التي فصلت بين تاريخ الاستقلال وتاريخ الثورة الا فيه صوت دستوري يعلو مطالبا بالإصلاح السياسي والديمقراطية التعددية، فمن الزعيم النقابي احمد التليلي الى احمد المستيري واحمد بن صالح ومحمد مزالي، كان هناك دائما دساترة ثائرون على نظام الزعيم الواحد. كما اعتبر نداء تونس نفسه جزءا من مسارًا الانتقال الديمقراطي، بل منقذا له، من خلاله عمله على تحقيق التوازن السياسي الذي كان ضرورة حتى لا تسقط البلاد مجددا في حكم احادي. أما النسخة الثانية فهي بطبيعة الحال نسخة ” الحزب الدستوري الحر” الذي يعتبر الثورة انقلابا على الشرعية ونبلا من اسس الدولة الوطنية، معتبرا ان إنقاذ البلاد يقتضي تجاوز المنظومة السياسية التي أتت بها الثورة وساهمت في تخريب البلاد.

الاسلاميون بدورهم انقسموا إلى عامل مع الثورة و منخرط في مؤسساتها ومؤمن بحقائها، وعامل ضدّها مثلما هو حال الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تتبنى العنف والارهاب وتمارس الغدر والاغتيال وتسعى الى فرض إمارة على غرار داعش على التونسيين بالقوة. وهكذا كان جزء من الإسلاميين – يمثل الأكثرية- يشكل احد أعمدة عملية التحول الديمقراطي،بينما كان جزء اخر من اشد المناهضين لهذه العملية وساعٍ الى نقض عراها. القوميون العرب كذلك منهم من انخرط في صفوف الثورة وشارك في جميع انتخاباتها ومؤسساتها، بين بقي منهم من هو مشدود لنماذج القومية العربية الكلاسيكية، على نحو بدا فيه الموقف من الثورة ودولتها الجديدة اقرب الى ان يكون موقف نظام الاسد منا يحدث في سوريا منه الى موقف يعبر عن مصالح تونس العليا.

فالربيع العربي هو عند هؤلاء مؤامرة صهيو-أمريكية على المنطقة العربية لا اكثر ولا اقل. اليساريون انقسامهم الى جناحين ازاء الثورة، فهم على الصعيد النظري وباعتبارهم تقدميين لا يسعفهم الديالكتيك الماركسي للوقوف في وجه الثورة، ولكن بعضهم يجد في انخراط التيار الاسلامي في السياق الثوري ما يجعله يقف ضد هذا السياق ويشكك فيه، ومن هنا استعداده لمساندة اي تيار يعلن معاداة الإسلاميين الديمقراطيين. تحتاج الثورة في ظل هذا الانقسام الى عشر سنوات اخرى من الانتقال الديمقراطي، حتى يغلب النفس الثوري على كل نفس اخر، وتحقق الديمقراطية التنمية، ويصبح الحنين الى الديكتاتورية ضربا من ضروب الحنين الى الماضي الذي لن يعود، فالمستقبل هو الوجهة التي تستحق العناية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.