د.خالد شوكات: كيف تبدو تونس بعد عشر سنوات من الثورة؟
د.خالد شوكات
كثيرا ما صوّرت للشباب الذين ألتقيهم في الدورات التدريبية لفرسان التغيير، مرحلة الانتقال الديمقراطي باليدين المتشابكتين على مستوى الاصابع، يد ترمز للقديم والثانية ترمز للجديد، أو يد تشير الى الماضي وأخرى تشير الى المستقبل، أما الحاضر فهو الاصابع العشرة المتشابكة التي تتباعد عن بعضها شيئا فشيئا مع تقدم الزمن، وعندما ستنتهي هذه المرحلة تكون اليدان قد انفصلتا تماماً لتنتصر يد المستقبل بدفعها يد الماضي الى الوراء، أو بأن تضع يد الجديد نفسها من فوق على يد القديم التي ستجبر على اتخاذ مكان في الأسفل.
فك الارتباط بين اليدين المتشابكتين هو المخاض، بكل ما تعنيه كلمة مخاض من آلام وتضحيات وصعوبات، فالصراع بين المفاهيم والسلوكيات والمصالح المتناقضة لم يكن يوما صراعا سهلا متاحا، وكذلك تولد الامم والشعوب والبلدان يفضل هذه المخاضات العسيرة، وليس بمقدور من لا يملك وعيا تاريخيا كافيا أن يفهم جيّدًا حقيقة ما تعيشه تونس منذ الثورة التي أنهت النظام السابق في 14 جانفي 2011، ولم تتمكن الى حد الان رغم مرور عشر سنوات تقريبا من إقامة النظام الجديد بأكمله فالنظام الديمقراطي لا يستكمل بمجرد إعلانات سياسية او حتى المصادقة على وثائق دستورية وقانونية، إنما هو امر أعمق من ذلك يتصل بفرض مفاهيم وسلوكيات ومصالح جديدة، وهو ما يحتاج الى وقت أطول، قد يمتد لعقدين او اكثر، بل لربما تعرض لانتكاسات في الطريق يبدو معها الحال وكأنه ارتد على عقبيه لكنّهُ سرعان ما يستعيد وجهته نحو المستقبل. كيف تبدو تونس اذاً بعد عشر سنوات من الثورة؟
سؤال له إجابتان، الاولى مباشرة تتضمن هذا السخط الشعبي المتفاقم على أزمة اقتصادية واجتماعية متنامية عجزت عن معالجتها الحكومات المتعاقبة، وتبدو معها الدولة وكأنها في طريقها الى الانهيار، ولكنها لن تنهار، والثانية عميقة تنظر الى ذلك الصراع الذي أشرنا اليه بين القديم والجديد والى مخاض الولادة وآلامها والى المنجزات اللامرئية الكثيرة غير المرئية بالعين المجردة، كما ترى مخلفات الانهيارات التدريجية لمفاهيم وسلوكيات ومصالح قديمة ستفسح المجال لمفاهيم وسلوكيات ومصالح جديدة ستترسخ مع الوقت، فضلا عن حالات التهافت التي تعيشها المنظومات الحزبية والإعلامية والمدنية لتترك الحيّز لإقامة منظومات اكثر عصرية ولياقة بالاستحقاقات المستقبلية.
وعادة ما تتسم هذه المرحلة او المنزلة الوسطى بين المنزلتين بشعور عام باليأس والاحباط وفقدان الثقة، وبفراغ على مستوى القيادة، فقادة الماضي في طريقهم الى التلاشي وقادة المستقبل لم ينضجوا بعد، وهذا حال تونس اليوم، تونس التي تقود السرب العربي المستقبلي، وتخوض حروب القادم مع الماضي نيابة عن شعوب المنطقة.
ادرك تماما أن قدرة البسطاء على تحمل الاعباء تكاد تنفد، ولكن العشرية القادمة ستكون حبلى بالاخبار السارة، ذلك ان كفة الصراع سترجح لصالح الجديد، في مقابل تراجع وطأة الماضي، وفي النهاية ستنتصر إرادة الحياة كما تنبأ شاعر الحياة أبو القاسم الشابي.