د.خالد شوكات: كلمة بخصوص قرض صندوق النقد!!؟
د.خالد شوكات
أوّلا: ليس هناك وطني صادق يتمنّى سقوط الاقتصاد الوطني لبلاده وانهيار المالية العمومية مهما كانت معارضته شديدة لسياسات الرئيس سعيد.
ثانيا: كل هذا الحرص من قبل الرئيس سعيد ومنظومته على مواصلة سياسة الاقتراض (وقّع منذ 25 جويلية على عديد القروض)، وخصوصا الاقتراض من صندوق النقد الدولي، يؤكد تهافت “النقد” الذي وجهه سعيد لمؤسسات الحكم الديمقراطي، أي للبرلمان والحكومات المتعاقبة، ويثبت أن ذارئع التداين وأسبابه ما تزال نفسها وان اختلف الخطاب السياسي بين الحقبتين، خطاب يقوم على الوضوح ويتحمل فيه نواب الشعب وممثلوه مسؤوليتهم بشكل صريح ، وخطاب يقوم على ظاهر يشيطن التداين وباطن مستعدّ للخضوع للمؤسسات المقرضة أكثر من أي وقت سابق، مع رغبة دائمة في التفصّي من المسؤولية.
ثالثا: هناك فارق كبير في شروط التعاقد بين 2016 (حكومة الحبيب الصيد) التي وقعت على عقد واضح الشروط والملامح وفي اطار الشفافية الكاملة مع الشعب ونوابه وضمن مشروع اصلاحي كامل يراعي الالتزام الاجتماعي للدولة (المخطط التنموي 2016/2020) وبين عقد غامض لا تزال مضامينه مخفية وفي اطار برنامج اصلاحي حكومي صيغ بطريقة فردية وفي “الغرف المظلمة” (التي طالما هاجمها الرئيس بشدة) ويقال أن فيها تنازلاً شبه كامل لصالح الشروط المجحفة للصندوق.
رابعا: إن التجارب المقارنة للبلدان التي دخلت في مفاوضات مع صندوق النقد في ظل ازمة اجتماعية واقتصادية وسياسية خانقة أدّت إلى القبول بشروط الصندوق المسقطة والقياسية والمجحفة عادت ما قادت إلى انتفاضات اجتماعية زعزعت اركان الدول وأمنها القومي (الارجنتين، البرازيل، سيريلانكا، هايتي..عشرات الأمثلة..).
خامسا: إن التعلل بأن قرض الصندوق سيفتح المجال أمام تونس للحفاظ على ترقيمها السيادي وتعبئة موارد مالية اضافية من السوق المالية العالمية، يكون تعلّلا مقبولا اذا كان للبلد برنامج اصلاحي متفق عليه بين جل الاطراف السياسية والاجتماعية وضمن رؤية وطنية ستعيد التوانسة الى ورشات الانتاج والعمل، أمّا والسياق السياسي معتل يقوم على منطق الفرض والمغالبة وعدم الحوار والمرور بالقوّة، فإن خطوة الاقتراض التي ستليها اقتراضات أخرى، لن تكون إلّا تعزيزا للأزمة وليست أبداً حلّا لها.
سادسا: مواصلة اللطم ولعن عشرية الخراب وتحميل منظومة الانتقال الديمقراطي المسؤولية لم تعد مقنعة ولا قادرة على تعبئة أنصار للرئيس، خصوصا في ظل العجز الواضح من قبل النظام والحكومة على اقناع الرأي العام بأننا بصدد تغيير اصلاحي حقيقي للأوضاع وقطع حقيقي مع السياسات التي أوصلت الأوضاع إلى الانقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي.
وأخيرا: إذا لم يكن هناك مشروع وطني للحوار الصادق والتوافق على أجندة اصلاحية تراعي مصالح جميع الفئات وتوزّع التضحيات بعدالة على كافَة الطبقات، والأهم تدفع بغالبية التوانسة الى حقول العمل والانتاج وتنمية الثروة، فإننا سندفع ببلادنا إلى مزيد من المجهول، في ظل واقع اقليمي ودولي مليء بالتقلّبات والمتغيرات الكبرى من بينها شبح الجوع والعطش والفوضى.
حفظ الله تونس من كل شرّ ووجّه أبناءها إلى سبيل الرشاد