د.خالد شوكات: فرية العشرية!؟
1 min read
د.خالد شوكات
سيكتب المؤرخون لاحقا فصلا جديدا من فصول التلاعب بوعي الجماهير، في باب عنوانه “فرية العشرية”، اي عشرية الانتقال الديمقراطي او عشرية (من الثورة إلى الانقلاب)، وهي في واقع الامر عشرية بالمعنى الزمني فقط، اي انها تلك العشرية التي لا رابط بين سنواتها غير انها محصورة بين 14 جانفي 2011 و 25 جويلية 2021، عدا ذلك فهي جملة من المراحل المتعددة المختلفة في ما بينها وفي ظروفها وطريقة تسيير البلاد خلالها وقادتها المتعددين القادمين من مشارب وتجارب سياسية متباينة، كان بعضهم في السلطة ما قبل الثورة، وبعضهم في المعارضة، وعدد منهم لم تعرف له ممارسة سياسية حتى اطيح بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي رحمه الله، فالقول بوجود عشرية ووجود منظومة العشرية ثم قيادة لها، هو من باب الفرية او الافتراء، الهدف منه معروف والغاية ملتبسة مشبوهة اخر دعواها البحث عن شرعية لمن سيأتي من بعدها دون شرعية حقيقية وبناء على سردية ترفع كلمات تبدو في ظاهرها حق لكن في باطنها باطل محض وتخطيط لاعادة الطائر التونسي الذي شذّ بالديمقراطية الى سرب العرب الخاضع منذ قرون للاستبداد.
وهذه ليست المرة الاولى كما اشرت مرارا، التي يفترى فيها على مرحلة من خلال التلاعب بعقول الناس وتثبيت الانطباعات السلبية في اذهانهم عنها، فالى اليوم يذكر التونسيون مرحلة احمد بن صالح ومرحلة محمد مزالي بالشر المستطير، بينما هما كانتا مرحلتين هامتين في احتضانهما لتجربة اصلاحية صادقة بقيادة رجال مصلحين صادقين، اثبتت الدلائل لاحقا حجم المؤامرة التي حبكت لهم وتفاصيل الحيل التي نسجت للاطاحة بتجربتهم.
ولو جرى التدقيق من قبل اي مهتم او باحث لتفكيك ما سمي بالعشرية، لوقف على حقيقة انها كانت في واقعها ست مراحل متتالية افضت الواحدة منها الى الاخرى بكل رقي وسلمية، وان كل واحدة من هذه المراحل اديرت من قبل حكومة او اكثر، حتى وصل الامر الى حدود اربع حكومات في سنة واحدة، فضلا عن تعدد الدساتير (دستور 59، الدستور الصغير، دستور 2014)، وتعدد التيارات الحاكمة (علمانيين/اسلاميين، دساترة/اسلاميين/يسار/قوميين/ليبراليين/مستقلين، سياسيين/تكنوقراط..الخ)، بالاضافة الى التنوع المناطقي غير المسبوق حيث لأول مرة اسندت رئاسة الدولة ورئاسة الجمهورية الى جميع اقاليم البلاد، وجرى توزير وتسمية مسؤولين سامين في الدولة لجميع الولايات وربما المعتمديات.. كما تميزت الفترة بتداول سلمي على السلطة غير مسبوق في المنطقة العربية فيما سقطت دول عربية في اتون حروب اهلية وانقسامات داخلية.. وعلى الرغم من التحديات غير المسبوقة التي اعترضت البلاد (ارهاب، جفاف، كورونا..)، فقد صمدت الدولة التونسية في وجه جميع هذه الاعاصير وحافظت على استمرارية المرفق العام ونسب نمو ايجابية الى غاية سنة الكوفيد التي فتكت باقتصاديات اعتى الدول.. هذا الى تصنيف تونس لسنوات كديمقراطية وحيدة في العالم العربي، وهي الاكثر صونا للحريات وحقوق الانسان، ومن ضمنها حرية الصحافة والتعبير والحق في انشاء الجمعيات والاحزاب وسواها.. كما استمرت تونس بحسب منظمة الشفافية العالمية الدولة الاقل فسادا في المغرب العربي، وبين الخامسة والسادسة عربيا. كما نظمت الديمقراطية الناشئة ست انتخابات بمقاييس عالمية دون تشكيك في مصداقيتها داخليا وخارجيا.
واليكم في الختام هذا التفكيك المبسّط:
-المرحلة التمهيدية الأولى: 2011: عرفت اربع حكومات، اثنتين بقيادة محمد الغنوشي واثنتين بقيادة الباجي قائد السبسي.
-مرحلة الترويكا:2012-2013: عرفت حكومتين بقيادة حمادي الجبالي وعلي العريض
-المرحلة التمهيدية الثانية:2014: عرفت حكومة واحدة بقيادة مهدي جمعة
-مرحلة الصيد: 2015-2016: عرفت حكومتين بقيادة الحبيب الصيد
-مرحلة الشاهد: 2017-2019: عرفت ثلاث حكومات بقيادة يوسف الشاهد:
-مرحلة سعيد: 2020-2021: عرفت حكومتين بقيادة الياس الفخفاخ وهشام المشيشي.
وخلاصة القول ان هذه العشرية لم تكن عشرية، ناهيك ان تكون عشرية خراب او فساد، الا في مخططات الذين ترصدوا بكل جدية تجربة الانتقال الديمقراطي من الداخل والخارج وتلك الجماهير التي لطالما سخّرت للتحرّك ضد مصالحها.