4 يناير 2025

 د.خالد شوكات: عندما نخرج عن العرف تكثر التسريبات!؟

 د.خالد شوكات:

يتساءل القوم كيف للسيدة أو سيّد أن يتدخل في تعيين الحكام وعزلهم على الرغم من أنه لا صلة له بالحكم، فلا هو عضو في البرلمان او مسؤول حزب سياسي فائز أو صاحب مكانة دستورية تؤهله وظيفة المشاركة في صنع قرار سياسي سيادي.

هذه الحالة اللامنطقية واللاقانونية في اختيار الرؤساء والوزراء، تلك التي وصفتها في مثال سابق منذ اشهر بحالة “القعباجي” (اي حالة العبث والسريالية) التي تؤكدها هذه التسريبات المتواترة وغيرها، هي ببساطة نتيجة الخروج عن “العرف الديمقراطي” المعمول به في الأنظمة الديمقراطية في سائر أنحاء العالم، وهو خروج حوّل حياتنا السياسية الى شيء فوق المنطق خارج عن العقل يكاد لا يصدّق، فعندما نستسلم للمزاج (الهوى) مرّة واحدة سنجد بعد انفسنا امام سلسلة من القرارات المزاجية بلا حد، حتى يصبح العرف شذوذا وتتحول القاعدة العقلية الثابتة الى نشاز مثلما نرى.

أوّل خروج عن العرف الديمقراطي في الجمهورية الثانية، اعترضت عليه علناً في التلفزيون، كان تعيين مستقل على رأس الحكومة حتى لو كان رجلا في كفاءة سي الحبيب الصيد شفاه الله، بدل الامين العام لحركة نداء تونس بحجّة عدم التغوّل حينها، سي الطيّبِ البكوش الذي دافعت عن تسلمه المنصب رغم اختلافنا الفكري، فالقاعدة عندي مقدسة عن المصلحة الضيقة.

ثاني خروج عن العرف كان تعيين رجل مغمور لا يعرف البلاد والعباد، هو يوسف الشاهد، لم يكن له اي موقع حزبي قيادي في نداء تونس وكان في الصف الرابع او الخامس، وليست لديه اي سابقة او خبرة او كفاءة او موهبة ظاهرة تؤهله لذلك، وكان هذا الخروج عن العرف الديمقراطي ايضا موضوع اعتراض علني من قبلي، اغضب الرئيس الباجي رحمه الله منّيَ لكنّهُ عاد وعرف حقيقة تحذيري ومقصودي، ولعله كان ابرز المتضررين من هذا الخروج تن العرف واكثر من دفع ثمناً له.

ثالث خروج مشين عن الاعراف الديمقراطية ارتكبه قيادة حركة النهضة التي فازت بانتخابات 2019، وفرّطت جراء خروجها هذا في مقاليد المسؤولية وها هي تدفع ثمناً باهضا نتيجة ذلك، فاختيار رجل طيب كالحبيب الجملي لتشكيل حكومة كان شدوذا سياسيا لا مبرر له وتكريسا لعرف الخروج عن العرف ومزيد تعميق أزمة النظام الديمقراطي الناشئ، اذ كان الاولى بالاختيار الامين العام للحركة حتى وان لم يكن كما قيل صاحب ولاء مضمون، فكلفة عدم احترام القاعدة اكبر بكثير من كلفة احترامها.

رابع خروج هجين كان اختيار الياس الفخفاخ، الذي كان ضربا مريعاً لأهم قواعد الديمقراطية، فكيف يعيّن رجل خسر الانتخابات الرئاسية وخسر حزبه الانتخابات البرلمانية خسارة مريعة واضحة، رئيسا للحكومة والسلطة التنفيذية، وهل ثمّةَ ضرب للديمقراطية اشنع وانكى من هذا، مهما كان تقديرنا لحقيقة الشخص او موهبته القيادية، وماذا ستعني الانتخابات التي هي اهم اليات الديمقراطية ان لم يكن لنتائجها معنى!؟

خامس خروج عن أعراف الديمقراطية وتقاليدها، خلال هذه الفترة القياسية التي لم تصل ست سنوات فقط، هو تكليف السيد هشام المشيشي، بعيدا عن اي تقييم لشخصه، ففي الديمقراطية يكون المكان الطبيعي للتكنوقراط والاداريين المرافق الإدارية لا المواقع السياسية، المرتبطة بالتفويض الشعبي والبرنامج الانتخابي والمحاسبة الشعبية والانتخابية، وما الذي يخشاه تكنوقراط او يسعى الى نيل رضاه.. واذ تحدّثتْ عن حالة رؤساء الحكومات، فالحديث عن تعيين الوزراء خلال حكومات الجمهورية امر مذهل، فمن مدخل كل الشعارات الجميلة والمحقة مصل الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد وسواها، جرى العبث تباعاً بجميع قواعد الاختيار والتعيين التي عرفها الدول ناهيك عن الديمقراطيات، فلقد عين الأميون الذين لا يملكون شهادات جامعية وعين الاقارب والاصحاب والعملاء والسماسرة والفاسدون والأشرار والسوقة والتافهون، ذلك ان الخروج عن قواعد الديمقراطية والانتخابات والتفويض الشعبي جهل الوزارة هيّنة حتى سامها كل مفلس واخترقها اصحاب المصالح الباطنية والاطراف الخفية، وما عاد احد يستنكف من الجرأة على الدولة التونسية، وفيّ مقدمة ذلك السفارات الأجنبية ووكلائها.

خلاصة القول ان تصحيح الأوضاع يبدأ ببساطة من العودة الى التزام الاعراف الديمقراطية وعلى رأسها احترام نتائج الانتخابات والالتزام بمبدأ السيادة الشعبية، فكلفة مخالفة ذلك كما ترون تكاد تبلغ إنهاء هذه التجربة الواعدة، الديمقراطية الفتّية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.