1 يناير 2025

د.خالد شوكات: علاج تونس بالعودة للاعتدال لا بمزيد من التطرّف

د.خالد شوكات

نحن نستغلّ الحرية أبشع استغلال، إلى درجة نكاد نحوّلها إلى مشروع في “تدمير الذات”، حتى ان الصديق الاستاذ غازي الشواشي قال لي مؤخرا في تعليقه على نص كتبته “لقد اصبح جلد الذات أهم رياضة وطنية”، فالكل تقريبا تراه قادما من بعيد بسوط يجلد به وطنه بلا شفقة او رحمة.

الكل يحمل “سطلاً مليئا بالطاقة السلبية يحمله على كتفيه ويمشي به خطوات ليفرغه في بحيرة الوطن”، وقد تعلّم الجميع من البلاتوهات التلفزيونية والاذاعية و”غربانها السود” أو “كرونيكوراتها الاشاوس” أنواع اللطم والنواح والبكاء على تونس التي لا يعرفون الى اين هي ذاهبة، وكيف انهارت دولتها، وحتى كيف على جيشها ان يتحمل مسؤوليته ولا يتردد في الانقلاب على ديمقراطيتها الناشئة.

تونس تعيش صعوبات في التسيير والقيادة بلا شك، وتعيش أزمة اقتصادية واجتماعية حتماً، وقد عجزت ديمقراطيتها الناشئة على تحقيق هدف اساسي من أهداف الثورة، ألا وهو التنمية والكرامة، لكن أوضاعها ما تزال قابلة للإصلاح.

الاصلاح صعب لكنّهُ ليس مستيحلا، وهذا ما يؤكده جل الخبراء، عدا أولئك المرتبطين بأجندات سياسية تعمل على إقناع التونسيين صباحا مساءًا بان داء بلادهم عضال وليس أمامها سوى الكي دواءًا.

الامر الاخر الذي يؤكد ان أزمة تونس حلولها ممكنة ومتوفرة لو توفرت الإرادة وتحقق الاستقرار، هو ان نخبتها ما تزال تتصارع من اجل ممارسة الحكم والسلطة ولم نر أحداً من كبار مسؤوليها او حتى صغارهم يقدمون استقالتهم جراء يأسهم من وضعيتها، لانهم يعلمون قبل غيرهم ان وضعيتها غير ميؤوس منها.

ولو نظمت انتخابات سابقة لأوانها لوجدت الآلاف من نخبها يتقدمون لشغل مواقع في مؤسسات حكمها.

المشكل الاكبر الذي اراه هو كيف نقود بلادنا نحو الاستقرار، خصوصا الاستقرار السياسي، لانه دون استقرار لن نتمكن من تحقيق التنمية، ذلك ان ما نلاحظه من ميول سياسية وانتخابية تدفع الى الاعتقاد باننا في الاتجاه المعاكس تماما للمصلحة الوطنية، فبدل ان نأخذ العبرة مما يحصل، ونرى الاثر المدمر للمتطرفين من فاشيست وشعبويين وطهوريين، ومن كل حدب وصوب وفيّ كل العائلات السياسية والقوى الحزبية، ونعود أدراجنا نحو الاعتدال السياسي والوسطية الفكرية، نختار تعزيز حضور قوى التطرف في المشهد، مما سيرتب مزيدا من تأزيم الحال في مؤسسات الحكم ومزيد من العجز على خلق الاستقرار المطلوب للتنمية.

اننا أشبه بما يستجير من الرمضاء بالنار، ومن يهرب من “القطرة” لكي يأخذ مكانه تحت “الميزاب”، أو كمن يهرب الى الامام، من مشكلة الى مشكلة اكبر. حفظ الله تونس من كل شرّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.