د.خالد شوكات: حروب صغيرة تافهة لا تليق بالوطن
د.خالد شوكات
شهر رمضان هو شهر المعارك الكبرى، منذ بدر في الاسلام المبكّر الى غاية حرب العبور، حرب اكتوبر المجيد، هذا عندما تكون الأمّة في وضع يليق بها، أمّا اذا رأيت القوم يتداعون الى “حروب صغيرة تافهة”، حروب داخلية حقيرة حول “جيف الكلاب” فاعلم اننا في مرحلة تاريخية صعبة تنذر بحدوث سقوط ما قريب.
وما حسبت شخصيا، والديمقراطية قضية عمر بالنسبة لي، أن تنحدر اوضاعنا الى ما انحدرت اليه، وان ينتصر اهل المعارك الصغيرة التافهة، حول المناصب البسيطة مهما عظمت، وحول الرخص والامتيازات، على اهل المعارك الكبرى، معارك التقدم والتنمية والحضارة والمنارة والفكر والاخلاق والانسانية، وبدل ان ينجح الخاصة في الارتقاء بخطاب العامة، عاد الخاصة نموذجا بائسا في عمومية وانحطاط الخطاب، ومن كثرة الضجيج اختلط الحابل بالنابل ولم تعد ثمّةَ اي فرصة الإنصات الى خطاب عاقل رزين يليق بالامة والوطن وينشد مستقبلا ارقى للاجيال المقبلة.
لماذا لم يعد مسموحا ان نناقش اهل الطموح، وان نجبر على العيش بين الحفر، ولماذا لا تكون خصومة اهل الحكم حول مشاريع البناء والتشييد والعمران، المشاريع الكبرى التي تشرئبّ اليها الاعناق، ولماذا لا يطرح علينا رئيس الجمهورية افكارا واضحة تخص النهوض الاقتصادي واستكمال الاستقلال في الصناعة والزراعة والتصدير والاستثمار، ولماذا يبدو رئيس الحكومة “موظفا اداريا” غاية همه ان يزيد في رواتب زملائه الولاة وان يعيّن الموظفين، ولماذا يسب النواب بعضهم بعضا ويتبادلون اقذع الشتائم بدل التنافس حول البرامج وما ينفع الناس، وكأن الناس انتخبوهم لهكذا شان؟ ما يبلغنا من احاديث الكواليس في الأروقة ومجالس مؤسسات الحكم لا ينمّ ابدا عن حالة صحية بل يعكس حالة انهيار بالمعنى التاريخي والحضاري للكلمة.
انه زمن سماسرة صغار، بنو اوى وثعالب وذئاب من نوع رديء ينهش بعضها بعضاً صراعا على بقايا جيف تركها اسود غادروا الميدان بعد “ان طاح القدر”، وهل تسمح الاسود لنفسها بان تخلط مع الدجاج. والناس بعد هذا حيارى لا تدري ماذا يخبّئ، فتولي السوقة والأرذال الامر احد اخطر مؤشرات انهيار العمران وخراب البيوت مثلما سطّر قبل قرون العلّامة ابن خلدون، ذلك ان الحكم هو صنعة الاخيار كما هو مفترض.
هذا البلد تليق به معارك كبرى، تجعله في مصاف دول كانت وراءنا واليوم يشار الى تجاربها بالبنان، مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا.. نملك العقول والموقع الجغرافي والتراث الحضاري، وجميع المقومات التي تجعل قاطعتوا تتتقدم على السكة الصحيحة..وان كان لا بد من الحروب فلتكن حروب البناء لا حروب التخريب، حروبا تشرّف أصحابها ضد التخلف يقودها اسود، لا حروبا مهينة تتصدى لها ثعالب وضباع.