د. خالد شوكات: تهافت الفلاسفة..
د. خالد شوكات
صحيح أن “الفلسفة” لم تستقر على تعريف أو مفهوم واحد، ولكنّ التعريف أو المفهوم الأكثر تداولا لها هو “الحكمة” أو “حب الحكمة”، ومن تمام الحكمة عند الفلاسفة والحكماء قدرة الانسان على تجاوز “الذات” عندما يتصل الامر ب”الموضوع”، والانتصار على “المزاج” و”العاطفة” عندما يتعلق الامر بضرورة “العقل”، والوقوف الى جانب “الحرية” باعتبارها أهم أدوات “الفيلسوف”.. وعبر التاريخ قلّة هم الفلاسفة الذين ضلوا طريق العقل والحرّية والانسانية، فقد كان كفاحهم الفكري غالبا في مواجهة نوازع الشر الفردية والجماعية ودفع العقل الانساني الى الكمال، وقد ذهب كثير منهم طواعية او ظلما شهيدا لأفكار سابقة لأوانها كانت إشارات لطريق المستقبل وقاطرة للعقل الجمعي ما يزال البشر عبر أنحاء الارض يحثون الخطى نحو تثبيتها، فالفلاسفة يتقدمون على العلماء والمهندسين والأطباء في رسم الوجهة التي يتحرّك التاريخ نحوها، والفيلسوف إنساني سابق لعصره حتما أو هكذا يجب أن يكون.
لكن حال “الفلاسفة” عندنا مختلف، ففي كل محنة نواجهها، نجد “تقدّميتهم” المفترضة في خدمة “وظيفية رجعية”، وفي الوقت الذي نتوقع منهم دفاعا عن المشترك وقيم الانسانية من تسامح وديمقراطية وحرية، نجد بعضهم في خندق مشاريع شعبوية وفاشية، وبدل “تنوير” حقيقي يساعد المتديّنين والعلمانيين على اعلاء الرابطة الاعلى بينهم، رابطة الاخاء ووحدة العنصر البشري، نراهم يدعون الناس الى “تنوير مزيّف” قوامه الاقصاء والكراهية.
وعلى الرغم من أهمية “الدولة” كاشكالية فلسفية قائمة منذ اقدم العصور، الا ان تحويل الدولة الى حالة “صنمية” ان لم نقل “طوطمية” على نحو يبرر خذلان المشروع الديمقراطي ويغرس سكينا اضافيا في جسده المنهك، فهذه سيرة فلسفية تونسية تكشف حالة “تهافت” و”هشاشة” فكرية واخلاقية وتدق ناقوس إنذار قويّ في وجه “حداثة” مزعومة تفتقد الى المصداقية والنزاهة وغير قادرة على الاضطلاع بمهمتها الأساسية في إلحاق أمتنا بركب الحضارة الانسانية..