د.خالد شوكات: انتفاضات شعبية بلا قيادة طموحة أو برنامج للتغيير!؟
د.خالد شوكات
خرج العراق في مظاهرات مذهلة، بل رائعة..هتفوا بأعلى أصواتهم حتِى بحّت حناجرهم. تجاوزوا حدود الطائفية، ونادوا بدولة مدنية، وبرحيل الحكومة الراعية للفساد، فسقط من بينهم سبعمائة شهيد وأكثر من عشرين ألف جريح، وبعد عدّة أشهر، وبغداد على بعد أمتار قليلة من الانتخابات، لا يبدو أن هذا الاستحقاق الشعبي سيقلب خارطة النتائج رأساً على عقب، مثلما يفترض ان يحدث بحسب مظاهرات ثورة الشباب..
خارطة القوى الشيعية لم تتبدل، ومن سيربح الانتخابات هم تقريبا انفسهم.. مقتدى صاحب التيار الصدري، والمالكي والعبادي والعامري والسيد عمَّار واخرون معروفون..أي أولئك الذين حمّلهم المتظاهرون المسؤولية..والقوى السنية ليست بعيدة عن هذا الحال، والأكراد كدأبهم سيتوزعون بين آل البارزاني وآل الطالباني..
لم تفرز الانتفاضة إذاً قيادة جديدة ولا ساهمت في بلورة برنامج مختلف أو صاغت رؤية حضارية حضارية.. وعندما ستتشكل الحكومة القادمة فلن تخرج عن القوالب ذاتها التي تبلورت اثر سقوط نظام صدام تدريجيا.. ذات المحاصصة الطائفية وذات الدولة الريعية.. ذات التمّن وذات الكباب.
في لبنان خرج الناس ايضا الى الشوارع. رجموا الطائفية والمحاصصة وقوى الطائف التي تتقاسم كعكة السلطة منذ ثلاثين عاما. سقطت حكومة الشيخ سعد، ليعود الشيخ سعد نفسه بعد قوس فتح وآخر اغلق، بتشكيل حكومة باهتة عاجزة هي حكومة دياب، وبين القوسين كان ثمّةَ فراغ سياسي رهيب، وارتفاع جنوني للاسعار، وانهيار مريع لليرة، وغياب للكهرباء والطاقة.. “يرحلوا كلّن” ما جابت نتيجة..وعوض ان تحدث القطيعة المطلوبة تبيَِّن انها اقوى من جميع المظاهرات، التي لم تتمكن من طرح قيادات جديدة على الساحة، ولا رؤية او برنامج.. والحكي مقدور عليه.. وزعماء الطوائف لم يقصّروا.. بدا انهم يعرفون شعبهم جيّدًا، وقد ادركوا ان الأحداث مجرّد تنفيس، اي “طق حنك”، وسيذهب إلى حال سبيله، وغدا عندما تأتي الانتخابات سيلوذ القوم بمعاقلهم الطائفية، ولن تفاجئ النتيجة الانتخابية نفسها أحداً من العارفين بالشأن اللبناني.
في الجزائر خرج المتظاهرون، وغالبيتهم شباب وطلبة جامعات، خلال أيام الجمعة طيلة ما يقارب السنتين.. مظاهرات سلمية مدنية مذهلة أيضا، خيّبت امال المراهنين على الفتنة ممن يريدون سقوط الجزائر المعتزة بثورتها وأمّتها..هتف الشباب بشعارات شبيهة بتلك التي رفعها أشقاؤه في بغداد وبيروت، وصاحوا بعناد “يروحوا قاع” (ليرحلوا جميعا)، ورحل الرئيس بوتفليقة ورموز مرحلته، لكن النظام صمد وتكيّف مع الأوضاع وفرض تغييرا يكاد يكون من داخله، إذ نظّم انتخابات رئاسية أتت برجل يجمع بين الحسنيين، ابن النظام من جهة وصاحب مرجعية اصلاحية نقدية من جهة ثانية، هو الرئيس تبّون، لكن المفاجأة الصارخة ستكون نتائج الانتخابات التشريعية التي ستفرز الحكومة بحسب الدستور الجزائري الجديد.. ذات التحالف الوطني الاسلامي الذي اعتمد عليه الرئيس السابق يسيطر على البرلمان الجديد، وذاتَ الاحزاب الثلاثة المعروفة تفوز، جبهة التحرير وحركة مجتمع السلم والتجمع الوطني.. لا شيء جديد، والدرس ان حراك المجتمع الجزائري خلال أيام الجمعة لم يكن حراك قيادة جديدة أو برنامج تغيير.. مجرد شعارات حققت نصف المراد منها، وهو تماما ذات درس العراق ولبنان.
أخيرا، نتوقّف عند تونس التي أظهر جزء كبير من شعبها السخط على واقع السنين العشر الاخيرة..مجرد سخط ايضا لم يفرز جيلا جديدا من القادة بعد، بمقدوره ان يحلّ محل النخبة الاخيرة، ولا ثمّةَ في الأفقِ ما يشير الى امتلاك طرف ما نشيط في الساحة السياسية مشروع إصلاح وتغيير، ولو نظمت انتخابات سابقة لأوانها مثلما يطالب بعضهم كحل للازمة المستفحلة والورطة المستحكمة، وفقا لذات القانون الانتخابي، لكانت النتيجة صادمة ايضا، برلمان جديد بذات الملامح التي كرهها الناس، سينتج حكومة مائعة كالعادة بلا لون او طعم او رائحة.. فهل لنا طمع في احراز شيء مختلف وجديد من ذات المقدّمات البائسة..
وخلاصة الامر ان عجز الامم والشعوب عن انتاج القيادات الصالحة ذات البرامج التغييرية الواعدة حتى لو انتفضت وثارت وقدمت الشهداء، هو تجّل صارخ لعجزها عن انتاج مشاريع حضارية لتحقيق النمو والتقدم والرفاهية.