4 يناير 2025

 د.خالد شوكات: المسيح الديمقراطي والقادم من كوكب آخر!

 د.خالد شوكات

في النظام الديمقراطي وارد باستمرار إن كنت حاكما أو طرفا في الحكم أن تخسر الانتخابات وتطالب بمغادرة كرسي السلطة، وحينها فقط سيختبر معدنك السياسي الحقيقي، وما اذا كنت ديمقراطيا حقيقيا أو تغشاك بعض الديمقراطية فقط أو أن الديمقراطية لديك مجرد وسيلة يجب أن توصلك لسدة الحكم والسلطان لكنها يجب أن تتوقف عند هذا الحد فهي في عقلك الباطن المكشوف تذكرة ذهاب لا عودة معها، وفي تاريخنا وتاريخ غيرنا عشرات النماذج من هؤلاء الحكام الذين أتت بهم شعارات ديمقراطية وذهبت بهم سيرة ديكتاتورية انزلقوا إليها بالتدريج بعد ان أخذ بريق السلطة بألبابهم وتلاعب شيطان الحكم بشهوتهم.

مرحلة الانتقال الديمقراطي، مثل هذه التي نعيش منذ عشر سنوات، هي الى جانب وظائف كثيرة تضطلع بها، مرحلة اختبار حقيقي لمعادن النشطاء السياسيين والفاعلين في الحقل العام، ومدى صلابة معتقداتهم الديمقراطية وثباتهم على المبادئ والقيم التي أقيم عليها النظام الديمقراطي.

وقد كشفت لنا هذه الفترة عن عديد نماذج الانفصام والازدواجية والهشاشة، التي ظهرت بارزة بعيوبها ومساوئها ونقاط ضعفها وأحيانا مآسيها خصوصا بعد خسارتها الانتخابات أو مغادرتها السلطة، وهنا بعضها الذي تجلّى أكثر من سواه في المشهد والساحة:

– أن نرى الدنيا سوادا بمجرد خروجنا من السلطة، ذلك اننا كنا ننظر إلى انفسنا مثلا شرطا أساسيا لنجاح الديمقراطية وأن خروجنا يعني سقوط المشروع الديمقراطي فنحن الأكثر نزاهة وطهرا واخلاصا مثلما يخبرنا ابليسنا، ودوننا سيظهر الفساد في البرّ والبحر وسيهلك الزرع والضرع، وستنهار القيم والمبادئ، وسيعمّ السواد والخراب، وعندما يصلب “المسيح الديمقراطي”، تصبح القيامة قاب قوسين أو أدنى، ويجوز أن ندعو حينها الى خلاف ما ندعو اليه في ما مضى زمن معارضتنا، بان ننزل الجيش ونعلن حالة الاستثناء ونسبّ الشعب الذي لم يقدّر جيّدًا مواهبنا ونشتم خصومنا بالحق والباطل وان نبيح جميع الوسائل فالغايات أضحت اليوم تبررها.

– ان نشعر بأننا من كوكب آخر، وذلك منتهى التعالي عن الواقع الذي لم يخضع لإرادتنا، حيث وجدنا انفسنا بلا سلطة حقيقية رغم حيازتنا على تفويض شعبي، وبدل ان يرشدنا عقلنا السياسي الى نقد سيرتنا ومراجعة سلوكنا نعمد الى التصعيد العدمي، ويتحول شعار الشعب يريد الى ممارسة فوضوية ضد المصلحة الشعبية، كما نستعيض عن مواجهة الحقائق السياسية بما يعيننا على القيام بوظيفتنا الأصلية كجامع للنخب وموفق بين القوى والتيارات السياسية وضامن للوحدة الوطنية، بالهروب الى الامام ومواصلة التخاطب مع الاشباح والحديث عن الخيانات والمؤامرات، وعلى هذا النحو تخلو البلاد من أي مؤسسة يطمئن الناس إليها مثلما تقضي بذلك الاعراف في الديمقراطيات المستقرة، حيث يجد الرؤساء القدرة في انفسهم على التعالي عن الضغائن والاحقاد والتسامي عن التفاصيل اليومية التافهة حفظا للمصالح العليا والقيم النبيلة.

– أن نبقى أسرى الإحساس بالخيبة الانتخابية، فنغادر تحت ضغط هذا الإحساس دائرة السياسة الى دائرة الأيديولوجيا والعقيدة لاستباحة حقوق الخصوم، ونتذكر فجأة نقائص هؤلاء الذين منحهم الشعب الثقة، كما نقف على عيوب الشعب نفسه الذي لا يعرف مصلحته جيّدًا مثلما نعرفها، ذلك لأنه لم ينتخبنا نحن تحديدا، وننسى اننا نعرف هذه العيوب مسبقا قبل ترشحنا للانتخابات وانه لا يجوز لنا نقد قواعد اللعبة فقط لانها لم تكن في صالحنا.

ان للديمقراطية عيوبا ولكنها على عيوبها تظل افضل الأنظمة السياسية التي اخترعها الانسان، وان للشعوب نقائص حتما، ولكن الاصلاح يتحقق بمزيد من ممارسة للديمقراطية لا بالنكوص عنها.

لقد هزمنا في الانتخابات وسلّمنا بالهزيمة واحترمنا إرادة الناس وتمنينا لهذه الحكومة وللحكومة التي سبقتها النجاح وما نزال نفعل، رغم ان لدينا الكثير من التحفظات والملاحظات حيال هذه السيرة في سياقاتها التي تريد أن تنتج بذات المواد الفاشلة نجاحات خارقة، ولدينا أفكار ومقترحات ما نزال مصممين على تقديمها لمن يتحمل المسؤولية خاصة وللرأي العام اجمالا، ومهما كانت معارضتنا للسياسات المتبعة فاننا نعارض في ذات الوقت الفوضى والنزاعات التخربية وعقلية الارض المحروقة، ونتمسك بالاعتدال والوسطية وبدور مؤسسات الحكم المنتخبة في تحمل المسؤولية، ونرفض خطابات الفاشية والشعبوية والطهرانية، ولا نصدِق دعاوى “المسيح الديمقراطي” أبداً، ونطالب الرئيس القادم علينا من كوكب آخر للاندماج مع الناس في كوكبنا وان لا يكون عنصرا اضافيا في مشاريع تقسيمنا وتأليب بعضنا على بعض، مثلما أنصح نفسي وزملائي ممن لم ينل ثقة مواطنينا على الاجتهاد اكثر لنيل هذه الثقة في المرات القادمة، ان ما يزال في جرابهم طاقة وصبر على العمل العام، وذلك بالانتاج في البرامج التي تنفع الناس، لا بالانخراط من جديد في حروب داحس والغبراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.