1 يناير 2025

د.خالد شوكات: القيادة السياسية والعجز في الميزانية

 

د.خالد شوكات

تابعت قبل قليل حوار السيد علي الكعلي وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار في أوّل اطلالة إعلامية له هذا العام على أمواج اذاعة إكسبرس أف أم وهي اذاعة ذات اهتمام اقتصادي ولكنني اعتبرها المؤسسة الإعلامية الأكثر جدية ومصداقية ومهنية وخلوّا من اي أجندة خبيثة أو ارتباطا بلوبيات المصالح الضيقة.

ما فهمته من السيد الوزير ان هناك فجوة ب19 مليار في ميزانية الدولة للعام الحالي 2021، أي حوالي 6 مليار يورو أو 7 مليار دولار، وهي فجوة قياسية تتطلب تغطيتها ليس فقط تظافر جهود الأطراف الداخلية ووحدة التونسيين الوطنية، بل كذلك دعم الاصدقاء الإقليميين والدوليين فضلا عن المؤسسات المانحة، وهو مسار غير مضمون بالنظر الى الظروف الاستثنائية السيئة التي فرضتها جائحة الكورونا، بالاضافة الى المناخ الاجتماعي المتوتر، المليء بالإضرابات والنزاعات والاحتجاجات، وهو ما يعني تواضع القدرات الوطنية على مستوى العمل والإنتاج والانتاجية وتدهور السمعة التونسية لدى الأطراف المقرضة والجهات المانحة.

لكن المعوّق الأكبر والتحدّي الأهم في مواجهة هذه الحالة المالية غير المسبوقة وهذا العجز الكبير في موارد المالية، وهو ما أشار اليه السيد الكعلي تلميحا لا تصريحا، هو هذا المناخ السياسي الموتور المصاب بالسعار، في ظل قيادة سياسية ضعيفة ضعفا غير مسبوق ايضا، فرئيس الجمهورية شبه عاجز لمحدودية موهبته القيادية وعلاقاته الدولية على مساعدة بلاده، خلافا لسلفه رحمه الله، أما رئيس الحكومة فهو رجل ادارة لا سياسة، وقد جاء نتيجة صراع السياسيين فيما بينهم، لا مسؤولية عليه في توفر خطاب سياسي لديه من عدمه، فيما تعادي جل القوى السياسية المقاربات التي يبدو الاقتصاد الوطني في أمس الحاجة اليها من قبيل الحوار الوطني والتوافق الوطني، فما البال بالوحدة الوطنية التي أضحت ضرورة لا بديل لها في إيجاد مخرج للازمة المالية والاقتصادية المستفحلة.

بدا عضو الحكومة المكلف بأخطر وظائفها هادئا وواثقا من قدرة تونس عاى تجاوز الأزمة، واظن ان هدوءه وثقته مرجعها رغبته في طمأنة الأطراف الداخلية والخارجية المؤثرة في المعادلة الاقتصادية والمالية، أكثر مما هي نتاج معطيات الحالة الاقتصادية او ارقام الوضعية المالية، لكن هذا لم يمنع الرجل من توجيه التحذير المطلوب ولو ضمنيا، للاطراف السياسية لعلها تنقص من صخبها وتجاذباتها وتساعد بلادها على تهدئة التوترات وتوفير مؤشرات إيجابية قد تساهم في توفير مناخ جاذب للاستثمار الخارجي والداخلي، فهل تستجيب هذه الأطراف لنداء الواجب الوطني؟

على الرغم من تداعيات الكورونا وفجوة الميزانية القياسية وما تنذر به من عواقب وخيمة، فإننا كتونسيين لا نتصرّف في ادارة شأننا العام بما تقتضيه حقائق الأزمة، بل اننا نفعل خلاف مصالحنا العليا تماما، وفيّ زمن يقتضي منا تقاسم التضحيات وتبادل التنازلات والاستعداد لبذل الجهود الجماعية من اجل رفع قيمة العمل والإنتاج والانتاجية، فقد اتجهنا الى تناول جرعات اكبر من الاستهتار والعبثية واللامسؤولية، وقد تتالت على أسماعنا صفارات الانذار لكن حواس السمع والشم والذوق تكاد تكون مفقودة، ربما لان فيروس الكورونا السياسية اشد فتكاً من فيروس الكورونا الجسدية، وما من لقاح يفيد لمجابهة هذا الفيروس سوى القيادة السياسية القادرة على توحيد التونسيين في معارك البناء والتنمية وزرع الامل في صفوف الشبيبة اليائسة وترويج الحلم التونسي الواعد بين الشرائح الشعبية التي فقد الثقة في النخب السياسية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.