1 يناير 2025

 د.خالد شوكات: الجمهورية العربية الإسلامية

1 min read

 د.خالد شوكات

 

لست أدري لماذا لم يتمكن الانتقال الديمقراطي في المجال المغاربي من استعادة الحراك الوحدوي. كنا طيلة العقود التي مرّت بين لحظات التحرر والاستقلال ولحظات الربيع العربي، نقول ان سبب تعطل القطار المغاربي مردّه وجود أنظمة قمعية استبدادية جاثمة على صدور شعوبنا التي تتوق الى تجسيد حلم الاباء والاجداد، لكن هذا القول بدا انه اجابة خاطئة او شبه خاطئة، فالديمقراطية في تونس مثلا لم تجعل الوحدة، سواء في أفق عربي، أو حتى مغاربي، أولوية شعبوية أو رسمية أو حتى نخبوية.

لا تتحدث النخب التونسية والمغاربية للأسف في خطاباتها عن الوحدة باشكالها، لا اندماجية ولا فيدرالية اتحادية ولا حتى كونفدرالية، ولا يبدو انها واردة في الخطابات الحكومية والسياسات العامة المعتمدة رغم الالتزام الدستوري، الى درجة تبدو فيها هذه الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة هشام المشيشي الى طرابلس حدثا خارج السياق بأتمّ معنى الكلمة، ناهيك عن هذا الوعي الوحدوي المفاجئ – بالمعنى الإيجابي طبعا- الذي ظهر على ألسنة المسؤولين التونسيين ونظرائهم الليبيين، على نحو استحضر معها بعض الوحدويين في القطرين تلك اللحظة المضيئة التي سرعان ما انطفأت في تاريخ العلاقات الثنائية التونسية الليبية، لحظة اتفاقية جربة في 12 جانفي 1974، لحظة الجمهورية العربية الاسلامية الخالدة، التي لو كتب لها ان تؤتي أكلها وثمارها، لأسست لدولة ذات حظوة في قلب المنطقة المتوسطية، ولكانت احدثت التوازن المطلوب مع دول الجوار الشمال أفريقي، دولة غنية جدا بمواردها البشرية والطبيعية وبقدراتها الاستراتيجية وطموحها الحضاري.

كان الرئيس الباجي قائد السبسي رحمه الله يكرّر دائما المقولة الشهيرة من أن ” الليبيين والتونسيين شعب واحد في بلدين”، وربمّا ظن البعض ان الامر لا يعدو ان يكون مجاملة سياسية او ديبلوماسية، لكن هذه المقولة في واقع الامر صحيحة جدّا، فالامر يتعلق بشعب واحد فعلا لا مبالغة. شعب كان في اغلب التاريخ ضمن دولة واحدة، وتقاسم باستمرار لحظات الأزمة والمحنة ، وهو متداخل اجتماعيا الى درجة ان اللقب العائلي الأكثر شيوعا في تونس هو “الطرابلسي” وان الاسماء العائلية المرتبطة بالقبائل والمدن اللليبية جميعها اسماء لعائلات تونسية معروفة، وان الشخصية السياسية التونسية الأهم التي اسست دولة الاستقلال الزعيم الحبيب بورقيبة من اصول ليبية مصراطية معروفة وكذا حال كثير من رفاقه من قبيل الباهي الأدغم وغيرهم كانوا ايضا من جذور طرابلسية.

والحال نفسه لا يختلف في ليبيا حيث يحمل الكثير من الليبيين اسماء العروش والمناطق التونسية. والانطباع المتجذر لدى الليبيين انه ليس ثمّةَ دولة يرتاحون للعيش فيها مثل تونس، وان نصف التونسيين على الاقل لهم صلات بالعاصمة طرابلس اكثر من صلتهم بعاصمة بلادهم.

قيل حين أعلن عن الجمهورية العربية الاسلامية، ان سي الهادي نويرة رئيس الحكومة آنذاك هو من افسد المشروع بتشجيع من زوجة الزعيم بورقيبة الماجدة وسيلة، لاعتبارات مصلحية ضيقة، كما قيل ايضا ان الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين قد ضغط ايضا في الاتجاه نفسه، لتقديره ان الكيان الجديد سيخلّ بالتوازن المستقر لصالح دولته التي ستفقد هيمنتها النسبية في المنطقة المغاربية، وايا كان الفاعل الاساسي وراء نقض المشروع، فان النتيجة كانت بلا شك ضد مصلحة ليبيا وتونس، وهو ما أثبتته وستثبته باستمرار الأحداث والوقائع الجارية.

ان المطلوب حقّا هو دولة من اكثر من عشرين مليونا، لديها اكثر من ثلاثة الاف كيلومتر على المتوسط، بما يجعلها الدولة المتوسطية الاكبر، ولديها احتياطات من النفط والغاز والفوسفات والمياه ما يجعل هذه الدولة قادرة على اطلاق مشروع حضاري تنموي واعد متنوع المصادر والمنتجات، في إطار نظام سياسي ديمقراطي عصري يتبنى اخر منتجات الفكر الانساني، من قبيل الحوكمة الرشيدة والحكم المحلي والتداول السلمي على السلطة واحترام الحرّيات وحقوق الانسان وتثمين الابعاد العربية والإسلامية والامازيغية والافريقية والمتوسطية والانسانية. وفيّ هذا التوجه ضمان لنيل العلا وتحقيق احلام الشباب والأجيال القادمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.