د.خالد شوكات: استكمال الاستقلال..
د.خالد شوكات
هذه العبارة لا تعني كما يريد البعض التعامل معها أنها “عدم اعتراف بوثيقة استقلال 20 مارس 1956″، إنما المعنى الحقيقي لها هو السعي إلى تنفيذ كافة النقاط الواردة في برنامج حركة التحرر الوطني التي كافحت الاستعمار، وما الاستقلال السياسي إلِا أوّل نقطة أولى في هذا البرنامج، في ظل وجود حقيقة لا يمكن إغفالها، ألا وهي رغبة المستعمر في الحفاظ على مصالحه والالتفاف على الاستقلال بجعله مجرّد “استقلال شكلي”، والعودة للبلاد من نوافذها التي تركها مفتوحة بعد أن اضطر للخروج من الباب مرغما بفضل دماء الشهداء وتضحيات الصادقين.
لقد كان وعي زعماء الحركة الوطنية قائما بشكل مبكّر بالمخطط الالتفافي الاستعماري المشار إليه، وقد جرى تصفية هؤلاء تباعا، وما يزال حبل التصفية على الغارب إلى اليوم، ولئن اصبحت التصفية الجسدية مسألة صعبة ومكلفة، فان الاغتيال المعنوي والرمزي والتصفية السياسية عبر وكلاء المستعمر السياسيين و الثقافيين والاعلاميين وسواهم ما يزال جاريا حتى الساعة.
– لقد اغتيل جسديا ومعنويا، من خلال مكر التاريخ ونكد الصدفة، رجال من قبيل الشيخ عبد العزيز الثعالبي والشيخ الطاهر الحدّاد والدكتور الحبيب ثامر وغيرهم، وكان الاخطر من رحيلهم المادي تصفية تراثهم والحيلولة دون وصول افكارهم ومواقفهم وتضحياتهم للاجيال اللاحقة.
– و لقد اغتيل جسديا الزعيم فرحات حشّاد لانه حذّر بوضوح وجلاء من وكلاء الاستعمار بعد الاستقلال واستشرف ما سيحدث وكانت نظرته صادقة صدق جذوره وتوجهاته وإخلاصه لقضيته الوطنية.
– واغتيل جسديا الزعيم صالح بن يوسف لأنه حذر من استقلال منقوص لا يضمن الوحدة المغاربية والعربية، والوحدة شرط من شروط استكمال الاستقلال والنهوض الحضاري.
– واغتيل الزعيم احمد بن صالح سياسيا ورمزيا لأنه حاول من خلال التجربة التعاضدية تحقيق الاستقلال التنموي وبناء صناعة وفلاحة وسياحة وطنية حقيقية.
– واغتيل الزعيم محمد مزالي سياسيا ورمزيا لأنه حاول الافلات من الهيمنة الاستعمارية بتنويع الشراكات الدولية وتحقيق الاستقلال الحضاري واللغوي من خلال تكريس الاعتزاز بالذات..
– واغتيل معنويا الاستاذ أحمد التليلي والأستاذ أحمد المستيري لأنهما طالبا بالإصلاح السياسي والديمقراطي باعتباره شرطا من شروط التنمية الحقيقية والاستقلال الحضاري.
وما يزال وكلاء الاستعمار في بلادنا، الذين وكّل إليهم الدفاع عن مصالحه السياسية والاقتصادية والثقافية واللغوية، كالذئاب يجتمعون على كل من يشتمون عليه رائحة الاجندة الوطنية التحررية الصادقة، لترذيله وتمزيقه ارباً وتصفيته كقيمة ومعنى ومشروع، مستغلين قدراتهم المالية والإعلامية في تزييف الحقائق وترذيل الشخصيات والتلاعب بالرأي العام، وبعض هؤلاء لا يعلم حتى أنه مجرد أداة لدى أسياده يحققون بها مآربهم الخبيثة وهو يظن انه يحسن صنعاً.
ولعل أكثر ما يخيف الاستعمار ووكلاءه، ليس أولئك المتطرفون يميناً ويسارا، فهؤلاء عادة ما يصفّون انفسهم بأنفسهم، إنما أولئك الذين يحملون أمانة الآباء والاجداد المؤسسين، قادة الحركة الوطنية والاصلاحية التونسية، ولديها قدرة على الجمع بين المبدئية والواقعية، وبين الاصالة والمعاصرة، وبين العناصر الضرورية الأربعة لكل مشروع حضاري وطني: الوطن والدين والحرّية والعدالة.