د.خالد شوكات: أفريقيا الطموحة ومأساة الرئاسة إلى الأبد
د.خالد شوكات
في ساحل العاج يستعد الرئيس الحسن وتارا اعلان فوزه بولاية رئاسية ثالثة مثيرة للجدل، لعلع الرصاص في الطريق اليها عدة مرّاتٍ وسقط ضحايا ابرياء لا صلة لهم بها، هذا على الرغم من حسنات هذا الرئيس الكثيرة التي سجلت خلال العقد الاخير منذ تسلمه الرئاسة في ظروف عصيبة مرّ بها هذا البلد الافريقي الذي لطالما عرف باستقراره السياسي وتماسكه في ظل عقود من حكم رئيسه المؤسس هفوات بوانييه، لكنّهُ شهد بعد ذلك سنوات من الاضطراب والحرب الأهلية التي قسّمته عمليا الى جنوب وشمال، ولم تنته هذه القصة الحزينة الا بعودة الزعيم المشكّك في هويته العاجية الخالصة، المنحدر من الشمال ذي الأغلبية المسلمة، والذي ينسب الى اصول من الجارة بوركينا فاسو، لكنّهُ على اي حال نجح منذ اصبح رئيسا في وضع البلاد من جديد على سكّة الاستقرار والتنمية وتدارك الايفواريون في عهده جزءا من مرارة السنوات الاخيرة واصبح لبلادهم هيبة في محيط دول غرب افريقيا باعتبارها صاحبة الاقتصاد الاكبر والأكثر نشاطا وحيوية، بل لقد اصبح ساحل العاج خلال ولايتي الحسن وتارا الاخيرتين نموذجا على صعيد القارة برمتها ومثالا يشار اليه بالبنان من قبل الخبراء، خصوصا في البنك الافريقي للتنمية بعد ان عاد مقره الى ابيدجان اثر سنوات من الاقامة المؤقتة في العاصمة التونسية.
ولاية وتارا الثالثة لا تبدو مقبولة من المعارضة، وتحمل من جديد نذر اعادة البلاد الى سالف أجوائها المتسمة بالصراع المفتوح على الخلافة، في بلد ما يزال شبح الحرب الأهلية يطارده، خصوصا مع وجود بيئة إثنية مهيأة لذلك وتفاوت بين جنوب مسيحي على شاطئ الأطلسي حظي باهتمام تنموي طيلة عقود على حساب شمال مسلم يشعر بالضيم ولا يفارقه شعور بالتهميش، وهو امر متكرر في اكثر من بلد أفريقي، وعاد ما تعمل المصالح المتنافرة لقوى التدخل الخارجي المتكالبة على القارة السمراء وثرواتها على تغذيته، لكن المسؤولية تظل ملقاة بالدرجة الاولى على عاتق هؤلاء الرؤساء والقادة والزعماء الذين يرفضون كتابة نهايات مشرفة كما كتبوا نسبيا مقدّمات جيدة ومسيرات معقولة في الحكم لسنوات غير قليلة. العجز عن التداول السلمي على السلطة والخروج الأمن من مقعد الرئاسة، لا يبدو اليوم معضلة في الكوت ديفوار فحسب، بل في اكثر من بلد أفريقي شهد استقرارا وتنمية خلال السنوات الاخيرة، كأوغندا التي ستشهد خلال السنة القادمة انتخابات رئاسية لا يبدو ان الرئيس يوري موسيفيني الذي يمسك بتلابيب السلطة فيها منذ عقود مستعدّ لمغادرة الكرسي من خلاله، بل لقد اقدم مجددا على تعديل الدستور حتى يزيل ما بقي من شروط لا تسمح له بالترشح، مخططا للبقاء رئيسا للأبد. وغير بعيد عن أوغندا، لا احد بمقدوره الحديث عن خلافة الرئيس بول كيغامي في روندا، الذي صنع منذ توليه الحكم سنة 1994 اثر حرب أهلية بشعة وابادة جماعية ومأساة إنسانية التهمت قرابة مليون مدني بريء في إطار صراع اثني مجنون بين الهوتو والتوتسي، وكان الفضل لكيغامي القادم بجبهته الوطنية من الشمال في أوغندا ليرسم خلال الربع قرن الاخيرة بارادة وعزيمة فولاذية معالم النموذج الرواندي الرائد في المنطقة، بل في القارة بأسرها، لكن كل هذا لا يبرر برأي المعارضين الذين اضطروا للاستقرار خارج وطنهم، وكذلك لخبراء التنمية المستدامة والمنظمات المهتمة بالحريات والديمقراطية وحقوق الانسان، ان يصمت البلد عن مناقشة اهم قضية تتعلق بالمستقبل وقدرة رواندا على الحفاظ على منجزها، اي ماذا بعد كيغامي، وهل من سبيل لتأمين تداول سلمي على السلطة، ام مكتوب على القارة السمراء تكرار الماساة ذاتها، بان يمسح الرؤساء للأبد ما كتبوه من صفحات مضيئة في سجلات بلدانهم.