د.خالد شوكات: أزمتنا في الدستور وفي غيره أخلاقية!!؟
1 min read
د.خالد شوكات
استغراب البعض لتخلّي الرئيس عن نسخة “الصادق بلعيد” بعد ان أوحي للرأي العام بأن الأمر يتعلّق بلجنة استشارية، في غير محلّه لأن الشيء من مأتاه لا يستغرب، فقبول بلعيد ومحفوظ وبودربالة ومن والاهم عضوية هذه اللجنة كان عملا “لا أخلاقيا”، ما كان لهم أن يقترفوه مهما كانت المبررات، ومن ينخرط في هكذا عمل غير اخلاقي لا يجوز ولا يحق له الاحتجاج على ما جرى من منطلق أخلاقي، فهؤلاء يستحقون هذا وأكثر، وعلى الرغم ممّا لاقوه من جزاء سنمّار، فإنهم سيلاقون أكثر منه لاحقا.
كان العديد على يقين، وقد تحدثوا عن ذلك وكتبوا، أن اللجنة كانت مجرّد واجهة، وان للرجل نسخته الخاصة التي كتبها بنفسه، وان مفهومه للشورى او الاستشارة شكلاني ظاهري، اما الحقيقة عنده فلا يمسك بتلابيبها ويدرك كنهها وحقيق بكتابتها في شكل دستور او مرسوم او أمر إلا مولانا الإمام قدّسَ سرّه، وهو يعرف أن له من “المفسّراتيه” و”المبرّراتية” من لا يجد حرجاً في “بلع السكينة بدمها” وتصوير “أي عمل موغل في اللا أخلاقية” بأنه “قمّةِ الأخلاق”..
لربما يبدو بلعيد الأكثر شجاعة عندما صرّح بأنه “لا علاقة للنسخة التي سلّمها بالنسخة المنشورة في الرائد الرسمي”، لانه يتحمّل الوزر الاكبر في القبول بوظيفته غير الاخلاقية، لكن أولئك الذين شغلوا عضوية اللجنة من احزاب وأشخاص، ولم يكن لوجودهم أي مبرر اصلا، ممن لم ينبسوا ببنت شفة عن الامر، بل هبّ بعضهم حتى قبل النشر في الرائد الرسمي الى اعلان تأييده على بياض هكذا، يتحمّلون الوزر ايضا، ولو ان أغلبيتهم من النوع المتهافت اخلاقيا ومن بينهم أولئك الذين يبحثون عن موقع تحت الضوء حتى ولو من باب التحيّل السياسي .
غير ان السؤال الذي يظل مطروحا، وقد سبق للباحث المتميز الدكتور ايمن البوغانمي أن حاول الإجابة عنه، هو ما اذا كان التونسيون يجدون حرجا في ان يمارس حاكمهم سلوكا غير اخلاقي بالمعنى السياسي (وليس بمعنى الآداب العامة).. وقد كانت الإجابة انهم لا يجدون حرجا في الامر البتة، منذ تبنوا أسطورة علّيسة باعتبارها رواية رسمية تمثلهم، حيث أقامت الأميرة الفينيقية جمهوريتها الجديدة قرطاج على خديعة صاحب الارض الامازيغي الذي ظنّ انه باعها مساحة جلد ثور، فاذا بها تجعله خيوطا لتكون المساحة أضعاف ما ظن الاف المرات، ومنذ ذلك التاريخ يقول الدكتور البوغانمي ان التونسيين لا يمانعون في ان يخرق الحاكم القواعد الاخلاقية ويحنث القسم ويخالف اليمين مادام سيحكمهم بقبضة حديدية.
ومن الإضافات المقبولة في هذه السيرة غير العطرة، ان احتجاج التونسيين على الفساد لا يعبر بالضرورة عن نضج اخلاقي وحرص مواطني، إنما لانهم لم ينالوا حظا من هذا الفساد، وان رغبة بعضهم في إلقاء الاسلاميين في البحر لا يتأتى من تقدير لخطورتهم على الديمقراطية او الجمهورية، بقدر ما يتأتى من اعتراضهم على مزاحمة هؤلاء لهم في غنيمة الدولة.
أما سيرة الرئيس سعيّد فهي نموذج للتونسي الذي لا يجد مشكلا في مسايرة الحكم الاستبدادي كل العمر، دون ان يجد اي حرج عندما ينقضي زمن المستبّد، في ان يتحول الى “ثوري راديكالي” يزايد على اكثر الثوّار صدقا، وفي ان يلزم في ثوريته الخطابية دمج نبرة صوت عالية مع عدم تسمية الخصوم والاعداء باسمائهم ونسبة الامور باستمرار الى ضمير الغائب حتى يكون التراجع ممكنا.
انني منذ وعيت السياسة وجدت سي محمد مزالي – وهو مرجعي الاول فكريا وسياسيا- يقول ان أزمتنا “اخلاقية”، وعندما عدت للمساهمة بكل اخلاص في تجربة الانتقال الديمقراطي بعد انتصار الثورة، وذلك اثر تجربة في المعارضة قبلها لما يقارب ربع قرن، وجدت بعضهم يقول لي “ما الذي أتى بك الى السياسة، انها لا تصلح بك” لان السياسة برأيهم عمل لا اخلاقي او لا تكون!!؟، وحقيقة الامر ان قمّة “اللا اخلاق” هو المزايدة الاخلاقية، ومنها ان يسمح المرء لنفسه بادعاء الطهورية والنقاء فيما هو كسائر هؤلاء التونسيين في ضعفهم وانانيتهم.
خلاصة القول: ان هذه المحنة قد عرَّت كما لم تفعل محنة من قبل في تاريخنا المديد، فداحة أزمتنا الاخلاقية، ولهذا فان مضمون الدستور المطروح لا يهمني اكان كاتبه قيس سعيّد او الصادق بلعيد وصاحبه امين محفوظ، لأن الغاية الحق لا تدرك بوسيلة باطلة، ومادام المسار برمته كان غير اخلاقي وغير شرعي فإن نتيجته ستكون من جنسه.. شخصيا لا اعترف الا بدستور 2014، دستور الجمهورية الثانية ، دستور ثورة الحرية والكرامة. وتقديري ان ما اقترح لن يختلف مصيره عن مصير دستور “الزمام الاحمر” المزعوم والوارد ذكره في تلك التوطئة الكارثية.