د.أحمد القديدي: من بريطانيا إلى رواندا ترحيل غير مسبوق
د.أحمد القديدي
نطالع هذه الأيام أخبارا غريبة قادمة من لندن و غير مسبوقة مفادها ان الحكومة البريطانية إتفقت مع حكومة روانا على قبول (كيغالي) أعدادا من المهاجرين غير الشرعيين تطردهم بريطانيا من أراضيها مهما كانت جنسياتهم و تم هذا الإتفاق الغريب بعد أن رفضت عديد الدول الإفريقية هذه الصفقة لأسباب مفهومة و شرعت بالفعل حكومة السيد جونسون حشد مجموعة من المطرودين على متن طائرة و منهم إيرانيون و عراقيون و أفارقة إلا أن الطائرة لم تقلع حيث أعلنت وزارة الداخلية البريطانية عن إلغاء أول رحلة من نوعها لنقل طالبي لجوء إلى رواندا، في إطار خطة أقرتها الحكومة البريطانية للحد من تدفق المهاجرين السريين إليها، وذلك بعد مراجعات قضائية أجريت في اللحظات الأخيرة و صدور قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اللحظات الأخيرة. وجاء القرار الأخير بعد سلسلة من المعارك القضائية في بريطانيا جاءت نتيجتها لصالح انطلاق الرحلة رغم اعتراضات جماعات حقوق الإنسان.
وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن الحكومة لن “تُردع أو تُحرج” بأي انتقاد للخطة، وذلك بعد وصف زعماء كنيسة إنجلترا (الأنجليكانية) خطة الحكومة بأنها “سياسة غير أخلاقية”.وعبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في رسالة مفتوحة، عن معارضتها لهذا المشروع، معتبرة أن لندن تسعى “إلى إلقاء مسؤولياتها في مجال اللجوء بالكامل على دولة أحرى، ما يتعارض مع هدف وغرض اتفاقية جنيف لعام 1951 ويتعارض مع التزاماتها ويهدد نظام الحماية الدولية للاجئين”. ومن جهتها نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا للصحفيين (مات داثان وكايا بيرجس) قالا فيه إن قيادة الكنيسة الإنجليزية بأكملها شجبت عملية تسفير المهاجرين إلى رواندا ووصفوها بأنها “سياسة غير أخلاقية تجلب العار لبريطانيا”.
جاء ذلك في رسالة شديدة اللهجة نُشرت في صحيفة “التايمز”، موقعة من أساقفة كانتربري ويورك وجميع كبار الأساقفة الثلاثة وعشرين الآخرين الجالسين بصفتهم الأعضاء الروحيين في مجلس اللوردات، تنص على ما يلي: “سواء غادرت رحلة الترحيل الأولى بريطانيا اليوم متوجهة إلى رواندا أم لا، هذه السياسة يجب أن تخجلنا كأمة”. وتضيف أن “العار هو عارنا، لأن تراثنا المسيحي يجب أن يلهمنا للتعامل مع طالبي اللجوء بالرحمة والإنصاف والعدالة، كما فعلنا منذ قرون”.
ويعتقد القساوسة أن فرص إقلاع الرحلة الأولى للمهاجرين إلى رواندا اليوم “ضئيلة للغاية”، على الرغم من حكم محكمة الاستئناف بأن التسفير قانوني. بهذه المناسبة أستعيد مشاركتي منذ سنوات في مؤتمر أوروبي عربي حول الهجرة غير الشرعية احتضنته مدينة (لاهاي) الهولندية و توجه فيه المشاركون بنداء إلى حكومات دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط يدعو إلى اعتماد “معالجة شاملة وإنسانية” لمعضلة الهجرة غير الشرعية التي تحصد سنويا أرواح آلاف الشبان حيث اقترح نشطاء من المجتمع المدني ومنظمات حقوقية وأكاديميون وإعلاميون شاركوا في مؤتمر حول “الهجرة غير الشرعية” على صناع القرار في الدول الأوروبية ودول جنوب المتوسط، أفكارا وبدائل لمعالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وبرأي المشاركين في أعمال “المؤتمر العربي الأوروبي حول الهجرة غير الشرعية” الذي عقدته مؤسسة المنتدى العربي في هولندا في لاهاي، فإن تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستفحال نتائجها السلبية مسؤولية مشتركة بين حكومات بلدان ضفتي المتوسط. واعتبر خبراء في المؤتمر أن وسائل الإعلام ومؤسسات التوجيه الثقافي والتربوي والمهاجرين في أوروبا ليسوا بمنآى عن المسؤولية فيما يحدث من مآسي إنسانية لضحايا الهجرة غير الشرعية وفي وثيقة أطلق عليها “وثيقة لاهاي حول الهجرة غير الشرعية” صاغ المشاركون في المؤتمر العربي الأوروبي حول الهجرة غير الشرعية اقتراحاتهم في اثني عشر بندا، تتصدرها دعوة إلى إضفاء طابع إنساني على ظاهرة الهجرة غير الشرعية وعدم تغليب البعد الأمني في معالجتها.
وتركزت هذه الدعوة كما يقول الدكتور خالد شوكات، رئيس مؤسسة المنتدى العربي في هولندا، في حوار مع (دويتشه فيله) على حكومات الدول الأوروبية لحثها على مواجهة التحديات والمخاوف الأمنية التي تطرحها الهجرة غير الشرعية من خلال ” المساهمة الفعالة في تنمية متوازنة لبلدان جنوب المتوسط التي تعتبر مصدرا للهجرة غير الشرعية “أمن أوروبا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تنمية واستقرار جوارها”. و قلت أنا في هذا المؤتمربأن “معالجة مشكلة الهجرة يتم عبر القيام بمراجعة جذرية لمفهوم التعاون الدولي المطبق بين دول الشمال والجنوب و أن “مفهوم التعاون المنبثق عن منظومة بريتن وودز التي أرسيت بعد الحرب العالمية الثانية تآكل وشهد اختلالا كبيرا ولم يعد مواكبا للتحولات التي يشهدها العالم”. كما قلت في حوار مع (دويتشه فيله) أن أوروبا بحاجة مستمرة للهجرة داعيا الإتحاد الأوروبي إلى التفكير في “اعتماد مشاريع تعاون طموحة مع دول الجنوب المتوسطي على غرار مشروع مارشال بين الولايات المتحدة وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ومشاريع التعاون بين بلدان شرق آسيا التي حولتها خلال عقدين من الزمن إلى نمور تنموية واقترح المشاركون في مؤتمر لاهاي وضع آليات للمراقبة وضمان شفافية المساعدات التنموية التي تقدمها دول الاتحاد الأوروبي إلى بلدان الجنوب المتوسطي بكيفية تضمن وصولها إلى مستحقيها وخصوصا المناطق التي تعتبر مصدرا أساسيا للهجرة غير الشرعية.