29 ديسمبر 2024

د.أحمد القديدي: صديقي لطفي الخولي

د.أحمد القديدي

بدأت‭ ‬صداقتي‭ ‬الطويلة‭.. ‬وأحيانا‭ ‬الصعبة‭.. ‬ودائما‭ ‬الوفية‭.. ‬مع‭ ‬طيب‭ ‬الذكر‭ ‬المرحوم‭ ‬لطفي‭ ‬الخولي‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬48‭ ‬عاماً‭ , ‬وحين‭ ‬كان‭ ‬لطفي‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬المرحوم‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭. ‬كيف‭ ‬ذلك؟

‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭ ‬أعرف‭ ‬لطفي‭ ‬الخولي‭ ‬معرفة‭ ‬شخصية‭, ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقالاته‭ ‬بمجلة‭ ‬الطليعة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬لقب‭ ‬المجلة‭ ‬التقدمية‭ ‬أو‭ ‬اليسارية‭.. ‬وحين‭ ‬نظمت‭ ‬الجمهورية‭ ‬التونسية‭ ‬المؤتمر‭ ‬الثامن‭ ‬للادباء‭ ‬العرب‭.. ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬التنفيذي‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسيين‭ ‬الذي‭ ‬أنشأناه‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬أسوة‭ ‬بالاتحادات‭ ‬العربية‭ ‬والأوروبية‭.‬

‬وبالطبع‭ ‬استقبلت‭ ‬بلادي‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1973‭ ‬الوفود‭ ‬العربية‭ ‬وتضم‭ ‬أدباء‭ ‬كباراً‭ ‬كنا‭ ‬نعرفهم‭ ‬ونقرأ‭ ‬لهم‭ ‬مثل‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬البياتي‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬والصديق‭ ‬الزميل‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬قطر‭ ‬الاستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬حسام‭ ‬الخطيب‭ ‬ضمن‭ ‬الوفد‭ ‬السوري‭ ‬وجاء‭ ‬الوفد‭ ‬المصري‭ ‬بعمالقة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬آنذاك‭ ‬عزيز‭ ‬أباظة‭ ‬وصالح‭ ‬جودت‭ ‬وأحمد‭ ‬رامي‭ ‬ومدير‭ ‬مجلس‭ ‬الثقافة‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الدسوقي‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬المصري‭ ‬الذي‭ ‬زخر‭ ‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬بأدبهم‭ ‬وشعرهم‭ ‬ومقالاتهم‭..‬‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬الوفد‭ ‬الكويتي‭ ‬وكان‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬نستقبل‭ ‬الوفد‭ ‬المصري‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬حين‭ ‬شهد‭ ‬كوكبة‭ ‬الأدباء‭ ‬الكبار‭ ‬تنزل‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬الطائرة‭ ‬إلتفت‭ ‬إلي‭ ‬وقال‭ ‬مداعباً‭ ‬مازحاً‭: ‬الله‭… ‬ما‭ ‬بقى‭ ‬إلا‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬باشا‭! ‬وحين‭ ‬شرع‭ ‬المؤتمر‭ ‬في‭ ‬أشغاله‭ ‬واجتمعت‭ ‬لجنة‭ ‬سميناها‭ ‬بلجنة‭ ‬مساهمة‭ ‬الأدب‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التقدم‭, ‬أخذت‭ ‬الكلمة‭ ‬بحضور‭ ‬وفد‭ ‬مصر‭ ‬وطالبت‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬لطفي‭ ‬الخولي‭… ‬وثار‭ ‬ضدي‭ ‬الاستاذ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الدسوقي‭ ‬وتقدم‭ ‬الوفد‭ ‬المصري‭ ‬بمذكرة‭ ‬تندد‭ ‬بمداخلتي‭ ‬ووجه‭ ‬الي‭ ‬رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسيين‭ ‬المرحوم‭ ‬محمد‭ ‬مزالي‭  ‬لوماً‭ ‬حازماً‭.! ‬لأنني‭ ‬أمثل‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬للبلد‭ ‬المضيف‭ ‬للمؤتمر‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬ــ‭ ‬حسب‭ ‬رأي‭ ‬بعض‭ ‬زملائي‭ ‬ــ‭ ‬أن‭ ‬أشكك‭ ‬في‭ ‬مصداقية‭ ‬الوفد‭ ‬المصري‭ ‬الكبيرلأني‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬المديرة‭ ‬للإتحاد‭ … ‬وللحقيقة‭ ‬كنت‭ ‬ومازلت‭ ‬من‭ ‬المقدرين‭ ‬لشعراء‭ ‬وأدباء‭ ‬كبار‭ ‬مثل‭ ‬صالح‭ ‬جودت‭ ‬وأحمد‭ ‬رامي‭ ‬رحمهما‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الضمير‭ ‬كان‭ ‬يخزني‭ ‬حين‭ ‬أتذكر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬بأن‭ ‬لطفي‭ ‬الخولي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السجن‭.‬

‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬حين‭ ‬أطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬سراحه‭ ‬والتقينا‭ ‬وجدت‭ ‬لدى‭ ‬لطفي‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬حادثة‭ ‬المؤتمر‭ ‬الثامن‭ ‬للأدباء‭ ‬وعن‭ ‬موقفي‭ (‬الشجاع‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬هو‭) ‬وأصبحنا‭ ‬نلتقي‭ ‬ونتناول‭ ‬العشاء‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬تكررت‭ ‬كثيراً‭ ‬بفضل‭ ‬وجود‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وبفضل‭ ‬صديق‭ ‬مشترك‭ ‬ومثقف‭ ‬تونسي‭ ‬كان‭ ‬موظفا‭ ‬ساميا‭ ‬بجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬الهرقام‭ ‬أحد‭ ‬رواد‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭. ‬

بعدها‭ ‬تعددت‭ ‬لقاءاتنا‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬لمسؤولياته‭ ‬بعداً‭ ‬قوميا‭ ‬عربيا‭ ‬وأن‭ ‬يوظف‭ ‬خبرته‭ ‬واتصالاته‭ ‬وعلاقاته‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭ ‬ويربط‭ ‬بين‭ ‬الجناح‭ ‬المشرقي‭ ‬والجناح‭ ‬المغاربي‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬وأحسب‭ ‬شخصيا‭ ‬أنه‭ ‬وفق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬توفيقاً‭ ‬كبيراً‭ ‬نظراً‭ ‬لشخصيته‭ ‬القوية‭ ‬ودماثة‭ ‬أخلاقه‭ ‬وسعة‭ ‬اطلاعه‭ ‬وامتداد‭ ‬شبكة‭ ‬علاقاته‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬السياسة‭ ‬والثقافة‭.‬

‭ ‬وإن‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬أنساه‭ ‬أبدا‭ ‬للطفي‭ ‬الخولي‭ ‬ــ‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬ــ‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬وفائه‭ ‬في‭ ‬صداقتنا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غادرت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬اواخر‭ ‬العهد‭ ‬البورفيبي‭ ‬واقمت‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1986‭ ‬منفيا‭ ‬ملاخقا‭ ‬من‭ ‬أنتربول‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬رسائل‭ ‬لطفي‭ ‬الخولي‭ ‬ومكالماته‭ ‬الهاتفية‭ ‬تشد‭ ‬من‭ ‬ازري‭ ‬وتخفف‭ ‬معاناة‭ ‬الاجتثاث‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭, ‬وكان‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يغادر‭ ‬المستشفى‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬يأخذ‭ ‬قلمه‭ ‬ويكتب‭ ‬لي‭ ‬بل‭ ‬ويتدخل‭ ‬لدى‭ ‬اصدقائه‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬تحرير‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬الخليجية‭ ‬ليوصي‭ ‬بي‭ ‬خيراً‭. ‬

ولعل‭ ‬آخر‭ ‬حديث‭ ‬لي‭ ‬معه‭ ‬تخلله‭ ‬بعض‭ ‬الخلاف‭ ‬المهذب‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬كوبنهاجن‭ ‬وما‭ ‬عسى‭ ‬تجنيه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬المفتوح‭ ‬وغير‭ ‬المشروط‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يسميهم‭ ‬لطفي‭ ‬الخولي‭ ‬احباء‭ ‬السلام
‭ ‬في‭ ‬اسرائيل‭. ‬

رحمك‭ ‬الله‭ ‬اخاً‭ ‬كريما‭ ‬ًومفكراً‭ ‬وفياً‭ ‬وعربياً‭ ‬حياً‭, ‬ظل‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬الكفاح‭ ‬القومي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭, ‬ورحمك‭ ‬الله‭ ‬صديقاً‭ ‬شخصياً‭ ‬لم‭ ‬يفارقني‭ ‬كأغلبية‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬النعماء‭ ‬والبأساء‭ ‬فوجدته‭ ‬الى‭ ‬جانبي‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الاولى‭ ‬وظل‭ ‬يعضدني‭ ‬ويساعدني‭ ‬ويعينني‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الثانية‭, ‬وهو‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المعدن‭ ‬الاصيل‭ ‬النادر‭ ‬من‭ ‬اهل‭ ‬الفكر‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يحسبون‭ ‬في‭ ‬الصداقات‭ ‬للخسارة‭ ‬والربح‭ ‬ولا‭ ‬يمدون‭ ‬لك‭ ‬يد‭ ‬المصافحة‭ ‬والعون‭ ‬وفي‭ ‬جيوبهم‭ ‬آلة‭ ‬حاسبة‭ ‬أو‭ ‬مقياس‭ ‬غضب‭ ‬ورضى‭ ‬أصحاب‭ ‬السلطة‭ ‬عنك‭ ‬رحمك‭ ‬الله‭ ‬ايها‭ ‬الصديق‭ ‬وجزاك‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬ضميرك‭ ‬وكفاحك‭ ‬الف‭ ‬خير‭ ‬وهو‭ ‬أحكم‭ ‬الحاكمين‭ ‬يعلم‭ ‬ولا‭ ‬نعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.