د.أحمد القديدي: صديقي لطفي الخولي
د.أحمد القديدي
بدأت صداقتي الطويلة.. وأحيانا الصعبة.. ودائما الوفية.. مع طيب الذكر المرحوم لطفي الخولي عام 1973 وفي شهر مارس أي منذ 48 عاماً , وحين كان لطفي في سجن الرئيس الراحل المرحوم محمد أنور السادات. كيف ذلك؟
لم أكن في ذلك العهد أعرف لطفي الخولي معرفة شخصية, إلا من خلال مقالاته بمجلة الطليعة التي كنا نطلق عليها لقب المجلة التقدمية أو اليسارية.. وحين نظمت الجمهورية التونسية المؤتمر الثامن للادباء العرب.. كنت أنا عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب التونسيين الذي أنشأناه عام 1970 لأول مرة في المغرب العربي أسوة بالاتحادات العربية والأوروبية.
وبالطبع استقبلت بلادي تونس في مارس 1973 الوفود العربية وتضم أدباء كباراً كنا نعرفهم ونقرأ لهم مثل عبد الوهاب البياتي من العراق والصديق الزميل في جامعة قطر الاستاذ الدكتور حسام الخطيب ضمن الوفد السوري وجاء الوفد المصري بعمالقة الأدب العربي آنذاك عزيز أباظة وصالح جودت وأحمد رامي ومدير مجلس الثقافة عبدالعزيز الدسوقي وهم من الجيل المصري الذي زخر القرن العشرون بأدبهم وشعرهم ومقالاتهم.. الى درجة أن أحد أعضاء الوفد الكويتي وكان معي في المطار نستقبل الوفد المصري فإذا به حين شهد كوكبة الأدباء الكبار تنزل من سلم الطائرة إلتفت إلي وقال مداعباً مازحاً: الله… ما بقى إلا أحمد شوقي باشا! وحين شرع المؤتمر في أشغاله واجتمعت لجنة سميناها بلجنة مساهمة الأدب في عملية التقدم, أخذت الكلمة بحضور وفد مصر وطالبت بإطلاق سراح لطفي الخولي… وثار ضدي الاستاذ عبدالعزيز الدسوقي وتقدم الوفد المصري بمذكرة تندد بمداخلتي ووجه الي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين المرحوم محمد مزالي لوماً حازماً.! لأنني أمثل اتحاد الكتاب للبلد المضيف للمؤتمر ولا يجوز ــ حسب رأي بعض زملائي ــ أن أشكك في مصداقية الوفد المصري الكبيرلأني عضو في الهيئة المديرة للإتحاد … وللحقيقة كنت ومازلت من المقدرين لشعراء وأدباء كبار مثل صالح جودت وأحمد رامي رحمهما الله إلا أن الضمير كان يخزني حين أتذكر في ذلك الحين بأن لطفي الخولي كان في السجن.
وبعد سنوات قليلة حين أطلق الرئيس السادات سراحه والتقينا وجدت لدى لطفي فكرة عن حادثة المؤتمر الثامن للأدباء وعن موقفي (الشجاع كما وصفه هو) وأصبحنا نلتقي ونتناول العشاء مع بعضنا في مناسبات تكررت كثيراً بفضل وجود جامعة الدول العربية لسنوات طويلة في تونس وبفضل صديق مشترك ومثقف تونسي كان موظفا ساميا بجامعة الدول العربية هو الأستاذ أحمد الهرقام أحد رواد القصة القصيرة.
بعدها تعددت لقاءاتنا لأنه كان يريد أن يعطي لمسؤولياته بعداً قوميا عربيا وأن يوظف خبرته واتصالاته وعلاقاته في مجال الفكر القومي ويربط بين الجناح المشرقي والجناح المغاربي للعالم العربي وأحسب شخصيا أنه وفق في ذلك توفيقاً كبيراً نظراً لشخصيته القوية ودماثة أخلاقه وسعة اطلاعه وامتداد شبكة علاقاته العربية في مجالي السياسة والثقافة.
وإن الذي لن أنساه أبدا للطفي الخولي ــ على الصعيد الشخصي ــ هو استمرار وفائه في صداقتنا بعد أن غادرت تونس في ظروف اواخر العهد البورفيبي واقمت في باريس منذ العام 1986 منفيا ملاخقا من أنتربول فقد كانت رسائل لطفي الخولي ومكالماته الهاتفية تشد من ازري وتخفف معاناة الاجتثاث عن الوطن, وكان حتى وهو يغادر المستشفى بعد عملية جراحية في القلب يأخذ قلمه ويكتب لي بل ويتدخل لدى اصدقائه من رؤساء تحرير بعض الصحف الخليجية ليوصي بي خيراً.
ولعل آخر حديث لي معه تخلله بعض الخلاف المهذب حول مشروع كوبنهاجن وما عسى تجنيه القضية الفلسطينية من الحوار المفتوح وغير المشروط مع من يسميهم لطفي الخولي احباء السلام
في اسرائيل.
رحمك الله اخاً كريما ًومفكراً وفياً وعربياً حياً, ظل في صف الكفاح القومي الديمقراطي على مدى نصف قرن, ورحمك الله صديقاً شخصياً لم يفارقني كأغلبية الناس في النعماء والبأساء فوجدته الى جانبي حين كنت في الاولى وظل يعضدني ويساعدني ويعينني حين كنت في الثانية, وهو من ذلك المعدن الاصيل النادر من اهل الفكر الذين لا يحسبون في الصداقات للخسارة والربح ولا يمدون لك يد المصافحة والعون وفي جيوبهم آلة حاسبة أو مقياس غضب ورضى أصحاب السلطة عنك رحمك الله ايها الصديق وجزاك الله عن ضميرك وكفاحك الف خير وهو أحكم الحاكمين يعلم ولا نعلم.